| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                      الأثنين  8 / 9 / 2014

 


في نواقص مواجهة الارهاب !

د. مهند البراك       

فيما يتابع العالم الجهود المبذولة لبناء حلف واسع ضد (دولة الخلافة) و ضد الإرهاب الجهادي و تتحقق نجاحات . تعيد هذه التطورات إلى الواجهة، نفس الأسئلة عن سبل التصدي لجماعات العنف الجهادي و الإرهاب، ولماذا لم تنجح الحملة الهائلة التي انطلقت على الارهاب اثر أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 ، التي لم تنجح في تحقيق هزيمة هذه الجماعات المتطرفة وتجفيف منابعها.

فرغم اصابتها اصابات بليغة، كمقتل مؤسس القاعدة اسامة بن لادن نفسه و مقتل ابرز وجوه الاسلام السياسي الإرهابي و خاصة بيد القنص الجويّ و اغتيالهم كما في اليمن مثلاً، فإنه يعاود نشاطه مجدداً و في حالات يعاود نشاطه بشكل محموم اكثر من السابق . . و يجعل كثيرين ممن يشاهدون ما يحصل، يتساءلون هل صار الإرهاب و الموت الجماعي سمة العصر في منطقتنا ؟؟

فيما يصرّح السياسي الأميركي المعروف كيسنجر و دون تسمية المسببات الفعلية و الحلول . . بانه اخطر و اوسع من حروب اوروبا الدينية في القرن السابع عشر، حين يرفع الدين السلاح لتحقيق الأهداف السياسية !! الذي يفهمه قسم بكونه و كأنه أمر حتمي، في زمان لم تنجح فيه افكار الحتميات. و يشير آخرون بحق الى ان الأمر يزداد خطورة برفع السلاح تحت رايات الطوائف في البلد الواحد . . الأمر الذي يتفق معه اوسع المراقبين في المنطقة.

و يكاد يجمع سياسيون و وجوه اجتماعية و فكرية في البلاد على ان خطورة داعش الحقيقية لا تكمن بقوتها العسكرية و اعلامها و سلوكها الوحشي و وسائلها المتطورة تكنيكياً رغم اهميتها . . و انما تكمن اساساً بوجودها في بيئة حاضنة مناسبة جداً لها، بيئة خُلقت بسبب السياسات الامنية الخاطئة التي اعتمدها رئيس الوزراء المنتهية ولايته، طيلة تسع سنوات . . و على السّكة التي رسمتها القوى المتنفذة العالمية و المنطقية منذ اكثر من ربع قرن شاء المالكي ام ابى . . حين قسّمت النضال السياسي الى صراع بين طوائف و مكوّنات، صار فيه الدكتاتور صدام و حزبه و كأنما كانا يمثلان السنّة و يدافعان عنهم، رغم العديد من الأدلة النافية الدامغة التي لايتسع لها المقال . .

في وقت يصف فيه اقرب مستشاري رئيس الوزراء السابق دورالإعتقالات الجماعية العشوائية التي اتّبعتها الوحدات الأمنية الحكومية في مواجهة التفجيرات و عموم الإرهاب، و كيف انها خلقت اعداءً حقيقيين للدولة القائمة . . فاضافة الى الأساليب القاسية المتّبعة مع المعتقلين العشوائيين، فإنهم يحتاجون شهوراً لإثبات برائتهم، و شهوراً اخرى تمتد الى سنوات لإطلاق سراحهم الذي لايتم الاّ بدفع مبالغ ضخمة لاقدرة لهم و لعوائلهم على دفعها، خاصة بعد انقطاع موارد رزق ربّ العائلة او معيلها لأنه قابع في السجن .

فإن مجئ داعش الإرهابية التي دعمتهم اجتماعياً و مالياً ثم جنّدتهم، شكّل بنظر اوساط ليست قليلة منهم انقاذاً لهم و لعوائلهم من ظلم و قهر بعد ان سُدّت امامهم ابواب الرحمة . . و يصل المستشارون و يؤيدهم كثيرون كما نُشر في وسائل الإعلام العالمية و الإقليمية حينها، الى انه كانت هناك اماكن ساقطة عملياً بسبب تلك السياسات بيد داعش قبل اعلانها عن احتلالها، وبالذات في الدليم وفي الموصل، و انهم حذّروا رئيس الوزراء في حينه من ذلك .

الأمر الذي يرون بكونه هو السبب باستمرار الإنفجارات و الأعمال الإرهابية او تصاعدها رغم تلك الإعتقالات، لتشمل الأعتقالات الجديدة اعداداً اكبر مما مضى و لتتسبب بمآسي اكبر و بارهاب اشّد و اوسع، و يعزون ذلك الى عدم كفاءة القائمين على الأجهزة الأمنية و دور الأنتهازيين و المتسلقين الذين يتسببون بافدح الأضرار للدولة و البلاد .
و يرى متخصصون ان فشل حكومتي المالكي في انهاء الارهاب يعود الى اقتصاره في مواجهته على البعد الأمني والعسكري وإهماله أبعاده السياسية والفكرية والاقتصادية، الأمر الذي قد ينطبق او يعود الى تقليد الادارة الأميركية في مواجهتها للإرهاب، المواجهة التي شكّلت تجربة امتدت لأكثر من عقد من الزمن وشنّت فيها حربين دوليّتين في أفغانستان والعراق . . لتثبت قصور الإعتماد على البعد الأمني و العسكري لوحده و ضحالة نتائجه، فرغم وصول عمليات الاغتيال في افغانستان و باكستان و اليمن و غيرها إلى انهاء عدد من قادة الإرهاب وكوادره وعلى رأسهم اسامة بن لادن، الاّ انه لم ينهيه ان لم يزد الأوضاع سوءاً .

من جهة اخرى . . يعيد قسم من الباحثين السبب الى التقصير في دعم تيارات الاسلام المعتدل وإهمال دورها الفكري في تعرية قوى التطرف ومحاصرتها، دون الأخذ في الحساب بأن الاسلام السياسي عموماً يشكل حاضنة موضوعية للفكر الجهادي الإرهابي، فكلاهما ينهلان من منهل واحد وكلاهما يسعيان إلى تطبيق الشريعة الاسلامية وما يعتقدانه بحكم الله على الأرض وإن اختلفا في الأشكال والأساليب، ولن يتوانى السلمي منهما عن استخدام اكثر الوسائل استئثاراً وبربرية لحماية ما يعتبره حقه المقدس، والأمثلة كثيرة لايسعها المقال .

و يضع قسم آخر المسؤولية على فشل الإصلاح الديني، الذي يؤدي إلى غياب العقل و الى العجز عن تأسيس رؤية جريئة تحدث قطيعة نهائية بين الدين والدولة، في مجتمعات أدمنت الجمود والتقليد وصارت في أمسّ الحاجة إلى نشر العقلانية في طرائق التفكير ورسم الحدود بين الدين وأزمات الواقع واحتياجاته وفق منطق العصر وحلوله العلمية.

و في المحصّلة الأخيرة فإن السير على طريق القضاء الحقيقي على الإرهاب، يتطلب الإعتراف بأن النهج القديم الذي اتّبع في الحرب على الإرهاب قد ساهم في نشر الإرهاب ذاته، خاصة و انه ارتكب اخطاءً طائفية و اقتصرعلى ردود الأفعال الأمنية الموقتة، والأهم لأنه تراجع عن منح الأولوية للتنمية الديموقراطية، ليس فقط لأنها تكرس قيم الحوار والنضال السلمي واحترام التعددية وحقوق الانسان، أو لأنها تمكن الناس من الدفاع عن مصالحها والمشاركة في معالجة أزماتها، وإنما أيضاً لأنها المناخ المناسب لتفتح النقد والإبداع والاجتهاد الفقهي وبالتالي لإنجاح إصلاح ديني يُنهي العلاقة المرضية بين الدين والسياسة، فهزيمة الاصلاح الديني لم تكن إلا نتيجة لهزيمة حرية مجتمعاتنا وحقوقها ولانتصار الشمولية الأيديولوجية والأحادية السياسية في سدة السلطة . .

الأمر الذي لا يمكن ان يبدأ في بلادنا بعد كلّ الذي جرى، دون اجراء مصالحة وطنية كبرى و التذكير بأن الشعوب التي صنعت كياناتها و دولها، وضعت الامن والخدمات والعدالة الاجتماعية وتضييق الفجوات ومكافحة الفساد والحفاظ على كرامة الانسان مهما كان مكوّنه عبر برنامج معدٍّ في اجواء التخصص والكفاءات والايجابية . .




6 / 9 / 2014


 

free web counter