د. عبدالخالق حسين
الخميس 26/ 6/ 2008
حول مؤتمر مكة للحوار بين الأدياند. عبدالخالق حسين
عقد في مكة المكرمة يوم 04 يونيو 2008، المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بين المذاهب الإسلامية الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي واستمر ثلاثة أيام. وشارك فيه نحو 500 من الشخصيات والعلماء في العالم الإسلامي، بهدف أخذ موقف موحد وتحديد الأسلوب والطرق التي سيكون عليها الحوار بين المسلمين وغير المسلمين في مؤتمرات قادمة للحوار بين الأديان.
وافتتح المؤتمر العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بكلمة جاء فيها إن الإسلام " صوت عدل ، وقيم إنسانية أخلاقية ، وأننا صوت تعايش وحوار عاقل وعادل، صوت حكمة وموعظة وجدال بالتي هي أحسن". وإن الدعوة إلى المؤتمر تهدف إلى "مواجهة تحديات الانغلاق، والجهل ، وضيق الأفق، ليستوعب العالم مفاهيم وآفاق رسالة الإسلام الخيرة دون عداوة واستعداء". (وكالات الأنباء، 4/6/2008).
لا شك أن هذه اللقاءات والتصريحات هي إيجابية، خاصة إذا كان القصد منها سليم وجدي، وإنها تهدف إلى التقارب بين الأديان والمذاهب، وهي إجراءات صحيحة وفي الاتجاه الصحيح، يجب على كل إنسان سوي أن يرحب بها ويشجعها لكي يعيش العالم بسلام. ولكن المفارقة هنا، أن الديانات الوثنية كانت ومازالت مسالمة عبر التاريخ، إذ لم نسمع بحروب بين البوذيين والهندوس مثلاً بسبب خلافات دينية أو مذهبية، بل وحتى في تاريخ العرب قبل الإسلام، الفترة التي يسمونها بـ(العصر الجاهلي)، لم تقع حروب بين القبائل العربية الوثنية بسبب الاختلاف الديني رغم تعدد أوثانهم. فرغم كثرة الغزوات والحروب بين القبائل في تلك الفترة، إلا إن هذه الغزوات كانت بسبب المجاعة الدائمة نتيجة شح الموارد المعيشية في الصحراء، ومن أجل الغنائم وليس بسبب الاختلاف الديني، كما ولم يستطع الإسلام إيقاف تلك الغزوات فيما بعد، بل أخذت هذه الغزوات طابعاً جديداً سميت بالفتوحات الإسلامية.
ولكن عانت البشرية من الصراعات الدموية بسبب الاختلاف الديني والمذهبي فقط عند ظهور الديانات السماوية الثلاث. ففي جميع هذه الأديان، اليهودية والمسيحية والإسلام، هناك نصوص تدعو إلى العنف ضد المختلف. ولعل الديانة المسيحية هي من أقل الديانات دعوة للعنف في الوقت الحاضر، ولكنها مارسته بشراسة في القرون الوسطى إبان حكم الكنيسة، ومحاكم التفتيش ...الخ. إلا إنها في نهاية المطاف، نبذت العنف خاصة بعد فصل الكنيسة عن الدولة والسياسة.
أما اليهودية، فتعاليمها حافلة بالدعوة للعنف وحتى الإبادة. ولكن كان ذلك في الماضي البعيد، واليهودية اليوم ديانة مسالمة، وهي تختلف عن المسيحية والإسلام كونها ديانة غير تبشيرية، أي أنها لا تعمل على كسب غير اليهود لاعتناقها. ورغم الصراع العربي- الإسرائيلي الدموي الراهن، إلا إن هذا الصراع هو سياسي وليس على أساس ديني.
والمؤسف أن في عصرنا الراهن، انفرد المسلمون وحدهم بظاهرة العنف بدافع الدين، وشن الإرهاب ضد غير المسلمين، وحتى ضد الطوائف الإسلامية الأخرى بسبب الاختلاف المذهبي، ولذلك سمي هذا الإرهاب بالإرهاب الإسلامي، لأن الذين يرتكبونه هم مسلمون، وينفذونه باسم الله وباسم الإسلام ويطلقون عليه "الجهاد" في سبيل الله، ويبررونه بنصوص دينية كثيرة من القرآن والسنة. ولهذا فالإسلام والمسلمون هم الآن في مأزق خطير، ومواجهة غير متكافئة مع العالم المتحضر، يهدد بفنائهم، مما يتطلب من عقلاء القوم الإسراع بأخذ الإجراءات اللازمة لإنقاذ أنفسهم ودينهم.
الهدف من المؤتمر
ومن هذه الإجراءات، جاء مؤتمر مكة الأخير، إذ كما قال أمين عام رابطة العالم الإسلامي التي تنظم المؤتمر: "إن الحوار الإسلامي - الإسلامي سيضع إستراتيجية واضحة للحوار مع الغرب والشرق، ولن يكون الحوار لبحث الخلافات بين الأديان، بل الحوار في القيم الإنسانية المشتركة، ونحن في أمس الحاجة إليها كقضايا الأسرة والظلم والعدل والإرهاب والفقر والبيئة".
وفعلاً تم تحديد موعد لمؤتمر قادم يعقد في أسبانيا لإجراء حوار بين الأديان السماوية، يضم المسلمين والمسيحيين واليهود في مدريد في الفترة بين 16 و18 يوليو/تموز المقبل. كما وقد سبق الدعوة للحوار هذا اجتماع العاهل السعودي مع البابا بيندكت السادس عشر، بابا الفاتيكان في العام الماضي. كل ذلك عوامل تبشر بخير عميم فيما لو صدقت النوايا.
إن موضوع " عدم التطرق للخلافات بين الأديان، بل الحوار في القيم الإنسانية المشتركة" في هذه المؤتمرات صحيح جداً بل وأحد أهم شروط نجاحها، وقد تطرقت إليه في مقال لي قبل عامين بعنوان (لماذا تفشل مؤتمرات التقارب بين الأديان والمذاهب؟ ) بينت فيه أنه من الخطأ البحث في هذه المؤتمرات عن الاختلاف بين الأديان أومحاولة توحيدها، لأن هذه المهمة مستحيلة، إذ لا يمكن معرفة أي دين أو مذهب أصح أو على حق أكثر من غيره، ومن هي "الفرقة الناجية". لأن الخوض في مثل هذه الأمور يدفع إلى تخندق كل طرف ضد الطرف الآخر، وإلى المزيد من الخصومات والنفور والتباعد وليس إلى التقارب.
لذا فإذا ما أريد لهذه المؤتمرات أن تنجح وتحقق الغرض الأساسي منها، هو تجنب محاولة التوحيد بين المذاهب، بل يجب الاعتراف بحق التعددية الدينية والمذهبية، وترويج روح التسامح، وقبول الآخر وحق الاختلاف، والإقرار بأن وظيفة الدين هي تكريس القيم الإنسانية والأخلاقية، والعلاقة بين الإنسان والخالق، وترك الحكم على من هو على صح أو خطأ إلى الله وحده ينظر فيه يوم الحساب. أما اليوم وفي هذه الدنيا، فيجب على الجميع التركيز على قبول الآخر وحرية الأديان والتعايش السلمي.
مدى جدية المملكة السعودية
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل المملكة العربية السعودية جادة بعقد هذه المؤتمرات والحوارات، وهل أنها فعلاً تسعى إلى تحقيق التقارب والتفاهم بين المذاهب الإسلامية، والتعايش السلمي بين الأديان الأخرى؟ أم أنها مجرد عملية ذر الرماد في العيون، وحملة دعائية كبرى لتجميل صورة النظام السعودي، وتسويقه وتبرئته من الإرهاب المتفشي، بعد أن افتضح أمره في صناعة هذا الإرهاب عن طريق نشر العقيدة الوهابية المتشددة، ودعم حركات الإسلام السياسي في العالم؟ فالكل يعلم أن هذه المملكة وبما تتمتع به من أموال البترول الهائلة، صارت وكراً ومعملاً لتفريخ الإرهاب، وأن عقيدتها الطائفية الوهابية هي السبب الأساسي، بل والرئيسي في تفشي هذا النوع من الإرهاب وإنتاجه وتصديره إلى العالم، وبالتالي ارتد على النظام السعودي نفسه، أي انقلب السحر على الساحر.
وهناك مؤشرات كثيرة تجعلنا نشك بصدق نوايا الدور السعودي في عقد هذه المؤتمرات والغرض منها، ومن هذه المؤشرات ما يلي:
1- تزامن عقد المؤتمر مع صدور بيان وقعه 22 شيخ من مشايخ الوهابية في السعودية، من بينهم عبد الرحمن البراك، وعبد الله بن الجبرين- حذروا فيه "من خطورة الشيعة ودورهم في زعزعة استقرار البلدان الإسلامية وممارسة عمليات الاعتداء على أهل السنة". لا شك أن مثل هذا البيان وفي هذا الوقت بالذات لا يقود إلى التقارب بين المذاهب. ونحن نعلم أن المملكة السعودية هي دولة بوليسية قمعية، لا يمكن لهؤلاء الشيوخ إصدار مثل هذا البيان في وقت عقد المؤتمر بدون موافقة السلطة. ففي هذه الحالة تقوم القيادة السياسية بعقد مؤتمر كحملة دعائية أمام العالم لتحسين صورتها في الخارج، وفي نفس الوقت تسمح للمتشددين الوهابيين بتشديد ملتهم ضد الشيعة.
2- وبدلاً من محاسبة الموقعين على البيان المذكور، أو على الأقل منع صدوره، اعتقلت السلطات السعودية في مدينة الاحساء بعد أيام قليلة من عقد المؤتمر، داعية الحقوق والحريات الدينية الشيعي الشيخ توفيق العامر اثر انتقاداته لمصدري البيان الذي كفروا فيه المسلمين الشيعة، مطالبا الحكومة السعودية باتخاذ مواقف مطمئنة للمواطنين الشيعة.
3- لوحظ أن المؤتمر كان في غالبيته سلفيا سنيا، حيث استبعد تماما المسلمين الصوفيين، والشيعة الإسماعيليين بكل طوائفهم، ومعهم الشيعة الأوربيين والأمريكين والباكستانيين والهنود والأذربيجانيين. ومن الخليج تمت دعوة شيخ شيعي واحد فقط وهو الشيخ حسن الصفار للحضور والمشاهدة لا غير، أما من العراق فقد دعوا الشيخ جواد الخالصي الذي لا يملك أي تأثيرا في العراق أو على الشيعة، بل يدعو لإسقاط الحكومة العراقية المنتخبة. وفي المقابل تمت دعوة ثلاثة من السنة العراقيين على الأقل، إذن شيعي واحد مقابل ثلاثة سنة من بلد غالبيته شيعية. (راجع مقال علي آل أحمد: مؤتمر المكر السعودي في مكة ، موقع: وكالة الأخبار السعودية).
4- إن دولة تقوم بنشاطات التقارب بين الأديان والمذاهب، ولتثبت صدق نواياها، كان عليها أن تسند الأقوال بالأفعال، فكما تقول الحكمة "عمل ساعة خير من كلام ألف ساعة". إذ كان على الملك السعودي أن يثبت صدق نواياه للعالم بأن يعمل على تحسين العلاقة مع أصحاب الديانات الأخرى. فرغم وجود أعداد كبيرة من المسيحيين العاملين في المؤسسات النفطية السعودية وغيرها، إلا إنه لحد الآن ممنوع إدخال كتاب الإنجيل أو بناء كنيسة في المملكة، أو حتى قيام المؤمنين من غير المسلمين بممارسة شعائر دياناتهم علناً.
قال الإمام علي بن ابي طالب في هذا الخصوص: "من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم".
صعوبة المهمة
بإمكان الملك السعودي أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وذلك بإجراء الإصلاحات السياسية والحد من هيمنة شيوخ الوهابية على مرافق الحياة في المملكة، ودون التقليل من صعوبة هذه المهمة. فنحن ندرك دور القاعدة والتشدد الوهابي المهيمن على عقول نسبة كبيرة من السكان. ولكننا في نفس الوقت، نعتقد أن بإمكان الملك العمل على تقليم أظفار هؤلاء المتشددين حيث بلغ غلوّهم درجة لا تهدد معها بتعريض مستقبل المملكة إلى الخطر الماحق فحسب، بل وصارت الوهابية تهدد الحضارة البشرية بأجمعها. فقد اختزل الوهابيون الإسلام بإطالة اللحى وتقصير الثياب، واضطهاد المرأة ونشر الإرهاب باسم الله.
ورغم صعوبة مهمة الإصلاح، إلا إنها ليست مستحيلة. فقد تعرض الملك عبدالعزيز، مؤسس المملكة السعودية، في أوائل القرن المنصرم إلى تمرد الوهابيين عليه، وكانت المملكة ضعيفة ومازالت في مرحلة التكوين، ولم يكن لديه 1% من الإمكانيات التي يملكها الملك الحالي. وقد تصدى لهم الملك عبدالعزيز وأوقفهم عند حدهم. لذلك نعتقد أن بإمكان الملك الحالي، عبدالله آل سعود، وإذا ما أراد الحفاظ على مستقبل مملكته، أن يقوم بخطوات جادة ومحسوبة وتدريجية بالحد من دور مشايخ الوهابية في تأجيج الصدام بين الحضارات والثقافات، والقضاء على غلوِّهم، خاصة وإنه أي (الملك) يتمتع الآن بإمكانيات مادية وحضارية تؤهله للقيام بهذا الدور الإصلاحي.
كما ونعتقد أنه ما كان لشيوخ الوهابية في السعودية الهيمنة على مقدرات الناس وشؤونهم الخاصة والعامة لولا دعم السلطة لهم. وعلى سبيل المثال، شعب دولة قطر أيضاً من أتباع المذهب الوهابي، ولكن الشعب القطري أكثر انفتاحاً على الحضارة من الشعب السعودي، خاصة الموقف من المرأة التي تتمتع بحريات لا بأس بها كنظيرتها في البلدان المتحضرة الأخرى، والسبب هو أن الموقف المتسامح نسبياً للسلطة القطرية من الحضارة وحقوق الإنسان.
فالشعب السعودي اليوم، كغيره من شعوب العالم، يريد أن يعيش بسلام ويتمتع بمباهج الدنيا، وفيه شرائح تتمتع بثقافة واسعة، بل وهناك قطاع واسع من المثقفين الليبراليين والإصلاحيين، يدعون إلى الإصلاح السياسي والديني وإلى التعايش السلمي الحضاري مع العالم. فإذا كان الملك جاداً في الإصلاح فبإمكانه تنفيذ برنامجه الإصلاحي هذا بالاعتماد على هذه الشريحة، ودون تعريض المملكة لهزات عنيفة. لأن البديل الآخر، هو تراكم الحاجة إلى التغيير مقابل تراكم غلو الوهابيين، إلى أن تصل الحالة إلى نقطة الانفجار التي لا تبقي ولا تذر.
مواد ذات علاقة بالموضوع:
1- لماذا تفشل مؤتمرات التقارب بين الأديان والمذاهب؟ http://www.sotaliraq.com/abdulkhaliqhussein.php?id=376
2- علي آل أحمد: مؤتمر المكر السعودي في مكة ، http://www.arabiaradio.org/article.cfm?qid=1127&sid=5