| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

الأثنين 8/ 9/ 2008



من سيكون الرئيس الجديد لأمريكا؟

د. عبدالخالق حسين

إهتمام العالم بالإنتخابات الأمريكية، الرئاسية منها والبرلمانية، ليس بطراً، أو ترفاً فكرياً كما يتصور البعض، بل ضرورة يفرضها الواقع، فأمريكا هي الدولة العظمى الوحيدة في عصر العولمة ذي القطب الواحد وبقيادتها، ولِما لهذه الدولة من دور مهم وتأثير واضح وكبير على حياة الشعوب، وبالأخص في مجال الأمن والسلام والاقتصاد، إلى حد أن اقترح أحد الكتاب بأن من حق كل العالم المشاركة في التصويت لانتخاب الرئيس الأمريكي!! أما العراقيون فلهم سبب آخر يجعلهم يهتمون بمتابعة هذه الانتخابات، وذلك لما لنتائجها من علاقة مباشرة بأمن واستقرار ومستقبل بلادهم، العراق.

فالعالم اليوم يواجه تحديات كبيرة مثل الإرهاب المتلبس بثوب الإسلام السياسي، ومخاطر الدول المارقة مثل إيران التي تسعى لامتلاك السلاح النووي، تريد أن تحوِّل العالم إلى غابة مدججة بالأسلحة النووية. وإيران يحكمها نظام ثيوقراطي يدعم الإرهاب كما هو واضح من دورها في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين. والدولة الوحيدة التي تتمتع بالقدرة الكافية لمواجهة هذين الخطرين، الإرهاب الإسلامي وانفلات السلاح النووي، وإنقاذ العالم من شرورهما، هي بالطبع أمريكا. والموقف الأمريكي من هذه الأمور الخطيرة يعتمد على سياسة الرئيس الجديد الذي سيحتل البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني 2009. ومن هنا تنبع أهمية اهتمام العالم بهذه الانتخابات، وأي المرشحين للرئاسة هو الأفضل لأمريكا والعالم، السناتور جون ماكين الجمهوري، أو السناتور براكا أوباما الديمقراطي؟ ومن هو الأوفر حظاً في الفوز في هذه الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، أي بعد شهرين من الآن؟

الملاحظ أن معظم الكتاب والمحللين السياسيين يراهنون الآن على فوز المرشح الديمقراطي، السناتور أوباما. كذلك نلاحظ أن معظم الأحزاب ووسائل الإعلام ذات التوجه اليساري في الغرب، وخاصة البريطانية منها مثل صحيفتي الغارديان والإنديبندنت، بل وحتى مؤسسة البي بي سي المعروفة بالرصانة والنزاهة والحياد، هي الأخرى خرجت عن تقاليدها وانحازت إلى أوباما، وهذا الانحياز ليس تهمة مني بل كان موضع نقاش حاد في محطة تلفزيون
BBC1 نفسها صباح السبت 6/9/2008 . هذه الجهات تروج لأوباما وتدعم برنامجه بشكل ملفت للإنتباه على حساب جون ماكين.

أما الإعلام العربي، ومعظم القوى السياسية والحكومات العربية، فهي أيضاً تتمنى الهزيمة للمرشح الجمهوري نكاية بالرئيس الأمريكي الحالي، جورج دبليو بوش، بسبب قيامه باسقاط حكم صدام حسين، غير مدركين أن فوز أوباما هو لصالح إسرائيل ولصالح الإرهاب الإسلامي القاعدي والإيراني، ودون أن يفيد العرب في جميع الأحوال.

ولكن رغم هذا الضجيج الإعلامي الصاخب لصالح أوباما، والدعم المعنوي والمادي الواسع له، لدي عدة أسباب تجعلني أن أسبح ضد التيار، وأراهن على فوز المرشح الجمهوري، السناتور جون ماكين، مع التأكيد على ما يتمتع به السناتور أوباما من مؤهلات شخصية فذة، وحيوية عالية، وكارزماتية نادرة، ولكن رغم كل هذه الخصال الحميدة، أرى أن الشعب الأمريكي سيستجيب في نهاية المطاف لمصلحته ولاستحقاقات التاريخ، وسينتخب ماكين بدلاً من أوباما. أعتقد أن الشعب الأمريكي سينتخب ماكين، لأنه سيدرك أن مرحلة ما بعد بوش تتطلب شخصاً متمرساً في إدارة الحرب ومواجهة التحديات، وعدم التفريط بما حققته أمريكا لحد الآن في حربها على الإرهاب، وتقليم أظافر الدول المارقة، خاصة وأن النصر النهائي بات في متناول اليد، بل يجب مواصلة المشوار لإنجاز ما بدأه بوش وسار عليه حتى النهاية وعدم إجهاض النصر في اللحظة الأخيرة. أما أوباما فهو صاحب برنامج استسلامي متخاذل يقود إلى الهزيمة وإلى تدمير سمعة أمريكا كدولة عظمى وقائدة للعالم الحر، وجعلها والعالم رهينة للإرهاب والدول المارقة، والشعب الأمريكي قطعاً يرفض ذلك.
ومن قراءتي وحسب فهمي وتحليلي للسياسة الأمريكية، توصلت إلى قناعة أن الحقائق المذكورة أعلاه أدركتها قيادة الحزب الديمقراطي جيداً، وتعلم أنه مازال أمام أمريكا الكثير من الأعمال الصعبة مثل مواصلة الحرب ضد الإرهاب، واحتمال شن حروب جديدة ضد بعض الدول المارقة مثل إيران بسبب إصرارها على مواصلة برنامجها النووي، وتهديداتها المتكررة لأمن إسرائيل و"مسحها من الخارطة"، ودعمها للإرهاب، وتهديدها بإيقاف تدفق نفط الخليج إلى الغرب، فكل هذه التهديدات الإيرانية هي خطوط حمراء لا يمكن لأمريكا التساهل معها بغض النظر من سيحتل البيت الأبيض. ولكن في نفس الوقت، فإن الحزب الديمقراطي لا يريد أن يتورط في هذه الحروب المحتملة وهو في السلطة، بل يرى أنه من الأفضل له أن يواصل الجمهوريون ما بدؤوه من حروب كسبوا خلالها خبرة واسعة بها إلى أن يكملوا المشوار.
ولهذه الأسباب مجتمعة، وقفت قيادة الحزب الديمقراطي ضد فوز السناتور هيلاري كلينتون رغم إحرازها على مجموع الأصوات أكثر مما حصل عليه أوباما، ولكن، وكما ذكر السيد أمير طاهري، في مقال له في هذا الخصوص في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية يوم 5/9/2008، قائلاً: "لقد فاز أوباما بالترشيح ليس لأنه حصل على أصوات أكثر من كلينتون، ولكن بسبب نظام جديد للتمثيل النسبي الذي يفضل الخاسر. لم يفز أوباما في أي من الولايات الكبرى التي يجب على الديمقراطيين الفوز بها من أجل الوصول إلى البيت الأبيض. وبمساعدة ماكينة الحزب، خطط لحرمان كلينتون من الوفود التي فازت بتأييدها في فلوريدا وميتشيغان، وهما ولايتان من بين أهم خمس ولايات. لقد فاز أوباما بتأييد الوفود في ولايات لم يفز فيها الديمقراطيون في الانتخابات الرئاسية منذ الستينات."
لذلك أعتقد جازماً أن قيادة الحزب وقفت لصالح أوباما، لأن هيلاري أوفر حظاً من أوباما في الفوز في الجولة النهائية مع ماكين. والديمقراطيون لا يريدون ذلك، أي يحاولون تجنب استلام السلطة في مرحلة المواجهات الصعبة.
صحيح أن الشعب الأمريكي يسير بخطى سريعة لنبذ العنصرية، ولكن لا يمكن لأي شعب أن يتخلص من العنصرية بشكل كامل، إذ أفادتْ استطلاعات رأي في أمريكا بأن مازال هناك نسبة من الأمريكيين وخاصة البيض منهم الذين صوتوا لهيلاري كلنتون في الجولة الأولى سوف لن يصوتوا لأوباما في الجول النهائية، وأن نحو 25% من البيض لا يريد رئيساً أسوداً لدوافع عنصرية.
كذلك، وكما جاء في مقال الأستاذ طاهري المشار إليه أعلاه، أن في الإنتخابين اللذين فاز بهما المرشح الديمقراطي بيل كلنتون في التسعينات، كان بفضل مرشح ثالث قوي (روس بيرو) والذي حصل على 20 في المائة من الأصوات (عام 1992) وعلى 6 في المائة (عام 1996)، وكانت كل هذه الأصوات تقريبا من الجمهوريين. فبدون بيرو، لم يكن كلينتون ليفوز بالرئاسة. أما الانتخابات 2008، فليس هناك مرشح ثالث يأخذ أصواتاً من الجمهوريين.

موقف اليسار الغربي
يعتقد اليسار الغربي أن الديمقراطيين أفضل من الجمهوريين فيما يخص حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والسود من الأصول الأفريقية. ففي بحث قيم للبروفيسور الفرنسي، إيف روكوت Yves Roucaute في صحيفة الفيغارو الباريسية، بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر 2008، بعنوان (جون ماكين ومصلحة فرنسا وأوربا) نجتزئ منه المقاطع التالية التي تخص موضوعنا، جاء فيه ما يلي:

أولاً، أن برنامج أوباما الاقتصادي هو برنامج فرض الحماية الاقتصادية المغلقة في وجه أوربا وآسيا. أي سياسة مخالفة لأهم مبدأ من مبادي الرأسمالية، وهو الانفتاح على العالم والمنافسة الحرة. كما ويريد أوباما إعادة النظر في الاتفاقات مع كندا، ويهاجم الاتفاق القائم مع كولومبيا. إنها سياسة التدخل المطلق للدولة في الاقتصاد، أي نموذج الأنظمة الاشتراكية السابقة، والتي ترفض العولمة، وتريد فرض ضرائب ثقيلة، وانتزاع اموال الأغنياء لصالح العمال، مما سيعطل النمو الاقتصادي. و أوباما في برنامجه هذا يستند لنقابة العمال وزعيمها Sweeney الذي هو صديقه.
ويسأل الباحث: هل الحماية الاقتصادية الأمريكية، ووضع الحواجز الكمركية هو لمصلحة أوربا؟ بالطبع كلا حسب رأي البروفيسور.

ثانياً، هل أوباما هو الوحيد الذي يريد مصالحة السود والبيض؟ الجواب أيضاً، كلا، فهذه المصالحة ترسخت منذ 11 سبتمبر 2001 بفضل الجمهوريين. كما ويسأل الباحث، من عيَّن عسكرياً أسوداً وهو الجنرال كولن باول، ولأول مرة في تاريخ أمريكا، رئيسا لأركان القوات المسلحة؟ وكذالك تعيين وزيرة للخارجية من الأفارقة الأمريكان؟ بالطبع الجمهوريون.
ومن هو الذي بادر بمنح حق التصويت للسود؟ إنه الرئيس الجمهوري غرانت في عام 1870 بينما انتظر الحزب الديمقراطي حتى 1961 للاعتراف بالمساواة في الحقوق. فأبراهام لنكولن هو الذي أسس الحزب الجمهوري، وهو محرر العبيد السود، بينما الديمقراطيون فضلوا الحرب الأهلية لمنع تحرير الرق.
كذلك يسأل الباحث، من الذي سيمكن أول امرأة لدخول البيت الأبيض كنائبة رئيس الجمهورية؟ طبعاً هو جون ماكين الجمهوري. ومن هنا يستغرب روكوت مستفسراً: إذنْ، فلماذا حملة اليسار الفرنسي الصاخبة ضد السيدة سارة بيلن، وهو الذي كان يهلل بالأمس لهيلاري لكونها امرأة؟

ويستنتج الباحث قائلاً: "كلا، لا يكفي القول بأن اليسار الديمقراطي الأمريكي ليس محتكراً الدفاع عن النساء والأقليات، بل يجب أن نضيف بأن الجمهوريين المخلصين لقيم الحرية هم يدافعون أحسن عن المرأة والأقليات وبلا أيديولوجيا."

كما ويضيف الباحث قائلاً: "تبقى أخيرا خرافة أن أوباما سيغير في السياسة الخارجية لصالح السلام. وهذا الإدعاء هو الآخر لم يصمد أمام أية محاجة منصفة. ففي 18 مايس/أيار الماضي كانت إيران عند أوباما لا تشكل تهديداً. بينما في 20 منه قال على موقعه الألكتروني أن إيران تشكل خطراً، وإذا ضربت إسرائيل فجواب أمريكي رهن بالكونغرس. كما ويقول أوباما أنه يجب التفاوض مع الإرهابيين، ذلك واجب، ثم يتراجع ليقول العكس. الديمقراطيون اعترفوا بنجاح الجمهوريين في عملية إرسال قوات إضافية للعراق، عدا أوباما الذي قال العكس وعارض عملية الإرسال. ثم تراجع في 3 تموز الماضي، وبدل أوباما الرأي معترفا بالنجاح، ليقول فيما بعد أنه نجاح عسكري وفشل سياسي!! يبدو أن ما يريده أوباما هو مغادرة القوات العسكرية العراق بسرعة ليعود قائلا بأنها يمكن أن تبقى قليلا. إنه غير مستقر، ويغير رأيه بسرعة، وما هو أكيد أنه غير معروف ماذا سيحل بالعالم مع أوباما."

وأضيف إلى ما قاله الباحث الفرنسي، أن الديمقراطيين خذلوا المرأة عندما أفشلوا هيلاري كلينتون كمرشحتهم، بينما اختار الجمهوريون سارة بيلن لدخول المرأة البيت الأبيض لأول مرة. كما وإني أتوقع أن السيدة بيلن لديها مفاجاءات سارة وكثيرة ستفاجئ بها الشعب الأمريكي والعالم بقدراتها غير المكتشفة بعد، وربما ستكون المرأة الأولى التي ستدخل التاريخ بتبوِّئها منصب الرئاسة للدولة العظمى، بعد أن تتبوأ منصب نائبة للرئيس.

مخاطر سياسة استرضاء الإرهاب
كذلك إن سياسة أوباما الإسترضائية الإستسلامية للإرهاب القاعدي الوهابي وللرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الداعية إلى التفاوض واللين معهما، تذكرنا بسياسة نفل تشمبرلين، رئيس الوزراء البريطاني في أواخر الثلاثينات من القرن المنصرم، والذي اتبع سياسة استرضاء هتلر وعقد معه اتفاقية سلام، والتي أدت إلى الحرب العالمية الثانية دفعت أووربا بسببها 55 مليون ضحية ودمار مادي شامل، الأمر الذي دفع تشمبرلين إلى الإستقالة ليحل محله قائد قدير وحكيم وهو ونستون تشرتشل الذي تبنى سياسة المواجهة الشجاعة مع الإرهاب النازي والفاشي، وألحق بهما الهزيمة الساحقة، وهو الذي قال: "إذا رضينا بعار التنازلات باسم منع الحرب فسوف نجلب الحرب والعار معا." لذلك فإن أمريكا بحاجة إلى رجل متمرس في فنون الحرب والسلام يقودها على خطى تشرتشل مثل جون ماكين، وليس على خطى تشمبرلين مثل باركا أوباما الذي لم يتعلم من التاريخ.

أما موقف أوباما فيما يخص العراق، فإنه كارثة بامتياز، لأنه إذا ما نفذ سياسته المعلنة في الإنسحاب الفوري من العراق، فإنه سيعرض جميع ما تحقق من انتصارات على الإرهاب إلى الخطر، وسيعيد العراق والمنطقة إلى المربع الأول، أي إلى الدمار، وانتصار الإرهاب البعثي-القاعدي، وعدم استقرار دول المنطقة. أما السناتور جون بايدن، الذي اختاره أوباما ناباً له في حالة فوزه، فهو صاحب مشروع تفتيت العراق إلى كانتونات طائفية وعرقية. وهذا سبب آخر يجعلنا نعتقد أن فوز أوباما سيكون كارثة على العراق، وعلى أمريكا وعلى العالم مله. وهذا سوف لن يسمح له الشعب الأمريكي وصناع القرار في أمريكا أن يحصل مطلقاً.

خلاصة القول، ليس من الحكمة بمكان أن يتخلى الشعب الأمريكي عن مشروع محاربة الإرهاب الذي بدأه الرئيس جورج دبليوبوش بعد كارثة 11 سبتمبر 2001، ويعرض نفسه لمخاطره ويفرط بكل تلك التضحيات في الأرواح والأموال الطائلة في حرب العراق وأفغانستان ومطاردة القاعدة وطالبان، ويجهض النصر النهائي الذي صار في متناول اليد، وينتخب شخصاً مثل أوباما يفتقر إلى أية خبرة وتجربة، ومتذبذب ومتقلب الآراء والأهواء. وبناءً على ما تقدم، فإني أراهن على فوز جون ماكين، وشخصياً أتمنى ذلك، لأن المرحلة التاريخية الحالية تتطلب قائداً مجرباً يقف بحزم في وجه الإرهاب الذي يهدد أمريكا والعالم.


 

free web counter