د. عبدالخالق حسين
الأثنين 4 / 6 / 2007
لمصلحة مَنْ الهجمة على القرآنيين في مصر؟
د.عبدالخالق حسين
يبدو أن الحكومات العربية لم تتعلم أي درس من تاريخها الحافل بالمآسي والهزائم والتي قادت شعوبها البائسة من كارثة إلى أخرى، ولم تستخلص أية عبرة من أخطائها وما أكثرها منذ تأسيس الدول العربية الوطنية الحديثة ولحد الآن. فقد أدمنت هذه الحكومات على الاستبداد واضطهاد شعوبها ومحاربة الديمقراطية ودعاتها، والليبرالية وأنصارها. ولأجل تحقيق هذا الغرض، اعتمدت هذه الحكومات على المؤسسات الدينية وخاصة السلفية منها، فأطلقت لها وحدها حرية التعبير، والسيطرة شبه التامة على الشارع العربي، فاستغل الإسلاميون جهل الجماهير وتفشي الأمية في صفوفها، فتمادوا في نشر الفكر الظلامي وشحن الشباب بثقافة التطرف والكراهية والعداء للآخر، وأبرزوا وجه الإسلام بشكل مشوه وكالح حيث أظهروه للعالم كدين يدعو إلى العنف ورفض الآخر المختلف ومحاربته. ونتيجة لهذا التحالف بين الحكومات العربية المستبدة والمؤسسات الدينية الإسلامية المتطرفة، ولد الإرهاب الإسلامي الذي وضع الإسلام والمسلمين في حالة مواجهة دموية غير متكافئة مع غير المسلمين الذين يشكلون أكثر من 80% من سكان المعمورة.
وكما هو معروف، فلكل فعل رد فعل، ولا بد من إيجاد علاج لكل علة، ونتيجة لتفشي مرض التيار السلفي التكفيري بقيادة حزب الأخوان المسلمين في مصر، والذي بدوره ولد من رحم الحركة الوهابية التكفيرية الوافدة من المملكة العربية السعودية، خاصة بعد تنامي الثروات النفطية الهائلة، ظهرت حركة أهل القرآن أو القرآنيين في مصر. والهدف الأساسي لهذه الحركة المسالمة هو إبراز الوجه المتسامح للإسلام كنقيض لما تدعيه الجماعات السلفية الأخوانية والوهابية التكفيرية التي جلبت الكوارث على الإسلام والمسلمين.
وقد تأسست حركة أهل القرآن في مصر في الثمانينات من القرن المنصرم، ومؤسسها هو رجل الدين المتنور الأزهري فضيلة الشيخ الدكتور أحمد صبحي منصور، الأستاذ في الأزهر الشريف سابقاً. وهدف هذه الحركة كما بينا، إعطاء صورة حقيقية للإسلام بوجهه المتسامح الذي يقبل التعايش السلمي مع غير المسلمين في كل مكان دون تمييز، وتخليص الإسلام من التعصب والتطرف والانغلاق. كما وتعتمد هذه الجماعة في فهم الإسلام على القرآن الكريم، لأن السنة النبوية أو أحاديث النبي محمد (ص) تعرضت للتشويه حيث كانت تتناقل شفاهاً عبر الأجيال، ولم يتم تدوينها إلا في القرن الثالث الهجري، أي بعد أكثر من مائتي سنة على وفاة الرسول. واستغل وعاظ السلاطين وخاصة في عهد الدولة الأموية الوضع فانتحلوا أقوالاً من عندهم لإرضاء السلطان في تبرير مظالمه ونسبوها كذباً إلى النبي. بينما تمت كتابة الآيات القرآنية في عهد الرسول نفسه، وتشكلت لجنة من الصحابة قامت بجمع الآيات في كتاب موحد وهو القرآن في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان (رحمه الله).
لذلك فمن المنطق السليم الاعتماد على القرآن أكثر من غيره في فهم الإسلام وتفسيره. ولكن مع الأسف الشديد تعرضت هذه الجماعة إلى معارضة شديدة ومضايقات عنيفة ومطاردة من التيارات السلفية وخاصة من قبل الأخوان المسلمين، والحكومات المتعاقبة في مصر. إن أول هجمة شرسة تعرضت لها الجماعة كانت عام 1987، حيث استلم أعضاؤها تهديداً بالقتل من الإسلامويين المتطرفين، وحملة اعتقالات من قبل الحكومة. وتكررت هذه الحملة في عامي 2000 و2001، وتعرض مؤسسها الدكتور أحمد صبحي منصور إلى التهديد بالقتل، حيث أصدر السلفيون فتوى تصفه بالكفر والردة، التهمة التي تجعل أي متهم بها معرضاً للقتل باسم الإسلام بواسطة أي مسلم في الشارع تعرض إلى عملية غسيل دماغ من قبل فقهاء الموت، خاصة في هذا الزمن مع الفلتان الأمني وطغيان التطرف والتعصب الديني، مما اضطر الرجل إلى الفرار والهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليسلم على حياته وحياة أفراد عائلته، حيث يقيم فيها لحد الآن. ومن هناك قام الدكتور صبحي منصور بتأسيس مركز القرآنيين العالمي، حيث نجح في حشد الألوف من الإسلاميين المتنورين في العالم والقيام بحملة نشر الأفكار التنويرية عن الإسلام المتسامح لتوعية الجماهير ومواجهة الإرهاب والتطرف الإسلامي.
وألان تفيد الأنباء عن قيام الحكومة المصرية بحملة جديدة في ملاحقة القرآنيين، حيث قامت السلطات الأمنية في مصر باعتقال عدد من نشطاء أهل القرآن بلا أي مبرر، وبدون أدنى خجل أو تأنيب ضمير، خاصة وإن هذه الجماعة هي ليست سياسية وتنبذ العنف بجميع أشكاله، إذ تعتمد على نشر الفكر التنويري بين الجماهير لحمايتها من السقوط فريسة في مخالب المنظمات الإسلاموية الإرهابية، وذلك بالاعتماد الكلي على تفسير القرآن تفسيراً عقلانياً يتناسب مع روح العصر الحاضر.
والغريب أيضاً، أن الحكومة المصرية تحاول بكل الوسائل الإعلامية إقناع العالم، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، تحسين صورتها والظهور بأنها حكومة ديمقراطية وليبرالية علمانية ومع حرية الرأي والتعبير، وبأن حقوق الإنسان مصانة في مصر، وأن جميع المواطنين المصريين يتمتعون بحقوق المواطنة بدون أي تمييز...إلى أخره من الإدعاءات. ولكن هذا في مجال الكلام والإعلام فقط، بينما الواقع هو على النقيض تماماً من ادعاءات الحكومة، حيث الحريات الديمقراطية معدومة، وسياسة العصا الغليظة هي القاعدة، والسجون والمعتقلات مليئة بسجناء الضمير من الديمقراطيين والليبراليين ومنهم أهل القرآن. إضافة إلى ما تعانيه الأقليات الدينية والمذهبية مثل الأقباط والشيعة والبهائية، بل وحتى أهل السنة المعتدلين من مظالم، ولم يسلموا من مضايقات الحكومة وتهديدات المتطرفين الإسلامويين.
إن سياسة الحكومة المصرية لمطاردة القرآنيين وغيرهم من الديمقراطيين، تضر بالشعب المصري وتخدم التطرف الإسلامي والإرهابيين، إذ لا يمكن مواجهة التطرف والإرهاب بدون نشر الفكر التنويري الديمقراطي لحماية الجيل من السقوط ضحية لعمليات غسيل الدماغ من قبل فقهاء الموت من قادة الأخوان المسلمين وغيرهم من السلفيين التكفيريين. وإلا كيف نفسر إصدار الحكم بالسجن على الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز بن خلدون وهو أستاذ علم الاجتماع، وغيره من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وكيف نفسر موجة الفتاوى التي أحرجت رجال الدين المسلمين المعتدلين مثل فتاوى رضاع الكبير وشرب بول الرسول..الخ؟ كذلك صدور فتوى بتكفير 31 مفكراً ليبرالياً من بينهم رجال دين من أمثال الشيخ جمال البنا والدكتور أحمد صبحي منصور والدكتور سيد القمني وكتاب ليبراليين من أمثال الدكاترة سعد الدين إبراهيم ووفاء سلطان وشاكر النابلسي وغيرهم.
خلاصة القول، إن تغاض الحكومة المصرية عن السلفيين المتطرفين وتضييق الخناق على المتنورين من أمثال أهل القرآن، والكتاب الليبراليين له عواقب وخيمة جداً ليس على الشعب المصري فحسب، بل وعلى الحكومة المصرية نفسها، حيث تسيء إلى سمعتها وتجلب البلاء على نفسها وعلى الشعب المصري المبتلى بالإرهاب والاستبداد. لذلك نهيب بالمثقفين الأحرار من أنصار حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية في العالم التحرك السريع ومطالبة الحكومة المصرية بإطلاق سراح المعتقلين القرآنيين وكافة سجناء الضمير.