د. عبدالخالق حسين
الأثنين 26 /2/ 2007
إصرار إيران على دمارها الشامل
د.عبدالخالق حسين
يوماً بعد يوم ازداد إيماناً بأن لا دور للعقل في تسيير الأمور السياسية وغيرها في دول العالم الثالث، وإنما تسير الأمور في هذه الدول وفق قوانين الطبيعة القاسية التي تتحكم بالتطور البايلوجي وفق المبادئ الداروينية، أي الصراع على مصادر البقاء والاختيار الطبيعيnatural selection والبقاء للأصلح. وهذا القانون يعني انقراض من لا يتكيف مع متطلبات العصر وغير صالح للبقاء. ويستمر تطبيق هذه المبادئ في مختلف مناحي الحياة في العالم الثالث المتخلف إلى أن تبلغ شعوب وقيادات هذه الدول سن الرشد أي العقل الواعي المسئول، وعندها تسير الأمور وفق اختيار الإنسان الواعي العقلاني، (artificial selection) في استخدام العلوم لتقرير مصيره وتحقيق أكبر قدر من المصالح بأقل ما يمكن من خسائر، ومضاعفة رفاه شعوبها وتعجيل تقدمها، كما هي الحال في البلدان الغربية المتطورة.
وقد تطرقت إلى هذا الموضوع في مقال سابق بعنوان: (إيران الإسلامية على خطى عراق البعث). والذي جعلني أن أعود إليه ثانية هو تصريحات السيد محمود أحمدي نجاد، رئيس جمهورية إيران الإسلامية، الأخيرة والتي لا تختلف عن تلك التي أطلقها نظيره صدام حسين قبيل تدمير العراق. فكلاهما أصرا على امتلاك السلاح النووي ومواجهة الدولة العظمى أمريكا ومعها معظم الدول الصناعية الكبرى ذات الجبروت العسكري التي تمتلك ترسانة هائلة من سلاح الدمار الشامل والتكنولوجية المتطورة. ويبدو أن لا أحمدي نجاد ولا أعضاء القيادة الإيرانية الآخرين تعلموا أي درس من سياسات صدام حسين الطائشة في موقف مشابه بالتمام والكمال!! ونتائج تلك السياسة الانتحارية باتت معروفة ومازال الشعب العراقي يدفع الثمن وصدام انتهى من حفرة إلى حفرة وإلى القبر.
كان صدام حسين وبعقلية المراهق السياسي، يتباهى بإصراره على امتلاك السلاح النووي ويهدد بحرق إسرائيل، وهاهو أحمدي نجاد على ذات النهج فيقول: (إن إيران لن تتراجع عن برنامجها النووي، مشبها له بقطار "بلا مكابح وبلا آلية رجوع للوراء".) وهذا يعني أن الشعب الإيراني مختطف في قطار بلا مكابح يقوده سائق مخبول. وهذا يشبه إصرار صدام على عدم انسحابه من الكويت عام 1991 رغم النداءات والنصائح التي وجهت له من قادة العالم. وسبب عدم استجابته لنداء العقل هو عدم اهتمام صدام بالعواقب الوخيمة من جهة، ولاعتقاده بأن أمريكا لم تكن جادة بتوجيه ضربة قاضية له، بل كانت تتمازح معه!! فلما سلّم جيمس بيكر رسالة تهديد موجهة من الرئيس بوش الأب إلى طارق عزيز في لقاء جنيف قبيل حرب تحرير الكويت، رفض الأخير نقلها إلى صدام حيث اعتبر لغتها غير لائقة!! لأن كان فيها تهديد واضح مفاده "أنه إذا رفضتم الانسحاب من الكويت سنسحقكم ونعيد بلادكم إلى العصور الحجرية". ولو استمع صدام إلى صوت العقل ونفذ النصائح التي تلقاها من قادة العالم وانسحب من الكويت دون حرب لربما كان مازال يحكم العراق. ولكن للتاريخ إرادته في إلقاء الطغاة الجهلة إلى المزبلة وفق مبدأ البقاء للأصلح كما أشرنا أعلاه.
واليوم يعيد التاريخ نفسه مع إيران، فهذه كوندتاليزا رايس توجه النصيحة إلى أحمدي نجاد فتقول له بكل وضوح فيما يخص قطاره بلا مكابح: "إن ما تحتاج إيران له ليس آلية رجوع للوراء، بل زر توقف". وهذا القول من وزيرة خارجية أمريكا سبقه تهديد بالدمار الشامل من نائب الرئيس الأمريكي ديك جيني محذرا "بأن اللجوء إلى القوة قد يكون خيارا مطروحا في حالة مواصلة إيران تحديها". وكما وجهت نصائح من العقلاء إلى صدام بالاستماع إلى صوت العقل لتجنب الكارثة، كذلك جاءت نصائح من وزراء خارجية سبعة بلدان إسلامية اجتمعوا في باكستان دعوا فيها إلى حل دبلوماسي للأزمة التي وصفوها بالخطيرة. ولكن لا من مجيب! لأن أحمدي نجاد لن يتخلى عن برنامجه النووي.
وتماماً كما وقف صدام حسين في التلفزيون العراقي ومزق اتفاقية الجزائر التي وقعها مع شاه إيران عام 1975 حيث اعتبرها مجرد ورقة لا قيمة لها، كذلك قال أحمدي نجاد: "إن القرار الأخير لمجلس الأمن ليس أكثر من قصاصة ورق." والجدير بالذكر أن أحمدي نجاد رد على نقاده من الإيرانيين الذين طالبوه بتخفيف اندفاعه قائلاً، أن تصريحاته هي استجابة لتعليمات يتلقاها من مرشد الجمهورية الإسلامية السيد على خامنئي. وهذا يدل على أن أحمدي نجاد ليس وحده في هذا الموقف، بل هو موقف المرشد الذي هو الحاكم الفعلي الأعلى. ومعنى هذا أن إيران تقترب من نقطة الخطر، وتتحدى الرأي العام العالمي ومجلس الأمن، وبالمقابل فإن أمريكا تحقق انتصاراً في كسب الدول الأخرى إلى جانبها. فعلى العكس من فشل أمريكا في كسب الدول الأوربية، فرنسا وألمانيا خاصة في شن الحرب على العراق، هاهي تكسب دعم معظم الدول الأوربية ضد إيران، وهاهي الدول الست تلتقي اليوم (26/2/2007) في لندن للنظر في تعنت إيران وأخذ موقف موحد لمواجهتها. فأين العقل في القيادة الإيرانية من كل هذا لدرء الخطر الداهم على إيران والمنطقة؟
فلو كان هناك عقل لدى القيادة الإيرانية، لاستثمرت ثرواتها النفطية الهائلة في رفع مستوى معيشة شعوبها بدلاً من تبديدها في سباق التسلح وامتلاك السلاح النووي الباهظ التكاليف. فإيران الإسلامية، كالعراق البعثي، من المستحيل أن تسمح لها أمريكا وحلفاؤها بامتلاك السلاح النووي. ففي نهاية المطاف، وكما جرى في العراق، ستكون هذه الأسلحة وبالاً على الشعب الإيراني. وأغلب الظن، أن أمريكا ومعها حلفاؤها، ستوجه ضربة قاضية تدمر بها جميع المؤسسات العسكرية والمفاعل النووية الإيرانية ودون أن تقوم باحتلال إيران، بل ستترك إيران في فوضى عارمة، خاصة إذا ما عرفنا الصراعات المكبوتة بين مكونات الشعوب الإيرانية المضطهدة.
مسكينة هذه الشعوب المبتلية بحكام مجانين يدعون أنهم يستلمون الأوامر من قوى غيبية. فصدام حسين تلقى الأوامر من النبي محمد (ص) في المنام باحتلال الكويت. أما احمدي نجاد وكما نقل لنا عزيز الحاج عن كتاب مذكرات وزير خارجية فرنسا، أنه فاجأ الحضور في مؤتمر دولي قائلاً: "هل تعلمون لماذا يجب أن نتمنى الفوضى بأي ثمن؟ لأنه بعد الفوضى يمكننا أن نرى عظمة الله." وفي مكان آخر صرح أحمدي نجاد أنه يرحب بالفوضى العامة لأنها ستنتهي بانتصار الحق عام 2008، أما لماذا عام 2008، لأن في هذا العام سيظهر المهدي المنتظر. لذا فالفرق بين هؤلاء المؤدلجين المجانين والقادة الغربيين كالفرق بين الخرافة والعلم. وفي نهاية المطاف لا بد للعلم أن ينتصر على الخرافة.