|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء  17 / 12 / 2013                               موسى فرج                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

سأرشح للانتخابات...

موسى فرج

من بين المفاهيم اللافتة في الريف العراقي هذا التمسك الزائد والمبالغ فيه بالكرامة الشخصية.. (طبعاً أحجي عن أيام زمان هسا ألشغله تاهت ..) فمثلا : الرسوب في الامتحانات المدرسية يمكن أن يعبر عنه بمفردات عديدة من قبيل : رسوب ، إخفاق ، فشل ، تعثر ، تلكؤ ، نكوص .. لكنهم لا يستخدمون أي من تلك التعابير بل يسمونه .. سقوط .. والتلميذ من أبناءهم لو حصل ورسب في الامتحان المدرسي فإنهم لا يقولون عنه راسب بل يقولون عنه ساقط ..!.

وتبعاً لذلك فانه يمكن تصنيف التلاميذ من أبنائهم إلى فئتين ، فئة تستمرئ الحال ولا تتحرك صابونة الركبة عندها حتى لو سقطت عليها بلوكة وهي فئة محظوظة لكنها قليلة.. والفئة الأخرى وهي الأكبر لو أن ذبابة حطت على الركبة فان صابونتها تبدأ بالتقافز مثل آلة قياس الفولتيه.. الواحد من هذه الفئة لو حصل ورسب فان أول شيء يفكر فيه هو (الشط) لينهي حياته ويأخذ معه عار السقوط ..

أنا ولسوء الحظ أنتمي إلى هذه الفئة الأخيرة حتى أني أجريت لي عملية جراحية في مستشفى النعمان في الأعظمية وكنت في الثالث المتوسط فقطعت فترة علاجي والتحقت بالمدرسة وجرحي ينز دماً.. فخراب العملية أهون من الشط..!.

والسقوط لا ينحصر في الامتحانات المدرسية فقط إنما في كل الأمور ذات المساس المباشر بالذات الشخصية فان حصل وخطبت واحدة للزواج ورفضتك لأسبابها التي قد تكون وجيهة عُد ذلك سقوطاً إلا أن تأتي أمها وتحلف في حضرتك بأنها كانت صديقة أمك وأنها وأمك كانتا تتبادلانكما فحصل إن أرضعتك وبالتالي فأنتما اخوين بالرضاعة ولا يحل زواجكما.. في هذه الحالة لا يتعلق الأمر بوجود لوله (شائبة) في شخصك وهو ما يخفف وطأة الهزيمة فتتحول إلى نكسة كما في لسان العرب..

في الانتخابات أيضا إن لم تحصل على أصوات لتفوز كان ذلك سقوط وتداريه باتهام مفوضية الانتخابات بالتزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات أو تصب جام غضبك على المحكمة الاتحادية فتستحدث لك مفهوم للكتلة الفائزة يحقق لك الفوز .. هذا إذا كنت من رؤساء الكتل أما إذا كنت مثلي ليس من أرباب الأطيان فان علاج السقوط في الانتخابات هو الشط أو في أحسن الأحوال الانكفاء على نفسك والاعتكاف في البيت لا تكلم الناس ثلاثاً ( أقصد سنوات وليس ليالٍ ).

في انتخابات عام 2010 نويت على الترشيح للانتخابات فكان يتنازعني أمران :

ـ الرعب من السقوط ..

ـ والتمسك بثوابتي..

فاحتطت للأمر مقدماً .. فقد نشرت مقالة عصماء تحت عنوان : (سأرشح ولا أفوز..) بينت فيها أن الأطراف القابضة على السلطة ستستغل عواطف الناس المذهبية والعرقية وتستخدم المال السياسي بإفراط وستستعين بالعشائرية ولن تفسح مجالاً للعناصر الديمقراطية في الوصول إلى مجلس النواب يساعدها في ذلك ضعف وتدني الوعي الجمعي عند الناس وبالتالي فان حظوظنا نحن الوطنيون في الفوز محدودة جداً ولن أفوز في الانتخابات ولكن إن حصل هذا وكَبت الكَنارة لاحقا وصاحت الناس منهم الداد فاني سأحرك أداة البحث في الفضائيات أبحث عن أغنية لنجوى كرم بدلا من متابعة الولولة والصياح من أناس تنصحهم بمغادرة هؤلاء الفاسدين لكنهم يصرون على انتخابهم وبعد ذلك يصيحون : أما من ناصر ينصرنا..!

هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى : (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ...). . وكتبت على ظهر صورتي التي قدمتها للقائمة التي ترشحت معها العبارة التالية : (عندما أرشح مع أية قائمة فإنما أسعى إلى الفوز ولكن معكم يكفي أن أصطف مع عراقيين وطنيين عقولهم في منأى عن الطائفية وأيديهم نظيفة من الفساد ..).

ومع ذلك عندما ظهرت النتائج ولم يكن اسمي من بين الأسماء الفائزة شعرت بكم هائل من الفشلة وراودتني نفسي أن أعالج الأمر بالتوجه إلى الشط اتساقاً مع ما تربيت عليه في الموقف من السقوط..! لكن الفضل في بقائي على قيد الحياة كي اشهد الانتخابات القادمة يعود إلى السيدة المحترمة الخنساء فعندما أعدت قراءة قوائم الفائزين مجددا ولم أجد من بينهم أي من رفاق السلاح الذين رشحوا في قائمتنا العتيدة بمن فيهم قيادة القائمة.. تمثلت لي الخنساء وهي تندب صخراً وتقول:

ولولا كثرة الباكين حولي ..على أخوانهم لقتلت نفسي..

وبذلك انتفى المسوغ القانوني أو السياسي لتوجهي للشط .. فالكل ساقطون في الانتخابات .. وقد يحصل عند اختلال قوانين الجاذبية أن يكون السقوط للأعلى .. مو بعيدة..

ألسنه راح أرشح للانتخابات والمجازفة ستكون بالطبع أخطر بالنسبة لي .. ففي المرة السابقة رشحت في بغداد وفي بغداد يقولون : إخفاق .. فشل .. كبوه .. نكسه.. تعثر.. رسوب.. ولكن لا يقولون سقوط .. في محافظتي يسمونها سقوط حاف ...

ومع إقدامي على هذه الخطوة الخطيرة فانه يتعين عليّ التحضير لها جيداً .. وفي مقدمة ذلك أخراج موضوع عدم الحصول على أصوات في الانتخابات من قائمة الأفعال المشمولة بالسقوط وبالتالي سحب المسوغات الداعية للتوجه للشط .. خصوصا وان السقوط لم يعد كما كان في الماضي هو الخط الأحمر الوحيد ، فقد تناسلت الخطوط الحمر إلى الحد الذي بات فيه من السهولة بمكان بحيث أن الواحد بات بإمكانه كلما رفع زره يصيح خط أحمر.. وتاهت ألشغله..

الخطوة الثانية أن أصدر تصريحاً مضمونه الآتي :

شوفوا أخوان : آنا راح أرشح وأدري ما أحصّل على أصوات كافيه لكني أقول لكم مقدما :

ـ وداعتكم : عضوية مجلس النواب لا راح تزيد جيبي دينار ولا راح تزيد مقداري نينيه .. فانا لم اسع للدنانير ، ومقداري بنيته من دون تلك العضويه .. وحصولي على الأصوات يفرحني في جانب واحد وهو أن الوعي الجمعي للناس قد ارتقى درجه وبات مشجعاً .. وعدم حصولي عليها لا يسيئني إلا في جانب واحد هو أن الوعي الجمعي للناس لا زال متخبطاً ويلزمه كي يتحسن زمن ليس بالقليل.. .

ـ وداعتكم .. لا راح أنافق هذا من أجل صوته ولا راح أتملق ذاك كي يختارني .. وما اشتري أصوات حتى وان كان الصوت بدينارِ.. ولا راح أوكَف أباب واحد وأكَله فدوه أنتخبني..

ـ وداعتكم .. بإمكاني ضمان الحصول على أصوات كافيه لو رشحت مع قوائم أخرى سعت إليَّ دون أن أسعى إليها .. ولكني لم أجد فيها ثوابتي وأنا لم أُرشح إلا تأكيداً لتمسكي بثوابتي وتمسكاً بثوابتي اخترت القائمة التي تنتهي بي إلى الشط ..

لكني لن أذهب إلى الشط فعدم الحصول على أصوات لم يعد من الأفعال المشمولة بتعريف السقوط طبقا لبيانات منظمة الشفافية الدوليه..

ـ وداعتكم أخوان .. ثوابتي هي ثوابتكم بسيطه ومبينه : كرامة الوطن ، حقوق الشعب ، مواجهة الفساد .. ومو بس هاي .. لا تحكمني أحزاب ولا أخضع لغير مصلحة الشعب.. وإذا كَلتوا فلان بالمحافظه أكثر منك نزاهه وشجاعه ، والله أروح عليه وأسلمه المبلغ المخصص لحملتي الانتخابيه بلكَي يعينه بحملته الانتخابيه من باب التضامن .. غير هذا الحجي .. والله آنا فائز سواء رشحت للانتخابات أم لم أَرشح وسواء حصلت على فركَون أصوات أم مجرد استكان وما أروح للشط إلا للتمتع بمنظره المهيب ...

على الصعيد العام هذه ثوابتي أما على صعيد المحافظه فتعالوا معي كي تروا بأم أعينكم :

ـ صديقه الملايه تغني على محافظتكم وتكَول : خذني وطير بيه للسماوه وحطني بكَاع ما بيها نداوه.. تمام ..؟ لو آنا غلطان..؟.

ـ وناصر حكيم يغني على محافظتكم ويكَول : ناصر حكيم يكَول حلوه السماوه..

ـ وحسين نعمه يغني على محافظتكم ويكَول : نخل السماوه يكَول طرتني سمره..

ـ ومحافظتكم بيها أوروك وكلكامش والسموءل والمتنبي عاش في باديتها وإبراهيم الخليل احتمال تكون مسقط رأسه وثورة العشرين بدأت منها .. وواقع محافظتكم اليوم هو هذا: .

1. منذ 10 سنوات لم يذكر اسم المثنى في قاعة مجلس النواب قط ..

2. منذ 10 سنوات والمثنى تحتل المترتبة الأولى بين المحافظات في الفقر..

3. منذ 10 سنوات والمثنى تقبع في ذيل قائمة المحافظات في التنمية والأعمار والخدمات. .

4. ومنذ 10 سنوات وقد جعلوا من المثنى قُربة يتقربون بها إلى أحزابهم..

إذا آنا بمجلس النواب .. هاي القَط تستمر..؟ لا والله يابه .. أشيللكم القَط بأول شهر..

إذا آنا بمجلس النواب ..أسكت عن الفقر..؟ لا والله يابه .. حرام أسكَمهم سكَم..

إذا آنا بمجلس النواب .. أقبل بالذيل ..؟ لا والله يابه .. 24 ساعه رافع لافتة : وتصغر في عين الكبير الكبائرُ... .

إذا آنا بمجلس النواب .. أصير قُربةً..؟ لا والله يابه.. قربه بعينه وعين الخلفه اللي يسوي من المثنى قُربةً..

وبعدين أكو شغله مهمه.. ما عندي لا أعراض جانبيه ولا أمراض مستعصيه ويجي واحد يكَول هذا رّشح حتى يعالج بلاعيمه بأموال الشعب ..

طبعاً هذا مو ترويج انتخابي .. وإنما تبصير لمن ينوي للترشيح كي لا يضع موضوع التوجه للشط في حال عدم حصوله على أصوات خياره الأول ، فالانتخابات مثل الطوبه فيها الفائز وفيها الخسران والخسارة لا تعني سقوط ..

وفي نفس الوقت كي يكون أمام الناخب معايير يمكن أن تساعده في بناء خياراته .. انتخبوا من تتوفر فيه تلك المعايير .. وهم كثر .. ولكن أن تلزموا بيوتكم أو تفرطوا بأصواتكم وبعد ذلك تلعنون الظلام ..؟ هذا لا يجوز...

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter