د. عبدالخالق حسين
الخميس 28/9/ 2006
ليس دفاعاً عن البابا بندكتوس السادس عشر
( 2 )
د.عبدالخالق حسين
لقد أزاحت محاضرة البابا بندكتوس السادس عشر النقاب عن مواقف بعض الكتاب والدعاة الإسلاميين ورموز الإسلام السياسي ورجال الدين المعادية لحرية التعبير والتفكير، كما وكشفت ازدواجية السلوك عندهم، فهم يقولون شيئاً ويعملون نقيضه، يدَّعون أنهم عقلانيون بينما تحركهم العواطف والغرائز البدائية، يدعون (وجادلهم بالتي هي أحسن)، بينماً عملياً يصرخون ويولولون ويحرضون الغوغاء ويدغدغون غرائز العوام ضد من يختلف عنهم في الرأي، يدَّعون التعايش والتسامح مع الأديان الأخرى، ولكن في خطبهم الدينية يحرضون أتباعهم ضد أصحاب هذه الديانات ويعتبرونهم كفاراً وأن الدين عند الله الإسلام ومن جاء بغير الإسلام ديناً لن يقبل منه ...الخ، يقولون أن دينهم يدعوا إلى السلام، وحتى تحيتهم (السلام عليكم)، ولكن في نفس الوقت يرفضون السلام ويفتون بالعنف والجهاد المسلح، وهكذا.. وهكذا. والأدهى والأمر أن هذا السلوك لا يقتصر على المتطرفين من دعاة العنف بل يتعداهم إلى من يعتبرون أنفسهم معتدلين، كما لاحظنا ذلك من المقالات و التعليقات على محاضرة البابا يوم 12 سبتمبر الجاري وردود أفعال المسلمين العنيفة. فحتى بعض الكتاب المسلمين الذين تظاهروا بالعقلانية والحيادية، لم يستطيعوا إخفاء مشاعرهم العنيفة ضد البابا فوصفوا محاضرته بالبشاعة...الخ
لا أعتقد أن البابا قد أخطأ في اقتباسه عن الإمبراطور عمانوئيل الثاني عن الإسلام. فكغيره من المفكرين، من حقه أن يتمتع بحرية التعبير والتفكير ويقتبس ما يناسب محاضرته. كما ويحق للمسلمين أن يختلفوا معه، ويردوا عليه، سواءًَ بالمقالات أو المناظرات وجميع الوسائل المتاحة. ولكن يجب عليهم أن يتمسكوا بأصول الحوار ويطبقوا أهم مبدأ من مبادئ دينهم في هذا الخصوص ألا وهو (وجادلهم بالتي هي أحسن). وفي جميع الأحوال ليس من حقهم إثارة الغوغاء والدهماء وحرق الكنائس وقتل الأبرياء المسيحيين. فهذا الأسلوب الذي سلكوه هو أسلوب همجي وبدائي أساءوا به لدينهم ولأنفسهم أكثر مما أساءوا للبابا. إذ يجب أن يعرف الإسلاميون أننا نعيش في عصر الثورة المعلوماتية وسرعة المواصلات والاتصالات، أي في عصر العولمة، حيث صارت الدنيا قريتنا الكونية ولا يمكن أن يسمح لأي مجموعة بشرية بالاستحواذ على هذه القرية وحرقها. فإذا أراد المسلمون العيش بسلام مع الآخرين عليهم أن يتعلموا كيف يخاطبوا الآخر وذلك بتبني الحوار الحضاري والأسلوب العلمي المتمدن وليس بالصراخ والعويل والعنتريات والاعتداء الجسدي وحرق الكنائس وقتل المسيحيين الأبرياء. يجب أن يدرك هؤلاء أن عهد عنترة بن شداد قد ولى إلى غير رجعة.
مخاطر اعتذار البابا
حسناً فعل البابا في عدم تقديم أي اعتذار أو تراجع عما قاله، ولم يذعن لمطالب الإسلاميين ومن مختلف درجات التعصب. فكل ما قاله أنه يأسف لأن المسلمين أساءوا فهم محاضرته. وهذا يعني أن الذنب هو ذنبهم في عدم الفهم. وأي اعتذار من الحبر الأعظم للمتطرفين المسلمين، له مردود كارثي على الجميع. لأن معنى هذا الاعتذار أن البابا كان فعلاً على خطأ، بينما هو كان في معرض محاضرة أكاديمية ينقل اقتباساً من غيره. ومن منا لم يقتبس مقتطفات من أقوال الآخرين، إن كان خيراً أو شراً، اتفقنا معه أو لم نتفق؟ وحتى لو افترضنا جدلاً أن ما نقله البابا كان خطأً، ففي هذه الحالة، ألم يقولوا "ناقل الكفر ليس بكافر"؟ فلماذا يؤاخذوا البابا على قول غيره، خاصة وهذا القول موجود في بطون الكتب دون أن يعترضوا عليه من قبل؟ لذا فأي اعتذار من البابا يعني أن المتطرفين قد حققوا انتصاراً فأرغموه على الاعتذار والتراجع، وسيقود هذا الاعتذار إلى تمادي المتطرفين فيفرضوا المزيد من شروطهم تدريجياً ويمعنوا في تقليص حرية التفكير والتعبير ويرغموا أنصارها في العالم على التراجع عن كل ما قالوه في الماضي، إلى أن نصل إلى حد الإلغاء التام لهذه الحرية. وعندها سيصبح العالم حقلاً للمتطرفين وحدهم ونقرأ على الفكر التنويري السلام. في الحقيقة يجب على الإسلامويين الذين أساءوا فهم البابا وأثاروا كل هذه الضجة هم أن يعتذروا له، وعلينا نحن الكتاب الليبراليين تقديم الشكر له على إثارة موضوع دور العنف في نشر العقيدة، حيث حفز كل من يهمه الأمر، على التفكير الجدي ومناقشة دور العنف للبحث عن الحلول الناجعة في مواجهة الإرهاب وتحرير الإسلام من المتطرفين الإسلامويين وخلاص البشرية من شرورهم.
الأديان والعنف
الملاحظ أن الأديان الوثنية، مثل البوذية والكونفشيوسية والهندوسية وحتى ديانات العرب الوثنية قبل الإسلام، كانت ومازالت مسالمة لم تعرف العنف. فلم تقع حروب بين القبائل العربية قبل الإسلام بسبب الاختلاف الديني كما نعرف. كذلك في الهند تعايشت الدينات الهندية بسلام قبل دخول الإسلام. والأديان السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام) هي وحدها التي تبنت العنف في مرحلة من تاريخها. إذ كما يقول المستشرق المعاصر الأستاذ فريد هاليداي: «فثمة في كل الأديان، إذا اختار الناس أن ينبشوا فيها، نصوص وسوابق تسبغ العنف والإرهاب والتضحية بالنفس من جانب الأفراد..وهم لم يكونوا يسترشدون بنصوص، بل اتجهوا باحثين عما يريدون من النصوص.. فالأديان كلها تتضمن نصوصاً يمكن الاستشهاد بها لتبرير الإرهاب والأعمال الهمجية في الحرب. لكن هناك مبادئ ضبط وتقييد أيضاً لمن يريد استخدامها أو العثور عليها». (فريد هاليداي. ساعتان هزتا العالم، 11 سبتمبر (ايلول) 2001، لندن، دار الساقي، 2002 ص 33).
سيف محمد
الغريب في هذا المجال، أن داعية السلام الإسرائيلي، السيد أوري أفنيري، هو الآخر ركب موجة الإسلاميين مع الأسف الشديد، وأساء فهم البابا، فكتب مقالاً بعنوان (سيف محمد) في (الحوار المتمدن) ينتقد فيه البابا بشدة ويتهمه بالتبعية للرئيس الأمريكي جورج بوش. فيذكر القيصر عمانوئيل الثاني الذي كان في حالة حرب مع الأتراك والذي اقتبس منه البابا القول الذي أثار كل هذه الضجة العاصفة، أن القيصر سعى إلى توحيد المسيحيين في مواجهة الأتراك في القرن الرابع عشر. وقد حاول أفنيري ربط تلك المحاولة بما يجري الآن من حرب على الإرهاب فيقول: «إن الأمور، من هذه الناحية، تتوازى مع احتياجات القيصر الحالي، جورج بوش، فهو أيضا يحاول توحيد العالم المسيحي ضد "محور الشر" الإسلامي.... ». وفي هذه الحالة فإن السيد أفنيري وخلافاً لموقفه الرافض للأديان إذ يقدم نفسه بقوله:( بصفتي ملحد يهودي..) يقف في صف المتطرفين الإسلاميين ويؤيد ادعاءهم بأن الحرب على الإرهاب هي حرب على الإسلام. ثم يسهب في ذكر ممارسة العنف من قبل المسيحيين واضطهاد الكنيسة للمفكرين في القرون الوسطى وعصر النهضة. ولا خلاف على ذلك، فكما بينا أعلاه أن العنف قد مورس من قبل أتباع جميع الأديان السماوية في مرحلة من مراحل التاريخ، والمسيحية ليست استثناءً. ولكن عندما يشير المسلمون إلى العنف في تاريخ المسيحية، لم يخرج المسيحيون بمظاهرات صاخبة احتجاجاً على أحد ولم يحرقوا مسجداً ولم يعتدوا على مسلم، بل هم أنفسهم ينتقدون تاريخهم ويحاولون استخلاص الدروس والعبر منه. حتى أن البابا جون بول الثاني نفسه اعتذر عن تلك الأعمال، وخاصة عما حصل للعالِم غاليلو، وما حصل لليهود في الحرب العالمية الثانية. وإذا كان المسيحيون قد مارسوا العنف في الماضي باسم المسيحية، فالآن هم مسالمون ويرفضون العنف باسم الدين. بينما يفتخر المسلمون بتاريخهم الدموي وما قاموا به من غزوات وفتوحات في العالم، كما ويمارسون العنف اليوم على شكل إرهاب دموي مرعب يهدد الحضارة البشرية مدعوماً بفتاوى من رجال الدين.
وهنا أود أن أسأل السيد أفنيري وهو الداعية للسلام بين العرب وإسرائيل، أليست حماس الفلسطينية الإسلامية هي التي ترفض السلام مع إسرائيل؟ أليس مرشد أخوان المسلمين في مصر هو الذي قال على رؤوس الأشهاد أنه يفضل مسلم ماليزي رئيساً لمصر على القطبي المسيحي المصري ليتبوأ هذا المنصب؟ ثم باسم من يجري القتل الجماعي في العراق ولبنان وفلسطين والهند والباكستان وبسلان؟ وباسم من حصلت تفجيرات نيويورك وواشنطن ولندن ومدريد وغيرها، أليس باسم الإسلام؟ وهل قام أحد بهذه التفجيرات غير إرهابيين مسلمين باسم الله والإسلام؟
لقد وصف السيد أفنيري نفسه بمنتهى الحرية قائلاً: (بصفتي ملحد يهودي...)، فهل بإمكان أي مسلم ملحد في البلاد الإسلامية الـ 55 ، أو خارجها، أن يدلي عن إلحاده بهذه الحرية ويأمن على رأسه من السيف؟ فقبل أسابيع تم قطع رأس الصحفي السوداني محمد طه مع أنه كان مؤمناً متديناً، لأنه تجرأ ونشر حلقة أو حلقتين من كتاب (المجهول في حياة الرسول). ثم لماذا اغتال الإسلاميون أكثر من 120 مثقفاً في الجزائر في التسعينات من القرن المنصرم؟ ولماذا قتل الإسلاميون في مصر ولبنان والعراق عشرات المثقفين مثل فرج فودة وحسين مروة ومهدي عامل وقاسم عبدالأمير عجام وغيرهم كثيرون؟ بل قالها المتطرفون الجزائريون علناً: "من يحاربنا بالقلم نحاربه بالرصاص". وعملياً هذه هي سياسة الإسلامويين في كل مكان. فلولا اسم السيد أفنيري على المقالة لظن القارئ أن كاتبها أحد الإسلاميين المتطرفين في حزب حماس أو حزب الله أو ربما كتبه الشيخ يوسف القرضاوي. فالأخير دعا المسلمين إلى الخروج بمظاهرات صاخبة بعد صلاة الجمعة احتجاجاً على محاضرة البابا تحت شعار (الغضب العاقل) وقد باءت دعوته بالفشل الذريع والحمد لله. فهذا القرضاوي معروف بتوظيف هذه المناسبات في إثارة الحقد والعداء ضد المسيحيين والغرب. فقد استغل الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية وعقد مؤتمراً إسلامياً بهذا الخصوص، وقال عن الرسوم أنها قدمت خدمة للإسلام حيث وحدت المسلمين!! ولا أدري أية وحدة كان يتحدث عنها، غير أنه جمع عدداً من المخدوعين تحت قيادته لبث مشاعر الحقد والكراهية ووضع العالم الإسلامي في مواجهة دموية مع العالم.
أي دين أفضل
من الطبيعي أن يعتبر أتباع كل دين أن دينهم هو الأفضل وهو دين الحق وأن الأديان الأخرى على باطل. ولو لم يكن هذا موقفهم لبدل كل إنسان عاقل دينه إلى الدين "الأفضل". فالمسلمون يرون أن (الدين عند الله الإسلام) كما هو عند اليهود "شعب الله المختار" وكذلك المسيحية هي أفضل دين عند المسيحيين، وهكذا فكل حزب بما لديهم فرحون، وكل فئة لعنت أختها... فإذا كان الحبر الأعظم يعتقد بأن دينه أفضل، فهذا ليس بالأمر الجديد ولا يجب أن نستنكره، رغم أن الرجل لم يذكر مثل هذا الكلام في محاضرته. لذا فما قصده البابا في محاضرته (الدين والعقل والجامعة) ليس بأن المسيحية أفضل من الإسلام كما يحاول البعض إعطاء هذا الانطباع عنه، وإنما كان قصده أنه لا يمكن نشر أي دين أو قناعة عن طريق السيف، بل بالعقل والمنطق. ومن منا لا يتفق مع هذا الكلام؟
أعتقد أن البابا قدم خدمة جليلة للإنسانية عامة، وللإسلام بخاصة عندما أثار موضوع دور العنف في نشر العقيدة. لأننا نشهد اليوم أخطر إرهاب يهدد الحضارة البشرية تقوم به منظمات إرهابية إسلامية ترتكب جرائم القتل الجماعي باسم الإسلام ونشر العقيدة بالمفخخات والتفجيرات الانتحارية. ومهما حاول الإسلاميون نفي دور السيف في نشر الإسلام إلا إن هناك نصوصاً مقدسة في القرآن والسنة تؤيد دور السيف، وقد جئنا على ذكر الكثير منها في مناسبات سابقة وهي معروفة وتسمى بآيات السيف، راجع مقالنا (ليس دفاعاً عن البابا(1) ). وعلى خلاف ما يعتقده البعض بأن البابا قد أخطأ في إثارة هذا الموضوع في هذا الوقت المتأزم، أرى العكس هو الصحيح، فإثارة موضوع العنف في الدين وفي هذا الوقت بالذات، مسألة مهمة جداً ومفيدة جداً، وذلك من أجل تحريك الساحة لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة قبل فوات الأوان.
الغرض من الحوار بين الأديان والمذاهب
يجب على المعنيين بالأمر من رجال الدين والسياسة والمثقفين أن يعلموا أنه ليس القصد من عقد مؤتمرات ولقاءات بين ممثلي الأديان والمذاهب المختلفة العمل على توحيد هذه الأديان والمذاهب في دين واحد ومذهب واحد. لأن تحقيق هذه الوحدة العتيدة مستحيل وغير ممكن إطلاقاً وغير مرغوب به أصلاً. فتعدد الأديان والمذاهب مسألة طبيعية وحتمية كتعدد الأنواع في الطبيعة وفروع الأغصان في الشجرة. ولكن الغرض المهم الذي يجب أن يركزوا عليه ويسعوا له من هذه المؤتمرات والسجالات هو تحقيق التعايش السلمي بين أتباع هذه الديانات، وحرية ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية دون ممانعة من الآخر. ولا يتم هذا إلا بفصل الدين عن السياسة كما حصل في الغرب والدول الديمقراطية الأخرى.
يتمنى بعض الكتاب المعتدلين مثل الأستاذ خالد الحروب على البابا لو اقتبس مقولات تمجد تاريخ العرب بدلاً من مقولة الإمبراطور عمانئيل الثاني. ويضرب مثلاً من كتاب إي. غرانت: "أسس العلم الحديث في العصور الوسطى" (كامبردج, 1996) الذي يقول: "لقد كان العلماء اللاتينيون في القرن الثاني عشر على يقين مؤلم بأن حضارتهم متخلِّفة بمراحل عن حضارة الإسلام في حقل العلوم الطبيعية والفلسفة. وقد واجهوا خياراً واضحاً: إما أن يتعلموا من تفوق العرب أو يستمروا في تخلفهم. وقد اتخذوا قرار التعلم وأطلقوا حملة واسعة للترجمة وبأقصى مدى واستطاعة ممكنة. ولو اعتبر أولئك العلماء أن حضارتهم مساوية لحضارة العرب وأنه لا حاجة بهم إلى الترجمة، لربما ما رأينا الازدهار العلمي الذي وصلته أوروبا فيما بعد". لو مال البابا للحديث عن التلاقح الحضاري والتواصل عبر الزمن لشجع المسلمين على الاستفادة من حضارة الغرب اليوم, لا على القطيعة معها, وكما استفاد الغرب من حضارة المسلمين في الماضي. (خالد الحروب، أخطاء البابا وأخطاء المسلمين، الإتحاد الإماراتية، 25، 9/2006).
نسي الأستاذ خالد الحروب أن لكل مقام مقال، كما يقولون، والغرض من محاضرة البابا هو إثارة الانتباه إلى خطر الإرهاب الإسلامي المتفشي اليوم باسم الإسلام، فأراد أن يقول للإسلاميين بالذات أنه لا يمكن نشر العقيدة بالقوة بل بالعقل والمنطق. وهذه ليست مشكلة الغرب والبابا وحدهما، بل مشكلتنا جميعاً، فمعظم ضحايا الإرهاب الإسلامي هم من المسلمين، وليس من واجب البابا أن يتوسل بالعرب والمسلمين أن يستفيدوا من الحضارة الغربية بدلاً من محاربتها.
إن مشكلة المسلمين اليوم هي رفضهم للحضارة الغربية وقيمها الإنسانية ورفضهم الاستفادة منها كما استفاد أجدادهم في العصر العباسي وخاصة في عهد الخليفة المأمون، حيث ترجموا العلوم والفلسفات اليونانية والهندية والفارسية وغيرها إلى العربية. ونتيجة للتلاقح بين الثقافات التي حصلت في ذلك العهد حصلت عندهم نهضة فكرية رائعة خدموا بها ليس العرب فحسب بل البشرية جمعاء. فالترجمات العربية للفلسفات اليونانية هي التي حافظت عليها من الضياع حيث أعيدت ترجمتها في القرون الوسطى من العربية إلى اللغات الأوربية. إلا إن مسلمي اليوم وبسبب الانغلاق الفكري والمكابرة والعناد والتمسك بالسلف والهوس بتمجيد الماضي ورفضهم للآخر، يقفون موقف العداء من الحضارة الغربية لذلك فهم أقل شعوب العالم في ترجمة الكتب الأجنبية إلى العربية. وقد بلغ بهم العداء للأفكار الغربية إلى حد أنهم أطلقوا عليها بالأفكار الدخيلة والأفكار المستوردة...الخ.
والجدير بالذكر أن المسلمين الذين فروا من ظلم حكوماتهم ولجئوا إلى الدول الغربية الديمقراطية، يرفضون الاندماج بشعوب الدول المضيفة، فتقوقعوا في مساجدهم يشحنون أنفسهم وأبناءهم بالحقد والكراهية والعداء لهذه الشعوب التي آوتهم ووفرت لهم الأمن والكرامة. لقد استغل هؤلاء سماحة حكومات وشعوب الغرب فتمادوا في مطالباتهم إلى حد أن طالب مسلمو بريطانيا بتطبيق الشريعة الإسلامية وفتح مدارس إسلامية وعطل دينية، بل ونقلوا عاداتهم وتقاليدهم البالية من المجتمعات التي فروا منها يريدون فرضها على المجتمعات الغربية المتقدمة. وبهذا الخصوص رد عليهم النائب العمالي البريطاني المسلم شهيد مالك قائلاً: "إذا أراد مسلمو بريطانيا الشريعة ولا تعجبهم قوانين البلد، فعليهم أن يحقبوا أمتعتهم ويرحلوا إلى البلاد التي تطبق فيها الشريعة" واستشهد النائب مالك بقول محمد بن آدم، ممثل رجال الدين في المملكة البريطانية: "الشريعة تحتم على المسلمين إطاعة قوانين البلد الذي يقيمون فيه، بغض النظر عن طبيعة هذه القوانين، طالما لا تتعارض مع الإسلام" كما واستشهد بحديث عن النبي محمد (ص) من صحيح البخاري، قوله:"يجب على المسلم إطاعة الحاكم طالما لم يحكم بارتكاب المعصية"
خلاصة القول أن المسلمين هم الذين يرفضون العيش بانسجام مع العالم والاستفادة من الحضارة الغربية، فهل من الإنصاف أن نلوم البابا والغرب في رفض المسلمين الاستفادة من الحضارة الغربية وقيمها الإنسانية؟ على المسلمين أن يتعلموا كيف يحاوروا من يختلفون عنهم في الفكر والعقيدة، وأن يتعلموا أصول الحوار المتمدن، وبالتي هي أحسن وليس بالصراخ وحرق الكنائس وقتل الأبرياء.
¤ ليس دفاعاً عن البابا بندكتوس السادس عشر ( 1 )