د. عبدالخالق حسين
الجمعة 1 / 2 / 2008
دعوة لحل محنة الأرامل والمطلقات في العراقد. عبدالخالق حسين
لا شك أن في مجتمع إسلامي وذكوري مضطرب مثل المجتمع العراقي، صار فيه القتل بالجملة مسألة اعتيادية، تكون حصة المرأة من الظلم والفقر والقهر مضاعفاً. فالمرأة هي العنصر الأضعف في هكذا مجتمع، تتحمل الكثير من عواقب الحروب ولإرهاب. لقد بلغ عدد النساء اللواتي فقدن أزواجهن رقمتاً قياسياً، أما نتيجة للحروب العبثية في عهد حكم البعث، أو الإرهاب البعثي ما بعد سقوط هذا النظام المسخ، المتلبس بقمصان "المليشيات الإسلامية" في قتل النساء حسب المزاج وباسم الله والإسلام، ، حيث صارت المرأة تتحمل العبء الأكبر في معيشة أطفالها اليتامى، خاصة وأن ليس في العراق نظام المعونة الاجتماعية يهتم بمعيشة هذه الشريحة الواسعة من المجتمع.
فكما يفيد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي في 1/2/2008) أن عدد الأرامل في العراق بلغ الآن نحو مليون ونصف المليون أرملة (وربما أكثر) والعدد في تزايد. وإذا ما أضفنا عدد كبير غير معلوم من المطلقات وأطفالهن إلى هذا الرقم، ومعظمهن بلا موارد، لعرفنا حجم المأساة التي تعيشها هذه الشريحة الواسعة من الشعب العراقي. كما ويضيف التقرير أن " في كل أسبوع يمتلئ مكتب النائبة في البرلمان العراقي سميرة الموسوي بعشرات الرسائل من الأرامل من جميع أنحاء العراق، حتى إن إحداهن كتبت لها مستفسرة عن ماذا تختار: هل تنفق ما تبقى لها من مال قليل على طفلها الرضيع، أم على الطلبات المدرسية لابنها الاكبر."
نعم هناك معونات حكومية لعدد قليل من هذه الشريحة "يقدر بنحو 84 ألف أرملة، وبمعدل يتراوح بين 40 إلى 95 دولارا شهريا.." ولكن هذا لا يكفي لحل المشكلة. لذا فهكذا وضع مأساوي لا شك وأنه ينذر بعواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية وخيمة في بلد هو أصلاً غارق في بحر من المشاكل. فماذا عسى على المرأة المسكينة أن تعمل في هذه الحالة وهي محاصرة بالجوع ومعيشة أطفالها اليتمى والإرهاب؟ إذ كما ينقل التقرير المذكور عن السيدة نرمين عثمان وزيرة شؤون المرأة بالإنابة "إن عدد الأرامل في تزايد مستمر، وان "الوضع بات مثل قنبلة موقوتة، وخصوصا أن الكثير منهن ما زلن يافعات وشابات وهن حبيسات البيوت".
ومن عواقب هذا الوضع هو شيوع الرذيلة طبعاً، إذ كما يقول الإمام علي (ع) "أينما حل الفقر قال له الكفر خذني معك" وهو صاحب القول المشهور: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته". كما وينقل عن أبي ذر الغفاري قوله: "عجبت من امرئ لم يجد الطعام في بيته ولم يخرج شاهراً سيفه في وجوه الناس." ومعنى هذا أن هكذا وضع يهدد بتفشي الريلة، أي كما يقول الشاعر: ففي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان.
وهذا يذكرني بمقاطع من ملحمة شاعر الشعب الخالد محمد صالح بحر العلوم (أين حقي) يقول فيها:
وفتاة لم تجد غير غبار الريح سترا
تخدم الحي ولا تملك من دنياه شبرا
وتود الموت كي تملك بعد الموت قبرا
واذا الحفار فوق القبر يدعو: أين حقي؟!
************
ما لهذى وسواها غير ميدان الدعارة
لتبيع العرض في أرذل أسواق التجارة
وإذا بالدين يرميها ثمانين حجارة
وإذا القاضي هو الجاني ويقضى: أين حقي؟!
************
أين كان الدين عنها عندما كانت عفيفة
ومتى قدر حقا لضعيف وضعيفة
ولماذا عدها زانية غير شريفة
ألأن العرف لا يسمع منها: أين حقي؟!
************
كان من واجبه يمنحها عيش كفاف
قبل أن يضطرها تبتاع عيشا بعفاف
ولماذا أغلظ القاضي فيها وهو مناف
للنواميس ولا يسأل منها: أين حقي؟!
نعم، هذا ما يهدد شريحة واسعة من المجتمع العراقي. وقد استغل أعداء العراق هذا الوضع بنشر لقطات فيدو لسقوط عدد من النساء العراقيات في الرذيلة بسبب الحاجة الاقتصادية، فراح البعض من أنصار النظام الساقط بنشر هذه اللقطات، مستغلاً هذه الظاهرة للشماتة والطعن بتحرير العراق من أبشع نظام عرفه التاريخ، علماً بأن ظاهرة السقوط في رذيلة البغاء قد تفشت في عهد الدكتاتور المقبور، مما اضطر إلى فرض أبشع العقوبات بحق المضطرات من النساء، فكان يقطع رقابهن بالسيف، ويضع رؤوسهن على أعمدة أمام بيوتهن لعدة أيام قصد الفضيحة وكوسيلة لإرعاب المجتمع. ولم يكتف النظام بقتل المتهمات بالسقوط في البغاء فحسب، بل استغل هذه الحجة واستخدم الطريقة الهمجية ذاتها ضد نساء شريفات لا لشيء إلا لأنهن كن معارضات للنظام لأسباب سياسية بحتة، ولتدمير سمعة عائلاتهن أيضاً.
تتباهى الحكومة العراقية الحالية، ذات الصبغة الإسلامية، أنها خططت لميزانية سنوية لهذا العام تقدر بنحو 50 مليار دولار، وهي أكبر ميزانية في تاريخ العراق. ولكن بدلاً من أن تحل هذه الحكومة شبه الإسلامية مشاكل الشعب الاقتصادية، نراها فاقمت هذه المشاكل، وساهمت في تفشي الفساد الإداري وتبديد الثروة تحت مختلف الحجج والواجهات. فكما يقول تقرير بي بي سي: "ومع اتساع نفوذ التيارات الإسلامية المحافظة في العراق خلال الاعوام الاخيرة، صارت فرص النساء الوحيدات في لعب دور في المجتمع أو الاقتصاد العراقي ضئيلة، وسيجد العديد منهن أنفسهن حبيسات البيوت وعاجزات عن إعالة أنفسهن، وعلى الأخص في المناطق والأحياء الفقيرة.
ويجب التأكيد هنا أن الفقر في العراق لا يشمل الأرامل والمطلقات فحسب، بل وكما يشير تقرير صدر عن جمعيات إغاثة ومعونة تعمل في العراق إلى ان نحو 43 في المئة من العراقيين يعيشون "في فقر مطلق"، وهناك أربعة ملايين آخرين على الأقل بحاجة إلى معونات غذائية، ويفتقر نحو ثلثي أطفال العراق إلى مياه صحية نظيفة صالحة للشرب. (نفس المصدر).
وعلى الرغم من "وجود لجنة مختصة بشؤون المرأة في البرلمان العراقي، وأن هذه اللجنة قد رفعت مسودة قانون يمنح النساء اللواتي بلا معيل مسكنا، حتى يجنبهن عواقب الانزلاق في مهاوي البغاء، أو الاستغلال من قبل المسلحين.. إلا أن المناشدات التي رفعت إلى حكومة نوري المالكي، لم تجد آذانا صاغية، فمشروع القانون هذا لم يصل إلى مرحلة التصويت، على الرغم من ان البرلمان قد بحثه في قراءتين." ولا أدري ماذا ينتظر البرلمان للتصويت عليه وإقراره؟ بينما نراهم على عجلة من أمرهم في التصويت لمخصصاتهم ورواتبهم التقاعدية وامتيازاتهم دون أي تأخير؟ يجب أن يعرف هؤلاء أن التاريخ لا يرحم.
وهناك مسألة أخرى جديرة بالإشارة، وهي مع ارتفاع الثروة وتفشي الفقر والنهب والفساد، هناك بروز ظاهرة خطيرة جداً بدأت للعيان، وهي إشعال الحرائق في البنوك والمصارف، كالذي حصل في البنك المركزي العراقي قبل أيام. إن هذه الأعمال الإجرامية يقوم بها مجرمون القصد منها إخفاء أدلة تفشي الفساد في نهب ثروات الشعب. وأنا من الذين يعتقدون بشكل جازم أن هذا الحريق كان متعمداً، الغرض منه حرق الوثائق التي تثبت ضلوع موظفين كبار في النهب. وهذا هو موقفنا إلى أن يثبت العكس.
ما العمل؟
بما إن الحكومة تجلس الآن على جبل من المال، مستفيدة من تصاعد أسعار النفط، وهناك دراسة تفيد أن وارد النفط لهذا العام 2008 ، سيفوق ما تحقق في العام الماضي بنحو 30%، وهذا يبشر بالخير العميم للعراق، وعليه أقترح ما يلي:
أولاً، على البرلمان الإسراع في التصويت على مسودة القانون الخاص بمساعدة النساء المحتاجات.
ثانياً، على الحكومة العراقية أن تعجل في تنفيذا القانون وذلك بتخصص راتباً شهرياً لجميع الأرامل والمطلقات اللواتي لا معيل لهن.
ثالثاً، يجب على الحكومة تشجيع توظيف النساء وضمان حمايتهن من الأوباش أيتام البعث الذين ظهروا لنا هذه المرة بجلباب المليشيات الإسلامية، يريدون فرض نظام طالبان الأفغان على عراق ما بعد صدام، ليترحم الناس على عهد البعث الساقط.
رابعاً، إن ما تقدمه الحكومة من معونات لـ " 84 ألف أرملة، وبمعدل يتراوح بين 40 إلى 95 دولارا شهريا.." لا يكفي لحل المشكلة، والأشد من ذلك، وكما تفيد التقارير، أن الأرامل المحتاجات للمعونة يواجهن عراقيل وعوائق بيروقراطية حكومية شديدة التعقيد تجعل أمر الحصول على مساعدة اشبه بالمستحيل. لذا نقترح على الحكومة التخفيف من الإجراءات البيروقراطية.
خامساً، في الوقت الذي نقترح فيه شمول جميع الأرامل والمطلقات وحسب استحقاقهن بالمعونات الاقتصادية، يجب كذلك مواجهة مشكلة الفقر المتفشي في المجتمع العراقي بشكل عام. وهذا الطلب ليس مستحيلاً تنفيذه، لأنه حق من حقوق المواطنة في بلد عائم على بحر من النفط، وتجلس حكومته على أضخم ميزانية في التاريخ.
وأخيراً نقول، إذا تركت الأمور على حالتها الراهنة المزرية، فهذا الوضع يوفر الأرضية الخصبة للمزيد من أعمال العنف وتفشي الجريمة المنظمة والسقوط في الرذيلة في دولة يدعي المسؤولون فيها أنهم حريصون على نشر الفضيلة.