| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الثلاثاء 15 / 3 / 2022 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
وجدانيات...
ح2: المكتبة المهانه...موسى فرج *
(موقع الناس)قبل ثلاثة أيام نشر صديقي الفاضل نضال موسى جعفر هذه الصورة وكتب تحتها الآتي: "تم تقسيم الأموال والعقارات على الورثة ، وبقيت المكتبة في البيت القديم ، لا يهتم بها أحد .. فقام المالك الجديد بالتخلّص منها بإلقائها في الشارع !!رحم الله مالكها الأصلي وهذا قدرها من بعدك..." !
لحظتها عجزت أصابعي عن كتابة أي تعليق واكتفيت بوضع علامة "حزين" تحت المنشور فقد اجتاحني مزيج من الشعور بالغضب والحزن والخيبة والاشمئزاز ...
عدت للمرة الرابعة للمنشور فوجدت أن معظم ، إن لم يكن كل السادة الذي علقوا عليه ، انما ينصب أسفهم وتوجعهم على الكتب واهراقها بهذا الشكل باعتبار ان ذلك يشكل هدراً للأموال وكان من الممكن قيام الورثة ببيعها بنصف الثمن لأية مكتبه، وباعتبار إن هذا الفعل يشكل هدراً لثروة معرفية واهانة للفكر والعلم وكان من الممكن التبرع بها الى أية جهة معرفية أو المنظمات والناشطين في مجال "أنا أقرأ..."، وطبعاً مع احترامي لكل التعليقات واصحابها إلا ان اهتمامي كان في وادٍ آخر...
أحد المعلقين كتب يقول: "يعني المرحوم كل هاااي الكتب وطلّع هاااي الخلفة...؟، العتب على المرحوم مو على الاولاد...!". فأزاد طيني بلّه...
بعدها بسويعات خابرت صديقي القاضي المتقاعد ابو أحمد وهو من أفضل قضاة العراق في حقبة ما بعد 2003... ذكرت له موضوع المنشور والمكتبه والهجمة الأخلاقية المرتدة في زماننا ودار الحوار التالي بيننا:
أنا: أبو أحمد آنا موضوع الكتب كقيمه ماليه مليونين ثلاثه مو مشكله وحتى القيمه المعرفيه للكتب مو مهم بالنسبة لي فالسوق حالياً مليان كتب واذا كتب أبوهم متعجبهم المكتبات تغص بالكتب وحتى من خلال التسوق الإلكتروني متوفره واذا هم اصلاً ميهتمون بالمعرفه فهذا شأنهم ولا اعتراض على ذلك، لكن آنا سامع إن بعض الأقوام اعتقدوا انهم وجدوا حافر الحمار الذي كان يركبه السيد المسيح فابتنوا على الحافر كنيسة وباتت مزاراً... ليش هذولا الأبناء ما اعتبروا كتب ومقتنيات ابوهم حافر زمال للأبوّه ويحترموها ما لازم يقدسونها... أشو الأب بعده ينشّغ يلفوه ببطانيه وكَبل للطب العدلي يطلعون شهادة وفاة ما يخلوه ولا ليله وحده لإلقاء النظره الأخيرة عليه تحت شعار: اكرام الميت دفنه...!
وبمجرد ما يرجعون من الدفن يتوجهون لإنجاز شغلتين على وجه السرعه ..
الأولى: التخلص من مقتنياته الما تجيب فلوس بالسوكَ خصوصاً الملابس والمقتنيات الشخصيه لشطب ذكراه وليس لما يدّعونه زوراً طلباً للثواب للميت والا لو كانوا صادقين بطلب الثواب لأبيهم حقيقة لتبرعوا بفلوسه، بسيارته ، ببيته... حتى يكون الثواب أكبر وفقاً لقاعدة الثواب على قدر المشقه ليش يروحون لملابسه وصوره...؟
والثانيه: ينتظرون الصبح شوكت يصبّح حتى تلكَيهم يتلبكَون بالمحكمة يسوون القسام الشرعي...! حتى ان أحد اصدقائي يكَول حطيت صورة العباس ووكَفتهم بالسرا وحلفتهم بالعباس ابو راس الحار كون ما يوقعون على بيع البيت بحياتهم أما أبناءهم فبراحتهم يبيعوه يخلوه... وفعلاً حلفوا لكنهم والكلام ما زال لصديقي لا شأن لهم بالقيم الأخلاقية التي تحترم مكانة الأب وتلزمهم بما قطعوه على انفسهم له من وعد وانما يدينون بالمنظومة الدينية وهذه أمر التجاوز عليها سهل فمجرد كفاره بدراهم معدودات يتنصلون مما ألزموا به انفسهم...
أبو احمد: مع ان الصورة مؤلمه لكنها غيض من فيض فقد صادفت بعض الممارسات أثناء عملي في المحكمة مما لا يشيب لها الرأس فحسب ولكن يندى لها الجبين...
وأضاف: أنت ترى انه لا يمر أسبوع دون قراءة خبر في وسائل الأعلام عن شخص قتل والده أو زوجة قتلت زوجها إن بالسم أو تقطيع أوصاله عدا عن تلك الأفعال التي لا يؤبه بها كثيراً مثل رمي الأم أو الأب للشارع أو احتيال الزوجات على الأزواج وسلب عقاراتهم أو أموالهم...
أنا: ابو احمد أنت سامع طبعاً بقضية صراع الأجيال والتي تعني عدم تقبل الأبناء لأفكار الآباء ودائما يشار الى كلام منسوب للإمام علي وبعضهم ينسبه لسقراط أو افلاطون والذي مفاده "لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"... يابه احنا بوكتنا همين شاكسنا أبهاتنا بس اولاً : ابهاتنا كان معظمهم أميين واحنا متعلمين وما نختلف عليه معهم ناجم عن تقدم جيلنا عن جيلهم فكرياً هسا هذولا خيرهم ما قاري كتابين وابهاتهم بعضهم انسكلوبيديا متنقله وابهاتهم يناقشون الماورائيات وهم قدوتهم حميد المهاجر وعلي الشيباني فأين هي الأفضلية الفكريه التي يبزون بها آباءهم...؟
ثانياً: وتأسيساً على ذلك فإن قضية صراع الأجيال بالعراق بالذات وفي زماننا هذا بالذات باتت مجرد خرافه ...؟ لأنه حاشى للإمام علي أن يقول بخروج الأبناء على الثوابت الأخلاقية من الصدق والأمانة والبر والشرف والاستقامة لمجرد ان آباءهم يتمسكون بها وانهم خلقوا لزمان غير زمان آباءهم إنما قصد بقوله تلك المستجدات السلوكية الفرعية والهامشية فأنا لا اعترض على قصة شعر أبني مع أني امتعض منها ولا على بنطرونه اذا كان چارلس أو بوري وحتى لو كان برمودا ومال يدخن لو يشرب بيره أمور تخصه... شكل علاقته برب العالمين مو اختصاصي متبنياته الفكرية والسلوكية بشرط ان لا تشكل عدواناً على الآخرين ما عندي عليها أي اعتراض ...
بس آنا اعترض عليه اذا كان ينطبق عليه مفهوم "الإنسان النصف" الذي جاء به المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي والانسان النصف هو: ”الإنسان الشديد الإلحاح بطلب حقوقه ولكنه لا يقوم بالحد الأدنى من واجباته ولا يتحلى بالمتاح من الثقافة المتوفرة بين يديه... ! يذهب للمدرسة ليمضي الساعات فقط وهمه الأكبر الحصول على تلخيص أستاذه أو المادة المطلوبة للامتحان دون أن يكون هدفه التعلم! يذهب للعمل ويقضي ساعاته بأي طريقة المهم بالنهاية أن ينقضي الوقت و يعود لحياته ويحصل على معاشه! لا يدرس كطالب ولا يعمل كموظف و لا يبدع في معمل و لا يبتكر في متجر ولا ينجز في مشروع! هو باستمرار إنسان النصف .. يطالب بحقوقه ولا يقوم بواجباته. “.
وأضيف أنا الى أبن نبي الآتي:
"الانسان النصف" يريد منك تزوجه وتزوجه والبيت ينترس جهال ويتحمل الأب معيشة المحروس وجهاله وأمهم بطيبة خاطر لكن المحروس من يطلع من الباب ويشوف قنينة غاز مليانه بالباب ميدخلها ينتظر من الأب أو الأم أو الزوجه القيام بذلك...!
"الانسان النصف" توكَف وياه بكل شرف وترعاه صغيراً وصبياً وشاباً وتمده بأسباب النهوض كبيراً دون ان تنتظر منه أن ينفق عليك ولا تسأله عن ذلك أجرا انما المودة بالقربى فقط وهذه تعني احترامك في قوتك والقيام بواجبات البنوة في مرضك ينقلك للطبيب مثلاً أو يجلب لك الدواء من الصيدلية بفلوسك... لكن الانسان النصف يواجه هذا العطاء بركلك بقدميه القذرتين ويهاجر للنرويج أو الدنمارك لمجرد نزوه ودون ان تكون لفعله مبررات ملجئه مثلما كنا نعانيه قبل 2003 من قهر السلطه أو تكرار الاستدعاء للعسكريه وحتى دون أن يهيئ اسباب النجاح في هجرته فالذي كان يستنكف من ادخال قنينة الغاز في بيت ابيه تجده ينظف مداخن المنازل في الغربه ... أنا لا اتكلم عن الناجحين الذين يوظفون ما يجدونه متوفراً من بيئة في بلاد الغربه فيصنعون من أنفسهم شيئاً...
هذا الانسان النصف قد يفشل ولا يتحمل متطلبات الغربة فيعود اليك وهو الذي هجرك ليطالب بكل شيء لكن دون أن يقدم شيء وهنا أيضاً لا أقصد الجانب المالي انما فقط موجبات البنوه من احترام وما في حكمه... كلاهما العائد فاشلاً والباقي ينظف مداخن المنازل في الغربة ينتظران بنفاذ صبر رحيلك حتى يسوون شغلتين: يتلبكَون ثاني يوم بالمحكمه يسوون قسام شرعي لما يمكن مقايضته بالفلوس مما ابقيته لهم والتخلص بأسرع وقت مما خلفته من ملابس وصور ومقتنيات لا تجلب كمية كافية من الفلوس لكن كل واحدة منها أثمن ألف مره من حافر حمار المسيح...
ولو قيض لك العودة من وادي السلام ولو ساعة نزول كتلك التي يمنحونها في الجيش لوجدت مكتبتك مهانة مثل تلك التي في الصوره التي نشرها صديقي نضال موسى جعفر وكتبك ومقتنياتك وكل ما كنت تعتز به تعبث بها البزازين في كومة النفايات... أفإن واجهت الهجمة الأخلاقية المرتدة بما يليق برجولتك تلام على ذلك وتعنفُ...؟؟؟
انا لن اسمح بذلك البته.....
أما عن هذا اللي معلق على الصوره بقوله: "يعني المرحوم كل هاااي الكتب وطلّع هاااي الخلفة...؟، العتب على المرحوم مو على الاولاد...!". فـ خل يحصل بعد الموت على نزول لساعه ويشوف فانيلته بيا مزبله صارت....
* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).