موسى فرج
المسيحيون لم يعودوا في منأى عن الطائفية أيضا ..!
موسى فرج
الديانة المسيحية شأنها شأن بقية الديانات انشقت عنها وتفرعت منها العديد من المذاهب والفرق خلال مسيرتها التي دخلت قبل أيام السنة الثانية عشر بعد الألفين وهو أمر ليس بغريب أو مستغرب .. فالاجتهادات تختلف والتطبيقات تتباين باختلاف البيئات والأزمنة.. لكننا في العراق لم نعرف الكلداني والآشوري والسرياني والأرمني إلا تحت مسمى واحد هو : عراقي مسيحي .. ولم نألفه إلا ذلك العراقي المنفتح المتسامح المسالم النير التقدمي .. لم نعرف المسيحي العراقي غير ذلك المتحضر النظيف.. جسدا وعقلا , تعاملا وسلوكا , بيتا ومنطقا ..
هذا ما عرفناه عن المسيحي العراقي ورغم الدرن الذي اغرق أذهان الغالبية الشعبية من ترهات لم يأتي الله بها من سلطان تزعم بان المسيحيين في العراق مجرد أقوام غريبة عن البيئة العراقية والعربية عموما وأنها وفدت مع الغزو الأوربي والحملات الصليبية لكن حتى تلك الأوساط الفقيرة والأمية لم تنظر إلى المسيحيين نظرة الريبة والتوجس ومرد ذلك .. هي تلك السجايا الراقية التي اتصف بها المسيحيون في العراق الأمر الذي جعل منهم الأقرب إلى الوجدان العراقي بل إلى شغاف القلوب ..
وبعد إن تطور الوعي الشعبي في العراق وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وعرفت شريحة واسعة من العراقيين أن أولائك الأشقاء ليسوا إلا سكان العراق الأصليين وأنهم بناة حضارة العراق الأولى فكان ذلك إن زاد تلك الأوساط ـ إلا من في قلبه مرض ـ التصاقا باشقائهم واحتضانا لهم وشعورهم بالغصة والمرارة من جراء ما أصاب أشقاءهم من قتل واعتداء , وشعورهم بالخسارة الفادحة من جراء مغادرة أعداد من أشقاءهم لوطنهم ..
ورغم استشراء الفكر الظلامي التكفيري المنفلت عقاله من دياجير التخلف والتعصب والذي يبيح دماء الجميع من غير تمييز .. والذي انزلق في مستنقعه الكثيرون وبات المسيحيون وكنائسهم وأماكن عبادتهم من الأهداف التي تحتل الأسبقية في خطط ذئاب القتل والتفجير فان عرى الأخوة تمتنت وقويت بصورة أكبر مما كانت عليه بين العراقيين من أديان وطوائف أخرى وبين أشقائهم من معتنقي الديانة المسيحية ..لكن الملفت للنظر والمؤلم في نفس الوقت أن أصوات مسيحية تنطلق من هنا وهناك خلال السنوات الأخيرة ومعظمها تصدر من عراقيين مسيحيين في الخارج تشكو التهميش الذي تواجهه أعداد من المسيحيين يمارس ضدهم من قبل مسيحيين عراقيين آخرين .. والمؤلم حقا أن يكون الباعث في ذلك انه بدواعي قومية وطائفية بين الكلدان والآشوريين .. وشكاوى البعض من أن أطراف سياسيه وخصوصا في إقليم كردستان بتجاهل بعضهم أو غمط هويته .. ومن بين ذلك ما أثير من اعتراضات على نصوص في دستور إقليم كردستان.
لكن ذروة ما وصل إليه الخلاف هو ما أعلنه الكاردينال دلي في بيانه الصادر أمس والذي أعلن بمقتضاه أن عضو مجلس النواب يونادم كنه لا يمثل المسيحيين العراقيين إنما يمثل شخصه وحزبه وانه حاول أن يهّمش ويغمط حق ومكانة المسيحيين من طوائف أخرى .
إن التفكير المنطقي والسليم لا يلغي الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي للناس إنما يجعل من المواطنة فوق تلك المسميات وجامعة لها .. فقط لا غير .. ولذلك فإننا وفي الوقت الذي نعبر عن مشاعرنا بوصفنا مواطنين عراقيين ليس أكثر ولسنا حكاما أو ساسه فإننا نتضرع صادقين أن يبعد التعصب والبغضاء عن ضمائر أشقائنا المسيحيين وان يحبوا بعضهم ويحبوا أشقاءهم من فقراء وبسطاء بلدهم وان يبعد عنهم رجس الطائفية الذي تسبب في هذا الكم الهائل من الدمار والقتل والويلات والذي أمعن فيهم أكثر من غيرهم من أبناء هذا الشعب.. كنا نسمع عن خليل كنه مدير الأمن في عهد نوري سعيد لكننا كنا لا نستوعب حالة أن يكون مسيحيا بل كنا نطلق عليه تسمية احد أركان نظام حكم نوري سعيد .. وكنا نرفض أن نضعه في خانة المسيحيين حرصا على صورة المسيحيين في وجداننا.. وكنا نعرف طارق عزيز وغرقه في العنجهية البعثية لكننا كنا نرفض أيضا أن نصفه بغير البعثي ونجرده لا إراديا عن صفة المسيحي ..
إننا نتضرع إلى الله تعالى أن يعيد للمسيحيين العراقيين ألقهم وريادتهم في التسامح والمحبة والسلام .. نحن نحتاج المثل والقدوة في هذا الزمن الجدب وفي هذه الظروف الغارقة في العتمة .. وعشمنا أن نجد ضالتنا في أشقائنا من المسيحيين .. وأرجو أن لا يخيبوا الظن أيضا .. بعد إن سبقهم إليه آخرون منا فأغرقونا بالدم والقتل والعذاب .. لأنهم يفهمون الحكم على انه استحقاق تاريخي أو عددي, وامتياز سلطوي في حين أن الحكم وفي مختلف مواقع هرمه مجرد خدمه الناس ...
تحية لمواطنينا وأشقائنا من المسيحيين كلدانا وآشوريون وسريان وأرمن وتحت أي مسمى كانوا ...