د. عبدالخالق حسين
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
أهمية مقتل بن لادن
د.عبدالخالق حسين
أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كلمة متلفزة بثت مساء الأحد (1/5/2011) أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن قد قُتل (مع امرأة- زوجته- وثلاثة رجال، يعتقد أن أحدهم نجل بن لادن). كما وأكد أن "العدل قد تحقق هذه الليلة" بمقتل زعيم تنظيم القاعدة. وبقيت جثته بحوزة السلطات الأمريكية، إلى أن دفنت فيما بعد في بحر العرب وفق طقوس إسلامية.
والجدير بالذكر أن المسؤولين الأمريكيين تأكدوا من موت بن لادن عن طريق فحص الحمض النووي، وأن العملية، التي تم فيها تبادل لإطلاق النار استغرقت نحو 40 دقيقة فقط،، لم تسفر عن سقوط خسائر في صفوف المدنيين، أو المهاجمين الأمريكيين.
ومما له أهميته، أن مقتل بن لادن قد حدث في مدينة أبوت آباد الباكستانية التي تبعد نحو 70 ميلاً عن العاصمة إسلام آباد، في بناية محصنة قريبة من قاعدة عسكرية، لا تبعد أكثر من 70 متراً عن أكاديمية عسكرية عليا، الأمر الذي أحرج موقف الحكومة الباكستانية، حيث كانت على الدوام تنكر وجود بن لادن على أراضيها، بينما تبين أنه كان في حصن حصين لديها. ولذلك لم تُعلم الإدارة الأمريكية السلطات الباكستانية عن تفاصيل العملية وموعدها إلا بعد استكمالها، والتأكد من قتل بن لادن. والمعروف أن باكستان قد رعت حركة طالبان الإرهابية، وفتحت عشرات الألوف من المدارس الدينية التي تخرَّج منها الإرهابيون، دفعت ثمناً باهظاً لقاء أخطاء حكوماتها المتعاقبة وقصر نظرها في رعايتها للإرهاب والإرهابيين ومازالت في حالة حرب مع طالبان باكستان.
حقاً أنه لنبأ عظيم لأنه أدخل الفرحة في قلوب البشرية، وبالأخص الملايين من ذوي ضحايا الإرهاب الذي شنه تنظيم القاعدة خلال العشرين عاماً الماضية، سواء ضحايا 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، أو ما قبلها وما بعدها، وضحايا الشعب العراقي منذ عام 2003، أو في أفغانستان وباكستان، أو أي مكان آخر في العالم. فهذا الرجل صنع منه مشايخ الوهابية وضعاف العقول، بطلاً أسطورياً، ادعوا أنه الزعيم الذي لا يُغلب ولا يُقهر، وأنه محاط برعاية الله وعنايته، لأنه يؤدي الرسالة الإلهية في نشر الإسلام، وقتل الكفار، عملاً بالآية القرآنية: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله" فكل من لا يتفق مع مبادئ الوهابية (مذهب بن لادن وتنظيم القاعدة)، هو عدو الله ورسوله، واجب على كل مسلم متمكن قتله.
بطبيعة الحال، أن مقتل بن لادن لا يعني نهاية الإرهاب في العالم، مثلما لم يكن نفوق صدام حسين والزرقاوي نهاية الإرهاب في العراق، بل وربما سيكون هناك تصعيد للإرهاب لبعض الوقت. ولكن في جميع الأحوال إن مقتل ابن لادن يعتبر رسالة بليغة تتضمن الدروس التالية:
أولاً، لمقتل بن لادن أهمية رمزية بالغة، إذ كان يمثل شخصية كارزماتية لأعضاء تنظيم القاعدة وشريحة واسعة من المسلمين المتعاطفين مع القاعدة وبالأخص الإسلام السياسي المتشدد. وهكذا انتصرت قوات "الكفار"، وليس غيرهم، على رمز الشر الوهابي السعودي، ولذلك فهو "انجاز تاريخي... وأن العدالة ستتحقق مهما طال الزمن" على حد تعبير الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في رسالة تهنئة إلى خلفه الرئيس أوباما بهذه المناسبة.
ثانياً، وكما ذكرت آنفاً، فعلى المدى القريب، ربما يتصاعد الإرهاب كإجراءات ثأرية وانتقامية من قبل الإرهابيين، ولكن على المدى المتوسط والبعيد، لا ينكر أن قتل بن لادن يعد ضربة ماحقة إلى التنظيم، لا يمكن لأي شخص آخر، ولا حتى أيمن الظواهري، أن يحل محله، فبالإضافة إلى تأثيره السحري على أتباعه، كان العقل المدبِّر، ومخططاً إستراتيجياً ماهراً لعمليات القاعدة الإرهابية، وممولاً لها. لذلك فغياب هذا القائد الإرهابي يعتبر ضربة شديدة إلى التنظيم، مادياً ومعنوياً، وخطوة كبيرة لسحق بقايا تنظيم القاعدة في الحرب على الإرهاب.
ثالثاً، إن الإرهاب لا يمكن أن ينتصر ومهما طال الزمن، ومهما ادعى من مبررات زائفة في قتل الأبرياء، فلا بد أن يكون مصيره في نهاية المطاف الهزيمة المنكرة،
رابعاً، إن النظام السعودي الوهابي الذي أنتج تنظيم القاعدة هو الآخر دفع ثمناً باهظاً، ولا يمكن أن يواصل حكام السعودية ادعاءاتهم المتناقضة، بأن يسموا جرائم القاعدة في بلادهم بالإرهاب، ويسمونها في العراق بالجهاد وبـ"المقاومة الوطنية الشريفة"،
خامساً، خطورة وفشل مبدأ (عدو عدوي صديقي) الذي تبنته بعض الدول بما فيها أمريكا في ظروف الحرب الباردة، وكذلك بعض الجماعات، بل وحتى بعض الكتاب العلمانيين مع الأسف الشديد نكاية بأمريكا. وهذا درس لأمريكا نفسها، إذ معظم منظمات "المجاهدين" الأفغان، بما فيها تنظيم القاعدة، وطالبان، قد تأسست بدعم ومباركة من أمريكا، وبتمويل السعودية، وفتاوى مشايخ الوهابية، ودعم باكستاني، لمحاربة الوجود السوفيتي في أفغانستان، وأخيراً انقلب السحر على الساحر، فانقلب الإرهاب الوهابي على أمريكا والسعودية، وباكستان.
وختاماً، من الآن بدأت الجماعات المصابة بمرض نظرية المؤامرة، تدعي أن أسامة بن لادن لم يقتل، بل شبِّه لهم!!! تماماً كما قالوا عن المنفوق صدام حسين، حيث راحوا يمطروننا هذه الأيام برسائل تتضمن مكالمة مفبركة يدعي صانعوها أنها مكالمة حديثة جرت بين صدام حسين وحسن العلوي!! ولا أعرف لماذا اختاروا العلوي بالذات لهذه المسرحية الفجة السخيفة. فهؤلاء أثبتوا أنهم أصحاب عقول واهية، وهم على خطى أستاذهم الأكبر جوزيف غوبلز، مسؤول دعاية هتلر الذي قال: "أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس". وهذه هي وظيفة البعثيين وحلفائهم من أتباع تنظيم القاعدة، الكذب بلا خجل وباستمرار، وهو دليل على السقوط في الحضيض، والإفلاس السياسي والفكري والأخلاقي لهذه الجماعات.
نؤكد مرة أخرى، أنه في نهاية المطاف، لا يصح إلا الصحيح، ولا بد أن ينتصر العقل على الهمجية والغرائز الحيوانية المنفلتة، ولا بد أن ينهزم الإرهاب ومن يرعى الإرهاب ويحتضنه، فالنصر للحضارة البشرية وقيمها الإنسانية النبيلة. وبهذه المناسبة نهنئ البشرية على سحق رأس أفعى الإرهاب الوهابي.
العنوان الإلكتروني للكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com