| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

الأربعاء 19/ 11/ 2008



الدستور العراقي، المشاكل والحلول

د. عبدالخالق حسين

لا شك أن الدستور هو أهم وثيقة في حياة الشعوب، فهو القانون الأساسي أو ما يسمى بـ (أبو القوانين) حيث يعتمد عليه سن جميع القوانين الأخرى، وهو العقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة الحاكمة، وتنظيم العلاقة بين الحكام وأبناء الشعب. وإذا كان الدستور بهذه المكانة والأهمية، فإن كتابته بنجاح تحتاج، في رأينا، إلى توفر ثلاثة عوامل مهمة. الأول، الإستقرار السياسي، إذ لا يمكن كتابة الدستور في مرحلة الغليان الشعبي والفوضى والتحولات السياسية والاجتماعية المتسارعة كالتي يشهدها العراق منذ سقوط الفاشية البعثية في 9/4/2003. والعامل الثاني هو توافر الخبرة والاختصاص لدى القائمين بإعداده وكتابة مسودته. والعامل الثالث، أن يُمنَح القائمون بكتابته وقتاً كافياً، سنوات بدلاً من أشهر، ودون استعجال.

فهل توفرت هذه العوامل لكتابة الدستور العراقي؟ الجواب، كلا. إذ كُتب الدستور العراقي الدائم على عجل بعد أقل من عامين فقط من سقوط حكم البعث، الأسوأ في التاريخ باستبداده المطلق، والعراق يمر في أشد مراحل تاريخه عربدة وهيجاناً، إضافة إلى ظروف الإرهاب البعثي القاعدي والجريمة المنظمة.

لذلك طالبنا مع غيرنا في وقته بتأجيل كتابة الدستور حتى تتوفر الظروف الملائمة، إذ كنا ومازلنا، نعتقد أنه كان من الضروري وضع مرحلة انتقالية ما بين 5 إلى 7 سنوات لمعالجة تركة النظام الساقط، وتحضير البلاد للإنتقال من حكم الإستبداد المطلق إلى الديمقراطية، إذ لا يمكن كتابة الدستور وتحقيق الديمقراطية إلا بعد بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية وفرض حكم القانون وتحقيق الاستقرار. وهذا ما حصل عند كتابة الدستور في كل من ألمانيا وإيطاليا واليابان بعد إسقاط أنظمتها الفاشية بالحرب العالمية الثانية.

أما العامل الثاني، فهو أن يتم اختيار هيئة من الخبراء المتضلعين بالقانون وبكتابة الدستور، و على إطلاع بنماذج من دساتير الدول المختلفة في العالم، ولهم فهم عميق بتاريخ العراق ومكونات شعبه، وموروثه الإجتماعي وصراعاته ومشاكله السياسية. وليس من الضرورة أن يكون هؤلاء الخبراء منتخبين من قبل الشعب، بل يتم اختيارهم بنفس الطريقة التي تم بها اختيار أعضاء هيئة كتابة الدستور المؤقت الذي سمي بـ (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية). وبعد كتابة المسودة من قبل الخبراء، تعرض على البرلمان المنتخب، وعلى الشعب عن طريق وسائل الإعلام، لمناقشته بما فيه الكفاية، وخلال هذه المناقشات يتم تعديل المسودة إلى أن تصل إلى صيغتها الأخيرة المقبولة من غالبية البرلمانيين، عندئذ تعرض على الشعب للإستفتاء.

بينما الذي حصل هو أن اجريت انتخبات لأعضاء برلمان مؤقت تحت قصف الإرهابيين، واختير من بينهم 75 عضواً لكتابة الدستور، معظمهم لم يكونوا مختصين بالقانون، وفي ظروف أمنية قاهرة ومضطربة بحيث كان عدد الحاضرين لكل اجتماع لم يتجاوز ثلث الهيئة المنتخبة.. وكتب هؤلاء الدستور على عجل في حدود ثلاثة أشهر فقط.

ولهذه الأسباب مجتمعة، جاء الدستور حافلاً بالكثير من المشاكل التي ساهمت في عرقلة المسيرة الديمقراطية واستقرار البلاد، وتكريس الظروف الإستثنائية. ومن أهم المشاكل التي يعاني منها الدستور ما يلي:
أولاً، تغلب لغة إنشائية دينية على مقدمة (ديباجة) مطولة ذات صبغة طائفية لا ضرورة لها. وقد أسهمت هذه المقدمة في تكريس الصراع الطائفي.
ثانياً، تغليب النزعة الدينية على عدد من مواد الدستور بحيث جعلته مشلولاً ومتعارضاً مع الديمقراطية، خاصة في مادته الثانية التي تنص على:
أ ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام.
ب ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

كما وهناك مشاكل كثيرة أخرى مثل قضية تنظيم العلاقة بين حكومات الأقاليم والحكومة المركزية، ودور الحكومة المركزية في السيطرة على الثروات الطبيعية، وإنشاء العلاقات الخارجية... الخ.

لقد جعل الدستور من حق حكومات الأقاليم، ومجالس المحافظات إقامة علاقات خارجية مع الدول الأجنبية، دون المرور بالحكومة المركزية، وبذلك فهي تخلق جواً من الفوضى وعدم تحديد المسؤولية في العلاقات الخارجية، وبالتالي إلى ضعف وتهميش الحكومة المركزية. وهذه الحالة شاذة غير موجودة في جميع الدول الفيدرالية.
كذلك من ناحية عقد اتفاقات وعقود اقتصادية مع الشركات الأجنبية حول استثمارات النفط وغيره من الثروات الطبيعية. كما وخوَّل الدستور الحكومات المحلية الاستحواذ على ما يتم اكتشافه من ثروات طبيعية في المستقبل في مناطقها وعقد الصفقات مع الشركات الأجنبية دون الرجوع إلى الحكومة المركزية والإنفراد بها دون بقية الشعب. وهذا خطأ وعنصر معرقل في الدستور.

وجاء في المادة 117، (رابعاً :ـ تؤسس مكاتبٌ للاقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية، لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية).
نعتقد أن هذه الفقرة لا مبرر لها لأنها تتعارض مع صلاحيات الحكومة المركزية التي يجب أن تكون وحدها المسؤولة عن متابعة جميع العلاقات مع الخارج، بما فيها " الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية"

وهناك إهمال للمادة (142) التي نصت:
((اولاً – يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من اعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقرير الى مجلس النواب، خلال مدة لاتتجاوز أربعه اشهر، يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور، وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها)) .لم نسمع لحد الآن عن تشكيل هذه اللجنة ولا عما اتخذته من قرارات.

الحل
ومن كل ما تقدم، أرى أن هذا الدستور يعاني من مشاكل كثيرة من الصعوبة ذكرها جميعاً بهذه المساحة المحدودة، ولذلك أقترح ما يلي:
1- تشكيل لجنة من خبراء في القانون، مهمتها القيام بمراجعة الدستور، وإعادة كتابته على ضوء وضع العراق الحالي، مع الأخذ في نظر الاعتبار ما حصل من معوقات لتطبيق بعض مواده في سن بعض القوانين وخاصة (مشروع قانون النفط والغاز).
2- أن يحصر الدستور الصلاحيات التالية بالحكومة المركزية فقط: أولاً، قيادة الجيش العراقي بما فيه جيش بيشمركة، ومسؤولية الدفاع عن حدود البلاد. ثانيا، السيطرة على جميع الثروات الطبيعية ومنها النفط والغاز وغيرهما، وتتم العقود مع الدول والشركات الأجنبية من خلالها وليس من خلال حكومات الأقاليم والمحاافظات. ثالثا، العلاقات الخارجية وعقد الإتفاقيات والعقود في جميع المجالات تكون محصورة بالحكومة المركزية فقط، وتعتبر جميع العقود التي عقدتها حكومات الأقاليم باطلة ولا قيمة لها.
3- من مسؤولية الحكومة المركزية وحدها جمع الضرائب وسك العملة وإعداد ميزانية الدولة وتوزيع الثروات بعدالة على الأقاليم والمحافظات حسب كثافتها السكانية.
4- بعد أن تقوم اللحنة المكلفة بدراسة وتعديل مواد الدستور، تعرض النسخة المعدلة على البرلمان القادم وليس الحالي، لأن البرلمان الحالي هو الذي سن هذا الدستور ومن غير المتوقع أن يغيره، ومن ثم يعرض على الرأي العام العراقي للمناقشة والسجال، ومن ثم إجراء الاستفتاء عليه، وبالتالي يأخذ الدستور صيغته النهائية المشروعة.
 

* كتب هذا المقال بناء على استفتاء ملحق (مجتمع مدني) لصحيفة (الصباح) البغدادية، ضمن ملف الدستور، وقد نشر المقال في الصحيفة يوم 18/11/2008.
 

free web counter