د. عبدالخالق حسين
الخميس 22/7/ 2010
هل حقاً المالكي هو مرشح إيران؟د.عبدالخالق حسين
من نافلة القول، أن الوضع السياسي في العراق معقد للغاية، حيث اختلطت فيه الأوراق لأسباب عديدة، منها التركة الثقيلة من الماضي، وطبيعة المجتمع العراقي وخصوصياته، والصراعات المحتدمة بين القوى السياسية على السلطة، وتعددية الكيانات السياسية ومكونات الشعب القومية والدينية والمذهبية، وتدخل دول الجوار ومعها وسائل إعلامها المنحازة لهذا الطرف أو ذاك، كل هذه العوامل تعمل على خلط الحابل بالنابل، وتشويش الرؤيا وتضليل الرأي العام العراقي.
والمشكلة التي يواجهها المثقف أنه يجد نفسه أحياناً في وضع يجب عليه أن يتهجم على السلطة، ويصدق ويؤكد كل ما يشاع عنها وحتى ولو كان افتراءا لا يقبله العقل، وإن رفض مسايرة هكذا وضع، فتهمة "مثقف السلطة" جاهزة بحقه. أدناه بعض الأمثلة من الاتهامات ضد المالكي من الصعوبة تصديقها، فإن سكتنا عنها فهي إساءة للعقل، وإن كذَّبناها فإننا معرضون لتهمة الانحياز للرجل، والعياذ بالله!!!
ومما يجدر ذكره أن بعض الكيانات السياسية الكبيرة لها دعم خارجي من دول الجوار، فالكتلة "العراقية" بقيادة الدكتور أياد علاوي مدعومة من قبل سوريا، والسعودية ودول خليجية أخرى. و"الإئتلاف الوطني العراقي" بقيادة السيد عمار الحكيم، والذي يضم المجلس الإسلامي الأعلى، والتيار الصدري وآخرين، مدعوم من قبل إيران. أما إئتلاف "دولة القانون" بزعامة السيد نوري المالكي، فكما يبدو، بلا دعم خارجي، لا من إيران ولا من غيرها، كما وبات معروفاً وصريحاً عداء سوريا والسعودية لشخص المالكي. كذلك نعرف أن حزب الدعوة الذي ينتمي إليه السيد المالكي، قد قطع علاقته بإيران عندما غادرها في الثمانينات من القرن الماضي، ولجأت قيادته إلى لندن ودمشق للتخلص من النفوذ الإيراني. ولذلك فما نعرفه، أن المالكي ليس تابعاً لإيران كما يدعي البعض.
وفي خضم هذا الوضع المشوش والمضبب، نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية، المعروفة بدعمها للدكتور علاوي، تقريراً ذكرت فيه تصريحاً نسبته إلى مصدر في ائتلاف الحكيم، قوله: أن "إيران مصرة على بقاء المالكي رغم اعتراض الجميع". (الشرق الأوسط، 22/7/2010). والغرض هنا لتشويه سمعة المالكي وليس حباً به وإظهاره وكأنه رجل إيران المفضل!!. وكالعادة في مثل هذه الحالات، أدَّعى مراسل الصحيفة أن المصدر "رفض الكشف عن اسمه" وهذا الادعاء صار وسيلة سهلة ورخيصة يتعكز عليها كتاب التقارير لتمرير ما يشاءون.
لذلك، وفي هذه الحالة، على القارئ اللبيب أن يستخدم نباهته وقدرته على التحليل ليميِّز بين الغث والسمين. فإن صح هذا التصريح بأنه من مصدر في ائتلاف الحكيم، فهذا من باب (التهمة تفيد وإن كانت باطلة)، أو كما يقول إخواننا المصريون: (ضربني وبكى، سبقني واشتكى)، إذ كما بينا أعلاه، أن الغرض من بث هكذا شائعات هو إبعاد فكرة انحياز إيران لكتلة الحكيم وتشويه سمعة المالكي. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن أنصار الحكيم بدؤوا يدركون أن سمعة إيران في العراق قد انحدرت إلى الحضيض وذلك بسبب تدخلها الفظ في الشأن العراقي، وليس آخرها احتلال بئر الفكة النفطية الحدودية. فإذا كانت إيران حقاً منحازة إلى المالكي فلماذا أقدمت على هذا العمل العدواني الشنيع على العراق والذي كان غرضه الأساسي هو إحراج المالكي وإظهاره بمظهر الضعف أمام منافسيه. والحقيقة كان الغرض من ذلك العدوان هو ابتزاز المالكي لأنه رفض قبل الانتخابات الانضمام إلى الإتلاف الوطني الذي تؤيده إيران.
كما وقاد السيد عمار الحكيم هذه الأيام حملة إعلامية شرسة ضد المالكي، في تصريح له لا يخلو من ديماغوجية مفضوحة، ومداهنة للشارع العراقي، جاء فيه: "أن الخدمات سيئة رغم الميزانية الضخمة للحكومة الراهنة بين العامين 2006 و2010 وقيمتها 300 مليار دولار". وتساءل: "أين صرفت هذه المبالغ؟ من المسؤول عن هذا الإنفاق؟... متى سنشهد الاستقالة من مسؤولين اخفقوا في أداء مهامهم وواجباتهم؟".
نود هنا أن نلفت الانتباه إلى رقم 300 مليار دولار، "الميزانية الضخمة".
وقد رد الدكتور حسين الشهرستاني، وزير النفط، في مؤتمر صحفي قائلاً: "أن العائدات النفطية بلغت 171 مليار دولار بين العامين 2006 و2009، وأن هذه المبالغ تمثل 95 بالمائة من إيرادات الحكومة". (بغداد، ا ف ب، موقع الأخبار، 13/07/2010 ).
هناك اعتراضان على تصريحات السيد الحكيم، الأول: إذا كانت عائدات الدولة من النفط 171 مليار دولار، زائداً نحو 9 مليار (5%) من مصادر أخرى، فالمجموع يساوي 180 مليار دولار، فمن أين جاءت الحكومة بالمبلغ الإضافي وقدره 120 مليار دولار الذي بددته حكومة المالكي؟
والاعتراض الثاني هو: هل حكومة المالكي هي حكومة الحزب الواحد كي يتحمل حزب المالكي وحده تبعات الفساد والتقصير في الخدمات؟ أم هي حكومة الشراكة الوطنية (أو المحاصصة الطائفية والعرقية- كما يسميها البعض) والتي تشارك فيها مختلف الأحزاب والكيانات السياسية ومكونات الشعب العراقي؟ علماً بأن لحزب الحكيم حصة الأسد فيها، بما فيها وزارة المالية، وعضو في المجلس الرئاسي الذي يتمتع بحق النقض!!!؟
نحن لا ننكر وجود الفساد والعجز في الأداء في أجهزة الجولة، ومعاناة الناس من النقص في الخدمات، ولكن لماذا ينكر السيد الحكيم دور وزراء حزبه في مسؤولية التقصير والتبذير؟
ومن كل ما تقدم، نستنتج أن تصريحات السيد الحكيم، وما قاله الناطق من إئتلافه بأن إيران مصرة على بقاء المالكي في رئاسة الوزارة دليل على ما يلي:
أولاً، استماتة السيد عمار الحكيم على السلطة، ثانياً، عدائه الشديد للمالكي لأسباب شخصية، ثالثاً، إدراكه بأن سمعة إيران وصلت الدرك الأسفل لذا فإذا أرادوا تشويه سمعة أي سياسي منافس لهم فما عليهم سوى ربطه بإيران. رابعاً، اعترافه الضمني بتدخل إيران بالشأن العراقي.
والجدير بالذكر أن تنظيم السيد عمار الحكيم (المجلس الإسلامي الأعلى) وتنظيم مقتدى الصدر، هما صناعة إيرانية وبتمويل إيراني "من المال الحلال"، ولولا الدعم الإيراني لهما لما كان لهما هذا النفوذ.
وأخيراً، لو كانت إيران مع المالكي حقاً، لما كان بإمكان قيادة الإئتلاف الوطني العراقي على رفض قرار سيدهم علي خامنئي، ولما دخل تشكيل الحكومة في هذا المأزق.
العنوان الإلكتروني للكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.com /