| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

الخميس 25 / 10 / 2007



عبثية الكفاح المسلح

د.عبدالخالق حسين

طفح موضوع الكفاح المسلح على السطح ونال أهمية في الأيام الأخيرة بعد احتدام الصراع الدموي بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) والحكومة التركية، وما يهدد من مخاطر على منطقة كردستان العراق، لأن مقاتلي هذا الحزب اتخذوا من جبال قنديل في شمال العراق منصة لهم لشن هجماتهم على تركيا. وكما هو واضح من عنوان هذا المقال، إني أفترض أن الكفاح المسلح في عصرنا الحالي هو ضرب من العبث ويضر بالقضية دون أن يقدم لها أية فائدة. فكما تفيد الأنباء، أن بلغ عدد ضحايا الهجمات لهذا العام فقط نحو 125 قتيلاً وأكثر من 220 جريحاً في الجانب التركي، الأمر الذي أثار غضب الشعب التركي الذي طالب حكومته بسحق المقاتلين، كما وصوت البرلمان التركي بأغلبية ساحقة لصالح العمل العسكري لملاحقة مقاتلي الحزب في شمال العراق.

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو، هل هناك جدوى من الكفاح المسلح؟؟
لنبدأ جدالنا بعدد من الحقائق التي ترقي إلى مستوى المسلمات، لكي نتوصل إلى النتيجة المنطقية في تأكيد صحة فرضية (عدم الجدوى من الكفاح المسلح). الحقيقة الأولى، أنه من الخطأ الدفاع عن قضية عادلة بأساليب خاطئة، لأن من شأن الأساليب الخاطئة أن تشوه صورة القضية وتلحق الضرر بها. ثانياً، نحن نعيش في زمن العولمة حيث صار العالم كله عبارة عن قرية كونية، ومصالح العالم أصبحت متداخلة ومتشابكة بحيث لا يمكن عزل أية جماعة بشرية عن بقية البشر، والمشكلة المحلية هي مشكلة عالمية. والحقيقة الثالثة، أننا نعيش في عصر انتشار الديمقراطية ويمكن حل معظم الصراعات بالطرق السلمية.

قد يعترض البعض على أن الكفاح المسلح قد جرب في الماضي من قبل العديد من الحركات الوطنية ضد الاستعمار والحكومات المستبدة، وحقق نجاحات كبرى في هذا المجال، مثل كفاح الشعوب الأفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية وغيرها. والجواب، نعم، هذا صحيح، ولكن لكل قضية ظروفها الزمنية والمكانية الخاصة بالمرحلة وبالمكان، ومن الخطأ استنساخ التجارب. فقد تكون تجربة كفاحية مسلحة ناجحة في بلد ما وزمان ما، ولكنها تكون كارثة في زمان ومكان آخرين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجحت الثورة الكوبية التي بدأت من أطراف كوبا، عندما نزلت مجموعة من الثوار الكوبيين بقياد فيدل وراؤول كاسترو، جاؤوا على ظهر سفينة صغيرة (غرانما
Granma) في نهاية عام 1956، ونزلوا على الساحل الجنوبي من الجزيرة وبدؤوا حرب العصابات من جبال سيرا مايستيرا ضد حكومة باتيستا التي كانت ضعيفة جداً وجائرة جداً وجيشها ضعيف جداً أيضاً، وحتى أمريكا تخلت عنها رفضت دعمها. وكان الثوار يتمتعون بشعبية واسعة، لذلك نجحوا في إسقاط حكومة باتيستا عام 1959، إلى آخر القصة التي باتت معروفة. وقد حاول أرنستو تشيفارا، أحد قادة الثورة الكوبية، استنساخ التجربة ونقل الثورة إلى بوليفيا، ففشل وانتهى بمأساة. كما و تفشت النزعة التشيفارية في تلك المرحلة في العالم. وتبنى بعض اليساريين من الشيوعيين العراقيين (القيادة المركزية، بقيادة عزيز الحاج) أسلوب الكفاح المسلح، فبدؤوا من أهوار الجنوب، ودشنوا عملهم بالهجوم على عدد من مراكز الشرطة في مناطق نائية في الأهوار وقتلوا عدداً من الشرطة الذين هم أساساً من الفقراء. وكانت النتيجة وبالاً على الثوار المقاتلين أنفسهم، حيث انتهت التجربة بالفشل الذريع وهي مازالت في مراحلها الجنينية. ويا للمفارقة، نرى اليوم السكرتير العام للقيادة المركزية لتلك الحركة، الأستاذ عزيز الحاج، هو الآن من أخلص الكتاب والمفكرين الليبراليين الذين يدينون الكفاح المسلح لأضراره الكثيرة وعدم جدواه، ويطالبون بالعمل السياسي السلمي لتحقيق الأهداف العادلة.

كذلك نعرف من نضال الحركات الكردية في شمال العراق، أنها لم تجني أية فائدة من كفاحها المسلح خلال السبعين عاماً من النضال سوى المآسي. وما تحقق للشعب الكردي في العراق من مكتسبات كان بفضل الدعم الدولي وخاصة أمريكا وبريطانيا اللتين فرضتا الملاذ الآمن للمنطقة بعد هزيمة نظام البعث الصدامي الجائر في حرب تحرير الكويت عام 1991.

كذلك تجربة حركة الجيش الأيرلندي الجمهوري في شمال أيرلندا لأكثر من ثلاثين عاماً لم تجلب للمنطقة غير المأساة، وأخيراً تم حل المشكلة الأيرلندية بالوسائل السلمية بجهود رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. كما وهناك منظمة أيتا في منطقة باسك الأسبانية، هي الأخرى لم تحصد من كفاحها المسلح سوى الكوارث على الشعب. أما الكفاح المسلح الذي تبنته فصائل المقاومة الفلسطينية في صراعها مع إسرائيل فلم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الكوارث تلو الكوارث إلى حد أن تحول هذا الصراع إلى قتال دموي وحشي بين فصائل الحركة نفسها (حماس وفتح). وهكذا فتاريخ البشرية مليء بأمثلة لا حصر لها من هذا النوع.

وبناءً على ما تقدم نستنتج أن تبني حزب العمال الكردستاني للكفاح المسلح هو خطأ كبير ويضر بقضية الشعب الكردي في تركيا. فمنذ تأسيس هذا الحزب في السبعينات من القرن المنصرم وإلى الآن، دفع الأكراد والأتراك نحو 37 ألف قتيل، معظمهم من المدنيين الأبرياء، وضعف هذا العدد من المعوقين. مرة أخرى نؤكد ما قلناه في مقال سابق في هذا الخصوص، أننا مع حق الشعب الكردي في نضاله العادل في كل مكان وزمان، ولكن في نفس الوقت نعتقد أن الكفاح المسلح هو أسلوب خاطئ ومن شأنه أن يجلب البلاء على الشعب الكردي في تركيا وصار الآن يهدد العراق وخاصة أكراد العراق.

وكما بينت أعلاه، أننا نعيش في عصر العولمة، حيث صارت القضية المحلية قضية عالمية. ولولا العولمة وتشابك مصالح الشعوب، ونمو الوعي الإنساني، والتعاون بين البشر، وتأثير الرأي العام العالمي، لانقرضت شعوب كثيرة إما بسبب المجاعات والكوارث الطبيعية، كما هي الحال لدى بعض الشعوب الأفريقية، أو بسبب الحكومات الجائرة كما حصل لشعوب البلقان، والعراق وأفغانستان وتيمور الشرقية، بل وحتى الشعب الكردي في العراق كان مهدداً بأعمال إبادة الجنس من قبل حكم البعث الفاشستي في العراق. لذا نعتقد أنه من الممكن تبني الوسائل السلمية في تحقيق الأهداف العادلة للشعوب المضطهدة، وخاصة للشعب الكردي في تركيا.

والحركة الكردية في تركيا تتمتع بإمكانيات كبيرة جداً في تحقيق أهدافها العادلة بالوسائل السلمية. إذ هناك جاليات كردية واسعة وفعالة سياسياً وإعلامياً في دول الوحدة الأوربية، حيث تمتلك وسائل إعلام متفوقة كالفضائيات وغيرها. إضافة إلى ذلك، فتركيا دولة علمانية وديمقراطية، وحكومتها الحالية هي من أكثر الحكومات التركية السابقة تعاطفاً مع منح الأكراد المزيد من الحقوق، خاصة وهي تسعى للانضمام إلى الوحدة الأوربية. ولا يمكن قبول تركيا في الوحدة الأوربية ما لم تقنع جميع دول الوحدة الأوربية بمنح حقوق المواطنة الكاملة للأكراد وغيرهم من الأقليات، وتعمل على تطبيق المزيد من الديمقراطية، وتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان. وعليه فبإمكان الحركة الكردية في تركيا استثمار هذه الظروف المحلية والدولية لصالحها بالوسائل السلمية. كما ويجب أن يعرف قادة الكرد في تركيا أن الرأي العامل العالمي يستهجن العنف وخاصة قتل الأبرياء.

والجدير بالذكر، أن توصل عدد من الشخصيات الذين قادوا الكفاح المسلح في عصرنا الحالي، وبعد تجارب مريرة وطويلة، إلى الاعتقاد الجازم بفشل هذا الأسلوب في النضال، وأخص بالذكر منهم: السيد عزيز الحاج، قائد الكفاح المسلح، القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي سابقاً، والسيد جلال طالباني، رئيس الجمهورية العراقية وزعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والسيد مسعود البرزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس إقليم كردستان العراق، كلهم وجهوا النصيحة الصادقة إلى حزب العمال الكردستاني PKK إلى "نبذ العنف وأسلوب الكفاح المسلح، وانتهاج العمل السياسي والدبلوماسي والإعلامي لبلوغ أهدافه."

لكن مشكلة الإنسان الأزلية هي أنه لن يسلك الطريق الصحيح إلا بعد أن يجرب جميع الطرق الخاطئة. وعليه فالأسلوب الصحيح يفرض فرضاً بعد الكوارث. ونحن نعتقد أنه يجب على قادة حزب العمال الكردستاني أن يتعلموا من تجاربهم الكارثية السابقة وتجارب غيرهم، ويستفيدوا من الظروف المحلية والدولية، ويأخذوا بالنصائح التي وجهت إليهم من الحريصين على القضية الكردية في نبذ العنف والكفاح المسلح وأن يتبنوا العمل السياسي والدبلوماسي والإعلامي لبلوغ أهدافهم.

 


 

Counters