د. عبدالخالق حسين
الخميس 8 /3/ 2007
حول الدستور وقانون النفط
د. عبدالخالق حسين
قبل تحرير العراق كنا نتوقع الخراب الذي سيرثه الشعب العراقي من النظام البعثي الساقط كنتيجة حتمية لعشرات السنين من الظلم والقهر والاستلاب والحروب والجوع والتجهيل..الخ، ولكن المفاجأة جاءت حول حجم هذا الخراب، إذ لم يكن أحد يتوقع أنه بلغ إلى هذا الحد من الدمار الحضاري والفكري والاخلاقي والثقافي والاجتماعي بحيث تتعاون معظم فئات المجتمع على مواصلة الدمار الشامل بحق أنفسهم من أبسط مواطن إلى أكبر مسؤول في الدولة الجديدة.
فبعد أقل من عامين من سقوط النظام الفاشي والشعب محروم من أبسط مقومات الحياة بسبب غياب الأمن والخدمات وتفشي الإرهاب والجريمة المنظمة وتكالب دول الجوار عليه لإفشال المشروع السياسي، أصرت القوى السياسية العراقية الحاكمة ومراجعها الدينية على كتابة مسودة الدستور الدائم والاستفتاء عليه في هذه الظروف العاصفة. وقد طالبنا في وقتها مع غيرنا، بتأجيل كتابة الدستور لأن الوقت غير ملائم إلى أن تهدأ الأمور، إذ لا يمكن كتابة هكذا قانون أساسي يعتبر أبو القوانين، في مثل هذه الظروف الاستثنائية الطارئة وبهذه العجالة. لأن في مثل هذه الحالات تصبح الأمور الشاذة مثل الطائفية والانتهازية والنفعية الشخصية القصيرة الأمد هي المهيمنة على عقلية كتاب الدستور، وبذلك فهكذا دستور سيخرج متحيزاً وسيكرس للأوضاع الشاذة ومنها الطائفية إلى أجل غير معلوم.
كذلك كان من المفترض بالذين يقومون بكتابة الدستور أن يكونوا من الخبراء المتضلعين بالقوانين وحقوق الإنسان والدساتير العالمية، وليسوا بالضرورة أن يكونوا منتخبين من قبل الشعب. فكتابة الدستور ولأهميته الفائقة وتأثيره البالغ على حياة ومستقبل ومصير الشعب، تحتاج إلى خبرة واختصاص ويجب أن لا يترك بأيدي الهواة بحجة أنهم منتخبون من الشعب، هذا ناهيك عن الشك الكبير الذي يكتنف تمثيل الأكثرية من النواب إلى الشعب العراقي طالما تم تعيينهم من قبل الزعماء السياسيين ضمن قوائم سرية. فمعظم دساتير العالم كتبها خبراء في القوانين والحقوق ثم تم طرحها على الرأي العام والبرلمان لمراجعتها ومناقشتها وبالتالي التصويت على نسختها الأخيرة لتكتسب الشرعية باستفتاء الشعب عليها. إلا إن العراق هو البلد الوحيد الذي سلك الديماغوجية واهتم بالشكليات الشرعية على حساب أهل الاختصاص والحقيقة والعدالة، ورأي الشعب الذي تمثله الصحف المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني. فتمت كتابة مسودة الدستور من قبل ناس رغم أنهم كانوا شكلياً يتسمون بالشرعية إلا إن اللجنة المنتخبة المؤلفة من 75 عضواً لم يحضر منهم جلسات كتابة ومناقشة المسودة أكثر من نصف هذا العدد وذلك لأسباب أمنية التي حذرنا منها.
إضافة إلى ما تقدم، فقد كتب هؤلاء الدستور على عجل حيث كانوا في حالة سباق مع الزمن وكأنهم كانوا يتقصدون الظروف الشاذة لتحقيق مآربهم وقبل أن يفيق الشعب إلى مصيره فيعرف ما ينفعه وما يضره، علماً بأن الدستور الأمريكي استغرقت كتابته 12 سنة وأجريت عليه ستة تعديلات فيما بعد. كذلك الدستور الألماني لم يكتب إلا بعد عشر سنوات من سقوط النازية، والياباني بعد 7 سنوات من سقوط العسكرية اليابانية في الحرب العالمية الثانية والذي كتبه الأمريكان لهم وبقي فاعلاً لحد الآن، ووفق ذلك الدستور حققت اليابان هذه القفزة المدهشة في الديمقراطية والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والتقدم الحضاري، تنافس حتى أمريكا نفسها. فلماذا استثني العراق وأجبر على أن يكتب دستوره بعد عامين من سقوط أبشع نظام وخلال ثلاثة أشهر فقط؟
ولهذه الأسباب مجتمعة، ورغم ما فيه من إيجابيات، إلا إن هذا الدستور في نفس الوقت حافل بالثغرات التي تهدد وحدة الشعب وتكرس الطائفية والعرقية. ونتيجة لذلك أصبح الدستور عقبة أمام سن القوانين التي تخدم المصلحة العامة. ولما صارت مسودة الدستور عام 2005 واقعاً لا مفر منه طالبنا مع غيرينا على التصويت لصالحه رغم نواقصه الكثيرة وذلك لعلمنا أن فشل التصويت عليه سيكون نصراً للإرهابيين وهزيمة للمشروع الديمقراطي والعملية السياسية. لذلك طالبنا الشعب بالتصويت عليه رغم علاته وثغراته ومن ثم لنطالب بإجراء التعديلات المطلوبة عليه ليرقى إلى دستور حضاري عصري لائق يحقق طموحات الشعب.
لقد برزت مشاكل الدستور الآن ونحن نواجه مسودة (قانون النفط والغاز) التي وافق عليها مجلس الوزراء وتم تقديمها إلى البرلمان لمناقشتها والتصويت عليها لتصبح قانوناً فاعلاً. ومن إطلاعي على مسودة القانون، ورغم كوني لست خبيراً في النفط والغاز، إلا إن هناك مسائل عامة لها علاقة بمصلحة الشعب ومستقبله، فمعظم الذين سيناقشونه في البرلمان ويسبغون عليه الشرعية هم مثلي ليسوا خبراء في النفط والقانون أيضاً.
والسؤال الملح الآن فيما يخص هذا القانون هو نفسه الذي طرحناه قبل عامين حول كتابة الدستور وهو: لماذا العجلة في سن هكذا قانون خطير يخص النفط الذي يشكل المصدر الرئيسي لاقتصاد الشعب؟ إذ هناك دواع كثيرة لتأجيل النظر في هذا الموضوع، لأهمها غياب الأمن، إذ يجب منح الأولوية للمسائل الضرورية التي لها علاقة مباشرة بحياة الشعب الأساسية مثل دحر الإرهاب والجريمة المنظمة، وإنجاز مصالحة وطنية حقيقية وتوفير الأمن والخدمات مثل الكهرباء والماء والصحة والتعليم.. الخ وحتى تستقر الأمور وعندها يمكن البدء بسن مثل هذا القانون وغيره. كذلك وفي ظل الأوضاع الراهنة يعاني العراق من نقص كبير في الخبراء في مجال النفط إذ أن معظمهم قد غادر البلد طلباً للسلامة، وأصبح مصير العراق الآن بيد قوات التحالف وخاصة الأمريكية. إن التسرع في سن هذا القانون الخطير الذي يمس حياة الشعب حاضراً ومستقبلاً، يثير الشبهات لدى كافة أبناء العراق الجديد ويدفعهم إلى الاعتقاد أن وراء الأكمة ما وراءها، وإلا لماذا هذا التسرع في إصدار قانون يخص النفط بالذات وليس غيره؟ إن هذا الأمر يذكرنا بقيام قوات التحالف، بعد سقوط النظام وتصاعد موجة الفرهود وتدمير منشآت الدولة، بحماية وزارة النفط وحدها دون غيرها من المنشآت الحكومية، الأمر الذي أعطى الذريعة لدى أعداء تحرير العراق أن ما كان الأمريكان يبغونه من إسقاطهم لنظام البعث هو النفط العراقي وليس نشر الديمقراطية أو محاربة الإرهاب!!
إن التسرع في إصدار هكذا قانون خطير وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية العاصفة يعطي المزيد من الذخيرة لأعداء الشعب وحتى الشعب نفسه للتشكيك في نوايا الأمريكان ومصداقية الحكومة الحالية.
ففي الدستور الدائم هناك الكثير من المواد والثغرات التي تشل الديمقراطية وتعيق وحدة الشعب العراقي، وقد أشار عدد من الخبراء إلى هذه الثغرات أخص منها بالذكر على سبيل المثال لا الحصر: المقدمة الإنشائية الطويلة والتي تصب في النعرة الطائفية وتكرسها ولا فائدة تذكر منها لذا يجب حذفها.
كذلك هناك مجال للطعن بمصداقية الاستفتاء على الدستور، إذ من المعروف أنه تم تعديل بعض المواد من وراء الكواليس قبل يومين من الاستفتاء وذلك من أجل كسب رضى بعض القوى السياسية. والنسخة التي اطلع عليها الشعب واستفتى عليها لم تشمل تلك التعديلات. وهذا بحد ذاته يضع تساؤلات على مصداقية الاستفتاء وشرعية الدستور.
كما وأن المادة (2)، اولاً، ( أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام. ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية). و هاتان الفقرتان تلغي إحداهما الأخرى. إن هناك أمور كثيرة في الإسلام تتعارض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان في عصرنا الراهن، وعلى سبيل المثال، لا يزال الرق يجوز في الإسلام وممنوع في الأنظمة الديمقراطية، الزواج من القاصرات يجوز في الإسلام وممنوع في القوانين المدنية، وللرجل مثل حظ الأنثيين في الإرث وشهادة المرأة في المحاكم الإسلامية نصف شهادة الرجل، بينما المرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات في الأنظمة الديمقراطية...الخ . فكيف يمكن التوفيق بين هاتين الفقرتين المتناقضتين في الدستور؟
على أن ما يهمنا في هذه العجالة هو ما يتعلق بلائحة (قانون النفط والغاز). فهناك اعتراضات عديدة على صدوره في هذا الوقت، أولا، وكما أسلفنا، لماذا التسرع في إصدار مثل هذا القانون وفي هذا الوقت العاصف بالذات؟
وثانياً، يمنح القانون صلاحيات واسعة للشركات الأجنبية على حساب حقوق الشعب العراقي تفوق ما تتمتع به الشركات حتى في الدول الخليجية. فلا يجب بيع ثروات الشعب على الشركات الأجنبية بسعر بخس كما حصل في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بحجة عدم استفادة الشعب من نفطه المؤمم في ظل النظام الساقط. فرغم إننا مع الانفتاح على الشركات الأجنبية للاستفادة منها في مجال الخبرة والاستثمار، ولكن في نفس الوقت يجب أن لا يكون ذلك على حساب مصلحة الشعب وحرمانه من ثرواته المستقبلية.
ثالثاً، جاء في لائحة القانون الجديد منح صلاحيات واسعة لحكومات الأقاليم في استثمار وحق تملك الثروات النفطية والغازية في مناطقها وحتى التعاقد مع الشركات الأجنبية وبمعزل عن الحكومة الفيدرالية. كما جاءت إحدى الفقرات من الدستور الخاصة بالنفط، لتحرم الحكومة الفيدرالية بالاشتراك مع الإقليم والمحافظات في إدارة الحقول النفطية التي ستكتشف مستقبلاً وأعطي هذا الحق إلى الإقليم والمحافظات فقط، علماً بأن ما يقوله خبراء النفط أن الذي سيكتشف بالمستقبل يعادل ضعف ما هو مكتشف حالياً، ولا يعرف أحد سر هذه الفقرة الغريبة والمعادية لحقوق كافة الشعب إلا السياسيين الذين حرفوا الدستور وراء الأبواب المغلقة. وجاء أيضاً لأن الإقليم والمحافظات لها صلاحية إصدار القوانين وفي حالة تضارب تلك القوانين مع القوانين الفيدرالية، فإن لقوانين الإقليم والمحافظات الأولوية. وكما جاء في مقالة للدكتور محمد علي زيني ستنشر قريباً: " إن قوانين الإقليم والمحافظات حين تعلوا على قوانين الحكومة الفيدرالية هو شيء مقلوب على رأسه ولا يوجد في أي قانون فيدرالي آخر في العالم..". وعليه فمن مصلحة الشعب العراقي أن تكون الثروات النفطية والغازية وغيرها، المكتشفة حالياً أو التي ستكتشف مستقبلاً تحت سيطرة الحكومة الفيدرالية والتي من صلاحيتها وحدها إعادة توزيعها على مختلف المحافظات والمناطق وفق الكثافة السكانية ودون حرمان أي منطقة منها.
وهذه المادة في لائحة قانون النفط والغاز لا يمكن تعديلها إلا بتعديل المواد القانونية من الدستور التي تتعلق بهذا الخصوص.
لذلك نهيب بالمخلصين من أبناء شعبنا وخاصة أصحاب العقد والحل من أعضاء البرلمان وقادة الأحزاب السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني وكافة المخلصين الغيارى من أبناء هذا الوطن، أن يبذلوا قصارى جهودهم بعدم التصويت على (قانون النفط والغاز) إلى أن يتم تعديل مواد الدستور بما يخدم مصلحة الشعب ويكرس وحدته الوطنية، وبالتالي يمكن تغيير مسودة قانون النفط وفق ما يخدم هذه الأهداف الوطنية النبيلة. وبدون إجراء التعديلات العقلانية الديمقراطية على الدستور، فإنه (الدستور) سيبقى مصدراً خطيراً جداً لإثارة الصراعات والنعرات المدمرة بين مكونات الشعب وعدم استقراره، وبالتالي سيقود هذا الدستور إلى تفتيت العراق بكل تأكيد.¤ وبهذه المناسبة، أدناه رابط لنداء موجه إلى البرلمان العراقي وكافة المسؤولين العراقيين من قبل المثقفين العراقيين، يناشدونهم فيه إجراء التعديلات الضرورية على الدستور. وللإطلاع على النداء والتوقيع عليه إن شئتم، أرجو الضغط على الرابط:
http://www.gopetition.com/online/11368.html