د. عبدالخالق حسين
السبت 1 / 12 / 2007
التسامح في الإسلام.. على طريقة الحكومة السودانية!!د. عبدالخالق حسين
تطرقتُ قبل عام إلى موضع التسامح في الإسلام في مقالة من ثلاث حلقات بعنوان (هل الإسلام دين التسامح؟) نشرتها على عدد من مواقع الانترنت، وأعود اليوم إلى هذا الموضوع ثانية بعد الزوبعة التي أثيرت في السودان ضد مدرسة بريطانية تدرِّس في مدرسة في الخرطوم على أثر تسمية دمية باسم محمد من قبل طلابها.
موضوع التسامح أو اللاتسامح الديني لدى المسلمين نال اهتماماً واسعاً وخاصة في الغرب وذلك لما يحصل من ردود أفعال هستيرية خارجة عن السياق من قبل المسلمين، غريبة على فهم الغربيين، ضد بعض الأمور حتى لو كانت تافهة. ومن مظاهر التسامح الذي يدعيه المسلمون، ما أن نتطرق إلى موضوع التسامح في الإسلام وننتقد سلوك بعض المسلمين، حتى وينبري البعض بالصراخ ضدنا، معتبرين أي نقد لهم في هذا المضمار، هو نقد موجه للإسلام وإهانة له، مدعين أن الإسلام هو دين التسامح والرحمة وأن المسلمين تعايشوا مع أتباع مختلف الأديان والمذاهب بسلام ودون أية مشكلة، وأن موضوع التسامح في الإسلام لا يقبل الشك ولا حتى المناقشة، وقد بلغ الأمر حداً أننا حتى ولو انتقدنا سلوكاً خاطئاً من قبل بعض المسلمين، أو رئيس دولة إسلامية، حتى واعتبروا نقدناً هذا موجهاً ضد الإسلام ونوع من الكفر والإلحاد والعياذ بالله.
على أي حال، لا نريد هنا أن نلقي اللوم على الإسلام كدين فيما يحصل من عنف من قبل المسلمين ضد غير المسلمين، رغم أن المتشددين يعتمدون على النصوص المقدسة في تبرير عنفهم، ولكن بالتأكيد فإن رد فعل المسلمين إزاء أبسط الأمور التي تخص دينهم يكون عنيفاً وخارج عن السياق، الأمر الذي يكون مردوده معكوساً عليهم وعلى دينهم. وهذا السلوك العنيف جعل العالم من غير المسلمين في حيرة من أمرهم في كيفية التعامل مع المسلمين. فقد شاهدنا ردود الأفعال الهستيرية ضد صور الكاريكاتيرية التي نشرت في إحدى الصحف الدانيماركية قبل عامين، وضد محاضرة البابا بنديكت السادس عشر قبل عام، والآن حصل في الخرطوم ضد مدرسة بريطانية.
ولتوضيح الصورة لما حصل في السودان، ننقل القصة بإيجاز شديد وكما وردتها وكالات الأنباء، ومفادها أن مدرِّسة بريطانية تدعى جيليان غيبنز (Jillian Gibbons) اقترحت على تلامذتها إطلاق اسم على دمية كانت في الصف. وبعد مناقشات بين التلاميذ، اقترح أحدهم إطلاق اسمه والذي صادف أن يكون محمداً. وتم التصويت وفاز الاقتراح بالأكثرية، فأطلق اسم التلميذ محمد على الدمية. ومن هنا نعرف أن النبي محمد لم يكن المقصود بالتسمية، بل هو اسم التلميذ، كما ولم يكن للمدرِّسة الإنكليزية دور في هذه العملية سوى إدارة النقاش في الصف وتعويد تلامذتها على الحوار الديمقراطي في بلد لم يعر أي اهتمام للديمقراطية.
أثيرت الزوبعة بعد أن أوصل بعض التلاميذ الخبر إلى ذويهم، وهؤلاء بدورهم فسروا الأمر بأن القصد من تسمية دمية بمحمد هو إهانة للنبي وللإسلام، فهاجو وماجوا وقدموا شكوى على المدرِّسة لدى السلطات السودانية المسؤولة، وطالبوا بتقديمها للمحاكمة بتهمة الإهانة للإسلام وإثارة الكراهية. فتم لهم ذلك وقدمت المدرسة إلى المحاكمة على وجه السرعة، وكان من المتوقع أن تصدر ضدها ثلاثة أحكام تختار أحدها: الحبس، الجلد أمام الناس، أو غرامة ثقيلة. وأخيراً أصدرت المحكمة حكماً مخففاً نسبياً على المتهمة وهو السجن لمدة 15 يوماً. فهل حقاً هذا هو نوع الحكم على من يوجه الإساءة للإسلام ويريد إثارة الكراهية ضد المسلمين؟ لنتصور أن مسيحياً سودانياً وجهت له ذات التهمة، فهل كان عقابه 15 يوماً في السجن فقط أو كان رأس المتهم هو الثمن، سواء من قبل المحكمة أو السماح للغوغاء بتنفيذ الحكم؟
إن إصدار حكم مخفف على المدرِّسة يدل على عدم قناعة الحكومة السودانية، ومعها المحكمة القضائية، بصحة التهمة، وإنما هناك أغراض سياسية وراء هذه اللعبة المفضوحة التي ورطت الحكومة السودانية نفسها فيها. فالغرض الرئيسي من وراء هذه التهمة هو ابتزاز الحكومة السودانية للحكومة البريطانية في موقفها من انتهاكات الأولى في دارفور. إذ كما قالت صحيفة الديلي تلغراف اللندنية في عددها الصادر يوم الجمعة 30/11/2007، إن "تقديم جيليان غيبنز للمحاكمة ليس إلا بسبب إصرار حكومة براون على جعل حل مسألة مأساة دارفور حجر أساس في سياستها الخارجية" وأن "الحكم بسجن جيليان غيبنز مشين يلطخ بسواد أشد وجه بلد معروف بمذابح دارفور". "أما عن الإسلام فإن أفعال الحكومة الإسلامية في غالبيتها والتي حكمت على المدرسة الممتازة بازدراء الإسلام قد لطخت إسم الإسلام".
لقد حاولت الحكومة السودانية تهييج الرأي العام السوداني في هذه المسألة، فخرجت مظاهرة صغيرة من أحد المساجد في خرطوم وكان أحد المتظاهرين يحمل سيفاً وهم يطالبون برأس المدرسة. صحيح إن عدد المتظاهرين قليل بالنسبة إلى الشعب السوداني، ولكن في نفس الوقت لم نسمع من المعتدلين المسلمين أي رد فعل عاقل بإدانة هذه التصرفات العدوانية، بل جل انتقاد المعتدلين هو موجه ضد من يطالب بالتسامح الحقيقي وينتقد هذه التصرفات الصبيانية التي تضر بسمعة الإسلام والمسلمين. كان على المسلمين المعتدلين الإسراع في إدانة الحكومة السودانية في إثارتها لهذه الضجة المفتعلة ضد مدرسة بريئة أحبها تلاميذها.
مشكلة المسلمين أنهم يعتقدون أن الغرب ضد الإسلام، وترسخ لديهم هذا الاعتقاد الخاطئ في عقلهم الباطن إلى حد أن صار عندهم جزء من ثقافتهم الموروثة وحقيقة ثابتة لا تقبل أي جدال. ونحن إذ نسأل، فلو كان الغرب حقاً ضد الإسلام والمسلمين، فهل سمحت الحكومات الغربية ببناء هذا العدد الكبير من الساجد والمؤسسات الإسلامية في بلدانها؟ ومقارنة بين البلدان الغربية المسيحية والبلدان الإسلامية، هل ينال المسيحيون أو أتباع أية ديانة أخرى في الدول الإسلامية رعاية وعناية واحترام من قبل المجتمعات والحكومات الإسلامية بمثل ما يتلقاه المسلمون في الغرب؟
كلنا نعرف أن معظم الدول العربية الخليجية وخاصة السعودية على سبيل المثال، تمنع دخول الكتب الدينية غير الإسلامية مثل الإنجيل و التوراة إلى بلدانها وتصادرها من المطارات وتعامل هذه الكتب كمواد جرمية ضارة بالمجتمع. كما تمنع هذه الحكومات بناء الكنائس وغيرها من دور العبادة غير المساجد في بلدانها، رغم أن 30% من سكان الخليج هم مسيحيون أوربيون. يتعكز خصوم التسامح الديني من المسلمين على حديث منسوب إلى النبي محمد أن (لا يجتمع في الجزيرة العربية دينان). والأسوأ من ذلك أن في مصر التي تدعي حكومتها أنها تبنت دولة المواطنة وحقوق المواطنة والديمقراطية وتعامل مواطنيها بالمساواة ولا فرق بين المسلمين والأقباط المسيحيين، يمنع على المسيحيين في مصر حتى ترميم كنائسهم الآيلة للسقوط إلا بموافقة المحافظ وبشروط تعجيزية، أما بناء كنيسة جديدة فيتطلب قراراً من رئيس الجمهورية وبشروط مستحيلة.
ولو كان الغرب حقاٌ ضد المسلمين كما يدعي المتطرفون، فهل سمح لهذه الهجرة الواسعة من المسلمين إلى بلدانه؟ فالغرب لم يتوسل يوماً بالمسلمين ليطالبهم بالهجرة إليه، بل المسلمون هم الذين يتهالكون ويتحملون أشد المخاطر في سبيل الهجرة إلى البلدان الغربية للتخلص من مظالم حكوماتهم والتمتع بما وفرته الأنظمة الغربية من حرية ورفاه اقتصدي وضمان اجتماعي لهم. ولكن ما أن يستقر المهاجرون المسلمون في هذه البلدان حتى ويتمرد البعض منهم على هذا الغرب، مستغلين الحريات المتاحة والقوانين الإنسانية، مطالبين بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية ومعاملة خاصة بهم، تلك القوانين التي أجبرتهم على ترك بلدانهم الأصلية. حقاً لقد احتار الغربيون في كيفية التعامل مع المسلمين.
خلاصة القول، أن الحكومة السودانية قامت بهذه اللعبة الغبية ضد المدرسة الإنكليزية البريئة بقصد ابتزاز الحكومة البريطانية في دفاعها عن حقوق أهل دارفور، وكانت النتيجة أن الحكومة السودانية أساءت للإسلام ولسمعة المسلمين ولطخت سمعتها في الوحل.