| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الخميس 13 / 2 / 2020 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
من يجرؤ ليقضي بين أشياخ القضاء العراقي...؟
موسى فرج *
(موقع الناس)منذ أشهر والخلاف مستعر بين أكبر رأسين في السلطة القضائية في العراق أعني رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية حتى ان رئيس مجلس القضاء الأعلى وصف بكتابه الموجه الى رئيس الجمهورية بتاريخ 23/ 1/ 2020 رئيس المحكمة الاتحادية بـ"اتخاذ قرارات شخصية ومخالفة الدستور والتجاوز تكراراً على الدستور والقانون والسعي لسلب مجلس القضاء صلاحياته"..
تفجر هذا الخلاف بعد إن رشح رئيس المحكمة الاتحادية أحد القضاة المتقاعدين لعضوية قضاة المحكمة الاتحادية وصدر مرسوم جمهوري بتعيينه... في حين يرى السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى أن الترشيح لعضوية المحكمة الاتحادية يجب ان يكون من خلال مجلس القضاء الأعلى وليس من قبل المحكمة الاتحادية لأن المادة 91/ثانياً من الدستور تقول إن مجلس القضاء الأعلى هو من يرشح رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية وعرضها على مجلس النواب للموافقة عليهم وما دام تعيين القاضي المذكور مخالف للدستور ولأن قانون المحكمة الاتحادية يقول بأن جلساتها تكون بكامل أعضاءها بالتالي فإن عدم دستورية تعيين أحد أعضاءها يخل بتحقق شرط اكتمال أعضاءها والذي يجعل من قرارتها معدومة وغير قانونية وغير دستورية ..
ولم يكتف رئيس مجلس القضاء بعرض الموضوع على رئيس الجمهورية بل وبادر في نفس الكتاب بالتعميم على كافة المحاكم بعدم التعامل مع قرارات المحكمة الاتحادية التي تصدر بمشاركة العضو المشار اليه في حين ان حضوره حتمي لأن جلساتها ما لم تكن بكامل أعضاءها التسعه - وهو من ضمنهم - غير قانونيه.
رئيس مجلس القضاء الأعلى نبه أيضاً رئيس الجمهورية الى ان نتائج الانتخابات القادمة لن تكون دستورية لعدم وجود محكمة اتحادية مكتملة النصاب تصادق على نتائجها بحسب الدستور.
طبعاً للسيد رئيس المحكمة الاتحادية مبرراته أيضاً ولكن من بينها أنه ضمَّن قرار المحكمة الاتحادية المرقم 38/ اتحادية/ 2019 عبارة تقول: "واشعار مجلس النواب لتشريع مادة بديلة لها ضمن قانون المحكمة الاتحادية المنظور..." لكن لا مجلس النواب أنجز المنظور ولا السيد المحمود اسعفته درايته القانونية وممارسته للمهنة منذ عام 1959 لينتظر تحول المنظور الى سمسم، فوقع في المحظور.
كلمة لابد من الإشارة إليها: المشكلة بالقضاء أن الاعتراض على قرارته من قبل العامة لا يكون الا من خلاله هو أي القضاء عن طريق الاعتراض على الأحكام القضائية امام المحاكم الأعلى... وحتى الشكوى من سلوك القاضي لا تكون الا من خلال القضاء نفسه "هيئة الاشراف العدلي" ومع ان التبجيل للقضاء والقاضي حق مستحق تمليه ضرورة استقرار المجتمع لكن النقد للسلطة القضائية لا يعد حق مستحق للمواطن فقط بل واجب ينبغي ممارسته للارتقاء بالقضاء والقاضي ولا ينبغي للمواطن التنازل عن هذا الحق أو التقاعس في واجب القيام به من منطلق التحسب لتعسف القاضي في احد الأيام أو في موقف يكون به المواطن أمام القاضي منتظراً الحكم عليه ... فإنك إذا اردت تحاشي الوقوف أمام القاضي فالأولى ان لا ترتكب فعلاً يحاسب عليه القانون وإذا أردت تحاشي تعسف القاضي فعليك ألا تتوانى في نقده نقداً مهذبا يرتقي به مهنياً أو سلوكاً... أنا قبل عدة سنوات كتبت ما مفاده أن الحكم العادل لا يكون الا باستقلال القاضي وهذا لا يصنعه النص الدستوري باستقلال القضاء ولا النص في القانون القائل بأن القضاء مستقل ولا سلطان عليه الا للقانون وانما تصنعه بالدرجة الأساس مواصفات القاضي وسجاياه الشخصية وعمق التزامه بقيم الشرف واستقلاله في احكامه عن نوازعه وأهواءه الشخصية...
هذا الخلاف بين رأسي القضاء كشف لنا ولأول مرة أنه يمكن وصف قمة القضاء العراقي بـ :"التجاوز على الدستور ومخالفة القانون واتخاذ القرارات بدافع شخصي"... بل ذهب أحد الكتاب ابعد من ذلك فكتب يقول: "يعتبر العراق من أكثر بلدان العالم خرقاً وانتهاكاً للدستور والقوانين سواء من قبل السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، ويمكن تحديد أهم أسباب تلك الخروقات والانتهاكات هو انه يتم التوافق عليها سياسياً فيصبح واقعاً عملياً، وان كل ما يثار بصدد وجود خرق دستوري او قانوني من عدمه فانه يثار بسبب خلاف سياسي او شخصي، فاذا حسم الخلاف تم السكوت عن الخرق الدستوري وكـأنه لم يكن، أما اذا استفحل الخلاف فان المحكمة الاتحادية تفصل فيه بعدة طرق، الاولى ان تمسك العصا من الوسط وكأنها جهة تحكيم عشائري تريد ارضاء الجميع، اما الطريقة الثانية فهي ان تدقق في موازين القوى فتحكم لمن هو أكثر قوة وسطوة وتأثيراً، او تحكم وفق السياقات الدستورية والقانونية حسب اطراف الدعوى والموضوع"...
الله يرحم سيد حسن …
ايام زمان وفي أحد الأيام كنت حاضر في مجلس حسيني وبعد نزول سيد حسن - القارئ - الله يرحمه من المنبر تحولت طبيعة المجلس من حسيني الى ديوان وفي هذه الأثناء دخل متخاصمان بلغت حدة الخلاف بينهما حد التلويح بالتواثي وطفقا يعرضان كل منهما وجهة نظره وحقيقة الخلاف بينهما على الديوان بحثاً عن حل وكان المتخاصمين لكل منهما توجه معروف لنا فأحدهما علماني والآخر متدين والسيد الله يرحمه بعد انتهائه لم يغادر انما جلس بجانب المنبر واتخذ منه متكئاً.
وبينما انشغل الديوان كل اثنين او ثلاثة منهم يتدارسون القضية لاستنباط حل معقول أمسك السيد بمقبض المنبر وصعد ثانية وسط استغراب الجالسين "لأننا لم نألف سابقاً أن يكرر القارئ صعود المنبر مرتين كما لا توجد مما يعرف بالـ بريك في المجالس الحسينية" لكن سيد حسن الله يرحمه فعلها وصعد المنبر ثانية وصاح : صلوا على محمد وآل محمد... انقطعت النقاشات الجانبية في الحال وصاح الناس اللهم صلي على محمد وآل محمد ،صاح: ثانية يرحمكم الله فتم تكرار الصلاة على محمد وآل محمد، ثالثة على حب الزهراء فتم ذلك أيضاً بعدها مباشرة ركز نظره على المتدين وقال له : الحكَ ألك والتفت على العلماني وقال له: أنت ما ألك حكَ ونزل من المنبر والعلماني يدردم شنو هاي شنو هاي...؟ تحول الديوان الى ضحك عاصف بسبب تكرار صعود السيد على المنبر ولأن السيد استشرف أن رأيه وهو جالس على المنبر مثل قرارات المحكمة الاتحادية بات وملزم للجميع... هسا منين نجيب سيد حسن الله يرحمه حتى يقضي بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية حتى تمشّي الانتخابات المنتظره على رسلها...؟
قبل يومين انتقدت موضوع التقديس وطبعاً آنا أعرف أنه في خضم الأوضاع الحالية في العراق ممكن تنتقد الأنبياء والرسل وحتى الذات الإلهية لكن موضوع تنتقد تقديس الحشد وتقول ببطلان دعوات تقديسه ... هذا موضوع دونه خرط القتاد ولكن مع ذلك فعلتها ليس لأني أنكر تضحيات أبنائنا من الحشد الشعبي او استصغاراً لشأنهم أبداً ولكن لوضع الأمور في نصابها الصحيح وعندما انتقد القضاء ورجاله في العراق أنطلق من ذات المبدأ ...وضع الأمور في نصابها الصحيح ....
* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).