|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  12  / 1 / 2019                               موسى فرج                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مكافحة الفساد في عهد عادل عبد المهدي ...

موسى فرج *
(موقع الناس)

يوجد إتفاق في العراق على أن عهد المالكي هو العهد الذي شهد استشراء للفساد وممالئته وتعطيل جهود مكافحته ،وأيضاً يوجد إتفاق بأن عهد العبادي قد خذل الجميع عندما لم يف بوعوده بمحاربة الفساد وذهبت صيحاته المشهورة في هذا المجال أدراج الرياح ولم يضرب بيد من حديد مواخير الفساد والافساد كما وعد تكراراً ...فهل تسفر وعود السيد عادل عبد المهدي بتحقيق نتائج في هذا المجال ...؟ لاستشراف ذلك لابد من الوقوف على الحقائق التالية :

1. قلناها تكراراً أن الفساد في العراق يختلف جذرياً عما هو سائد في بقية دول العالم فالفساد الشائع في دول العالم هو الفساد الصغير وهي تلك الأفعال التي يمارسها صغار الموظفين في حافات الجهاز الحكومي في حين أن الفساد في العراق يتصدره الفساد السياسي وهو ذلك النوع من الفساد الذي تمارسه الطبقة الحاكمة من حكوميين كبار ورؤساء أحزاب وساسة متنفذين....

2. وفي حين لا تتعدى كلفة الفساد في دول أخرى بضعة آلاف أو ملايين من الدولارات سنوياً فإن كلفة الفساد في العراق قد أتت على مئات المليارات من الدولارات من المال العام ...

3. وفي الوقت الذي يتمحور فيه الفساد الصغير على الرشاوي والكومشنات التي يحصل عليها صغار الموظفين في مجال تمشيتهم للمعاملات اليومية للمواطنين في حافات الجهاز الحكومي فإن ميدان الفساد السياسي في العراق هي أجهزة الحكومة العليا وتحديداً الدائرة المحيطة برئيس الحكومة ومراكز الوزارات والمحافظات والمصارف الحكومية ...

4. وملفات الفساد الرئيسية في العراق تقف في مقدمتها: ملف البنك المركزي "يقدر بأكثر من 100 مليار دولار" وملف المشاريع الوهمية والفاشلة "ويقدر بأكثر من 200 مليار دولار" وملف عقارات الدولة المستولى عليها من قبل الأحزاب والشخصيات الرسمية النافذة وقيمته تفوق قيمة الملفين السابقين الى جانب عشرات الملفات الأخرى الخطيرة مثل ملف سرقة وتهريب النفط وملف التسليح وملف الرواتب لعشرات الآلاف إن لم يكن مئات الألاف من الموظفين الفضائيين في القطاعين العسكري والمدني ...
هذا يعني أن الفساد في العراق هو فساد الكبار وليس الصغار وبديهي أن مواجهة هذا النوع من الفساد تتطلب قدرة مكافئة لقدرة مرتكبيه إن لم تزد عن ذلك والقدرة في هذا المجال تأتي من واحد أو أكثر من ثلاثة مصادر: إما دولة المؤسسات وسيادة القانون، أو توفر العزيمة الصادقة في رأس السلطة لمواجهه حقيقية للفساد أو وجود جهاز مستقل وقوي وفاعل لمكافحة الفساد...

1. عندما تكون الدولة دولة مؤسسات وسيادة القانون فإن الموظف المكلف بمواجهة الفساد يتصدى للمهمة متسلحاً بقدرة الدولة بكاملها وليس بقدرة تلك المساحة التي يتيحها له مركزه الوظيفي فقط فالشرطي ومراقب البلدية في دولة المؤسسات وسيادة القانون يعصف بأكبر شارب وفقاً للتشبيه الدراج في العراق فهل هذا موجود في العراق...؟ طبعاً لا...في العراق ورغم مرور 15 سنه على التغيير فإن الأطراف السياسية التي انتقلت اليها السلطة في أعقاب سقوط نظام صدام حسين ما زالت حبيسة دائرة الصراع على السلطة ولم تنتقل للبناء بعد ولم تتعدَّ دائرة اهتمامها موضوع التزاحم على المناصب وممارسة الازاحة والازاحة المضادة لبعضها وصولاً لمنابع الفساد كما ان غياب القانون هو السمة السائدة في العراق والفوضى السياسية والإدارية ضاربة أطنابها طولاً وعرضاً حتى أن ثلاثة محافظين لبغداد يتزاحمون اليوم بالمناكب وفوهات البنادق كل يدعي أنه المحافظ الرسمي لبغداد وغيره باطل وعندما أصدر رئيس الجمهورية برهم صالح الذي يوصف عهده بعهد الشباب الذي خلف عهد العواجيز أمراً رسمياً وخطياً بوجوب التريث وانتظار قرار القضاء بحسم من هو منهم المحافظ كي تكون ليلى زوجته الشرعية من بين من يدعون الوصل بها لم يجد قرار الرئيس أذنا صاغيه ولم يعرف سبيلاً للتنفيذ...وأمس بالذات فوجئنا بخبر تصدر أشرطة الأخبار السريعة على الفضائيات العراقية يشير الى احتدام النزاع بين قطبي القضاء في العراق مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية بشأن أيهما صاحب العلوية على الآخر مجلس القضاء الأعلى أم المحكمة الاتحادية وقد ينذر ذلك بصراع تستخدم فيه المناكب والبنادق أيضاً اما عن رئيس الحكومة فإنه لليوم لم يكمل تشكيلته الوزارية التي تتقاذفها الأمواج بين وزير ربيب لداعش وآخر تنز أذياله بالفساد ...هذه أمثلة فقط ...

2. أما عن الرأس التنفيذي الأعلى المواجه للفساد فإنه في حقبة المالكي يوصف بانه العائق الأول في مكافحة الفساد وفي عهد العبادي خذل الجميع بتنصله عن وعوده بضرب الفساد وعهد عبد المهدي يوصف بأنه أضعف العهود وأوهنها ...

3. يبقى الشرط الثالث أعني وجود جهاز مستقل وقوي لمكافحة الفساد... هيئة النزاهة هيئة مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب بموجب احكام المادة 102 من الدستور العراقي الا انه وخلافاً للدستور تمت السيطرة عليها من قبل رئاسة الحكومة في عهد المالكي من خلال تأسيسه مجلس مكافحة الفساد الذي انيطت رئاسته بأمين عام مجلس الوزراء التابع لرئيس الحكومة واعتبرت هيئة النزاهة جزء منه الأمر الذي جعلها مغلولة اليد في مواجهة ملفات الفساد التي تريد الدائرة المحيطة برئيس الحكومة تجنبها وأيضا لاستخدام الهيئة لتصفية خصوم المالكي ...في عهد العبادي تحولت رئاسة مجلس مكافحة الفساد من أمين عام مجلس الوزراء الى رئيس الوزراء نفسه لكن المجلس لم يحرك ساكناً...

ورغم أن سيطرة الحكومة او رئيسها على أجهزة مكافحة الفساد مخالف للدستور لأن المجلس مكون من هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والقضاء في حين أن هيئة النزاهة مستقلة بموجب الدستور وديوان الرقابة المالية يرتبط إداريا بمجلس النواب بموجب الدستور ايضاً في حين أن القضاء مستقل ويحتكم الى مبدأ الفصل بين السلطات وأيضاً يصطدم الأمر بمنطق الأشياء فاذا كان ميدان الفساد في العراق هو الحكومة والدوائر المحيطة برئاسة الحكومة بالذات فكيف تناط رئاسة مكافحته بنفس الفاعل أعني الحكومة...؟.

مع ذلك اذا كانت مهمة مجلس مكافحة الفساد التنسيق بين أطرافه دون خضوعه لرئاسة الحكومة وبقصد أن يكون فاعلاً في مواجهة الفساد فإنه لا ضرر من ذلك ولكن يتطلب توفر الشرط الثاني أعني " توفر العزيمة الصادقة في رأس السلطة لمواجهه حقيقية للفساد " فهل تتوفر مثل هذه العزيمة في شخص السيد عادل عبد المهدي الذي تتقاذفه الكتل السياسية ولم يستكمل كابينته الوزارية رغم مرور أكثر من شهرين...؟

هذا هو الأمر ....


*
رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).







 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter