د. عبدالخالق حسين
الجمعة 28/ 3 / 2008
عملية "صولة الفرسان" اختبار للمالكي والجيش العراقيد. عبدالخالق حسين
انطلقت في البصرة يوم 25 آذار الجاري عملية "صولة الفرسان" العسكرية لنزع سلاح مليشيات جيش المهدي الشيعية وعصابات الجريمة المنظمة، وبإشراف مباشر من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نفسه الذي تعهد بمواصلة القتال حتى النهاية. وقبل البدء بالعملية، أصدر السيد المالكي إنذاراً للمليشيات المسلحة الخارجة على القانون، وأعطاهم مهلة 72 ساعة لتسليم أسلحتهم إلى السلطات والتعهد باحترام حكم القانون وإلا مواجهة الموت. إلا إنه ومنذ اللحظات الأولى رفضت هذه المليشيات الانصياع لهذا الإنذار، فقررت المواجهة الدموية، ليس في البصرة فحسب، بل وفي بغداد ومدن عراقية أخرى راح ضحيتها العشرات من القتلى والمئات من الجرحى.
جيش المهدي الوريث الشرعي للبعث
من يتابع سياسات وتكتيكات ما يسمى بجيش المهدي الذي يقوده مقتدى الصدر، يراها لن تختلف بوحشيتها وخبثها وعدائها للعراق عن سياسات البعثيين وفدائيي صدام. فمن معرفتنا بحزب البعث نعلم أن بإمكان هذا الحزب أن يتلون بشتى الألوان، الدينية والقومية والطائفية حسب الظروف وتقلبات الوضع. إلا إن الجوهر يبقى واحداً وهو خدع المواطنين ونشر الرعب بينهم وتدمير العراق. وهذه هي سياستهم منذ أن سمع العراقيون لأول مرة باسم البعث بعد ثورة 14 تموز 1958 وإلى اليوم.
فخلال ثورة تموز المغدورة رفع البعثيون شعار الوحدة العربية الفورية، وما كان هدفهم الوحدة كما تأكد فيما بعد، بل لبث القلاقل وإرباك قيادة الثورة وتحريفها عن نهجها، وإعاقتها عن تحقيق أهدافها، فتعرضوا للقوى الوطنية، حيث قامت عصاباتهم بعمليات اغتيال الوطنيين، ونشروا الرعب بين الناس، وفرض الإضرابات بالقوة. فقبل انقلابهم الأسود في 8 شباط 1963 قاموا بفرض الإضرابات على طلبة المدارس والجامعات بقوة السلاح، وكان المجرم صدام حسين المقبور أحد قادة بلطجية البعث في هذا الخصوص، فنشروا الرعب وأثاروا الاضطرابات كمقدمة لانقلابهم الدموي الأسود إلى أن نجحوا به في إسقاط حكومة ثورة 14 تموز واغتيال قيادتها الوطنية وقائدها شهيد الوطنية العراقية الزعيم عبدالكريم قاسم، ومن ثم قتلوا نحو 20 ألف من الوطنيين خلال أسبوعين.
وهذا بالضبط ما قامت به مليشيات جيش المهدي أو ما يسمى بأتباع التيار الصدري الآن. ففي اليوم الثاني من سقوط نظام البعث، أي يوم 10 نيسان 2003، دشن أتباع مقتدى الصدر نشاطهم بجريمة قتل رجل الدين الشيعي الإصلاحي السيد عبدالمجيد الخوئي وإثنين من مرافقيه في الصحن الحيدري بالنجف الأشرف، وسحلوا جثثهم ومثلوا بها بمنتهى الوحشية دون خجل أو رادع من دين أو واعز من ضمير. ومنذ ذلك اليوم واصلت هذه الفلول إرهابها ضد الشعب والدولة الديمقراطية الوليدة، تحت اسم التيار الصدري وجيش المهدي بحجة مقاومة الاحتلال، وهو كذب صريح، لأن الغاية من هذه الأعمال والشعارات كانت خلق المتاعب للشعب العراقي وذبح فرحته بسقوط النظام الجائر وشل الحكومة. لذا فجيش المهدي في الحقيقة والواقع، ما هو إلا فلول البعث وفدائيي صدام حسين من البعثيين الشيعة الذين وجدوا في مقتدى الصدر وتياره ومليشياته ملاذاً آمناً لهم، فانضموا إليه ليحموا أنفسهم من نقمة الشعب، وليواصلوا جرائمهم، ولكن في هذه المرة باسم الشيعة ومقاومة الاحتلال.
منذ بدء الحملة، بدأ أتباع التيار الصدري بمظاهرات سلمية وهم يوزعون أغصان الزيتون على أفراد القوات المسلحة وغيرهم، ويدعون إلى ما يسمى بالعصيان المدني احتجاجاً على ملاحقة رجال الأمن لمليشياتهم المهزومة. ولكن لو نظرنا إلى كيفية تنفيذهم لما يسمى بـ "العصيان المدني"، لعرفنا أنه لا يمت عملهم هذا إلى العصيان المدني بأية صلة، بل هو تماماً على طريقة البعثيين، أي العصيان المسلح وفرض إرادتهم على الناس بالقوة الغاشمة بإجبار الناس على غلق المحلات التجارية ودوائر الدولة والمدارس والجامعات وشل جميع نشاطات الحكومة بقوة السلاح والتهديد بالموت. إن العصيان المدني يجب أن لا يستخدم فيه السلاح كما نعرفه، وهذا شرط أساسي فيه. لذا فهذه العملية هي الأخرى تثبت أن ما يسمى بالتيار الصدري والجيش المهدي ما هو إلا امتداد لحزب البعث المقبور ونسخة أخرى من الحرس القومي سيئ الصيت في تكتيكاته وأغراضه الإجرامية.
كان المفروض بالمسؤولين القبض على المجرمين منذ ارتكاب جريمتهم الأولى بحق الشهيد عبدالمجيد الخوئي ورفيقيه، حيث كان عددهم محدوداً يسهل القبض عليهم ومحاسبتهم والقضاء على الفتنة وهي في مهدها. ولكن تساهل السلطات الجديدة هو الذي دفع أفراد هذه العصابات للتمادي بغيهم والإمعان في ارتكاب المزيد من الجرائم، وبالتالي صارت كتلة كبيرة يحسب لها ألف حساب، لها حصتها بالوزارة ونوابها بالبرلمان، تملي إرادتها على الحكومة وتبتزها كما تشاء. فلو كان المسؤولون قد ضربوا هذه المليشيات من البداية لما تفاقم الأمر إلى هذه الدرجة الخطيرة التي تهدد الشعب العراقي ومستقبله بأخطر العواقب.
دور إيران في تأسيس جيش المهدي
وجدت إيران فرصتها في جهل مقتدى الصدر، ورغبته في الشهرة والزعامة والنفوذ والمال، وتاريخ عائلته، فصنعت منه زعيماً مشهوراً، وأسست له تنظيماً سياسياً على غرار ما قامت به في لبنان بتشكيل حزب الله ومليشياته واتخاذهما كمخلب قط لها لزعزعة أمن واستقرار ذلك البلد. وهكذا راح جيش المهدي يصول ويجول في العراق ويعيث بأمنه فساداً، منفذاً أجندات إيرانية لشل أعمال الحكومة ومحاربة قوات التحالف بالوكالة عن إيران وعلى الأرض العراقية وبدماء العراقيين.
وبعد خمسة أعوام من التخريب الإيراني عن طريق عملائها من جيش المهدي، يبدو أن إيران قد انتهت حاجتها من جيش المهدي، بعد أن حققت ما تريد منه، فهناك محاولات من قبل الحكومة العراقية على تخفيف حدة الصراع بين أمريكا وإيران، وحل الخلافات بينهما بالطرق السياسية. وربما كانت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأخيرة لبغداد لتحقيق هذا الغرض. فسحبت إيران مقتدى الصدر إلى مدينة قم بحجة التفرغ للدراسة واعتزال السياسة، والتخلي عن جيش المهدي وتصفيته بعد أن انتهى دوره. لذلك لم نسمع باحتجاج من إيران على قرار الحكومة العراقية بتصفية مليشيات المهدي. وهذا الموقف له دوره الإيجابي في العلاقات القادمة بين إيران والعراق.
معاناة أهل البصرة
وبعد أن تفاقم الأمر ونغصت هذه المليشيات حياة أهل البصرة والمحافظات الجنوبية الأخرى، وطفح الكيل وبلغ السيل الزبى كما يقولون، تحركت الحكومة لمواجهة الخطر لتقليم أظافرهم وخلاص الشعب من شرورهم. فكانت عملية (صولة الفرسان) التى تقوم بها القوات المسلحة العراقية الآن، وبقيادة السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء مباشرة بوصفه القائد العام للقوات المسلحة. لذلك فهذه الحملة الوطنية تستحق كل الدعم من جميع المواطنين الشرفاء والمخلصين من أبناء العراق الحريصين على استتباب الأمن والاستقرار فيه.
فالرسائل التي أتلقاها من أهلنا في الداخل يومياً، تؤكد على تذمر الناس من غياب الأمن وسخطهم على المليشيات التي راحت تعيث في البلاد فساداً، ونغصت على الشعب عيشته، إلى حد أن الناس صارت مستعدة لقبول أي دكتاتور يحكمهم مقابل أن يعيد لهم حياتهم الطبيعية بتحقيق الأمن والاستقرار.
وقد بلغ الاستهتار بمقتدى الصدر أو الناطق باسمه، والاستهانة بالسلطة الشرعية، حداً أنه طالب رئيس الوزراء بـ "مغادرة البصرة". وإن صح هذا الخبر، فإن هذا يدل على مدى استهتار هذا الرجل بالقوانين وبمصير الناس، وعليه فالمطلوب من السيد المالكي الإصرار على البقاء في البصرة حتى تحقيق النجاح التام. ومن المفرح أن السيد المالكي مصر على هذا الأمر، حيث قال في حديث له مع رؤساء العشائر انه "لا تراجع ولا تفاوض ولا تنازل" أمام الجماعات المسلحة التي تقاتل القوات الحكومية في مدينة البصرة، مؤكدا ان على المسلحين تسليم أنفسهم أو مواجهة الموت." ونحن إذ نشد على يد المالكي وجميع القوات المسلحة على أخذهم لهذا القرار الصائب والشجاع والذي كنا ننتظره مع الشعب منذ وقت طويل
دلالات الحملة
جاءت الحملة على أثر الصراع الدموي بين المليشيات الشيعية فيما بينها في البصرة والمحافظات الجنوبية، وتجاوزاتها المستمرة لعدة سنوات على أمن المواطنين. وهذا الاقتتال الشيعي-الشيعي، وضرب رئيس الوزراء المالكي (الشيعي) لها يحمل الدلالات التالية:
1- كما ذكرنا مراراً وتكراراً أن ما يجري في العراق هو ليس صراع طائفي (سني-شيعي) كما يعزف الإعلام العربي على هذا الوتر الطائفي النشاز. فالصراع في البصر هو اقتتال شيعي-شيعي، وكما حصل في محافظات شيعية أخرى من قبل مثل الديوانية والسماوة والنجف وكربلاء وغيرها. كما وهناك اقتتال سني-سني في المناطق السنية في المثلث السني بين قوات الصحوة وأتباع القاعدة التكفيريين في الرمادي والفلوجة والموصل. وهذا الوضع هو نتاج حكم البعث والتيار القومي العروبي لأربعة عقود، وقد شرحنا هذا الموضوع في سلسلة مقالات لنا بعنوان : الخراب البشري في العراق (المقالة الكاملة)
http://www.sotaliraq.com/abdulkhaliqhussein.php?id=320
وقلنا أن الإنسان العراقي ونتيجة لما تعرض إليه من ظلم وقهر واستلاب وجوع وحروب وحصار، صار يحمل شحنة ضخمة من الغضب والرغبة الجامحة في تدمير الذات، لذلك فالحياة بالنسبة له لا قيمة لها، فلا يبالي بقتل نفسه وقتل الآخرين.
2- كذلك تدلل هذه العملية على أن السيد المالكي ليس طائفياً. فلو كانت مليشيات المهدي سنية مثلاً، لأقام الإعلام العربي الدنيا دون أن يقعدها بالادعاء أن هذه الحملة هي طائفية تريد الحكومة "الشيعية" القضاء على السنة، كما حصل قبل عامين عندما شن رئيس الوزراء الدكتور أياد علاوي آنذاك حملة ضد المسلحين من فلول البعث وحلفائهم التكفيريين في الفلوجة. فالمالكي هو شيعي وقيادي في حزب الدعوة الشيعية ويقاتل الآن مليشيات جيش المهدي الشيعية.
أهداف الحملة
نعتقد أن هذه الحملة تترتب عليها نتائج كثيرة ومهمة، ويجب أن تنجح في تحقيق أهدافها. فنجاح هذه الحملة يعني تحقيق عدة أهداف مهمة وتترتب عليها عدة نتائج نذكر منها ما يلي:
أولاً، تحقيق الأمن والاستقرار وذلك بالقضاء المبرم على المليشيات المسلحة وحلها وتجريد جميع العصابات المسلحة من أسلحتها، وخاصة عصابات جيش المهدي المؤلفة من فلول البعث المقبور، لتكون الدولة هي وحدها صاحبة الحق في امتلاك السلاح وحمله لحماية أرواح الناس وممتلكاتهم من المجرمين.
ثانياً، تكريس هيبة الدولة. فمنذ سقوط حكم البعث، نجد الحكومات المتعاقبة تظهر بالضعف، لا حول لها ولا قوة إزاء طغيان المليشيات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة، لذلك فبنجاح هذه الحملة تكون الدولة قد استعادت هيبتها بفرض الأمن وحكم القانون.
ثالثاً، تجفيف منابع تمويل هذه المليشيات الإرهابية التي راحت تنهب أموال الشعب عن طريق تهريب النفط في البصرة براً وبحراً، وبيعه في السوق السوداء على غرار ما كان يقوم به صدام حسين قبل سقوطه خلال سنوات الحصار. وهذه الأعمال الإجرامية هي مصادر تمويل المليشيات وعصابات الجريمة المنظمة وحتى بعض الأحزاب السياسية الإسلامية في العراق، ومصدر تفشي الفساد في الحكومة. وجريمة التهريب هذه تكلف الشعب العراقي نحو 9 مليار دولار سنوياً حسب تصريح مسؤول عراقي كبير. لذا فبتجفيف منابع التمويل لهذه العصابات تكون الحكومة قد خطت خطوة كبيرة في اتجاه القضاء على المليشيات والعصابات المسلحة والفساد الإداري وحماية أموال الشعب من النهب.
رابعاً، إن هذه العملية هي امتحان للسيد المالكي نفسه، واختبار لمؤهلاته وقدراته كرجل دولة في إدارة الحكم وخدمة الشعب، وعليها يعتمد مستقبله. فإذا نجح فسيبرز المالكي كزعيم بلا منازع يكسب احترام الشعب والعالم، ويكون قد حقق للشعب العراقي أغلى ما يتمناه في هذه الظروف الصعبة ألا وهو الأمن والاستقرار، وخلاصه من شرور المليشيات وعصابات الجرمية المنظمة. ولذلك، فهذه الحملة ستقرر مستقبل المالكي السياسي ومستقبل العراق، وأي فشل ستكون عواقبه وخيمة عليه وعلى العراق.
ولحد الآن، يبدو أن السيد المالكي ومساعديه يدركون هذه الحقيقة، ويقودون العملية بنجاح وإصرار على استسلام الخارجين على القانون وعدم القبول بما يسمى بحل الصراع عن طريق المفاوضات السياسية. فهذه المفاوضات كانت جارية خلال الخمس سنوات الماضية ولكنها لم تؤدي إلا إلى المزيد من الإمعان في الخروج على القانون. لذلك نهيب بالسيد المالكي وقواتنا المسلحة بالسير قدماً في عمليتهم المظفرة هذه في ضرب الجناة بيد من حديد وأن لا تأخذهم الرأفة بالمجرمين حتى تحقيق النصر التام عليهم.
خامساً، هذه الحملة هي امتحان للقوات المسلحة العراقية في البصرة والمحافظات الجنوبية. فهي الآن وحدها تقوم بمسؤولية حفظ الأمن في المنطقة بعد انسحاب القوات البريطانية إلى قاعدتها قرب المطار وتسليم المسؤولية إليها. وعليه، فنجاح هذه الحملة في "قتل الحية من رأسها" في محافظة البصرة، تكون هذه القوات قد أثبتت جدارتها واستعادت الثقة بنفسها في قدرتها على تنفيذ العمليات العسكرية المطلوبة بنجاح لحفظ أمن الشعب من الأعداء الداخليين، وحدود الوطن من العدوان الخارجي دون الحاجة إلى الدعم من قوات التحالف الدولي.
خلاصة القول، إن عملية استعادة أمن البلاد مهمة مقدسة تقع على عاتق الجميع وليس على عاتق الدولة فقط. لذلك نهيب بكافة المواطنين، وقادة الأحزاب ورجال الدين وشيوخ العشائر وقادة مؤسسات المجتمع المدني، القيام بواجباتهم الوطنية في دعم رئيس الوزراء وقواتنا المسلحة، والشد من أزرهم، وعدم وضع العصي في عجلة التاريخ. فهناك البعض ممن يعتبر أي تأييد للحكومة هو مرتزق لها، وهذه عقدة نفسية متوارثة من الماضي، مؤداها أن الوطنية تعني معارضة الحكومة في كل شيء. هذا خطأ، وخاصة وشعبنا يمر بظروف صعبة جداً، لذا نرى من واجبنا دعم الحكومة في هذه العملية وكل عملية تهدف إلى خدمة الشعب. وعليه فإننا نشد على يد رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وقواتنا المسلحة ونهيب بهم بالسير قدماً في معركتهم المظفرة دون توقف وحتى أن يتحقق النصر المؤزر على المليشيات المسلحة من فلول البعث وتحت مختلف الأسماء الزائفة، وقطاع الطرق الخارجين على القانون، ولا بديل عن النصر الكامل.