د. عبدالخالق حسين
االأربعاء 26 / 9 / 2007
إذا كان الغراب دليل قوم!!
د.عبدالخالق حسين
العنوان أعلاه، هو صدر لبيت شعر عربي يقول:
إذا كان الغراب دليل قوم فيقودهم إلى أرض الخراب
وهذا ما ينتظره الشعب الإيراني المغلوب على أمره، والذي هو مثل جاره الشعب العراقي، بلاده تطفو على بحر من الثروة النفطية، ولكنه محروم منها، يعيش على الكفاف بسبب السياسيات الطائشة التي يقودها الحكام الغربان، الملالي في إيران لحد الآن، والبعث الساقط في العراق سابقاً.
لا أفشي سراً إذا قلت أني لأول مرة أشعر بالعطف والشفقة على الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، وذلك لتعرضه للإهانة البليغة من قبل رئيس جامعة كولومبيا ومئات الطلبة الذين حضروا للاستماع إلى محاضرته في الجامعة المذكورة في نيويورك يوم 25/9/2007 بمناسبة تواجده فيها لحضوره الاجتماع السنوي للجمعية العامة للامم المتحدة. وسبب تعاطفي مع الرجل هو أني أكره تعرض أي إنسان للإهانة والإذلال مهما كان موقفي معارضاً له. ولكن من جانب آخر، فمحمود أحمدي نجاد هو الذي جلب على نفسه هذه الإهانة بمثل ما جلب الكوارث، الراهنة والمرتقبة، على شعبه. ففي كلمة لرئيس الجامعة لي بولينجر، بدأها بقوله، أن الأمريكيين يتمتعون بحق انتقاد رؤسائهم إذا أخطؤوا، فلماذا لا ينتقدون الرؤساء الآخرين مثلك أيضاً عندما يخطؤون. ومن ثم فتح بولينجر النار على أحمدي نجاد الذي كان جالساً قريباً منه على المنصة، واختزل إلى حجمه الحقيقي البائس، حيث وصفه بأنه " ديكتاتور وحشي" قائلا له: "إما انك شخص وقح مثير للاستفزاز أو جاهل مثير للدهشة" في إشارة إلى نفي نجاد للمحرقة اليهودية (الهولوكوست). وربما فوجئ هذا الرئيس المتغطرس في بلاده، ليجد نفسه في بيئة غريبة عليه جداً، يتعرض فيها للإهانة، ضعيفاً، لا حول له ولا قوة. (رابط فيديو كليب لمداخلة رئيس الجامعة أدناه.)
وإنصافاً للحقيقة، أعترف أن محمود أحمدي نجاد رجل نظيف إخلاقياً ونزيه شخصياً، وزاهد في الحياة والبهرجة وملذات الدنيا، وهذا ناتج عن موقفه الديني طبعاً لأنه وكما يبدو أنه متدين بصدق. ولكن هذه الصفات وحدها لا تكفي لوضع الإنسان في موقع قيادة أمة عريقة في التاريخ والحضارة الإنسانية كالأمة الإيرانية التي أنجبت في مختلف مراحل التاريخ شخصيات فذة في الأدب والسياسة والفكر، مثل الفردوسي وعمر الخيام وسعدي الشيرازي وصادق هدايت ومحمد مصدق وغيرهم كثيرون. فرغم صفات الزهد والنزاهة التي يتحلى بها أحمدي نجاد، إلا إنه ثقافياً وسياسياً فهو رجل أمي وجاهل وساذج إلى حد الكارثة، وقطعاً لا يصلح أن يدير حتى مدرسة ابتدائية، فما بالك بقيادة أمة تعداد نفوسها نحو 80 مليوناً، غارقة في المشاكل المعقدة في عصر النظام الدولي الجديد وأحادي القطب. والذي ورط أحمدي نجاد في هذا المنصب هو سيده علي خامنئي الذي رشحه للرئاسة وأدعمه في الانتخابات، ليس لقدراته وكفاءته، بل لضعف شخصيته حيث يسهل على خامنئي السيطرة عليه وتوجيهه بالشكل الذي يريد، وليتخلص من على أكبر رفسنجاني المرشح المنافس له، والمعروف بالدهاء وقوة الشخصية والكفاءة السياسية.
لقد قدم أحمدي نجاد نفسه إلى الشعب الإيراني في الانتخابات الرئاسية أنه سيحارب الفساد الإداري المستشري في كيان حكومة الملالي، ووعد الناخبين أنه سيستثمر ثروة البلاد الهائلة لرفع المستوى المعيشي للشعب الإيراني، فصدقه الناخبون وانتخبوه. ولكن الذي حصل بعد فوزه أن الفساد الإداري وحرمان الشعب من ثرواته قد ازداد أضعافاً مضاعفة عما كان عليه في عهد سلفه. فبدلاً من صرف هذه الثروات على الشعب، راح يبددها على تحقيق أحلام فنطازية في التسلح النووي وعلى الحروب بالوكالة في العراق ولبنان وعرقلة حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويوزع الأموال يميناً وشمالاً لشراء الذمم من العملاء في الخارج، ويتحدى المجتمع الدولي، الأمر الذي صار يهدد إيران بضربة أمريكية وإسرائيلية ماحقة تعيدها إلى ما قبل الثورة الصناعية، تماماً كما حصل لعراق صدام حسين.
ولكني أعتقد أن الوضع الإيراني في حالة تلقيها الضربة الأمريكية، سيختلف عما حصل في العراق، فإذا قامت أمريكا باحتلال العراق وإقامة حكومة ديمقراطية فيه والحفاظ على وحدة أراضيه، ومساعدة شعبه على مواجهة الإرهاب البعثي-السلفي، فإني أتوقع أن تكون الحرب الأمريكية على إيران التركيز على تدمير قواتها ومنشآتها العسكرية وركائزها الاقتصادية، بحيث لا تقوم لها قائمة، وترك الشعب الإيراني المعروف بتعدد قومياته وطوائفه المتصارعة في صراعات دموية وفوضى عارمة لا تبقي ولا تذر.
وكما أصر صدام على تحديه للإرادة الدولية، كذلك أحمدي نجاد يصر على هذه السياسة حيث أعلن امام الاجتماع السنوي للجمعية العامة للامم المتحدة: " أن إيران قررت تجاهل قرارت مجلس الامن التي املتها "القوى المتغطرسة" حسب وصفه، والتي تطالب ايران بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم، واشار الى ان ايران قررت متابعة الرقابة على برنامجها عن طريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال " ان قوى الاستكبار استغلت مجلس الامن خلال السنتين الماضيتين لاتهام ايران وتهديدها وفرض عقوبات غير قانونية عليها". (بي بي سي العربية، 26/9/2007)
وهذا يعني أن محمود أحمدي نجاد يسير على نهج صدام حسين، لم يصغ إلى التحذيرات التي وجهها له رؤساء الدول مثل الرئيس الفرنسي نيوكولا ساركوزي الذي أعلن في خطابه امام الجمعية العامة انه من غير المقبول السماح لايران بامتلاك السلاح النووي. و"ان من حق ايران امتلاك الطاقة النووية للاغراض السلمية لكن السماح لايران بامتلاك السلاح النووي يمثل تهديدا للاستقرار الاقليمي والدولي". وطالب ساركوزي المجتمع الدولي عدم اظهار الضعف امام تهديد انتشار السلاح النووي وقد لاقى تصفيقا حارا على موقفه هذا. (نفس المصدر). ومعنى هذا أن أحمدي نجاد وضع بلاده في حالة مواجهة مع المجتمع الدولي.
كما إن أحمدي نجاد يتصور أنه في عصر الثورة المعلوماتية وانتشار المعرفة يمكنه حجب الحقائق المعروفة عن الطبيعة البشرية عن الأنظار. فلما جوبه من قبل رئيس جامعة كولومبيا وطلبتها، لماذا يضطهد المثليين وأبناء الطائفة البهائية ودعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلاده ...الخ، أنكر أحمدي نجاد وجود المثليين في إيران!! وهذا يدل على مدى سذاجته. إذ رأى أنه بادعائه هذا يمكن أن يقنع هكذا جمهور الذي يعرف أن المثلية موجودة في جميع المجتمعات البشرية وفي جميع مراحل التاريخ ولا يمكن إنكارها لمجرد الادعاء بالنقاء الزائف. لذلك فقد تلقى الرجل الضحك عليه من قبل الحضور. إنها حقاً محنة الشعب الإيراني وغيره من شعوب المنطقة، أن يبتلي بهؤلاء الحكام الغربان الذين يقودونهم إلى الخراب والتهلكة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيديو تقديم رئيس جامعة كولومبيا للرئيس محمود أحمدي نجاد
Columbia President Bollinger Introduces Ahmadinejad,http://www.youtube.com/watch?v=tACSopIZVdk&mode=related&search=