د. عبدالخالق حسين
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الثلاثاء 3/10/ 2006
هل هي بداية حكم ولاية الفقيه في العراق؟
عبدالخالق حسين
قدم يوم 2/10/2006 ، النائب سامي العسكري من "الكتلة الشيعية" اقتراحاً طالب فيه بتشكيل لجنة عليا من البرلمانيين مكونة من فقهاء في الشريعة الإسلامية، مهمتها تدقيق القوانين التي يصادق عليها المجلس التشريعي للتأكد من تطابقها مع الإسلام. وقد تلقى الاقتراح موافقة رئيس البرلمان الدكتور محمود المشهداني. إلا إن النائب الدكتور فؤاد معصوم (من التحالف الكردستاني) اعترض على الاقتراح قائلاً أن هذا الأمر من اختصاص المحكمة الفيدرالية. ولما أيد النائب حميد مجيد موسى (من كتلة العراقية) موقف النائب فؤاد معصوم، وجه الدكتور المشهداني إهانة له وأرغمه على السكوت بشكل غير لائق. كما واعترضت النائبة ميسون الدملوجي من كتلة (العراقية) على الاقتراح وقالت أن في هذه الحالة يجب تشكيل لجنة عليا أخرى من فقهاء في الديمقراطية وظيفتها التأكد من أن القوانين التي يصادق عليها البرلمان لا تتعارض مع الديمقراطية وذلك وفق المادة الثانية من الدستور. إلا إن اقتراح النائبة الدملوجي قوبل بالصراخ والغضب من رئيس البرلمان الذي أختتم صراخه بالقول أن: " أي قانون لا يتوافق مع الإسلام نتعامل معه بالقندرة (أي بالحذاء!!) سواء توافق مع الديمقراطية أو لا يتوافق". وقوبل هذا الصراخ واللغة السوقية بترحيب حار من النواب الإسلاميين، السنة والشيعة. ولما حاولت النائبة صفية السهيل (من كتلة العراقية) دعم زميلتها قائلة بأن ما طرحته النائبة ميسون الدملوجي هو دستوري، استشاط رئيس المجلس غضباً واتهمها بما يوحي بأنها ضد الإسلام. ثم حاول النائب مهدي الحافظ المشاركة في السجال إلا إن الرئيس منعه من الكلام!!
لا شك أن الديمقراطية التي ضحى الشعب من أجلها كثيراً في خطر. فنحن هنا أمام محنة قاتلة يجب على المثقفين عدم السكوت عنها. فكما هو معروف إن دور رئيس البرلمان هو إدارة اجتماعات المجلس وبحيادية تامة كدور القاضي في سير المحاكمات. إذ ليس من حق الرئيس إبراز تحيزه إزاء أي اقتراح أو لائحة قانون، ناهيك عن الصراخ وتوجيه الإهانة واتهام الأعضاء الذين لا يوافقهم في الرأي. غني عن القول أن تصرف رئيس المجلس غير قانوني ومدان، خاصة وقد استخدم لغة سوقية في مكان يجب الحرص على قدسيته من قبل الجميع، فما بالك أن يتعرض للإهانة من قبل رئيس البرلمان نفسه. ففي الوقت الذي يحق فيه للنائب سامي العسكري طرح اقتراحه، كذلك يحق للآخرين إبداء آرائهم فيه. وكذلك من حق الرأي العام من خارج البرلمان المشاركة في اغناء النقاش في وسائل الإعلام.
في الحقيقة إن مقترح النائب سامي العسكري هو تمهيد لتطبيق (حكم ولاية الفقيه) ولكن تحت تسمية أخرى. ولو نجح الإسلاميون في ما يريدون، فسنقرأ على الديمقراطية السلام. إن الديمقراطية هي حلم الشعب العراقي وكلفته تضحيات جسام، يحاول الآن الإسلاميون الالتفاف عليها بمختلف الأساليب والوسائل لتفريغها من محتواها وتبديلها بـ"نظام ولاية الفقيه" واستنساخ النظام الإيراني. ففي إيران انتخابات وبرلمان ورئيس جمهورية منتخب، إلا إن القوانين يجب أن توافق عليها لجنة حماية الدستور التي لم ينتخبها أحد وأن القرار النهائي والحكم الحقيقي بيد مرشد الجمهورية الإسلامية غير المنتخب من الشعب.
وهذه المحنة العراقية الجديدة التي تضاف إلى محنه الأخرى الكثيرة، هي نتيجة التناقضات في الدستور الذي كتب بتسرع والذي حذرنا منه إثناء كتابة مسودته وأشرنا إلى الألغام التي زرعت فيه عن قصد لتفريغه من الديمقراطية، ولكن اعتراضاتنا وقعت على أذن صماء والآن يدفع الشعب ثمنه. ففي المادة (2) فقرة (أ) تنص ـ "لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام." وفقرة (ب) ـ "لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية." وكما هو واضح من النصين، فإنهما متناقضتان، وعلى حد تعبير السيد رئيس مجلس البرلمان، صارت الحقوق الديمقراطية مساوية مع الحذاء وتعامل بالحذاء في حالة تعارضها مع ثوابت أحكام الإسلام، وفي هذه الحالة سنقرأ الفاتحة على الدستور وعلى الديمقراطية معاً.
والسؤال المحيِّر هو كيف استطاع الدكتور محمود المشهداني وبقدراته المتواضعة هذه تبوئ هذا المنصب الخطير؟ فقد عرف عنه قبل سقوط البعث أنه كان طبيب أسنان، متديناً بسيطاً إلى حد السذاجة، يتردد على التكيات والدراويش، محباً للخير. فكيف تحول هذا الإنسان الطيب إلى هذه الرعونة في التعامل مع الآخرين؟ يقول فولتير: " لتعرف إنساناً على حقيقته امنحه السلطة". وقد وضعت الأقدار المشهداني على المحك، فمنحته المنصب الخطير، وهو الذي اعترف مرة قائلاً: "اننا كنا عاجزين عن إدارة مستوصف فكيف بنا ونحن ندير دولة". الجواب واضح وهو المحاصصة الطائفية هي التي ضمنت له المنصب واختارت الشخص غير المناسب. فتصرفاته وتعليقاته تذكرنا بـ" الطيب الذكر" خير الله طلفاح، الذي اشتهر بالرعونة والعبارات السوقية. فمحمود المشهداني أيضاً اشتهر بعبارات مضحكة وسوقية، سواءً إثناء إدارته لجلسات البرلمان أم في تصريحاته خارج البرلمان. الله في عونك يا شعب العراق، فهؤلاء هم قادتك، ولا بد فإن صدام حسين وأتباعه يضحكون الآن بشماتة وفرح غامر!!
وكمثقفين، لا حول لنا سوى تقديم النقد والنصح لمن أوصلتهم الأقدار إلى التحكم بمصائر شعبنا، نقول لهم، فكروا جيداً قبل أن تقدموا على هذه العملية الانتحارية، ولا تخيِّبوا أمل الشعب بكم ولا تضيِّعوا تضحياته. فقد عانا هذا الشعب بما فيه الكفاية، ولا قدرة لديه ليخوض آيديولوجية شمولية أخرى ويضيِّع أربعة عقود أخرى من وقته في التجارب الآيديولوجية الشمولية التي أثبتت فشلها في كل مكان. نؤكد لهؤلاء بأن لا خوف على الإسلام من القوانين الديمقراطية، فتجارب البلدان الديمقراطية "الكافرة" أثبتت أن الإسلام فيها بخير، ولكن الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست بخير ومعدومة في البلدان التي تدعي أنها طبقت الشريعة الإسلامية. وصاحب الاقتراح النائب سامي العسكري ومعظم الذين رحبوا باقتراحه من الإسلاميين فضلوا العيش في البلدان الغربية الديمقراطية في عهد النظام البعثي الساقط على العيش في البلدان التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية.
العراق يختلف عن إيران وعن السعودية وعن أية دولة إسلامية أخرى، وذلك بسبب تعددية مكوناته العرقية والدينية والمذهبية. فشريعة أي إسلام تريدون تطبيقها في العراق؟ هل هي شريعة إسلام السيد علي خامنئي الذي لا يعترف إلا بالإسلام الشيعي؟ أم بشريعة الشيخ يوسف القرضاوي والزرقاوي وبن لادن والسلفيين الآخرين الذين يكفرون الشيعة ويبيحون ذبحهم؟ بينما نجد مساجد السنة والشيعة وجميع المذاهب الإسلامية الأخرى عامرة في البلاد الديمقراطية الغربية التي تسمونها ببلاد الكفار. كما و نرى بعض المذاهب الإسلامية مضطهدة في الدول الإسلامية التي تطبق الشريعة. ففي بريطانيا حيث يوجد فيها أقل من مليونين مسلم، عدد المساجد فيها يفوق عدد المساجد في إيران التي يبلغ عدد المسلمين فيها أكثر من 70 مليون نسمة. وهذا يعني أنه لا خوف على الإسلام من الديمقراطية، بل هناك كل الخوف على الديمقراطية وحقوق الإنسان من الإسلامويين في ظل حكم الشريعة. فكما قال المصلح جمال الدين الأفغاني: " وجدت الإسلام في الغرب بدون مسلمين ووجدت المسلمين في الشرق بدون إسلام". تذكروا أيها السادة قول الله تعالى : (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)، وتذكروا أيضاً قول عبدالملطلب جد النبي محمد (ص) لأبرهة: (للبيت رب يحميه). فللإسلام أيضاً رب يحميه، ولا يحتاج حمايتكم له بقوانينكم التي تتعارض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
خلاصة القول، من الصعوبة تطبيق حكم الشريعة في بلد متعدد المذاهب. فكل مذهب إسلامي يريد الشريعة حسب تفسيراته للقرآن والسنة. وكما قال الإمام علي (ع): "القرآن حمال أوجه". ناهيك عن صعوبة التوفيق بين الديمقراطية وحكم الشريعة. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: الرق ممنوع حسب المبادئ الديمقراطية وغير ممنوع في الإسلام، الزواج محرم من فتاة قبل بلوغها الثامنة عشرة من العمر وفق مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية في الدول المتمدنة، ومسموح به من الطفلة بعد التاسعة من العمر في الإسلام. شهادة المرأة تعادل نصف شهادة الرجل في الإسلام، بينما تعادل شهادة الرجل في العالم المتحضر، وكذلك الأرث. العقوبات الجسدية محرمة وفق الشرائع الدولية وواجبة وفق الشريعة الإسلامية مثل رجم الزاني والزانية وقطع الأطراف والعين بالعين، وحق الزوج في ضرب الزوجة... الخ. فماذا أنتم فاعلون في هذه الحالة أيها السادة الأفاضل؟ هل تساوون جميع هذه الحقوق الديمقراطية مع قندرة السيد رئيس البرلمان؟