د. عبدالخالق حسين
الأثنين 27/ 10/ 2008
مخاطر التدخل الإيراني الفظ في الشأن العراقيد. عبدالخالق حسين
مع نشر المسودة النهائية للاتفاقية الأمنية العراقية- الأمركية، واحتمال توقيعها من قبل الدولتين المعنيتين قبل نهاية السنة الحالية، تصاعدت حملة حكومة الملالي الإيرانية ضدها، وإطلاق شتى النعوت البذيئة عليها مثل اتفاقية "العار"، و"استسلام" كما جاء على لسان علي لارنجاني، رئيس مجلس الشورى. كذلك نقلت وكالة الانباء الايرانية الرسمية، عن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد قوله في إسداء المشورة إلى العراقيين بمناسبة زيارة السيد مسعود بارزاني، رئيس أقليم كردستان، إلى طهران يوم الخميس، 23/10/2008: "ان مسودة الاتفاق الامني بين الولايات المتحدة والعراق تهدف الى ابقاء العراق ضعيفا والى مساعدة واشنطن على نهب هذا البلد."
هذا هو موقف النظام الإيراني الذي يتباكى على سيادة ومصالح العراق. أما الموقف من منظور العراقيين المخلصين والمدركين لخطورة الموقف، فقد عبر عنه السيد مسعود بارزاني الذي كان ضيفاً على طهران، والأدرى بشعاب العراق، والأحرص على مصلحته، فقد قال رداً على أحمدي نجاد، أن هذا الاتفاق يجعل العراق في وضع "أفضل من الوضع الراهن". وهو عين الصواب.
لا نريد هنا انتقاد أحمدي نجاد لإفتقاره إلى أبسط أصول اللياقة والآداب والكياسة الديبلوماسية، خاصة وهو يعاني من أزمات نفسية عصيبة، حتى باتت قدراته العقلية في موضع الشك والتساؤل، إذ أفادت وكالات الأنباء أنه مصاب بانهيار عصبي، وقد حاول وزير الثقافة الايراني، التخفيف من وطأة الخبر، فقال أن حالته "ناجمة عن الاجهاد في العمل.. وأنه يتماثل للشفاء". وعليه، يجب عدم إيلاء تصريحات أحمدي نجاد الكثير من الاهتمام، فالرجل مريض، ويستحق العطف والعلاج، ولكننا نستغرب من أولئك العراقيين الذين يتخذون بهذه الأقوال، لذا نريد مناقشة مدى جدوى نصائح الرئيس الإيراني الهوجاء هذه للعراقين، وهو يدعوهم بعدم توقيع الاتفاقية، ويحذرهم من أضرارها على العراق كما يدعي.
يتدخل المسؤولون الإيرانيون في الشأن العراقي بشكل فظ ومفضوح على عدة جبهات. إذ أنهم تكالبوا على العراق منذ اليوم الأول من سقوط نظام الفاشية، حيث بدأوا بتشجيع السلب والنهب وتهريب المنهوبات إلى إيران. كذلك عملت إيران على استغلال الوضع الهش في العراق وضعف الحكومة والقوات العراقية، فراحت تشكل المليشيات الحزبية، جيش المهدي، على غرار حزب الله في لبنان، وتمويله وتسلحيه وتدريب منتسبيه على التخريب، لزعزعة الأمن والإستقرار. وقد نشرت مؤخراً صحيفة نيويرك تايمز، وهيرالد تريبيون، تقريراً مفصلاً عن اعترافات العراقيين الذين جندتهم إيران لهذا الغرض، حيث ألقي القبض عليهم من قبل القوات الأمريكية في العراق، فاعترفوا بالدور الإيراني في تدريب الألوف منهم على زرع الألغام والتفجيرات في الطرق، وشن الحرب على أمريكا بالوكالة على الأرض العراقية، وبدماء العراقيين، بغية إفشال العملية السياسية في العراق.
كما وتدفع إيران المليارات من الدولارات لشراء ذمم بعض السياسيين العراقيين ومن مختلف المستويات، حزبيين ونواب، بل وحتى وزراء. ففي أي بلد غير العراق، يصرح وزير بمنتهى الصفاقة ضد مصلحة بلاده، ويدعوا إلى طاعة علي خامنئي؟ لقد قال خضير الخزاعي وزير التربية أثناء مناقشة مسودة الاتفاقية أنه:" مادام خامنئي أفتى بعدم قبول الاتفاقية فيجب ان لا نمررها"!!! فهل حقاً هذا الرجل حريص على مصلحة العراق الذي يدعي الانتماء إليه ويدير وزارة تربية أبنائه؟ إن هذا التصريح من وزير شيعي محسوب على كتلة شيعية، يعطي ذخيرة حية إلى أعداء الشيعة العرب، ليس في العراق فحسب، بل وفي العالم العربي كله، ليؤكد لهم أن ولاء الشيعة هو لإيران وليس لأوطانهم العربية، وهذا ما صرح به فعلاً رئيس أكبر دولة عربية قبل عام، ألا وهو الرئيس المصري حسني مبارك.
يقول أحمدي نجاد "ان مسودة الاتفاق الامني تهدف الى ابقاء العراق ضعيفا والى مساعدة واشنطن على نهب هذا البلد." فلو أرادت أمريكا حقاً نهب العراق لنهبته وهو تحت الإحتلال، بينما الذي جرى هو أن العراق تسبب في خسارة أمريكا بمئات المليارات الدولارات إلى حد أن يعتبر البعض الأزمة المالية الحالية التي تعصف بأمريكا والعالم سببها صرفيات أمريكا الهائلة على العراق. وحتى لو سلمنا جدلاً أن أمريكا جاءت للعراق لنهب نفطه، كما يدعي البعض، ففي هذه الحالة، فإن جميع إحتياطي النفط، المكتشف وغير المكتشف، سوف لن يغطي التكاليف التي دفعتها أمريكا في هذه العملية.
كما وأود أن أطمئن الحريصين والخائفين على نفط العراق من النهب الأمريكي، أنه نظراً للتقدم العلمي والتكنولوجي، والسعي الحثيث لإيجاد البدائل النظيفة والرخيصة عن النفط، خاصة في تصاعد الحملة لحماية البيئة من التلوث والاحتباس الحراري، لن استبعد أن يتحول النفط قريباً إلى ثروة بائرة في باطن الأرض، لا قيمة له كما حصل للفحم الحجري في أوربا.
وإذا كانت القوة التي ينشدها أحمدي نجاد للعراق لكي تمنع أمريكا من "النهب"، ففي هذه الحالة يحتاج العراق إلى أن يبني قواته المسلحة بحيث يصبح أقوى من أمريكا. فهل هذا حل عملي وممكن لدولة مثل العراق الذي مازال يئن من شرور الفاشية ومضاعفات تحريره، أن تصبح أقوى من الدولة العظمى؟ لقد كان العراق في عهد صدام حسين أقوى دولة في الشرق الأوسط من الناحية العسكرية، حتى قالوا عنه أنه رابع قوة في العالم!! فهل تمكن صدام بقوته تلك حماية نفسه ونظامه من السقوط على يد أمريكا؟
إذَنْ، الحل ليس بتبديد ثروات البلاد في سباق التسلح من أجل بناء ترسانة عسكرية كما عمل صدام، ويعمل اليوم أحمدي نجاد، الحالم بتحويل إيران إلى قوة نووية، بل الحل يكمن في كسب صداقة الدولة العظمى وعدم معاداتها، والتخلص من العنجهية الفارغة ضدها والتعايش السلمي مع الجميع. إذ هناك دول كثيرة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وغيرها، لها علاقت واتفاقات مماثلة للإتفاقية الأمنية العراقية مع أمريكا، دون أن تقوم الأخيرة بنهبها. العكس هو الصحيح، إذ نجد أن أمريكا هي التي تصرف على الكثير من الدول في العالم بسبب هذه الاتفاقيات. فلأمريكا أتفاقيات وقواعد عسكرية في تركية وقطر مثلاً، ولم تؤثر هذه على سيادة هذين البلدين، ولم يدعي أحد أن تركيا ضعيفة تنهبها أمريكا، ولم تتجاوز أمريكا على سيادة تركيا عام 2003 عندما طلبت استخدام قواعدها في تركيا لشن هجوم على العراق، فرفضت تركيا ذلك، واحترمت أمريكا قرار الحكومة التركية وسيادتها الوطنية. إذن فكل ما قاله محمود أحمدي نجاد، ويردده مناهضوا الاتفاقية، هو كلام فارغ وهذيان محموم لا قيمة له ومخالف للواقع والحقيقة.
والسؤال الملح هو: هل من الحكمة أن يتخلى المسؤولون العراقيون عن فوائد كثيرة ومصالح استراتيجية كبيرة ومصيرية تعهدت بها أمريكا للعراق ومستقبله وفق هذه الاتفاقية، وأن تراهن على وعود زائفة وخادعة من شخص مشكوك بسلامته العقلية مثل محمود أحمدي نجاد، ونظامه الذي ساهم في تدمير العراق؟ إنه الجنون بعينه، إن لم نقل الغباء المفرط. إن أي مسؤول يفرط بهذه الفرصة ويضيع على الشعب العراقي هذه الاتفاقية ذات منافع استراتيجة لا تقدر، يعرض البلاد إلى كارثة ماحقة، ونفسه إلى لعنة التاريخ.
إن معظم المسؤولين العراقيين المعنيين بالشأن الأمني، مثل وزير الدفاع السيد عبد القادر محمد جاسم، وهو عسكري (جنرال متقاعد)، وكذلك وزير الداخلية السيد جواد بولاني ، أكدوا على حاجة العراق لهذه الاتفاقية. فالجيش العراقي لم يكتمل بناؤه بعد، وكما قال السيد جواد بولاني، لقناة الشرقية: "من الجانب المهني والفني لاتزال وزارة الدفاع ووزراة الداخلية تحتاجان الى دعم ولازالت استراتيجية الخطوات بحاجة ان تكتمل." واضاف "في اطار رأينا المهني والمؤسساتي عندما نطرح راينا في هذا الموضوع.. هذا الرأي يجب ان يؤخذ ويقيم سياسيا."
سيناريوهات تداعيات رفض الاتفاقية
إذا رفض المسؤولون العراقيون إبرام الاتفاقية العراقية-الأمريكية، وبتأثير الضغوط من الحكومة الإيرانية فهذا يعني، أن المسؤولين العراقيين تنكروا لجميل أمريكا وتضحياتها في سبيل تحرير العراق وبناء نظام ديمقراطي آمن ومستقر ومزدهر، وفضلوا عليها التحالف مع ألد عدو لها في المنطقة، أي النظام الإيراني المتخلف والمحكوم عليه تاريخياً بالزوال. وعليه سيترتب على هذا القرار حصول السيناريوهات والعواقب الوخيمة التالية:
1- بإمكان الإدارة الأمريكية استغلال رفض الحكومة العراقية إبرام الاتفاقية بالانسحاب من العراق مبكراً. إذ كما صرح روبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكي، "أنه في حالة رفض الاتفاقية فسوف يتم تعليق جميع نشاطات الجيش الأمريكي في العراق، وعدم دعم القوات العراقية عند الحاجة." وبالتالي الانسحاب السريع من العراق والتقليل من الخسائر، وإعفاء أمريكا من جميع مسؤولياتها والتزاماتها المالية وغيرها إزاء العراق، لأن في هذه الحالة، فإن العراقيين هم الذين رفضوا أمريكا ومساعداتها.
2- إن جميع الالتزامات التي تعهدت بها أمريكا في الاتفاقية المذكورة للعراق، مثل إخراج العراق من البند السابع، وإطفاء الديون وتعويضات الحروب الصدامية، ومساعدته على البناء والإعمار، والدفاع عنه إذا ما تعرض لأي عدوان خارجي أو داخلي، وبذلك سيكون العراق هو الخاسر الأكبر، ويكون معرضاً للعدوان في أي وقت من قبل إيران وغيرها.
3- إحتمال أن تركز أمريكا وجودها في كردستان، وربما ستساعد الشعب الكردي على بناء دولته المستقلة لتتخذ منها أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، خاصة وأن القيادة الكرستانية قد بلغت سن النضج، فعرفت كيف تحمي مصالح شعبها، وعندها ليضحي القادة العراقيون بمصلحة الشعب العراقي في سبيل إرضاء إيران وقائدها "الولي الفقيه" علي خامنيئي.
4- سيشتد الصراع الطائفي، وستشتعل الحروب الأهلية الطائفية، ويتمزق العراق إلى دويلات الطوائف، فستقوم إمارة القاعدة الإسلامية، (على غرار إمارة طالبان الأفغانية) في المثلث السني، وإمارة شيعية تحت هيمنة جيش المهدي و بدعم إيران في المثلث الشيعي، وهنا ستتدخل إيران بجيوشها علناً بحجة حماية العتبات الشيعية المقدسة، وبذلك ستتحول المنطقة الشيعية في العراق إلى مستعمرة إيرانية.
5- إذا لم تحصل السيناريوهات أعلاه، فمن المحتمل أن تغسل أمريكا يدها من العراق، خاصة إذا ما فاز باركا أوباما في الانتخابات الرئاسية، فستعامل أمريكا العراق كدولة مارقة ومنبوذة مثل إيران وسوريا، وبذلك سيبقى العراق في البند السابع، وتبقى ثرواته بيد الأمم المتحدة وفق هذا البند.
وبناءً على ما تقدم من سيناريوهات خطيرة التي ستجعل العراق في مهب الريح، وحرصاً على مصالح العراق وشعبه والأجيال القادمة ودرءً للمخاطر، نهيب بالمسؤولين العراقيين أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية، ويدافعوا عن مصلحة بلادهم بدلاً من مصلحة إيران، بأن يوقعوا على الاتفاقية بأسرع وقت ممكن وقبل فوات الأوان.