| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الأحد 30/1/ 2011



شعبي تونس و مصر ينتظران الدعم !

د. مهند البراك

انطلقت الإنتفاضة الشعبية في تونس من الشارع الذي ازداد انينه جرّاء حكم الطاغية بن علي ، اثر حرق الشاب الجامعي الكادح " بوعزيزي " نفسه امام مبنى الحكومة في مدينته، مطلقاً باستشهاده المؤلم شرارة الإنتفاضة التي عمّت البلاد و اسقطت عرش الرئيس و (مؤسساته الدستورية) و فتحت الباب لصراعات متسعة لم تنتهِ على سكة واضحة بعد . . بعد ان فتحت الباب عريضاً بقوة مثلها و بردود الفعل الإقليمية و الدولية المتضامنة معها، امام الشارع العربي في بلدانه المتعددة (1) للتحرك و للإعلان عمّا يعاني و يعتمل به بسبب المظالم و للمطالبة ببديل افضل .

انطلقت الإنتفاضة الشعبية في الشقيقة الكبرى مصر و وصلت قمة جمعة الغضب في يوم ذكرى انتفاضة يناير عام 1977 ، بعد سلسلة اعتصامات و اضرابات و انتفاضات شهدتها جامعاتها و مصانعها و سجونها و نقاباتها و مدنها المتفرقة طيلة سنوات متتالية، و بعد ان شهدت الجماهير اشتباكات دموية متلاحقة مع مباحث امن الدولة خلال دورات الإنتخابات الرئاسية ، بسبب قوانين الإنتخابات الجائرة و بسبب التزييف و السعي الى نظام (جمهوي وراثي) جامد قائم على الفساد الإداري و الطفيلي . . . سقط فيها عشرات الشهيدات و الشهداء و الآلاف من الجرحى طيلة تلك السنوات.

وفي الوقت الذي تتهم الطغم الحاكمة الإنترنت و الفيسبوك و ويكيليكس و اجهزة المحمول (الموبايل) بحصول (الفتن)، حيث قطعت حكومة بن علي الإنترنت و استعاضت عنه الجماهير بالمحمول (الموبايل) . . تقطع اجهزة الرئيس المصري مبارك الإنترنت و شبكات المحمول التي اخذت تستعيض عنها الجماهير بالستلايت (الصحون)، التي تتحكم بها مؤسسات دولية لاتترك من جهتها فرصتها تضيع للدعاية و لنشر ماركاتها الفائقة القدرة !! التي ان قطعت ايضاً فان الحقيقة لن تضيع عن العالم و وسائل اعلامه المتطورة عبر الأقمار الصناعية اليوم، و بوجود اجهزة الترانزستور و موجات الأيف ام F.M ، و الإذاعات المحلية الممكنة الصنع محلياً . . و غيرها الكثير من الذي خبرته شعوب و اجيال و شباب دول المنطقة، وما احدثته ثورة الإتصالات في عالم اليوم .

و فيما يجري كلّ ذلك . . الاّ انه من الواضح تماماً و كما تظهر الحقائق، ان اجهزة الحكم و برلماناته و مؤسساته و اعلامه بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يجري و تعاني منه الشعوب و خاصة اوساطها المتسعة الأكثر فقراً التي تعاني من . . البطالة و الغلاء، الجوع، المرض، الحرمان، الذل و الخنوع (2) ، الأمية، المخدرات، الوعود والتلاعب بالعقول و الألفاظ . . و التجارة الدينية و الطائفية الى حد الإرتزاق او الموت .

و تفيد مصادر متنوعة ميدانية و اعلامية دولية و مراقبون خبيرون . . ان انتفاضتي تونس و مصر البطلتين، تصنعها الجماهير المسحوقة التي انفجرت آلامها بعد ان تراكمت، و هي ليست من تنظيم و قيادة احزاب وطنية بعينها ـ رغم ادوارها الهامة في التوعية الفكرية و العملية ـ بدلالات كثيرة التنوع لايتسع لها المقال . . انها انتفاضة الشعب المسحوق بشيبه و شبابه، برجاله و نسائه، بسافراته و محجباته، بأمهاته اللواتي يحملن الرضّع، بكسبته وعماله و طلابه و مثقفيه وفلاحيه، ومن كل اديانه و طوائفه . . رافعين شعارات الخبز و الحرية و الوطن الأم .
انها انتفاضة الشارع المضيّع و المكبّل . . التي لاتفهمها مستشارية الرئيس مبارك وفق بيانها و هي تتعجب بقولها (لماذا يجري كل ذلك و لدينا مئات الصحف و المطبوعات الحرّة التي تنشر الآراء المختلفة ؟!)، ولا تريد ان تفهم ان الجماهير المسحوقة ترى و تعيش و تعلم جيداً . . كيف نشأت و تنشأ القطط السمان و ضباع الفساد و وفق (القانون)، و يعرفون من يربح من الوساطات و عقد الصفقات و من و من . . ناسين حقوق " عبد الودود اللي رابض على الحدود " (3)

و بينما تتكشف حيل و خطوط دفاعات و آليات الحكم السرية و مناوراتها السياسية و الأمنية، و تستمر الصراعات . . تشبّه اوساط اوروبية نافذة بأن مايحدث الآن في العالم العربي يشابه ماحدث اثر سقوط جدار برلين في اوروبا عام 1989 و اطاح بحكومات اوروبا الشرقية آنذاك، فيما تصف اوساط أخرى النظام المصري، بثبات هيكليته و ان مايحصل هو ازمة من ازمات مرّ بها الحكم كمواجهته لأنتفاضة قوى الأمن الداخلي المصرية اواسط الثمانينات، مستندين على نتائج ازمات حادة مرّت بها انظمة في المنطقة، كما حدث في تركيا في التسعينات و ايران التي شهدت اعنف الصدامات بين الجماهير و قوى الأمن الإيراني الإسلامي بسبب تزييف الإنتخابات الرئاسية الأخيرة.

و تطالب قوى شعبية و قانونية و اعلامية دولية بضرورة دعم الجماهير المنتفضة التي تطالب بحرية الرأي، التقدم الإجتماعي و محاربة الفساد، الديمقراطية الدستورية الحقيقية القائمة على انتخابات ديمقراطية و كشف الفساد باشراف دولي، وترتفع المطالبات الموجهة الى الإتحاد الأوروبي للإسراع بالدعم مازاله يعلن عن وقوفه الحازم مع هذه المطالب، وتزداد المطالبات الموجهة الى الرئيس الأمريكي اوباما اثر بيانه و بيان وزارة خارجيته، عملاً بسياسته القائمة على مكافحة الإرهاب .
لأن التاخر و المراوحة في عالم اليوم لن يؤديا الاّ الى تفويت الفرصة امام القوى الديمقراطية الحقيقية المتنوعة الإتجاهات التي تعتمد على البديل الديمقراطي اساساً . . وان التأخر سيؤدي لامحالة الى جنوح انظمة الحكم تلك الى قوى الإسلام السياسي المستعدة دوماً للمساومة وفق فتاويها التي تقلب بها الباطل حقّاً و بالعكس، موظفة تعدد اجنحتها و منابرها وفق مايجري . . كما حصل في مصر السادات اثر انتفاضة يناير عام 1977 ، ايران اثر نجاح الثورة الشعبية التي اطاحت بحكم الشاه عام 1979 و كما يجري من مآسي في العراق بسبب الإنغلاق الديني و الطائفي و رغم كل الجهود للحد منه . . مع فوارق الظروف و الأزمان .

و يرون ان الأوضاع تسير الى مفترق طريق لامفر منه : بين الديمقراطية المتحركة (الديناميكية) التي تتطور على خطى تطور المجتمع و حاجاته و آفاقه و روحه الحيّة، على اساس التداول السلمي للسلطة وفق دستور . . وبين الإستقرار الأصم لحكم و افراد، و مؤسسات جمدت على السلطة و صار ينخر فيها الفساد تستغيث بالإسلام السياسي للوقوف بوجه القوى الديمقراطية الحقيقية، وسط جماهير جريحة قد يؤدي الإصرار على دوس حقوقها بها الى العنف . . في وقت لم تعد فيه قوى الإسلام السياسي و فتاويها سياسياً و مناوراتياً كما في الأمس، ولكنها تبقى الحاضنة الأم للأرهاب . . الذي تعلن الإدارة الأميركية عن محاربتها له !!



29 / 1 / 2011


(1) كالمظاهرات التي تتسع في اليمن و الأردن و تهدد بالإندلاع في دول عربية اخرى . .
(2) كما عبّر بألم الشاعر المبدع احمد فؤاد نجم في قصيدته : " طاطي طاطي . . "
(3) من ترنيمة الشيخ امام " آه ياعبد الودود يا رابض عالحدود . . "

 


 


 

free web counter