| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

 

الأربعاء 28 / 3 / 2007

 

 

31 آذار وقضية " التجديد "


د. مهند البراك

تمر في هذه الأيام الذكرى الـثالثة والسبعون لميلاد الحزب الشيوعي العراقي، الذي شكّل ويشكّل احد اقدم الأحزاب الوطنية العراقية ونال بحق لقب مدرسة الوطنية العراقية والتآخي القومي والديني والطوائفي، التي تتساوى فيها عضواته واعضائه بالحقوق والواجبات ... الذي رغم الصعوبات المريرة وتعقيدات الوضع السياسي يواصل العمل بدأب، ويدفع باتجاه الصالح الوطني الواسع، صالح الكادحين والمحرومين على اسس تقدمية حديثة، من اجل غد افضل .
وفيما يواصل الحزب جهوده في التجديد والتحديث التي بدأها منذ مؤتمره الخامس عام 1993 ، اخذت الدعوة اليها تتصاعد مؤخراً متخذة صراحة اكبر بعد التطورات العاصفة في البلاد والتجارب والحاجات التي تتكون وعلى طريق التهيئة للمؤتمر الثامن. تلك الصراحة التي نجح اعلامه على صعوباته في عكسها وتركت انطباعا اكثر من السابق على جدية هيئاته للمواصلة على تلك الجهود وتعميقها، بتقدير كثيرين . . وخاصة صراحة اعضاء قيادته اكثر بنداءاتهم علنا بأن " لامكان للجمود والبيروقراطية في الحزب " و ان " العادات السابقة في العمل تعيق الكثير. . و اهمية مقاومة قوة العادة ... " و " لم نعد حزباً كلاسيكياً " ، الأمر الذي يحرّض على المزيد من المساهمة، راجيا ان تكون هذه المقالة، مساهمة متواضعة مفيدة ضمن كل الجهود المبذولة . .
لقد شكّل الحزب بتأسيسه الذي جاء استجابة لحاجات وطنية وشعبية وطبقية، وبنضال اعضائه وعضواته وهيئاته كلّها والمحيطين به والسائرين بضوئه ومعه، وبالدور الهام لمؤسسه يوسف سلمان فهد ومواقفه التي ميزت بين السياسة في الواقع المعاش، وبين الآيديولوجيا كمنهج . . وشكّل بمرور العقود تياراً هاماً، تفاعل مع الحياة العراقية وفعّلها وصار جزءاً من ايقاعها الذي اصبح لايمكن فهمه بدونه، بعد ان لعب منذ تأسيسه دور المدرسة الوطنية العراقية في كفاح لم يعرف الملل والتعب، رغم جسامة التضحيات . . وقي سبيل تحقيق وحدة ارادة قوى الشعب الفاعلة، التي لايمكن بدونها في ظروفنا تحقيق اي نجاح لأحلام وطموح وأماني الشعب، وخاصة الأوساط الواسعة من كادحيه وفقرائه ومعدميه، بعد ان ضمّ ويضم ابناء وبنات كل القوميات والطوائف والأديان والتكوينات .
ومثلما عبّرت مسيرة معاركه الصعبة التي فرضت عليه، عن تمسكه وتمسك اعضائه وعضواته بعدالة مواقفه ومطالبه، وقدّم فيها مئات الشهداء وآلاف الضحايا الذين قضوا باسمه، جنبا الى جنب مع شهداء كل القوى الوطنية والقومية والدينية التحررية . . الذين تفخر بمواقفهم ودفاعاتهم البلاد.فانها افرزت ايضا ـ كما في احزاب عراقية اخرى ـ تيارات وشخصيات لم تنس استفادتها ذاتياً منه واخرى سعت لمصالحها الأنانية مستغلة اسمه و عدالة قضيته ومكانته ـ كجزء من مظاهر اجتماعية تعيش في المجتمع وفي تناقضاته الآخذة بالتفاقم ـ بسبب تفشي وتزايد النزعات والأخلاقيات المصاحبة لنمو الفئات الطفيلية وتشوه المجتمع (1)، و افرزت اخرى اعتقدت وتعتقد ان النضال هو هكذا ! واخرى التي رغم قصورها هي وضعف آهليتها الاّ انها اكتسبت مواقعا وادواراً مؤثرة بسبب ضوابط الحياة السرية التي تكوّنت لمواجهة القهر المنفلت الذي فُرض عليه.
الضوابط التي لعبت دوراً هاماً اضافياً لهيمنة " المركزية " وحولتها الى مركزية خانقة، لعبت ـ اضافة الى عوامل اخرى ـ دوراً خطيراً في ظهور حالة من " عبادة المسؤول الفرد " (2) التي اصابت ابتداءاً من اعضاء الهيئات العليا (القادة) انفسهم بشهادة كثير منهم، والى مادونهم . . مع الأحترام لكل الجهود والتضحيات .
اضافة الى، ان العنف الوحشي المتنوع الذي واجهه بسبب السلطات الظالمة المتتالية الذي كبّده خسارة الكثير من انشط عضواته واعضائه ومن الأكثر خبرة، ومن طاقاته الفكرية والأبداعية بشكل محسوس، وفرض عليه بذل الكثير والكثير للدفاع عن استمراره ووجوده، قد اوقعه في مطبات حصرته في احيان ليست قليلة في حالة الدفاع عن النفس وعن حقه في الوجود . . والتي لم تنقطع، بل وتسببت رغم مواجهته اياها بصموده، بظهور مواقف تراوحت بين البيروقراطية لأنها الأسهل ، وبين اخرى ذات طابع مغامر، امام جهود سعت للتوصّل الى مراحل توفّر " جرّ النفس " الضروري للمواصلة، في زمان لم يكن الخصم يوفّر اية وسيلة، لحرمانه من اية امكانية لجرّ النفس .
واضافة الى . . دور مفاهيم وآليات ومراتبية الحركة الأشتراكية العالمية السابق، عداء القوى الأستعمارية والرجعية وشركات النفط والقوى الدولية والأقليمية له الذي لم يعرف الرحمة ـ الموثق في وثائق ومحاضر ـ (3) . . وعوامل اخرى، لعبت كلّها ادواراً كثيرة التنوع والتناقض على كينونته وخطابه وسياسته .
الاّ ان تمسكه بالقضية الوطنية واحترامه لتراث البلاد الحضاري الثقافي القيمي، ولوجوهها ومناضليها في كل المجالات واعتبار ذلك بوصلته الأساسية . . وبنشاطه العملي الدؤوب، وبسعيه الدائم لمعرفة وجهتها والتتلمذ على مطالبها ومعاناتها وابداعاتها، وبالتالي تعبيره عن مصالح ومشاعر اوسع الفئات الشعبية بوجوده بينها وتفاعله بها ومعها . . مكّنه من ان يلعب ادواراً هامة رائدة لبّت المطالب الوطنية اساساً وساعدت على حل قسم منها، التي بالتالي صاغت موقعه الهام في المجتمع . .
الموقع الذي بسبب حاجة المكونات العراقية وقواها الأكثر تقدمية وتفتحاً له ـ وان بدرجات متفاوتة وبشكل متحرك ـ لتمثيله لها ولقربه الدائم من ضميرها وتعبيره عنه . . محضته تأييدها وبلسمت ولمّت جراحه رغم ما وقع به من اخطاء وشطط في تقدير امكانات دوره كـ " قوة من قوى المجتمع العراقي" (4) وطبيعة تطوره في المرحلة الزمنية، وماهية الممكن والقابل للتحقيق من الأحلام والأهداف البعيدة، التي اختطها له، وكما قيّم ابرزها في مؤتمراته . .
الأمر الذي يتزايد تعقيداً وصعوبة في مراحل اليوم . . بسبب تشوه المجتمع والحروب والأحتلال وتداخل المواقف الدولية والأقليمية واستقواء قوى داخلية اساسية بها . . الذي فيما تقف ازائه مكونات التيار الديمقراطي اليساري ممزقة لأسباب متنوعة يتحملها بدرجات اكثر من طرف ( تتراوح من تأثيرات القمع الوحشي، الجمود والمركزية المفرطة، الأخطاء . . مروراً بضيق الأفق والأنانية والتشتت بين السياسة والآيديولوجيا . . ووصولاً الى انعكاسات تشوّه المجتمع، وغيرها )، ترى اوساط واسعة أن استمرار التأخر في تلاقيها وتوافقها الذي هو مسؤوليتها جميعها، قد يؤدي الى ضياع حتى ماهو موجود فعلا في الساحة وخسرانه الذي هو خسارة للتيار باجمعه، وبكل اشكاله وتلاوينه ان صحّ التعبير . . الأمر الذي تراهن عليه اوساط لاتريد الخير للبلاد .
في وقت يتذكّر فيه كثيرون اهمية تلك الوحدة ويتذكرون دوره التأريخي، الذي استطاع به جمع او موالفة وتكتيل اهل اليسار من مختلف الطبقات والفئات باختلاف طيفها رجالاً ونساءاً، ونجاحه في صهرهم في خط النضال الوطني المتقدم . . حين استطاع ـ بامكاناته وظروف تلك المراحل ـ ان يوالف تياراتهم المتنوعة، وان يكون لولب وحدتها وتراصها في وجهة واحدة بمختلف الآليات والسبل التي حققت نجاحات للجميع، سواءاً في الواقع اوبعيون مريديها وافئدتهم على الأقل.
من جهة اخرى، ورغم تاريخه الوطني الناصع بفضل نضال وتفاني عضواته واعضائه في مختلف المستويات، اضافة الى مؤازريه ومناصريه، ولأسباب تتعلق بالواقع العراقي وآفاقه الممكنة، ورغم الجهود التي بذلت وتبذل، لاتزال عدة اسئلة نظرية مفتوحة وفي مقدمتها، قضية تفسير المجتمع وصراعاته وتناقضاته بالأعتماد على اشكال وآليات كانت قد استخدمت بنجاح في ربط القضية الطبقية بالوطنية، في اوروبا الصناعية في القرن التاسع عشر ومطلع العشرين ؟ . . التي رغم تحجّر قسم وشططه بها، الاّ ان الحزب لم يضِعْ (من ضاع، يضيع) فيها، لأنه كان يطبّق في الواقع العملي سياسة اقرب الى الواقع الوطني . . بمدلولات طبقية عامة !!
فالسؤال الذي ينتظر الجواب ـ بعد مرور اربعة عشر عاماً على الأعلان عن البدء بالتجديدـ هو كيفية الأهتداء بالنظرية الماركسية لتفسير واقعنا ( شبه الأقطاعي شبه الرأسمالي، التجاري الشرق اوسطي، وليس الصناعي الأوروبي ) . . وعدم الضياع في تفسير غيره والأستناد عليه . . للمساهمة في تغييره. او كيفية الأستفادة منها، واين شاخت فيما يخصنا مثلاً وكيف ؟ البدائل ؟ الا نستطيع نحن صياغة بديلنا مع توفّر كل الخِبَر التي جرى المرور عليها اعلاه ؟ (5) في بلاد شكّل ويشكّل الفلاحون وومؤثرات تقاليدهم (6)، والعشائر غالبيتها ـ والتي تتوضح معالمها الآن اكثر، للأسباب المذكورة اعلاه ولهجرة الفلاحين الهائلة في العقود الأخيرة واستقرارهم في المدن ـ . . في منطقة تعتبر من اكثر مناطق العالم سخونة في صراعاتها، سواءاً مع القوى العظمى ـ اوكواقعة تحت رحمة صراعاتها ـ للفوز بها بشتى الطرق والرايات، في ظروف تزايد دور القوى الطفيلية الداخلية و عوامل التشوه . .
وفيما يحذّر عدد من ان الماضي المزدهر للحزب قد يتحوّل الى تأثير معاكس، ان لم يواصل حاضر الحزب جوهر معاني خطى ماضيه (وليس الخطى ذاتها) ليكون جديرا بذلك الماضي، يتساءلون
عما جرى في واقع العمل من التجديد النظري لحد الآن وفائدته؟ هل لايزال اسير النظرة الأيمانية للمادية الديالكتيكية والتاريخية كمقولات ـ وليس كمنهج ـ، وهل تجري مراجعة فعلية لتراث وقيم اقوام وادي الرافدين لتتم الإستفادة منها، بعد ان ثبّتها كمراجع فكرية له في وثائقه ؟ ما هي تلك القيم، وماهو الجديد الذي يطبّقه الآن منها ؟ ويرون ضرورة توضيح الحزب ماهية الجانب النظري القديم غير المفيد ـ او الضارـ في سياسته ليتم الإنتقال الى الجديد غير الواضح؟
وفيما يرى قسم صحّة تبني الحزب لمبادئ البناء التي اعتمدها في ازمنة ومراحل التأسيس، بدليل انها اكسبته في الواقع موقعا شعبيا كان الموقع الأكثر اهمية في المجتمع لأربعة عقود متتالية ماضية (7) ، يرى آخرون بأنه ورغم كل الصعوبات والتعقيدات لايزال حزب القضية الوطنية العراقية الأساسي الذي تتفتح امامه آفاق جديدة الآن بعد ان فشل اسلوب المحاصصة الطائفي القائم . .
آفاق صارت تحتّم عليه عدم المراوحة في التجديد على اسس علمية، بعد ان صار امراً حتمياً للتواصل مع حاجات مسيرة المجتمع التي اخذت تكوّن من جانبها قوى اجتماعية تملأ الفراغ، من الواقع الجاري بالذهنية المشوّهة القائمة وغيرها، واخذت ترفع قسماً من اهدافه ومهامه كشعارات لها، كمودة لتخدع بها وتحاول بضوئها الأنفراد بالسلطة وتحقيق مكاسب انانية ضيّقة لها، مهما تسبب ذلك من اضرار للمجتمع، ومن اطالة لمرحلته الطفيلية المشوهه، بدعم من اطراف خارجية واقليمية . . !! .
وحيث يتوضّح ان الواقع الحقيقي الموجود في البلاد ـ وبالتالي تغييره ـ لم يعد كما كان، او كما كان في قناعات وتمنيات اقسام منّا، على الأقل . . وان التضحيات مهما كانت عزيزة ومؤثرة، فانها وللأسف ليست كلّ شئ، لأن الهدف في الواقع القائم القاسي هو ليس التضحيات على قداستها . . بقدر ماهو تحقيق شوط او اشواط من مطالب الأنسان العراقي العادلة التي قدّم ويقدّم من اجلها آيات التضحيات والتي يبلورها الحزب في شعار " من اجل وطن حر وشعب سعيد ".
وعلى ذلك تزداد القناعات بأن التجديد لابد ان يسير ليس على اساس خبرة التاريخ فحسب، بل على اساس خبرة معطيات الواقع العراقي القائم الآن والآفاق الممكنة التحقيق فيه، لصالح أوسع الفئات والطبقات الكادحة في العراق . . التي فيما يرى فيها قسم بانها هي التي عمل لها مؤسس الحزب، القائد فهد ذاته، يرى قسم آخر بانها كان من الممكن ان تكون اكثر وضوحا في وثائق بنائه الأولى لولا ضغوطات الحركة العالمية بشخص الكومنترن وضوابطه لتلك المرحلة التاريخية (8).
في ظروف تأريخية تتزايد فيها الأثباتات، بان معطيات الواقع الوطني المعني ومكوناته وليست الأماني لوحدها، هي التي تقرر في النتيجة، مدى نجاح او تعثّر او فشل الحركات والأحزاب التي تنادي بالحرية والتقدم والأشتراكية والأنسان . . سواءا ماحصل منها من نتائج مؤسفة في الأتحاد السوفيتي السابق وبلدان اوروبا الشرقية ـ رغم ما تحقق من نجاحات لشعوبها خلالها ـ، او باستمرار نجاحات التجربة الصينية ووصولها ذرى تنافس او تخيف القطب الأوحد، او باستمرار كوبا ونجاحات القارة اللاتينية وغيرها.
وحيث تبذل جهود اشق على كيفية صياغة السياسة، التي صارت في عالم اليوم تمسّ الآيديولوجيا ذاتها وتدعو الى تجديدها، ليس كأماني او عاطفة انسانية راقية فقط . . وانما على اساس حقائق قائمة، لصياغة معالم الطريق المفضي الى تحقيق سيادة وطنية واخوة على طريق العدالة الأجتماعية، بعد نهاية مفهوم " الدفاع عن نقاوة النظرية " لأسباب متعددة منها، ان " النقاوة " مفهوم جامد في نظرية تعتمد على : الحركة والديالكتيك والنقد كمنهج اساساً ؟! وبعد ان لم يعد هناك مركز تقييم موحد للحركة الأشتراكية كالسابق، كالكومنترن مثلاً . .
وبذلك وفيما يطرح واقعنا فشل المحاصصة الطائفية التي لم تؤدِّ الاّ الى النفخ بالطائفية وتحويلها الى حرب طائفية لا تبقي ولاتذر . . تزداد آفاق طموحات مكونات البلاد تمحوراً على " قضيتنا الوطنية " وقضية تساوي العراقيين نساءاً ورجالاً بكل اطيافهم على اساس الهوية الوطنية، لتبرز الحاجة ماسة الى الأحزاب والفعاليات الوطنية الهمّ والطابع، الأمر الذي فيما يرى البعض انه سيستغرق مراحل زمنية طويلة . . تتوجه انظار واهتمامات اوساط واسعة وتساؤلاتها عن الدور المهم للحزب الشيوعي العراقي الذي يمكن ان يلعبه في هذه المرحلة، ويوقّت اعداء متنوعون الآن بالذات هجومهم عليه وعلى مدرسته الوطنية . . باعتباره ومنذ نشوئه مثّل ويمثل ـ فكراً و بناءاً، عضويةً وسياسةً ومثالاً ـ حزب القضية الوطنية المجرَّب . . القضية التي لم يتغيّر جوهر محاورها الأساسية في البلاد منذ تأسيسه عام 1934 وحتى الآن !!
ان اوساطاً عراقية متنوعة آخذة بالأتساع وفي مساعي بحثها عن وسيلة تساعدها على الخروج من العذاب الذي ابتليت به وفي سبيل انقاذ البلاد على اسس الوطنية الصادقة بعيداً عن الغيب والمغيبات والتنظير والنظريات الرمادية التي لاحياة فيها . . في وقت يدور الحديث فيه عن ان نفوذ حركة او حزب ما، صار يقاس بقدرته على التأثير في الحدث السياسي في البلاد اليوم، بعد ان صارت البلاد بأمس الحاجة الى استنهاض ولمّ قواها المشتتة . .
ترى ان الأمر يستلزم توفير الجواب بالقول والعمل على اسئلة اليوم الصعبة : " هل ينزل الحزب الشعبي (9) للجماهير (الى مستواها) ام ينتظر ان تصعد الجماهير اليه ؟؟ " و " هل هو حزب للحاضر ام للمستقبل . . ام هو حزب للحاضر على اساس ان يكون مع الجماهير في مقدمتها سياسياً (10) نحو مستقبل قابل للتحقيق ـ كلّه او باجزاء منه ـ في الواقع الفعلي المنظور؟ " جواب ليس بشكل نصوص مقولات وانما بشكل عملي وفق كل المعاني السياسية والأجتماعية والتنظيمية والعملية لذلك.
في زمان صارت فيه القوى الديمقراطية واليسارية، تبحث في اوطانها عن سبل لتحقيق وحدة قواها الذاتية اولاً، على طريق جهودها من اجل وحدة قواها الوطنية، التي لابد منها لمواجهة طغيان واجرام رأس المال الدولي المعولم واحتكاراته وشركاته المتعدية الجنسية العملاقة . . على اساس صياغة القدرة على التأثير بالحدث السياسي لبلادها، لأجل الأصلاح الأقتصادي الأجتماعي ومن اجل تحقيق درجات على طريق العدالة الأجتماعية .
بل وتطرح ـ وتطبّق ـ قوى يسارية متنوعة في عالم اليوم . . مبدأ " الوحدة في التنوع "، على اساس ان التنظيم هو اداة لتحقيق الغاية السياسية وليس العكس، وبالتالي ان التنظيم ليس غاية بحد ذاته بل هو اداة ليست صنمية، وانما يجري تحسينها وتطويرها تبعا للغاية، بالتوافق مع حركة وواقع المجتمع وتطوّر خبرات الحزب ذاته في التحرك، وخاصة نحو الشباب . . المبدأ الذي مارسته احزاب عمالية ويسارية في فترات متنوعة من تاريخها ودَعَم قضية تجديدها وتطويرها . . بعد ان شكّلت الصنمية التنظيمية الأساس غير المنظور في دعم قوة العادة وتأثيراتها السيئة . .
وعلى ذلك يتوضّح الترابط الوثيق بين التجديد في الفكر والتنظيم . . وبين السياسة التي تمارس، والتي تلعب ادواراً هائلة في كل عملية التجديد ومشاريعها . . فسياسة الحزب الشيوعي العراقي التي دافعت عن الحقوق الوطنية ورفضت اسقاط الدكتاتورية بالحرب الخارجية رغم كل الصعوبات والمخاطر، شكّلت بداية صائبة للتحرّك اللاحق على طريق كسب الجماهير للموقف الوطني، رغم ما ادّاه حرصه على عدم الأنعزال عن بقية القوى العراقية المتنوعة التي ناضلت بحق من اجل اسقاط الدكتاتورية وعوّلت على فرصة اسقاطها.
الاّ ان استصدار قرار مجلس الأمن 1483 ومجئ بول بريمر كحاكم مدني للعراق واعلانه عن : حالة الأحتلال، تحطيم الدولة العراقية، نشوء (مجلس الحكم)، المراوحة والتباطؤ. ثم مواقف الجوار واندلاع الأرهاب، الفساد الأداري، فضائح القوات الأجنبية في السجون والأحياء وغيرها، السوق السوداء وتهريب النفط . . وجملة من الجرائم والأخطاء الكبيرة التي تتحمّل مسؤوليتها ادارة الرئيس بوش باعتبارها الأدارة المسؤولة عن الأحتلال ـ وفق لوائح الأمم المتحدة ـ ، التي ادّت الى غياب وجود ملموس للدولة والى هيمنة حالة خطيرة من الفوضى والعنف نشأت وتتصاعد في البلاد منذ اربع سنوات وحتى الآن، جعلت من البلاد نقطة الصدام العنيف الأكثر وحشية بين انواع الجيوش والأحتكارات وقوات المرتزقة وانواع القوى الأجرامية والأرهابية، سواء كانت دولية او اقليمية وداخلية .
ان استمرار الأحتلال بمظاهر كثيرة التنوع والعنف، واستمرار الشعب العراقي في التمزّق والموت وتزايد احتمالات تصاعد الدمار اكثر . . بدلالة استمرار وتفاقم سيول هروب وهجرة العراقيين، الذين صارت تضيق بهم دول المنطقة ( خوفاً مما يتهددها من دمار اقتصادي واجتماعي وغيره بسبب تلك السيول، وفق بياناتها! )، بعد ان بلغت ملايين جديدة في الخارج وملايين اخرى في الداخل، وفق تحذيرات مقلقة من احتمالات أن يترك ثلث الشعب العراقي البلاد.
يطرح . . ان اي تجديد لحزب وطني تراه الناس مشاركاً في المسيرة السياسية، لابدّ وان ينصب وقبل كل شئ على سبل ووسائل إنهاء المأساة العراقية بكل جوانبها الصعبة والغاية في التعقيد، بعد ان ضاعت الفرصة الثمينة بسقوط الدكتاتورية، وبعد مرور اربع سنوات دموية مرعبة، خسرت فيها المكونات العراقية بغالبيتها خسارات لاتعوّض بسهولة، مادية ومعنوية . . ادّت باوسع اوساطها الى الأبتعاد عن السياسة وعن الأحزاب واشاعت بينها روح اللاأبالية، بعد تواصل انخفاض قيمة الأنسان وحياته وحقوقه بشكل مخيف.
ان الحاجات والضرورة القائمة النابعة من فشل نظام المحاصصة الطائفي وكما مرّ، تدفع الى بذل كل الجهود لتواصل تجمّع وتجميع ووحدة تحرّك القوى الديمقراطية اليسارية، داخل وخارج المؤسسات، اضافة الى المعارضة منها في عملية اعادة بناء وتوافق قوى التيار الديمقراطي اليساري . . على اساس مشروع وطني يدعو الى : انهاء حكم المحاصصة الطائفي، انجاح مشروع المصالحة على اسس وطنية علمية قانونية، تأمين حل الميليشيات المسلحة وجدولة مراحل ضمان الأمن، للشروع بعملية جدولة انسحاب القوات الأميركية والحليفة .
وفيما يرى مجربون ومراقبون حريصون على انجاح الجهود المبذولة في عمليات وآليات التجديد ورغم كل الصعوبات . . اهمية ايلاء عناية واهمية قصوى للشباب (11) فيه، فانهم يؤكدون على ضرورة تشجيع نشوء اشكال متنوعة للنشاط بين الشباب، ومحاولة وصل الأشكال المتكونة لحل مطالب ومشاكل معينة وخاصة تلك التي تتواصل، ببعض . . ومحاولة دعمها وتشجيعها لأنجاح تحقيق مطاليبها وتقوية ثقتها بنفسها وتشجيعها على تحمّل مسؤولياتها، في سعي لتنظيم اشكال متنوعة للتحرّك بين الشباب من اجل تحقيق اهداف وطنية اوسع ـ كتحقيق قاعدة انتخابية اوسع وغير ذلك . . وصولاً الى اهداف أوسع وأكثر . . على اساس " لنناضل معاً " مثلاً .
اضافة الى ايلاء اهمية بالغة للتعاون والتفاعل مع تجمعات الشباب المتكونة على اساس تطلعات انسانية، تقدمية (12)، علمانية، يسارية متنوعة شابة من التي تتمتع بالروح الوطنية وبالأخلاص لقضية الشعب وفئاته الكادحة والعطف والتعاطف مع الفقير والضعيف . . رغم معاناتها من عدم الوضوح او التشوش او الخلط الفكري بما فيه خلط الفكر اليساري بالدين، او خلط المفاهيم الأنسانية بالدين، القابلة للأنصقال ... والتي تظهر طبيعياً بسبب تأثير استمرار تدفق تيار المنطق المعرفي العلمي في البلاد رغم القهر . . التيّار النابع من تراكم نضالات وجهود اجيال طيلة العصور الماضية . . والذي يغذّي اضافة الى الحزب المنظّم القائم، يغذي غيره اضافة الى انواع التجمعات الشبابية الجديدة الموجودة . . ويغذي نشوء جديدة اخرى مهما حملت من اختلافات متنوعة جديدة . ( تتوفرمواد بهذا الصدد ـ م.ب) .
وفي الأخير فان كل الجهود ينبغي ان تتوجه الى لحمة وتقارب ابناء هذه المدرسة الوطنية . . ممن هم في صفوفها المنظمة ومن في قربها وحولها والى جانبها، او على نهجها الرائد واهدافها . . فاللحمة والتقارب والتفاعل بينها هو قوة لجميعها في صراعها من اجل قضيتها العادلة، في مواجهة الطاعون المتنوع الذي يعتصر البلاد ويحاول العودة بها قرونا الى الوراء .

28 / 3 / 2007


1. التي عبّر عنها قادة متنوعون في مجال تبريرها او العجز عن الوقوف امامها، كشطارة وفهلوة لايمتلكها آخرون، وعبّر عنها آخرون بـ " ان مجتمعنا هكذا وان (المناضلون) هم من مجتمعنا ذاته ولايُستوردون من الخارج . . " والتي لاتتفق بل تدحض مصطلحات سادت فيه ركّزت على ان مناضليه (من طينة خاصة) . الأمر الذي لايؤكد الاّ ان الحزب هو من قوى المجتمع بواقعه وتعقيداته، وليس فوقها، وان اعضائه هم ممن يفترض انهم جرى " اختيارهم من الأفضل" وانهم يتربون فيه الى مدى متفاوت، كما توضح حياة التجربة.
2. يرى كثير من المعنيين ان الحزب ليس هو المسؤول الوحيد عن تكوّن مفهوم "عبادة الفرد"، وان مجتمعاتنا الفلاحية شبه الأقطاعية الرأسمالية هي التي انجبته اساساً، لتلبية حاجات في اللاوعي لنسج مفهوم الأمل وبالتالي، فانها مثّلته ـ اعادت صياغته ـ بدرجة وعيها . . ويشيرون بالتالي الى مالعبه ـ ويلعبه ـ هذا المفهوم في مجتمعاتنا الباحثة في خيالها الشرقي وبالتالي في عواطفها وسلوكها عن منقذ يمثل قوة الخير، دفعت وتدفع له و(تنفخ به) . . منقذ يعمل المستحيل لها ويضحي بنفسه من اجلها، و" ان شخصاً بتلك المواصفات لابد وانه محشوم او مصان من الخطأ ومن العمل القبيح " الأمر الذي اخذ يترسّخ اكثر باستشهاد ذلك المنقذ في سبيلها في متوالية متفاعلة في الذهن بين استشهاد الأمام الحسين وبين استشهاد القائدين فهد ثم سلام عادل، في سبيل المبدأ . . وغيرها التي رسّخت ذلك واضافت الى الخيال العاطفي وقيم العضو، أن القائد الحقيقي لايموت في فراشه وانما في سوح النضال .... في تأكيد اكبر على قوة الترابط كثير التعقيد بين وعي وقيم عضو الحزب ووعي وقيم المجتمع، لأن المناضل هو عضو اصيل في المجتمع المعني وابن بار له، ولذلك وعليه تراه يعمل ويضحي بكل شئ في سبيل اسعاده .
3. راجع كتاب " العراق " ، مجلد " الشيوعيون " . . حنا بطاطو .
4. كقوة من قوى المجتمع وليس بديلها او اعلى منها، او قوة ناشئة من منابع خاصة اطهر . . كما يطرح قسم، بسبب شدة الظلم او التجاهل . . او لغايات ادبية وانسانية .
5. المقصود هو بديلنا الوطني العراقي . . كما نشأ ويتكون البديل الصيني، الكوبي والأميركي اللاتيني، الفيتنامي ....
6. الذين من عداد " الفلاحين الآسيويين" بعلاقاتهم الأبوية العائلية العشائرية الأكثر تزمتاً.
7. من اربعينات والى سبعينات القرن المنصرم .
8. راجع حنا بطاطو في (3) .
9. حزب الثورة الأجتماعية، حزب التغيير الأجتماعي .
10. اي ليس خلف الجماهير وليس امامها، بل معها في مقدمتها، راجع " ماالعمل" لينين .
11. ممن تتراوح اعمارهم 17 ـ 30 عاماً .
12. باعتبار ان تطلعات فعل الخير والتفتّح والرغبة في خدمة الآخرين، تعتبر من الصفات الملازمة للشباب . . رغم كل التعقيدات والصعوبات والعنف والمحن .