| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                      الأربعاء 6/2/ 2013

 


هل الدكتاتورية افضل من الفوضى ؟

د. مهند البراك            

منذ ولايته الاولى و بسبب صعوبة تطبيق المحاصصة الطائفية و اشتعال الصراع الطائفي . . استمر رئيس مجلس الوزراء بالتلميح، الى ان الحكم غير ممكن بعدة اطراف تختلف في توجهاتها، فيما استمر بلا ضجيج كبير في اجراءات جعل مؤسسات الحكم الاساسية بيد مكوّن واحد معتبراً ذاته ممثله الوحيد كـ (مختار العصر) . . معززاً ذلك باعتراضه علناً على قرار البرلمان بتحديد ولاية الرئاسات الثلاث و تهديده ايّاه بالمحكمة الاتحادية العليا، و كأنها ملك شخصي له غير قابلة للحساب و التغيير ان لم تطع احكام الدستور و اسسه . .

الامر الذي فيما يرى فيه مراقبون، بكونه قصوراً في فهم حكم (الشراكة الوطنية و المشاركة في الحكم) . . يرى فيه آخرون بكونه يعكس تعطشاً و رغبة في الاستئثار بالحكم ليس لمكوّن واحد فحسب و انما لشخصه هو، الامر الذي يتبيّن من مواقف الاطراف الهامة المشاركة في تحالف قوى المكوّن الذي اوصله للرئاسة، التي تعلن عن مخالفتها ايّاه في سلوكه هذا . .

السلوك الذي تنعكس مخاطره ليس في مؤسسات الحكم و اجراءاتها فحسب، و انما على صعيد الحياة اليومية الصعبة بسبب التسعير الطائفي و ضعف و انعدام الخدمات . . الذي وصل بالسيد المالكي الى التعبير عن أن الدكتاتورية هي افضل من الفوضى ـ في كلمته في احتفالية حزب الدعوة الحاكم بالمولد النبوي الشريف في الاسبوع المنصرم ـ . .

و يرى محللون ان تعبير السيد المالكي ذلك قد جاء لإرضاء الجماهير المحتشدة المطالبة ايّاه بالاصلاح السلمي للعملية السياسية و بتطبيق الدستور، بمحاولة التعبير عن كونه ليس هو المسؤول عمّا تعاني منه اوسع الفئات و خاصة الطبقات الكادحة العراقية بكل اطيافها الدينية و المذهبية، رغم كونه رئيس مجلس الوزراء و القائد العام الذي يجمع أهم السلطات في البلاد بيديه.

و يرى آخرون بأن تعبيره ذلك يجسد ما صرّح و عمل به منذ بدء ولايته الاولى حين دعى الى ان (الحكم بعدة احزاب متنافرة لا يستقيم)، موظفاً لذلك تعنّت عدد كبير من قادة و ممثلي الكتل المتنفذة الاخرى من الطبقة السياسية الحاكمة، لتطمين مصالح ضيّقة لهم . . في وقت يرى فيه فريق آخر بكونه تراجعاً او غضّ نظر عن تجريم نهج دكتاتورية صدام، و محاولته التماهي مع ماتنفخ به اجهزة حكومية صار يعشعش فيها العديد من ازلام العهد المباد، لتجميع قوى له . . و التماهي مع مايتردد بمرارة في الشارع مما يجري من فوضى قياساً بزمان دكتاتورية ظالمة، أُسقطت باسقاط الدولة العراقية و اقيم بدلها حكم قائم على الإنتماءات الفرعية، رغم وجود دستور جامع للقوى العراقية باطيافها جرى التصويت عليه . . في خضم جهوده لمحاولة كسب الشارع لصالحه !!

من جهة اخرى و فيما يرى عدد من المتخصصين النظريين ان الفوضى القائمة هي من صنيع الإحتكارات العالمية صاحبة فكرة (الفوضى الخلاقة)(*) . . التي ولدت في اجواء ملبّدة بمشاحنات افكار و بدائل متنوعة لدكتاتورية صدّام منذ مايقارب العقدين، من فكرة (الدكتاتور العادل) . . الى فكرة الإبقاء على الدكتاتورية على اساس (دكتاتور معروف لدينا افضل من دكتاتور مجهول) . .

يرى العدد الاكبر من المجربين و الخبراء، ان الفوضى القائمة هي وريثة الدكتاتورية و فكرها و اعمالها الشائنة . . . منذ ان كان القانون ليس اكثر من ورقة يوقعها صدام، رغم ان صدام لم يكن لوحده و انما كان عائداً لحزب ـ محظور دستورياً الآن ـ و عمل ضمن ضوابطه و اطره حتى وصل الى قيادته، و اسس و حكم بدكتاتورية رهيبة، لم تنفع لردعه عن ذلك حتى الضوابط الحزبية الداخلية لحزبه الذي اوصله للسلطة . . و تكوّنت بذلك دولة اللاقانون و الفوضى التي خدمت طغمة حاكمة و مخططاتها المجنونة، وفق إجراءات و قرارات سريّة لم تنشر و لم يعرف بها الاّ المعنيين بها، تعاقب من يفشي اسرارها بأشد العقوبات وحشية بتهم الخيانة العظمى . .

الأمر الذي فيما ادىّ الى نكوص الدولة الدكتاتورية في خدماتها للشعب بذريعة حروبها، من خدمات كان يُفاخر بها بين دول المنطقة، الى خدمات صارت تتردىّ و فوضى تتصاعد لم يكن يسمح بالكشف و الحديث عنها بالعنف وقتها، لأنه (يخدم اعداء الثورة) . . فإنه ادىّ الى ان الدكتاتورية و فوضاها لم تُنجب الاّ المآسي و الجروح الهائلة .
و انجبت بديلاً من سياسيين غلب عليهم طابع الوصولية و انتهاز الفرص كنتاج اجتماعي لها . . الفرص التي صنعها غيرهم و استشهد من اجل تحقيقها الالوف من المناضلات و المناضلين و مئات الالاف من الشعب بكل الوان طيفه . . كما يتردد في الشارع و تعكسه وسائل الاعلام الداخلية و الدولية .

حتى صار الكثير من متنفذي اليوم هم الذين يصعّدون الخلافات الطائفية و الانتماءات المكوناتية و يسعّروها . . لاجهاض اي حراك شعبي يسعى لتطبيق حقيقي للدستور، و لوصم كل اختلاف او معارضة بالارهاب، وصولاً الى محاولة اسقاط تلك الحراكات و ادانتها . . لتزكية شخوصهم بذاتها و لتعزيز مواقعهم و فوائدهم الضيقة منها، معمقين بذلك حالة الفوضى التي تستغلها القوى الارهابية الفعلية و فلول الدكتاتورية، لتصعيد اعمالها الدموية . .

ان التشدد في تعامل الكتل المتنفذة فيما بينها و في مقدمتهم السيد المالكي باعتباره الماسك الفعلي للسلطة الآن . . هو الذي يؤديّ الى تصاعد تحذيرات قوى صديقة و قوى استثمار عالمية مما يجري، ولا ادلّ من ذلك ماصرّحت به ممثلة الاتحاد الاوروبي في العراق قائلة " . . ليست في العراق مشاكل سنّة و شيعة بقدر ما هي مشاكل نابعة من غياب القانون " .

و فيما تحذّر اوساط متزايدة من مخاطر مايجري الذي قد يجرّ الى تشظيّ البلاد و انفراط عقدها انفراطاً دموياً لايعرف مداه و لا يمكن تحديد مدّته الزمنية، او يجرّ الى مخاطر قيام دكتاتورية جديدة. . فإنها تدعو الى اعتماد الحوار بالاستناد الى الدستور، و الى اجراءات عاجلة لعقد مؤتمر عام للقوى المشاركة و الفاعلة في العملية السياسية داخل و خارج مؤسسات الحكم التشريعية و التنفيذية و القضائية، اضافة الى ممثلي الشباب و المرأة و ممثلي منظمات المجتمع المدني و ممثلين عن الاحتجاجات السلمية المطالبة بالشرعية الدستورية و المتحركة وفق ضوابطها . . للوصول الى سبل اصلاح العملية السياسية استناداً الى الدستور .


5 / 2 / 2013
 

(*) كنظرية اجتماعية تعتمد على احدى نظريات تطور الفن في الغرب . . بإعتبار الفن مرآة عاكسة لحركة و تطوّر المجتمع، و بالتالي يعكس الفن حركة تطور فكره و قيَمِهِ.

 

 

free web counter