د. عبدالخالق حسين
الأحد 26 / 8 / 2007
فضيحة الإستقواء بشركات الترويج
د.عبدالخالق حسين
في عصر التقنية المتطورة والثورة المعلوماتية بات من الصعب جداً إخفاء الحقائق عن الناس، بل صار كل شيء على المكشوف مهما حاول مخططو الصفقات السياسية إخفاءها وراء الكواليس. ومن هذه الصفقات هي الفضيحة التي نشرتها فضائية الـ CNN عن العقد الذي أبرمه الدكتور أياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي السابق، وزعيم تنظيم الوفاق الوطني العراقي، ورئيس قائمة (العراقية)، مع شركة اللوبي والعلاقات العامة الأمريكية المسماة ( باربر كرفيذ اند روجرز ال ال سي Barbour, Griffith & Rogers – BGR). وهذه الشركات متخصصة في الترويج لهذه الشخصية أو تلك، ولهذه البضاعة أو الفكرة وتسقيط منافستها، مقابل من يدفع لها أكثر. وهذه الممارسات مشروعة في الأنظمة الديمقراطية مع الأسف، وهي تمثل الجانب السلبي للديمقراطية، ولكن بالمقابل تسمح الديمقراطية في نفس الوقت بفضحها ومحاسبة الذين يسيئون استخدامها. ففي البلدان الديمقراطية يمكن التأثير على الرأي العام بتوظيف هذه الشركات وعن طريق شراء سياسيين متنفذين في صنع القرار.
الدكتور أياد علاوي، هو أحد منافسي السيد نوري المالكي على رئاسة الحكومة، ويعمل باستماتة من أجل إزاحته ليحل محله في هذا المنصب. وهذا حق مشروع في الأنظمة الديمقراطية. وقد قام الرجل بعدة تحركات في العراق، منها أن سحب وزراء قائمته (العراقية) من الحكومة (عدا الوزير الشيوعي)، في محاولة منه الاستفادة من انسحاب وزراء قوائم أخرى (جبهة التوافق، الكتلة الصدرية، حزب الفضيلة) لإسقاط الحكومة. ولم يكتف بهذه الإجراءات، بل وأخيراً لجأ إلى تأجير شركة العلاقات العامة في أمريكا (BGR) عسى ولعل أن يؤثر على صناع القرار في البيت الأبيض لتحقيق غرضه. وخلاصة العقد الذي أبرمه الدكتور علاوي هي أن تقوم الشركة بحملة دعائية ضد المالكي وإظهاره بالرجل الضعيف والطائفي، وأنه غير قادر على حل المشاكل التي يعاني منها العراق، وأنه عميل إيراني، وبقائه على رأس الحكومة يضر بمصلحة أمريكا التي يدفع جنودها أرواحهم ودماءهم في سبيل أمن العراق، بينما يقدم المالكي العراق هدية إلى إيران، وأن الشخص المناسب لهذا المنصب هو رجل العراق القوي الدكتور أياد علاوي البديل الأفضل!!
من المؤسف حقاً أن يلجأ السياسيون العراقيون إلى هذا الأسلوب المبتذل في تصفية خصومهم السياسيين بالاعتماد على شركات الترويج والتسقيط الأمريكية لنيل السلطة. ففي أمريكا خاصة والغرب عامة، بإمكان الإنسان أن يشتري أي شيء بالمال.
فالأحزاب البريطانية مثلاً متورطة بفضائح قبول تبرعات من قبل الأثرياء مقابل منحهم ألقاب شرفية مثل لورد. وهذه المسألة أشغلت الصحافة البريطانية وأجهزتها الإستخباراتية أكثر من عام في التحقيق بها، العملية التي سميت بـ (التبرع من أجل الشرف Money for honour). هذه الآفة مع الأسف أصابت السياسيين العراقيين أيضاً. وهذا آخر ما يحتاجه العراق المبتلى بمختلف أنواع الآفات القاتلة.
والجدير بالذكر، أن حملة التسقيط ضد المالكي قد وصلت عدواها وبعض الصحف العربية مع الأسف الشديد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، خصصت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية التي تصدر من لندن، عدة مقالات لها ضد المالكي في عددها الصادر يوم 25 آب/أغسطس الجاري، وأظهرته بالرجل الطائفي والضعيف غير القادر على حل مشاكل العراق، وربما ستستمر الحملة إلى ما شاء الله!! أعتقد أن الصحف السعودية هي آخر من يحق لها انتقاد المحاصصة الطائفية في العراق، في الوقت الذي تمارس الطائفية في بلادها بأبشع صورها وبشكل رسمي وقانوني وعلني، والسلطة السياسية والإدارية محتكرة فيها على طائفة واحدة، هي الطائفة الوهابية، ولا تقبل شهادة غير المسلم السني حتى في المحاكم، ناهيك عن مشاركته في السلطة وصنع القرار السياسي. فرفض المحاصصة في رأي هؤلاء يتمثل في استحواذ طائفة واحدة على السلطة كما كان يجري في العراق في العهود السابقة. كما ولم يصدر النقد في هذه الصحف ضد المحاصصة الطائفية في لبنان مثلاً. ونحن إذ نقول هذا، لا يعني أننا مع المحاصصة الطائفية، والعياذ بالله، فهي سياسة مقيتة وبغيضة، ولكننا في نفس الوقت نؤكد أن هذه المحاصصة ستبقى في العراق الجديد شراً لا بد منه في المرحلة الراهنة، ولا يمكن الخلاص منه بين عشية وضحاها. والمحاصصة هي ليست وليدة اللحظة أو خلقتها أمريكا كما يدعي البعض، بل هي نتيجة تراكمات ورد فعل لسياسات الحكومات العراقية المتعاقبة في الماضي. كذلك من الإنصاف القول إن من شروط ومتطلبات الديمقراطية هي مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في السلطة، وستبقى هذه السياسية في العراق في مرحلة الديمقراطية الوليدة والناشئة تواً إلى أن تنضج الديمقراطية، وتتشكل الأحزاب العلمانية ويصلب عودها وتقف على أقدامها بثبات، ليضم كل حزب جميع أطياف الشعب العراقي، كما الحال في الأحزاب البريطانية الآن مثلاً. ومع ذلك، فحتى في بريطانيا ولحد الآن توجد أحزاب قومية تطالب بالانفصال عن المملكة المتحدة البريطانية.
كذلك أود توضيح مسألة مهمة وهي أني من الناس العلمانيين الذين راهنوا في البداية على الدكتور أياد علاوي وقائمته (العراقية) في قيادة العراق وإخراجه من هذا التيه الطائفي والمحاصصة الطئفية والعرقية. وكان الشعار الذي روجت له هو (أيها العلمانيون الديمقراطيون اتحدوا). وقد رحبت في وقته بانضمام الحزب الشيوعي لقائمة العراقية، رغم انتقادات البعض ضد الدكتور علاوي وحزبه (الوفاق الوطني) بأنهم من البعثيين السابقين.
وتبريري لهذا الموقف هو أنه من الخطأ محاسبة الناس (witch hunting) على انتماءاتهم السابقة، خاصة إذا لم يكونوا قد ارتكبوا جرائم ضد الشعب. فمعظم الذين قاموا بالتغيير في الاتحاد السوفيتي كانوا قياديين في الحزب الشيوعي، والرئيس الروسي الحالي (فلاديمير بوتين) كان قيادياً في الاستخبارات السوفيتية KGB ، فلماذا لا يمكن تطبيق هذه السياسة في العراق أيضاً. ولكن مع الأسف الشديد، لم يعرف الدكتور أياد علاي لعب ورقته بشكل صحيح، وخاصة في إظهار تلهفه على السلطة إلى حد أنه قام بتأجير شركات الترويج الأمريكية لتحقيق أغراضه، الأسلوب المرفوض اخلاقياً في المجتمع العراقي. كان المفروض به أن يتبنى السياسة التي تبناها الحزب الشيوعي العراقي الذي رفض سحب وزيره من الحكومة، لأنه يرى أن الوضع العراقي الهش لا يتحمل المزيد من تغيير الحكومات وإسقاطها، بل يجب دعم الحكومة الحالية وتوجيهها بالنقد البناء من أجل الإصلاح إلى أن تتمكن من الخروج من هذه الأزمة القاتلة.
كانت فضيحة مدوية بكل معنى الكلمة، انتصر فيها المالكي باقتدار ودون أن يدفع فلساً واحداً في هذه المعركة الإعلامية الدعائية، بينما دفع خصمه، أياد علاوي، أكثر من مائة ألف دولار لشركة العلاقات العامة المذكورة أعلاه حسب تقرير الـ CNN، دون أن يكسب منها أي شيء بالمقابل، إضافة إلى ما دفعه من سمعته السياسية، إن لم أقل أنه انتهى سياسياً. والدرس البليغ الذي يجب أن يعرفه كل سياسي في العراق هو كما قال الرئيس الأمريكي جورج بوش: (الذي يقرر بقاء المالكي في السلطة هو الشعب العراقي وليس السياسيين في واشنطن.) على السياسيين العراقيين الاعتماد على شعبهم وليس على شركات الترويج الأجنبية، فالإعتماد على هذه الشركات لتسلم المناصب سياسة انتحارية.