د. عبدالخالق حسين
الخميس 26 /1/ 2006
الفيحاء ضحية نجاحها
د. عبدالخالق حسين
النجاح عليه ضريبة، وقد تكون ضريبة باهظة تودي بالناجح إلى داهية. إن ما تعانيه القناة العراقية (الفيحاء) التي تبث من دبي هو من هذا النوع، ضحية النجاح. لقد حققت القناة نجاحاً باهراً وفي زمن قياسي وبإمكانات محدودة من أفراد عراقيين عقدوا العزم على أن ينتصروا للشعب العراقي وهو يواجه أشرس حملة إعلامية تضليلية مساندة للإرهاب، في وقت تكالبت عليه مئات الأطراف الدولية وإمبراطوريات إعلامية تتمتع بالإمكانات المالية الهائلة، هدفها تضليل الرأي العام العربي والعالمي ودعم الإرهاب من أجل إفشال الديمقراطية في العراق. بقيت قناة (الفيحاء) وحدها كالنخلة العراقية الباسقة الشامخة تتحدى ريح السموم العاتية التي تهب من عشرات الفضائيات التي تروج للإرهاب وتنشر التضليل.
إن ما تعانيه (الفيحاء) هو صورة مصغرة لمعاناة الشعب العراقي الذي تكالبت عليه الدنيا ولا تريد له أن يعيش بسلام أسوة بالشعوب الأخرى. فمنذ أن تجرأ هذا الشعب أن يحكم نفسه بنفسه والسيطرة على ثرواته الطبيعية وقام بثورته الوطنية ثورة 14 تموز 1958، صار هدفاً للمؤامرات القذرة التي شاركت فيها مؤسسات استخباراتية وإعلامية عالمية وحكومات عربية وغير عربية، في تحالف غير مقدس تعمل على إعادة الحصان الجامح إلى الحظيرة الأجنبية، إلى أن تكللت مساعيها في انقلابها الدموي الأسود يوم 8 شباط 1963. ومنذ ذلك اليوم الأسود والشعب العراقي يعاني من الظلم والاضطهاد والقهر والاستلاب والحروب والتشرد والغربة والحرمان من ثرواته التي صارت من حصة غيره. وهكذا جعل نظام البعث الصدامي وبمباركة العرب، العراق البقرة الحلوب لهم ومقبرة جماعية لأبنائه.
ومنذ التاسع من نيسان/أبريل 2003، حيث سقوط الفاشية وعودة الأمل إلى العراقيين للعيش بسلام في وطنهم، أعيدت الحملة التضليلية ضد شعب العراق. إن العالم العربي يعج بوسائل الإعلام التي فتحت أبوابها على مصراعيها لكل من يريد أن يساهم في تدمير العراق. أما الأصوات الخيرة التي تريد الدفاع عن حقوق هذا الشعب فقد سدت بوجهها معظم وسائل الإعلام ولم يبق لها سوى عدد من مواقع الانترنت. وأخيراً قام نفر من العراقيين الشرفاء وبإمكانات فردية بسيطة بفتح قناة (الفيحاء) في إمارة دبي حيث تتواجد محطات عديدة نظراً لتوافر حرية الإعلام هناك، إضافة إلى الظروف الأمنية العصيبة التي يمر بها العراق حيث صارت أراضيه ساحة للحرب على الإرهاب.
ونظراً للنجاح الباهر الذي حققته القناة في فترة وجيزة من عمرها، إذ حققت شعبية واسعة بين العراقيين، سواءً في الداخل أو الخارج، وصارت النافذة الوحيدة للمثقفين العراقيين المحرومين من المنابر الإعلامية الأخرى ليتنفسوا من خلالها ويسمعوا صوتهم إلى العالم، لذلك تدخل أولاد "الحلال" من أعداء النجاح وراحوا يوغرون صدور المسئولين في الإمارات ويحرضونهم على غلقها لكي تبقى الساحة مفتوحة لهم وحدهم في بث إعلام مضلل على غرار إعلام أحمد سعيد وهيكل ومحمد سعيد الصحاف "أبو العلوج". فمن معرفتنا بسياسة إتحاد الإمارات العربية أنها منفتحة على كل الاتجاهات ويتمتع الإعلام فيها بهامش كبير من الحرية قياساً بالدول العربية الأخرى، لذلك فلا يمكن أن يكون قرار عدم تجديد رخصة (الفيحاء) جاء من المسئولين في دبي دون أن يكون هناك تحريض من منافسين لهذه القناة ودور فلول النظام البعثي الفاشي الذين نهبوا ثروات العراق وصاروا يمتلكون العقارات والامبراطوريات المالية والإعلامية في البلاد العربية وغيرها، لذلك يعملون جاهدين على خنق صوت العراقيين الشرفاء من خلال إلغاء منبر الفيحاء.
تهمة الطائفية
يتهم البعض القناة بالطائفية وأن من حق المسئولين غلقها. والمقصود بالطائفية هنا أنها منحازة للشيعة في العراق. فهل حقاً أن قناة الفيحاء طائفية وتروج لها ؟ وهل طائفية إذ أذاعت القناة تقريراً عن تفجير مساجد وحسينيات شيعية من قبل التكفيريين؟ وهل طائفية إذا انتقدت القناة التدخل الإيراني الفض في الشأن العراقي؟ ولكن ماذا لو دافع شخص عن التدخل الإيراني في العراق، ألا تأتيه تهمة الطائفية أيضاً؟ كما وهناك قنوات تتنافس على نشر بيانات الزرقاوي وهي تشتم الشيعة وتسميهم بأسماء تسقيطية مثل "الروافض" وتبيح وتبرر قتلهم، فهل اتهم أحد هذه القنوات بالطائفية؟ عجبي، هل الذي يفضح الطائفية ويدينها هو طائفي؟ هناك عشرات الفضائيات ومئات الصحف العربية تنشر فتاوى رجال الدين وأئمة المساجد في دعم الإرهاب السلفي دون أن يتهمهم أحد بالطائفية. لا بل وحتى شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي أفتى قبل عام يسمح ل"لمجاهدين" في العراق وفلسطين بعدم الصوم في شهر رمضان لكي يوفروا طاقاتهم الجسدية للجهاد. وشيخ الأزهر يعرف جيداً أن هذا الذي يسميه "جهاد" في العراق يهدف إلى قتل الشيعة الأبرياء وهم يؤدون طقوسهم وشعائرهم الدينية. كذلك فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي بقتل المدنيين الأمريكان وفي العراق وليس غير العراق، لأن وجود المدنيين الأمريكان في العراق كان لغرض بنائه وإعماره. وهذا دليل آخر على أن هؤلاء المشايخ لا يريدون أن يكون العراق بلاداً عامرة، بل خرائب وأنقاض وإلا ما معنى هذه الفتاوى التدميرية ولم يتهمهم أحد بالطائفية. ولكن ما أن سمحت قناة واحدة لضحايا الطائفية بالتعبير عن معاناتها حتى انهالت عليها تهم الطائفية؟ ماذا يسمون الفتوى التحريضية في دعم الإرهاب في العراق الموقعة من قبل 26 رجل دين من أئمة المساجد السلفية في الخليج؟ أليس ذلك عمل طائفي؟
مشكلة قناة الفيحاء أنها وقفت مع الحق العراقي في الوقت الذي وقفت بقية القنوات أما متفرجة على المحرقة أو محرضة لها وتحت ذريعة المقاومة "الشريفة". لذلك فقد تجرأت القناة أن تنتقد جميع من عملوا ضد العراق، سواءً كانوا أفراداً أم جماعات أم حكومات، وحتى لو كانت الحكومة الإيرانية والسورية. والقناة كانت تعطي الحرية للمثقفين العراقيين أن يعبروا عن آرائهم بمنتهى الحرية دون أن يخافوا في الحق لومة لائم، دفاعاً عن الشعب العراقي. ولهذا تكالب عليها الأعداء من جميع الجهات. لذا فمأساة الفيحاء تتمثل في مقولة الإمام علي (ع): (يا حق ما أبقيت لي صاحبا).
يقترح بعض الأخوة نقل محطة الفيحاء إلى البصرة الفيحاء. اقتراح وجيه ولكنه يستغرق وقتاً لا يقل عن ست أشهر لنقل المعدات كما علمت. وإذا تم غلق المحطة من الآن فهذا يعني حجبها لمدة ستة أشهر على الأقل، ومن ثم البدء من الصفر ثانية لجلب أنظار المشاهدين بعد أن حققت شعبية واسعة. إضافة إلى أن البصرة صارت في ضل المليشيات الدينية المدعومة من إيران، مستعمرة إيرانية إذ نعرف كيف يتم قتل كل عراقي يعارض نفوذ إيران في هذه المدينة، وليس آخرها القرصنة الإيرانية التي اختطفت تسعة جنود عراقيين وقتلت أحدهم بحجة دخولهم في الحدود الإيرانية.
لذا فإذا انتقلت المحطة إلى البصرة فأمامها خياران: أما أن تذعن للنفوذ الإيراني وتسكت عما تقترفه المليشيات الدينية التابعة لإيران، أو تواجه القصف الصاروخي وإلقاء التهمة الجاهزة على الإرهاب البعثي التكفيري المنتشر في كل مكان من العراق.
لذا نتمنى على الأخوة المسئولين في إمارة دبي، وكما عودونا في السابق في مواقفهم المشرفة من العراق وشعبه، دعم هذه القناة العراقية التي صارت المنفذ الوحيد للعراقيين ليوصلوا صوتهم إلى العالم، حيث سدت بوجوههم بقية الفضائيات، فبدونها يكون قد حكم على الصوت العراقي بالخنق، وتحذير لكل من يتجراً ويعبر عن رأيه بحرية.