| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

الجمعة 20/ 2/ 2009



عودة إلى موضوع تسلح العراق

د. عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الموسوم (لماذا الخوف من تسلح العراق الديمقراطي؟؟) وصلني العديد من تعليقات القراء الكرام، نشر قسم منها على مواقع الانترنت، كان معظم المعلقين مؤيدين للفكرة، والقليل منهم معارضين لها وبدوافع وطنية صرفة. ومن نافلة القول أن الاختلاف في الرأي مسألة صحية، وأنا إذ أتفهم هواجس المعارضين وخوفهم من التسلح، ولكن للضرورة أحكامها كما يقولون، ولذلك عدت للموضوع ثانية لتسليط المزيد من الضوء على هذا الموضوع الشائك من أجل توضيح النقاط الغامضة وإزالة الخلاف.

معظم المعارضين لفكرة تسليح الجيش العراقي ذكروا الأسباب التالية:
أولاً، هناك أولويات أهم من التسلح، وعلى رأسها توفير الخدمات مثل الماء والكهرباء ومجاري الصرف الصحي والتعليم والصحة والنقل والبناء وإعمار العراق وتوفير العمل للعاطلين...الخ، فهذه الأمور لها علاقة مباشرة بحياة المواطنين، وإذا ما انتهت الحكومة من إنجازها، عندئذ يحق لها أن تفكر في تسليح الجيش!!

ثانياً، الشعب العراقي أصيب بخيبة أمل من الجيش والتسلح بسبب ما حصل في عهد حكم البعث، حيث بدد النظام الساقط ثروات البلاد الهائلة على التسلح وعسكرة المجتمع، وكان من نتائج تلك السياسة الطائشة شن الحروب على دول الجوار، حيث جلبت الكوارث على العراق وشعوب المنطقة. كما وقال أحد المعلقين أنه مجرد التفكير بالسلاح والجيش يشعر بالقرف والغثيان.

ثالثاً، قال آخر، أن العراق الآن ليس له أعداء وغير مهدد من دول الجوار، وكانت حدوده أيام زمان تحميها شرطة الكمارك فقط ، وعليه لا داعي لوجود قوات مسلحة لحماية حدوده، وإذا ما حصل أي عدوان على العراق، فأمريكا تدافع عنا وفق الاتفاقية الأمنية الموقعة بينها وبين العراق!!

رابعاً وأخيراً، جاء تعليق من أحد الأخوان يقول أن تسليح الجيش العراقي له غرض واحد فقط وهو شن حرب الإبادة على الأكراد كما حصل في الماضي!

بطبيعة الحال لهذه المخاوف والهواجس ما يبررها، ولكن في نفس الوقت يجب أن نرى الأمور وفق ظروفها الخاصة، إذ لا يجب أن يدفعنا تطرف البعث في التسلح وشن الحروب إلى تطرف معاكس آخر في تجريد الدولة العراقية من أية قوة لحماية مواطنيها من عدو محتمل. إذ يجب الحفاظ على توازننا، فـ(خير الأمور أوسطها) كما تقول الحكمة.

بدءً، وكما بينت في القسم الأول من هذا المقال، لا يمكن في العالم وجود دولة تحترم نفسها وسيادتها الوطنية، وحريصة على مصلحة شعبها، بدون أن تكون لها قوات مسلحة تحمي حدودها من العدوان الخارجي، وفرض حكم القانون في الداخل. فالخطأ ليس في التسلح في المستوى المعتدل المقبول والضروري، بل التطرف في التسلح المفرط وسوء استخدامه.

ثانيا، لا أعتقد أن مسألة أولويات توفير الخدمات تتعارض مع حاجة البلاد لجيش عصري يحمي النظم الديمقراطي، فالحكومة ليست مؤلفة من وزارة واحدة مسؤولة عن جميع احتياجات الشعب، بل هناك تخصص في الحكومة، وكل وزارة مسؤولة عن جزء معين من هذه الخدمات. وعلى سبيل المثال، مسؤولية توفير الكهرباء هي من اختصاص وزير الكهرباء وليس وزير الدفاع الذي من وظيفته بناء الجيش وتسليحه والدفاع عن الوطن..الخ. وهذا الكلام ينطبق على الوزارات الأخرى حسب اختصاصها. أما الحاجة إلى الأموال، فالأموال متوفرة بفضل تصاعد أسعار النفط في السنوات السابقة، والعراق يتمتع الآن بقدرة مالية يحسد عليها، وخمسة مليار دولار لتجهيز جيش ليس بالمبلغ الكبير.
والجدير بالذكر أن السبب الرئيسي في تأخير توفير الخدمات (الأولويات) والبدء بإعمار العراق طوال السنوات الخمس الماضية هو غياب الأمن والذي بدوره كان بسبب غياب قوات مسلحة ملتزمة بالانضباط العسكري لفرض النظام وحكم القانون. لذا فتوفير الخدمات مرهونة بوجود قوات مسلحة قوية تحمي المؤسسات الخدمية وأمن المواطنين ومؤسسات الدولة وحدودها مع دول الجوار.

ثالثاً، للعراق أعداء كثيرون، فهناك الإرهاب الوافد من الخارج، وفلول النظام الساقط في الداخل، وبسبب هؤلاء صار العراق الآن منتجاً ومصدِّراً للإرهاب، كما وهناك عدد من دول الجوار يضمرون للعراق العداوة، يريدون إفشال مشروعه الديمقراطي، لذا يلزم التسلح.

رابعاً، الاتفاقية الأمريكية ستنتهي في نهاية عام 2011، وربما قبل ذلك، والاعتماد على أمريكا في الدفاع الخارجي وفرض حكم القانون في الداخل إلى الأبد أشبه بمريض في غرفة العناية المركزة، باق على قيد الحياة بواسطة الأجهزة الصناعية وليس على سلامة جسمه وأعضائه.

خامساً، مسألة تسلح الجيش العراقي في النظام الديمقراطي لا يهدد أمن وسلامة الكرد، بل العكس هو الصحيح، أي قوة للشعب الكردي، فالأكراد يتمتعون الآن بالفدرالية وشبه دولة مستقلة، وعهد شن الحروب على الكرد قد ولى إلى غير رجعة، بل ومن حق الأكراد تقرير مصيرهم بما فيه قيام دولتهم المستقلة لو كانت الظروف الدولية تسمح لهم ذلك، فالمانع لإعلان دولتهم ليس العراق أو حكومته المركزية، بل الظروف الدولية وخاصة دول الجوار التي تواصل عدوانها على إقليم كردستان بين حين وآخر.

وبالمناسبة، يسعى الأخوة الأكراد على جعل الحكومة المركزية ضعيفة بحجة منع عودة الديكتاتورية!!، وهذا خطأ كبير ليس في صالحهم ولا في صالح الشعب العراقي، لأن قوة وسلامة العراق تعتمد على قوة الحكومة المركزية الديمقراطية. فسلامة كردستان تعتمد على سلامة العراق ككل، لأن سلامة الجزء من سلامة الكل. فالمطلوب ليس إضعاف الحكومة المركزية كما يطالب البعض، بل بناء حكومة مركزية قوية مع منح صلاحيات واسعة للحكومات المحلية.



 

free web counter