د. عبدالخالق حسين
القذافي على خطى صدام
د.عبدالخالق حسين
هناك نقاط تشابه كثيرة بين القذافي وصدام حسين، وقد قيل في الأمثال: "الطيور على أشكالها تقع". لذلك نرى أن القذافي يسير على نهج صدام وعقليته، وعليه لا بد أن ينتهي كما انتهى صدام في مزبلة التاريخ. لقد قام القذافي بلا خجل، متحدياً مشاعر الشعب العراقي، فنصب تمثالاً لصدام إلى جانب تمثال الشخصية الوطنية الليبية، عمر المختار، في طرابلس العاصمة. كما دافع القذافي عن صدام في مناسبات عديدة ومنها مؤتمر القمة العربي في دمشق حيث انتقد الحكام العرب لتقاعسهم عن نصرته!!. وفي هذه الحالة كان القذافي يدافع عن نفسه بشكل غير مباشر، لأنه كان يتوقع نفس المصير.
ومن أهم نقاط التشابه بين الاثنين: احتقارهما لشعبيهما، وقسوة التعامل معهما، وإصرار كل منهما على التضحية بكل الشعب في سبيل البقاء في السلطة. فقد أطلق صدام مقولته المشهورة: "إن الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه أرضاً بلا بشر". وكذلك قال القذافي، وأكده ابنه سيف الإسلام، أنه سيبقى في السلطة إلى آخري ليبي، وآخر رصاصة، وآخر قرية وآخر بيت. (شبر شبر.. بيت بيت.. دار دار.. زنقة زنقة.. فرد فرد!). ويخطأ من يعتقد أن الشعب الليبي منقسم على نفسه بين معادي للقذافي ومؤيد له. في الحقيقة، وكما قال أحد الليبيين للإعلام الغربي، أن غالبية الشعب الليبي هم ضد القذافي، فهذه الحرب هي بين الشعب من جهة وبين القذافي وعائلته والقلة من المستفيدين من هباته، من جهة أخرى. وحتى الذين معه، هم متورطون ومرغمون، وليس لهم مخرج، وإذا ما سقط فسوف يتبرأ منه كل من أرغم على الوقوف معه.
كذلك تشابه الطاغيتين في الغباء، فقد رفض صدام حسين الخروج من الكويت بأقل خسائر رغم نصائح الكثير من زعماء وحكماء العالم له، كما رفض قبل سقوطه، نصيحة المرحوم الشيخ زايد آل نهيان، بالتنازل عن السلطة ومغادرة العراق مع عائلته وثرواته، مقابل ضمان سلامته. ونتيجة لتعنته، انتهى بمصيره الأسود في الحفرة المعروفة. ذات العملية تتكرر الآن مع القذافي، حيث رفض التخلي عن السلطة، وأصر على تعريض بلاده للقصف الدولي وما سيترتب عليه من دمار شامل.
إهانة الطاغيتين لشعبيهما، إذ أهان صدام الشعب العراقي مرة بقوله أنه قبل مجيئه للحكم كان العراقيون حفاة وعراة، وهو الذي علمهم كيف يلبسون الأحذية ويشدون ربطة العنق، ويأكلون بالملعقة والشوكة!!. كذلك قال القذافي أن ليبيا قبل "ثورة الفاتح من سبتمبر 1969" كانت لا شيء، ولم تكن معروفة في العالم، ولم يسمع بها أحد، وهو الذي وضعها على الخارطة وجعلها مشهورة ولها قيمة!! بينما في الحقيقة كانت ليبيا دولة محترمة قبل مجيئه، أما خلال حكم القذافي فصارت دولة منبوذة ومعزولة عن العالم، لأنها تمارس إرهاب الدولة، وعُرِف هو كحاكم مجنون يجب وضعه في مستشفى للأمراض العقلية.
كذلك استخدم الاثنان دروعاً بشرية، فصدام حسين اختطف الأجانب الذين فروا من الكويت مروراً بالعراق، وخاصة من المواطنين الأوربيين واتخذهم دروعاً بشرية، مما دفع السيدة تاتشر أن تعيره بقولها أنه جبان يحتمي وراء الأطفال والنساء. كذلك نقلت الأنباء عن شهود عيان أن قوات القذافي تستخدم المدنيين الليبيين دروعا بشرية بالقرب من مقر إقامته، وحتى بالقرب من مدينة مصراته معقل المعارضة غربي البلاد.
ومن دلالات غباء القذافي، أنه عندما انتفض الشعب الليبي ضده، اتهم القاعدة، وقال أن المنتفضين هم إرهابيون من أتباع القاعدة، ومدمنو المخدرات، ووصفهم بأبناء الكلاب!! وراح يقصف شعبه بالطائرات والدبابات دون رحمة، وقتل منهم الألوف. ولما هدد الغرب بفرض منطقة الحضر الجوي عاد وهدد بأنه سيتحالف مع القاعدة ضد الغرب، في محاولة غبية منه لابتزاز زعماء العالم بهذا التهديد الذي أكد تشخيص الزعماء الغربيين له بأنه مصاب بلوثة عقلية، وأن وجوده في الحكم يهدد شعبه وأمن وسلام العالم.
ومن علامات غبائه أيضاً، أنه ارتكب غلطة كبرى عندما نسب ثورة الشعب الليبي إلى القاعدة، ولم ينسبها إلى الشيعة وإيران!! كما هي عادة الحكام العرب هذه الأيام. فلو نسبها إلى الشيعة وإيران، لوقف العرب جميعا، حكاماً وكتاباً وصحفيون ومثقفون وعلماء دين والجامعة العربية، بل وحتى الرياضيون، خلفه وساندوه ضد الشعب الليبي، تماماً كما وقف هؤلاء جميعاً إلى جانب الحكومة البحرينية ضد انتفاضة الشعب البحريني حيث وصموها بالطائفية وبتحريض من إيران!!، ولذلك بعثت الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، قواتها لسحق الانتفاضة الشعبية، لأن معظم المنتفضين في البحرين من الشيعة. وهذا لا يعني أن الانتفاضة البحرينية لم يشارك فيها أبناء السنة المضطهدين، بل لأن نحو 80% من الشعب البحريني هم من الشيعة، وهذا قدرهم وليس قرارهم. ولهذا وصموها بالطائفية، بل وحتى الشيخ يوسف القرضاوي، لم يتردد في وصمها بـ"الفتنة الطائفية" من أجل سحقها وتبرير سفك دماء الشباب البحريني، بينما أصدر القرضاوي فتوى هدر فيها دم القذافي وقال أنه سيذهب إلى جهنم وبئس المصير. فلو كان القذافي نسب الثورة إلى الشيعة وإيران لكان موقف العرب، وربما حتى العالم، على عكس مما عليه الآن وأرسلوا له النجدة.
أما موقف الحلفاء (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) من القذافي، فقد استفادوا من دروس بوش وبلير في إسقاط نظام صدام، فاتبعوا تكتيكاً مغايراً بالشكل فقط، ولكنه مطابقاً له في الجوهر، والنتيجة لا بد أن تكون واحدة. وهذه الخطة بدأت بمبادرة ليس من أمريكا، بل من بريطانيا وفرنسا، بتقديم مشروع فرض الحضر الجوي على ليبيا إلى مجلس الأمن الدولي، وبدعم الجامعة العربية، لأن القذافي يستخدم قواته الجوية ضد المدنيين. وهكذا بدأت قوات الحلفاء، بما فيها قوات عربية ولو رمزية (أربع طائرات حربية من قطر) بقصف القوات الموالية للقذافي.
ومن كل ما تقدم، نعرف الفرق بين تصرفات زعيم عربي مجنون مكانه المناسب في مصح عقلي، وزعماء الغرب الذين يعتمدون العقل والعلم والتكنولوجيا المتطورة، معروف عنهم لا يتخذون أي قرار إلا بعد دراسات علمية معمقة، وغربلة كل الاحتمالات، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة وفق ما يمليه العقل والعلم. فأين عقلية القذافي وصدام من عقلية الغرب؟. ولذلك فالحرب الدائرة الآن بين التحالف الدولي والقذافي هي حرب بين العلم والجهل، بين التقدم الحضاري والتخلف البدوي، فالنتيجة محسومة سلفاً، إذ لا بد أن تكون نهاية القذافي كنهاية صدام، أي في مزبلة التاريخ.
والآن ندعو القراء الأعزاء إلى الاستمتاع بهذه الأغنية القذافية:
فيديو كليب زنقة زنقة للرئيس معمر القذافي
http://www.sham24.com/akhbar/cocktail_591.htm
العنوان الإلكتروني للكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.com /