د. عبدالخالق حسين
الأثنين 6/12/ 2010
لا لإغلاق النوادي الليلية في بغداد
د.عبدالخالق حسين
أفادت الأنباء عن قيام مجلس محافظة بغداد بإغلاق النوادي الليلية الترفيهية. كما وأرسل المجلس " قوة مسلحة تتكون من الشرطة والأمن السياحي وعمليات بغداد، اقتحمت مبنى إتحاد الأدباء والكتاب العراقي، الواقع في ساحة الأندلس وسط بغداد، لتطالب أمينه العام، الشاعر المعروف الفريد سمعان بتوقيع محضر إغلاق النادي الاجتماعي للإتحاد، أسوة بالنوادي الليلية والملاهي والبارات! وبقرار ارتجالي من محافظ بغداد ومجلسها البلدي!"
لا شك أن هذا القرار في منتهى التعسف ويستحق الإدانة، وهو يذكرني بمقولة اللورد أكتون: "السلطة تفسد، والسلطة المطلقة تفسد إفساداً مطلقاً"، كما ويقول مثل إنكليزي: "إذا أردت أن تعرف حقيقة إنسان فأعطه مالاً أو سلطة". إن ما يجري في عراق ما بعد صدام هو تأكيد لهذين القولين المأثورين. إذ هناك من وضعتهم الأقدار في موقع السلطة وهم ليسوا أهلاً لها، فكشفوا عن حقيقتهم الكالحة في استغلال صلاحياتهم لاضطهاد الآخرين.
فبعد أن انتهى السيد رئيس مجلس محافظة بغداد وأعضاء مجلسه العتيد من حل جميع مشاكل سكان العاصمة، البالغ عددهم نحو ثمانية ملايين نسمة، ونجح في توفير كافة الخدمات المطلوبة لهم ، فأزال أكوام المزابل وطفح المجاري، ونشر الأزهار في شوارع المدينة، ووفر العمل للعاطلين، والخبز للجياع، والسكن للأرامل والأيتام، ودر الحضانة للأطفال، فأحتار ماذا يعمل ليضيف إلى سجل "أعماله العظيمة المباركة"، فلم ير سوى الاستجابة (لمطالبات أهالي بغداد بوضع حد لتلك النوادي التي أصبحت "تتبارى براقصاتها في الشارع البغدادي" حسب ما جاء في تصريحات رئيس مجلس المحافظة في تبرير إجراءاته التعسفية.
ومن هذه التصريحات نفهم أن أهالي بغداد بعد أن شبعوا من مواكب اللطم، فجأة تحولوا إلى مواكب "تتبارى براقصاتها في الشارع البغدادي". لا شك أن هذا التحول المفاجئ هو نوع من القفزات الوراثية أو الثورية في بغداد، لذلك سارع رئيس مجلس المحافظة بوضع حد لهذه التصرفات المنافية للأخلاق الراقية التي يسعى هو ومجلسه نشرها في ربوع العاصمة.
يبدو أن هذا المجلس قد أصابته العدوى من نظرائه في المحافظات الأخرى في التضييق على حريات المواطنين، فاستكثروا عليهم قضاء سويعات قليلة في منتديات ترفيهية بعد ساعات من العمل المرهق والخوف من تفجيرات الإرهابيين. ففي محافظة البصرة أعتدت الشرطة قبل سنوات، وبأوامر من المسؤولين، على طلبة الجامعة لقيامهم بسفرة طلابية عادية في جزيرة السندباد، و"الجرم المشهود" الذي بسببه وقع الاعتداء على الطلبة هو الغناء، إذ اعتبر المسؤولون الغناء منافياً للأخلاق والدين وتقاليدنا الراقية!!
وتكررت المهزلة وبأوامر قرقوشية قبل أسابيع عندما منع مجلس محافظة البصرة إحدى فرق السيرك العالمية من العمل في المحافظة. ونفس المهزلة تكررت في الحلة عندما أصدر مجلس محافظة بابل قراراً بمنع مشاركة الفنانين الموسيقيين في مهرجان بابل الثقافي، وكان بعض الفنانين قد جاؤوا من خارج العراق وبدعوة من منظمي المهرجان. ولا أدري ماذا بقي للثقافة إذا خلت من فن الغناء والموسيقى، إذ كما يقول نيتشة: " لولا الموسيقى لكانت الحياة ضربا من الخطأ".
إن هذه الإجراء التعسفية دليل على جهل المسؤولين بنتائجها التدميرية. فالنوادي الليلية والملاهي والمسارح ودور السينما والموسيقى وغيرها هي ليست من الكماليات في المجتمعات المتحضرة، بل هي من الضروريات التي لا غنى عنها لأنها وسائل ترفيهية تخفف من الضغوط النفسية التي يتعرض لها الإنسان خلال ساعات العمل المرهق، وإذا لم يتم التخفيف عنها بالوسائل البريئة السليمة، فتسبب له أمراضاً على شكل عقد نفسية وبعضها عدوانية، أو يلجأ الإنسان إلى إشباعها بطرق غير مشروعة، "فكل ممنوع متبوع" كما تفيد الحكمة.
إن هذا القرار المنافق يذكرنا بـ"الحملة الإيمانية" سيئة الصيت التي أطلقها المقبور صدام حسين عام 1994 بعد أن أفلس نظامه، فلم يبق له سوى الضحك على الذقون بأن ركب الموجة الدينية، فأصدر قرارات مجحفة بإغلاق الملاهي والبارات ومحلات بيع الخمور، ومنح جوائز حفظ القرآن، وتشجيع الحجاب في المدارس ودوائر الدولة، وإطلاق سراح السجناء الجنائيين لمن يحفظ القرآن، إلى آخره. ولكن كل هذه الإجراءات المنافقة لم تنقذ نظامه من السقوط المدوي في مزبلة التاريخ.
وإذا كان رئيس مجلس محافظة بغداد يقصد من قراره هذا حماية الفضيلة ومنع الرذيلة، فهو على خطأ كبير، وليسأل نظيره أمين عاصمة طهران الذي أكد العكس تماماً من هذه الإجراءات. فالشعب الإيراني المبتلى بحكم ولاية الفقيه، هو أبعد الشعوب الإسلامية عن التدين، وفي أعلى نسبة في العالم من المدمنين على المخدرات، و أكبر مستهلك للمشروبات الكحولية المقطرة في البيوت، وأكثر دولة يمارس فيها البغاء، ففي طهران وحدها توجد نحو 30 ألف مومس. لذلك على المسؤولين في بغداد أن يتعلموا من تجارب الآخرين.
لقد وضع رئيس مجلس محافظة بغداد نفسه في موقف يرثى له، وفي حالة مواجهة مع الثقافة والمثقفين. وإذا كان إجراءه تطبيقاً لتعاليم دينية، أو أيديولوجية إسلامية، فإنه أساء إلى سمعة الدين وإلى سمعته أيضاً، فهذه الإجراءات تنفِّر الناس عن الدين، إذ قوبل قراره هذا بالاستنكار الشديد من قبل المثقفين والحريصين على نجاح العملية السياسية. ولكن بلا خجل، وصف رئيس المجلس المعترضين عليه والمظاهرات التي شهدها شارع المتنبي "بالنفر المتوهم الذي ضم بعض المأجورين على قاعدة شبيه الشيء منجذب إليه".
كذلك تم نشر نداء: تضامناً مع مثقفي العراق ضد خنق الحريات ومصادرتها على مواقع الانترنت، وخلال يومين فقط من نشره وقع عليه نحو 800 مثقف (نضع الرابط أدناه لمن يرغب في التوقيع على النداء). فهل كل هؤلاء المثقفين متوهمون وهم ضمن "شبيه الشيء منجذب إليه"؟
لقد جاء هذا الإجراء تزامناً مع تفاقم الأزمات الكثيرة التي يواجهها العراق وعلى رأسها أزمة تشكيل الحكومة. ونحن أنصار العراق الجديد نقدر حجم هذه الأزمات وقوة أعداء الديمقراطية، لذلك منحنا دعمنا للقوى الخيرة في الدولة الجديدة من أجل سد الطريق على فلول البعث وحلفائهم الذين يريدون تخريب العملية السياسية برمتها تمهيداً لعودة "حزب العودة". إن إجراء مجلس محافظة بغداد أعطى ذخيرة حية وسلاحاً ماضياً إلى أعداء العراق الجديد، وهم لا شك يرقصون له الآن فرحاً ليقولوا: هاهم حكام العراق الجدد، يريدون تحويل العراق إلى دولة طالبانية.
إن إجراء مجلس محافظة بغداد غير قانوني، هذا ما أكده الخبير القانوني الأستاذ طارق حرب الذي قال: "أن البرلمان هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن تشريع قانون يتم بموجبه إغلاق النوادي الترفيهية والليلية كونه الجهة التشريعية العليا في البلاد. وأشار حرب في تصريح لـ"شاهد عيان" إلى أن مجلس النواب لم يصدر تشريعا يقضي بإغلاق هذه الأماكن فضلا عن عدم تكليفه للمجالس المحلية ومجالس المحافظات مهمة إغلاق تلك النوادي." (السومرية نيوز/ بغداد، 4/12/2010).
ولذلك نهيب بالسادة: رئيس الجمهورية الأستاذ جلال طالباني، ورئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي، ورئيس البرلمان الأستاذ أسامة النجيفي، بالتدخل السريع لإلغاء جميع الإجراءات التعسفية التي تتخذها مجالس بعض المحافظات لخنق حريات المواطنين وتحويل العراق إلى دولة طالبانية.
تضامناً مع مثقفي العراق ضد خنق الحريات ومصادرتها
http://www.al-nnas.com/al-nnas_petition3/index.php
العنوان الإلكتروني للكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.com /