نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

 

الثلاثاء 6 / 6 / 2006

 

 

 

صدام . . تلويح بتفاهم ام بتأهيل ام . . ؟
( 2 - 2 )


د. مهند البراك

وفيما لعب ضغط المحاصصة ذلك دوراً في الأسراع بتكتيل قوى بعض التيارات، الاّ ان استمرار الدفع بها واعتمادها كأساس وحيد، ترافق مع جهود واضحة ادّت الى تشكيل خيمة " المجلس الشيعي الأعلى " ثم خيمة " قائمة الأئتلاف" الشيعية، التي تكوّنت من احزاب وتيارات متباينة ولاتتماثل في اهدافها ولا في برامجها او في طريقة تنفيذها لها حيث ان عدداً منها لديه ميليشيات وآخر ليس له، الاّ انها تتماثل في انتمائها الى طائفة واحدة.
الأمر الذي اضافة الى عوامل متنوعة، ادىّ من جهة اخرى الى تشكّل تجمّع سني مواجه على اساس الأنتماء الطائفي، من قوى متنوعة مبعثرة كثيرة التنوّع والمشارب والأهداف، شكّلت في قسم منها قوى رفضت الأحتلال او قاومته وقوى قاطعت العملية السياسية بداية، ثم اقتنعت بمشاركتها فيها بعد ان لمست ان الأنعزال ليس في صالحها .
اما فلول صدام فقد توزّعت بشكل منظّم على التجمعين بواجهات جديدة، فالذي استطاع ان يُقبل كتوّاب صار ضمن الخيمة الأولى وبوقت مبكّر على اساس انتمائه الطائفي الشيعي، ومن لم يستطع ان يغادر البلاد او لم يكن مستعداً للعمل مع المجاميع المسلحة لأسباب متنوعة، صار مع التجمّع الثاني المتوزع على كتل او قوائم انتخابية وبرلمانية وغيرها.
وكنتيجة للأحتلال وتبعاته، استمرار حياة البلاد في حياة حربية عسكرية وشبه عسكرية، الفقر و البطالة والسوق السوداء، انتشار السلاح والمخدرات، تزايد المافيات المتنوعة الأهداف، اضافة الى الوعي الذي تدنىّ بسبب عقود الدكتاتورية والحصارين الداخلي والخارجي والحروب ومصالح القوى العظمى ومصالح ومواقف دول المنطقة حينها، وصولاً الى السلوك الطائفي والأناني لعدد من القوى العراقية . . استمر النمو المشوّه للمجتمع بوتائر متصاعدة سريعة، رغم تغيّر الأوضاع وانهيار الدكتاتورية، لأن عوامل التشوّه الجارية في السابق عوضاً عن ان تنتهي، تفاقمت في المحصّلة النهائية، ولعدة اسباب يأتي في مقدمتها (اقتراف آلاف الأخطاء!) على حد اعتراف الأدارتين الأميركية والبريطانية (1) .
الأمر الذي ادىّ الى ثغرات وتوهانات واراقة غير مسبوقة للدماء والرعب، حذّرت منها بوقت مبكر اكثر من قوة وجهة سياسية . . ادّت الى ان تتوزع فلول صدام او الدائرين بفلكها والواقعين تحت تأثيرها على جبهة واسعة، تمتد من مجاميع الأرهاب والمقاومة (الشريفة والوطنية)، الى دوائر العملية السياسية ومؤسساتها ذاتها وباشكال متنوعة، تحت الواجهات الطائفية هذه المرّة وصارت اكثر المحرضين عليها، كما تناولها بتفاصيل متنوعة عدد غير قليل من الباحثين والمتابعين والمراقبين العراقيين والأوربيين والأمريكيين اضافة الى الدوليين.
والى الحد الذي يُظهر فيه التصعيد الطائفي وماتثيره زمر المسلحين المتنوعين، يُظهر او يجعل من الطاغية الدموي كما لو انه احد ابرز قادة ـ ان لم يكن ابرزـ قادة السنّه (كذا) باشكال متنوعة، حيث ان السلوك اليومي الدموي والأرهاب وكل التعقيدات التي تم المرور عليها لاتؤدي الاّ الى تشويه حقيقة الدكتاتورية الدموية وكونها كانت دكتاتورية البعث الصدامي الدموية التي انهارت، وتجعلها كما لو كانت بمثابة دكتاتورية الـ (الحكم السني) الذي (سقط على يد القوى الشيعية)؟! الذي بعودته للحكم سيعود (الوئام السابق) وستنتهي التفجيرات والأرهاب واراقة الدماء ؟!!
ويجعل من قطبه (البعث الصدامي) جزءاً من حصة السنّة ان لم يكن عليها ان تأتمر باوامره وان تكون برهن اشارته. في وقت ترى فيه اوساط حسنة الأطلاع ان المخيف والمثير للقلق الكبير . . ان ذلك التغير المأساوي قد يكون مقبولاً اكثر لدوائر متنفذة في صنع القرارات الدولية من اجل (توحيد البلاد بأمرة فرد " اسلامي معتدل" او "اسلامي ـ علماني" ديمقراطي ام غير ديمقراطي!) مقارنة بالبديل الذي ينادي به السيد مقتدى وميليشيا المهدي مثلاً !! خاصة وانها ترى في (القائد حفظه الله) بطل اشعال الحرب الدموية ضد الجارة ايران، التي ابتلى الشعبان بنيرانها المهلكة سنيناً طويلة، وعطّلت قدراتهما وارجعتهما عقوداً الى الوراء.
ان اوساطاً واسعة تنظر بقلق الى سلوك الأدارة الأميركية القادم بعد اعترافها باقتراف (الأخطاء الكبيرة) في الوقت الذي عبّر فيه رئيس الوزراء البريطاني عن، ان اكبر الأخطاء كان الأسلوب الخاطئ في التعامل مع حزب البعث ؟! بذلك الشكل المطلق وبدون اي تحديد لموضع الخطأ ولا اي تحديد لكيفية تصحيحه في ذلك الملف الدموي الضخم المخيف، و في وقت يعبّر فيه عدد من المسؤولين العراقيين المنضوين تحت الخيمة (السنيّة) عن ضرورة اعتبار (المقاومة الوطنية) مقاومة مشروعة ضد الأحتلال . . دون اي تحديد لمن يعنون منها ايضاً ؟!
في نفس الوقت الذي تجري فيه تساؤلات كبيرة عمّا عناه برزان التكريتي مؤسس المخابرات العراقية سيئة الصيت امام المحكمة في جلستها الثلاثين اثر الأستماع الى شهود دفاع مثيرين للسخط والريبة بهتافه " تعيش العدالة الأمريكية "، وهو الشيطان الذي لايدع للعاطفة دوراً في تعابيره رغم كثرة تهريجه المفتعل في المحكمة التي كان لم يكف عن وصفها ببدعة اميركية ؟؟ اضافة الى تعبير صدام فيها بـ " بأنه لايكره الرئيس بوش ! " الذي يرى فيه قسم من المحللين انه كما لو كان بدء اعتذار للرئيس الأميركي جورج بوش بعد ان طولب به مراراً قبل اعلان الحرب .
هل هو تغيّر جديد في المواقف؟ ام هو تعبير عن استعداد جديد قد يلقى تجاوباً مع المتغيّر؟! للعودة للحكم وضبط البلاد بالحديد والناروباشعال الحرب ضد الجارة ايران، بعد ان تناقلت وكالات الأنباء العالمية والأميركية خبراً تكرر قبل اسبوع من تلك التصريحات الدولية وجلسة المحكمة المذكورة، افاد بحصول لقاء دون مترجمين بين وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد، وزيرة الخارجية الأميركية رايس من جهة وصدام من جهة اخرى في سجنه، جرى فيه تطمينات وشروط، ووصف اندهاش حراّس السجين صدام من تمكّنه من اللغة الأنكليزية . . الذي لم يجر اي تكذيب له او اي توضيح بشأنه .
رغم ان حزب البعث كحزب، لم يقيّم تجربته الى الآن ولم يؤشر الى اخطائه او يعاقب صدام كدكتاتور اذلّ شعبه واضرّه واضرّ بحزبه ذاته، كعضو فيه . . بل استمر في اعماله الدموية المشينة ضد الشعب العراقي بواجهة مقاومة الأحتلال وبكونه بانتظار ( قائده السجين البطل فكّ الله اسره)، موظفاً لذلك ارصدته الضخمة واسلحته، وسط تحريضات صدّام الواضحة لجماعاته على العنف والأرهاب تحت واجهة محاربة الأحتلال من موقعه الحالي كـ (رئيس محمي بشكل كاف) في قفص الأتهام، وعلى نهجه بـ (ازمة اشتدي تنفرجي) ؟!
ان القلق يتزايد خاصة بعد تأكيدات الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني انتوني بلير على ان هدف الحرب (وبالتالي التواجد العسكري في العراق) كان لحماية بلديهما من الأرهاب !! (2) التي تحمل معاني ودلالات كثيرة التنوّع في ظروف البلاد وتثير انواع القلق. رغم ان الأعمال الأرهابية استمرت في الغرب ولم تتوقف سواءاً في المملكة المتحدة، او في اوروبا عموماً كما حدث في اسبانيا وفرنسا وروسيا ثم في كندا وغيرها، ولاتزال الجهود الشاقة للمعنيين تجري لمواجهتها برصد مبالغ فلكية واجهزة عالية التخصص منذ نيسان 2003 والى الآن .
وفيما تطرح تساؤلات من قبيل الا يمكن ان يكون الأرهاب الدولي قد غيّر خططه واهدافه، بعد الضربات التي تلقّاها وكل التغييرات التي حصلت منذ اسقاط طالبان مطلع 2002 واسقاط صدام في 2003 ولحد الآن، ليصبح العراق ليس الجبهة الأمامية للأرهاب الدولي؟ ام ان هناك اصرار دولي واقليمي على ابقاء العراق بهذا الوضع المأساوي الذي يعشعش فيه الأرهاب الدولي اضافة الى المحلي والأقليمي . . لغايات دولية واقليمية وليس لصالح الشعب العراقي؟
ويتساءل مراقبون لماذا لا يفكّر اصحاب القرار من العراقيين والدوليين ان بامكان العراق النفطي الغني وبعد الخسارات والدمار ونزيف الدم الذي لاينقطع، وغيرها من التي تعيق عودته للحياة الطبيعية وتدفع به الى هاويات اشد قساوة مما جرى ولتدمّر حتى ما يرتاح له البعض لما يتصوّر انه تحقق له . . ان بأمكانه ان يدفع الأرهاب عن العراق بالدفع له وتأمين شرّه مؤقتاً على الأقل، كما تدفع دول النفط الغنية وتساوم وتضرب ضمن خططها لمواجهته، والأخرى التي تكتفي بالدفع ؟
ام ان هناك اصرار دولي واقليمي يسعى لأبقاء العراق ممزّقاً متناحراً، يستمر فيه الدكتاتور المنهار في لعب دوره سواءاً مع المتصارعين الآخرين او جنب قسم منهم او بمواجهتهم، او فوقهم . . باسم (الديمقراطية والحرية) ضمن وجهة جعل العراق " كونغو المنطقة "، التي تتنازعها الميليشيات الوثيقة الصلة بالأقطاب الدولية والأقليمية، لتأمين جريان النفط رخيصاً للأحتكارات الدولية للنفط والسلاح، وليلعب الدور الذي رسمته له في قضية اسعار النفط في العالم . . ام ماذا ؟؟
ومتى ستدرك القوى العراقية ما يحاك ويخطط، الذي لن تستطيع مواجهته الاّ بوحدة ولحمة صفوفها وتوافقها وتسامحها وقبولها لبعضها البعض على اساس الخروج من الواقع الجاري ونحو حل واقعي لأيقاف نزيف الدم وتضميد الجراح ولعودة الحياة الطبيعية اليه، ومن اجل عراق مزدهر يستحقه العراقيون بكل الوان طيفهم القومي والفكري والديني وبكل طوائفهم .

(انتهى)


(1) راجع تفاصيل المؤتمر الصحفي المشترك لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ووزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو، اثر زيارتهما المفاجئة للعراق في اوائل ايار 2006 .
(2) راجع تفاصيل المؤتمر الصحفي للرئيس جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني انتوني بلير في واشنطن، اثر زيارة الأخير المفاجئة للعاصمة بغداد، 26 / 5 / 2006.

¤ الحلقة الأولى