د. عبدالخالق حسين
الخميس 5/4/ 2007
فضيحة (مشروع قانون حقوق وامتيازات النواب العراقيين)
د. عبدالخالق حسين
إن ما يجري في العراق بعد سقوط نظام البعث الفاشي يعكس مدى الانحطاط الإخلاقي والحضاري والفكري الذي عم العراق خلال أربعة عقود من حكم التيار القومي العروبي وخاصة البعثي الساقط. لقد بلغ الفساد والأنانية والنهب والسرقة من قبل المسؤولين الجدد حداً بحيث بات الوضع مثيراً لحيرة المخلصين من المفكرين العراقيين وأصدقائهم العرب لتفسير هذه الظاهرة المحيِّرة، حيث رحت أستلم من العديد منهم، رسائل ومكالمات هاتفية يسألوني عن هذا السلوك اللاإخلاقي المتفشي في العراق بين مسؤولين كبار، سواءً كانوا أعضاء في البرلمان أو وزراء أو موظفين في الدولة، إلى حد أن راح الناس يترحمون على عهد صدام حسين المقبور. ويعتبر العراق اليوم على رأس قائمة الحكومات الفاسدة في العالم.
لقد سمعنا قصة وزير الدفاع السابق السيد حازم الشعلان، المتهم بسرقة 800 مليون دولار وهو هارب الآن من وجه العدالة، وإذا كان بريئاً فمن واجبه أن يحضر المحكمة كي يبرئ ساحته. كما وسمعنا قصة وزير الكهرباء السابق السيد أيهم السامرائي الذي حكمت عليه محكمة الجنايات العراقية بالسجن لمدة عامين بتهمة سرقة أموال الدولة، والذي تم تهريبه من السجن إلى الخارج بعد دفعه رشوة كبيرة لحراس السجن. كذلك هناك لجنة النزاهة برئاسة القاضي راضي لملاحقة القائمين بالفساد من وزراء وموظفين كبار في الدولة.
ولكن هناك فساد من نوع آخر يقوم به مشرعون في المجلس التشريعي (النواب) يشرعون قوانين تبيح لهم وحدهم وليس لغيرهم، بالنهب والفرهود وفي ضوء النهار وفقاً لقوانين يسنها هؤلاء أنفسهم ولمصلحتهم فقط. ففي الدورة السابقة لمجلس النواب التي كان عمرها ستة أشهر فقط، سن النواب قانوناً يمنحهم رواتب تقاعدية تعادل خمسة أضعاف راتب أستاذ جامعي خدم 25 سنة، إضافة إلى امتيازات أخرى. كما وعلمنا (أن
140 عضوا في مجلس النواب يرافقهم نحو عشرة وزراء توجهوا إلى الديار المقدسة في السعودية، إضافة إلى سفر ثلث أعضاء مجلس محافظة البصرة المؤلف من 40 عضوا، و13 عضوا من مجلس محافظة ميسان و15 عضوا من مجلس محافظة الديوانية وعدد من أعضاء من مجلس محافظة الناصرية. (راجع مقالنا:
الحج: متعة أم فريضة؟)
واليوم سمعنا وقرأنا العجب، عن فضيحة جديدة لا تحصل إلا في عراق ما بعد صدام، دولة الفرهود (مشروع قانون حقوق وامتيازات مجلس النواب: رئيسه بدرجة رئيس الجمهورية والعضو بدرجة ومرتب رئيس الوزراء مع قطعة أرض وسكن وسلف مالية مفتوحة ودون فوائد وحماية مسلحة خاصة !...) أدناه الرابط .
والسؤال الملح هو: ما سبب هذا التهافت على الامتيازات علماً بأن قسماً كبيراً من النواب لم يحضر جلسات المجلس وأنهم نواب بالاسم فقط، بل أن عدداً منهم استقر في العاصمة الأردنية، عمان، يستلم رواتبه كاملة من دون أي مقابل يقدمه للشعب العراقي الذي انتخبه في ظروف تهدد حياته بالموت من قبل الإرهابيين؟
الجواب هو أن هؤلاء يعرفون جيداً أنهم لولا المحاصصة الطائفية وانضمامهم إلى قوائم الأحزاب الدينية لما فازوا في هذه الانتخابات. ومعنى هذا أنهم يعتبرون وجودهم كأعضاء في البرلمان هو فرصة العمر سوف لن تتكرر أبداً، وسينبذهم الشعب وإلى الأبد، لذلك يريدون تحقيق أكبر ما يمكن تحقيقه من مكاسب مادية لأنفسهم وعائلاتهم خلال فترة عضويتهم في البرلمان وفي المسؤولية. أما الشعب المسكين المحروم من الأمن والخبز والحرية فنصيبه التشرد والهجرة والتفجيرات اليومية على أيدي الإرهابيين.
إنها مرحلة عصيبة محكوم على هذا الشعب أن يمر بها مقابل تحرره من حكم الفاشية. أجل من المستحيل أن نتوقع من شعب عاش وضعاً مأساوياً لأربعة عقود أن ينجب حكام نزيهين. وهذا لا يعني أن ليس بين المسؤولين في السلطة والبرلمان أناس نزيهين ومخلصين، ولكن هؤلاء من الأقلية وصوتهم خافت ودورهم ضعيف في هذه المرحلة التاريخية الصعبة، إنها مرحلة الانتهازية والسراق والحرامية، نرحلة لا مناص منها، وهؤلاء يحكمون على سمعتهم بالإعدام، لأن في نهاية المطاف لا بد وأن يستفيق الشعب من هذه الصدمة ويميِّز المخلصين من الانتهازيين والنفعيين، والشعب الذي انتخبهم يدفع الآن ثمن اختياره لهم، إنه أشبه بالاختيار الطبيعي والبقاء للأصلح، ففي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.
مواد ذات علاقة بالموضوع:
* الحج: متعة أم فريضة ؟
* رابط لمشروع قانون حقوق وامتيازات مجلس النواب
* Report: Iraqi Corruption Since 2003 Estimated at $8 Billion