د. عبدالخالق حسين
الجمعة 18/ 7/ 2008
لكي ينجح الحوار بين الأديان والمذاهب
د.عبدالخالق حسين
بمبادرة من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عقد في مدريد مؤتمر للحوار بين الديانات السماوية، شارك فيها مسلمون ومسيحيون ويهود وبوذيون وهندوس على مدى ثلاثة أيام 16-18 تموز/ يوليو الجاري. وقد تم التحضير لهذا المؤتمر في لقاء سابق حضره رجال دين سُنة وشيعة في شهر حزيران/يونيو المنصرم في مكة المكرمة، نظمته رابطة الإعلام الإسلامي التي تتخذ من السعودية مقرا لها، كان الغرض منه اتخاذ موقف إسلامي موحد لمختلف المذاهب الإسلامية في حوارهم مع العالم.
ولن نستغرب أن تقوم السعودية بكل حماس بعقد هذه اللقاءات وتحت رعايتها، فقد بات معروفاً أن المذهب الوهابي، المذهب الرسمي للمملكة السعودية، هو الذي كان وما زال وراء جميع الأعمال الإرهابية التي وقعت وماتزال تقع في العالم، بسبب التطرف الديني الذي تتصف به العقيدة الوهابية دون غيرها من المذاهب الإسلامية. فالكل يعرف أن 15 من 19 إرهابياً شاركوا في جريمة 11 سبتمبر هم من السعودية، و50% من الإرهابيين الأجانب ومعظم الانتحاريين في العراق هم سعوديون، وزعيم منظمة القاعدة الإرهابية بن لادن هو مواطن سعودي. وهذا لم يأت من فراغ أو الصدفة، بل بسبب هيمنة التعاليم الوهابية المتشددة على ذهنية الشعب السعودي، وحملة مشايخ هذا المذهب من أئمة المساجد في تحريض الشباب على الإرهاب باسم الجهاد في سبيل الله والإسلام، إضافة إلى إغراق المدارس والمعاهد التعليمية والجامعات بمناهج التربية والتعليم تعمل على شحن التلامذة منذ الصغر بالكراهية والعداء لغير المسلمين، وللمسلمين من غير الوهابيين. كما ولعبت الثروات النفطية السعودية دوراً أساسياً في نشر العقيدة الوهابية والتشدد الديني بين المسلمين في العالم، وهي وحدها من بين المذاهب الإسلامية التي ترفض التسامح والتعايش السلمي مع أتباع الأديان الأخرى والمذاهب الإسلامية الأخرى وتكفرهم، وتدعو إما إلى تبني مذهبهم أو تصفيتهم، وتجعل من قتلهم مدخلاً للجنة.
ولهذه الأسباب وجه البعض انتقادات إلى مؤتمر مدريد واعتبروه حيلة دعائية للسعودية، الغرض منها تلميع وجه النظام السعودي وليس لبحث سبل التشجيع على التسامح الديني. إلا إننا لا نريد أن نذهب هذا المذهب، بل يجب تشجيع التوجه السعودي هذا، فكما يقول المثل الإنكليزي: “give them the benefit of the doubt”، أي لنظن بهم النوايا الحسنة. فهناك أسباب عديدة تجعلنا نعتقد بجدية الموقف السعودي الجديد إزاء التطرف الوهابي منها ما يلي:
أولاً، الإرهاب الوهابي الذي نشأ وترعرع في السعودية وبدعمها، انقلب أخيراً على النظام نفسه،
ثانياً، انحطت سمعة المملكة في العالم إلى الحضيض بسبب تطرف مذهبه الديني، وكون العقيدة الوهابية هي أيديولوجية معظم الأحزاب والجماعات الإسلامية السنية المتطرفة والجماعات الإرهابية، انتشرت في العالم بدعم مالي ومعنوي من السعودية وأثريائها، تزامن مع تضخم الثروة النفطية، بحيث توضيح الأمر بالمعادلة التالية: الوهابية + الثروة السعودية = الإرهاب
ثالثاً، أساء الإرهاب الإسلامي الوهابي إلى سمعة الإسلام والمسلمين في العالم إلى حد أن اعتبر كل مسلم موضع شك وحتى إرهابي إلى أن يثبت العكس. ففي الوقت الذي يحاول فيه المسلمون إقناع العالم أن دينهم هو دين رحمة وسلام وتسامح والتعايش مع المختلف، وأنه يحترم الأديان الأخرى... الخ، بينما في الواقع يحصل العكس.
رابعاً، لقد وضَعَ التشدد الوهابي العالم الإسلامي عموماً، والمملكة السعودية خصوصاً في حالة مواجهة غير متكافئة مع العالم. وهذا الموقف لا يمكن للعالم السكوت عنه لا سيما في عصر العولمة حيث صارت المعمورة قرية كونية صغيرة بسبب التطور المذهل في تكنولوجية المواصلات والاتصالات، إضافة إلى تكنولوجية الدمار وسهولة امتلاكها واستخدامها من قبل فئة قليلة من الإرهابيين بإمكانهم إلحاق أكبر قدر من الدمار بأكبر عدد ممكن من البشر والممتلكات كما حصل في كارثة 11 سبتمبر 2001 وما يجري الآن في العراق وأفغانستان ومناطق أخرى في العالم. وباختصار شديد، إن تصاعد موجة الإرهاب الإسلامي الوهابي بات يهدد الحضارة البشرية في كل مكان بحيث لا يمكن للمجتمع الدولي السكوت عنه. كل هذه الأسباب جعلت النظام السعودي في موقف حرج، ومهدد بالخطر، لذلك تحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
صدام الأديان والعلاج
أعتقد جازماً أنه ليس هناك صدام بين الحضارات إلا إذ اعتبرنا الدين حضارة بحد ذاته، ولكن في الحقيقة الدين هو أحد مكونات الحضارة وليس كل الحضارة. لذلك فالذي يجري الآن وما يسمى بصدام الحضارات هو صدام بين الأديان فقط . وحتى هذا الصدام هو ليس بين كل الأديان، بل هو بين الإسلام من جهة والأديان الأخرى من جهة أخرى. و لو جئنا إلى الإسلام، نجد أيضاً أن هذا الصدام أو الصراع هو من قبل فئة واحدة فقط من المسلمين وهم أتباع الوهابية الذين فسروا الإسلام دون إعمال العقل، وخارج سياقه التاريخي، وراحوا يرتكبون الجرائم باسمه مما أساءوا إلى الإسلام والمسلمين.
لذا فأمام الحكومات الإسلامية وخاصة الحكومة السعودية والفقهاء والمثقفين في العالم، ثلاث مهمات أساسية لإقناع المسلمين بما يلي:
المهمة الأولى، نبذ العنف وتبني روح التسامح وقبول التعايش مع المختلف في الدين والمذهب والعنصر.
المهمة الثانية، أن يتصالح المسلمون مع أنفسهم، أي مصالحة بين المذاهب الإسلامية وخاصة بين السنة والشيعة والسنة الصوفية، أي قبول الأمر الواقع بتعدد المذهبية في الإسلام واعتبار هذه الحالة مسألة طبيعية يجب التعايش معها بسلام،
المهمة الثالثة، أن يتصالح المسلمون مع أتباع الأديان الأخرى، أي قبول التعايش السلمي معهم وعدم تكفيرهم وهدر دمائهم ونبذ العنف ضدهم.
لقد دعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في مؤتمر مدريد أتباع كبرى الديانات في العالم "إلى نبذ التطرف وتقبل روح التسامح." وأضاف : "إخواني، علينا أن نقول للعالم لا ينبغي للاختلافات أن تؤدي إلى الصراعات." فرغم صحة هذه الأقوال والنصائح، إلا إننا نعتقد أن توجيه هذه النصائح إلى أتباع الديانات الأخرى أشبه بمن يبيع الماء في حي السقايين. لأن المسلمين أو بالأحرى الوهابيين هم وحدهم الذين يجب أن يتلقوا هذه النصيحة وتوجه لهم الدعوة إلى نبذ التطرف وتقبل روح التسامح. ففي الدول الغربية المسيحية، على سبيل المثال لا الحصر، توجد آلاف المساجد الإسلامية، والمسلمون على مختلف مذاهبهم يمارسون طقوسهم وشعائرهم الدينية في جميع أنحاء العالم من غير بلدان المسلمين، بمنتهى الحرية ودون أية مضايقات، بينما لا توجد كنيسة واحدة للمسيحيين أو أية دار للعبادة لأتباع الدينات الأخرى في المملكة العربية السعودية ومعظم الدول الخليجية الأخرى. كما ولم نسمع بأي انتحاري غير مسلم فجر نفسه لقتل ناس أبرياء من غير دينه. إذنْ، التطرف والتشدد الديني مرض خاص بالمسلمين، وتحديداً بالوهابيين وحدهم، وهم وحدهم الذين يجب معالجتهم، كما ويجب عدم تبديد الجهد والمال والوقت في إقناع غير المسلمين بخطأ التطرف الديني، لأنهم ليسوا متطرفين أصلاً.
ونفهم من كل ما تقدم، أنه ليس للعالم أية مشكلة في التعايش مع المسلمين أو فهم الإسلام، ولا نحتاج بذل جهود مضنية لإقناع العالم بأن الإسلام دين التسامح، بل يجب إقناع المسلمين في قبول التعايش مع أتباع الدينات الأخرى. كذلك فما قيمة أن نقول للعالم "أن الإسلام دين التآخي والتسامح" بينما الواقع هو تفجيرات قطارات مدريد وأنفاق لندن وكارثة 11 سبتمبر، والمئات من أعمال الإرهاب في العالم على أيدي مسلمين، مدعمين بالنصوص المقدسة وبتحريض من أئمة الجوامع والمساجد؟
إذنْ، المشكلة تقع على عاتق المسلمين أنفسهم الذين يرفضون التسامح مع أتباع الأديان الأخرى والعيش مهم بسلام. وعليه، فالمطلوب ليس إقناع غير المسلمين بسماحة الإسلام، بل بإقناع المسلمين أنفسهم، و بالأحرى إقناع الوهابيين بنبذ العنف وقبول روح التسامح والتعايش السلمي مع أصحاب الديانات الأخرى والمذاهب الإسلامية الأخرى.
ما العمل؟
لكي لا نحرث في البحر، ولا تذهب الجهود هباءً، يجب تشخيص المرض وإيجاد العلاج الناجع له كالآتي:
1- على العاهل السعودي شن حملة ثقافية مكثفة لإعادة تأهيل وتثقيف شيوخ الوهابية بضرورة إعادة تفسير النصوص الدينية تفسيراً عقلانياً وفق متطلبات العصر. فالقرآن كما وصفه الإمام علي ابن أبي طالب (حمال أوجه)، فيه نصوص كثيرة تدعو إلى التآخي والتسامح، كما وفيه العشرات من الآيات التي تدعو إلى العنف وتكفير غير المسلم وتصفيته. لذا يجب تفعيل آيات الرحمة والتآخي والتسامح وتثقيف الشعوب الإسلامية بها، وترويجها في المدارس، وإيقاف العمل بالآيات التي تدعو إلى العنف والقتال وتكفير المختلف، وحذفها من المناهج الدراسية، لأن هذه النصوص لها علاقة مباشرة بسياقها التاريخي، وهي لا تلائم وقتنا الحاضر، لذا يجب اعتبارها نصوصاً منسوخة. وإذا رفض المتطرفون هذا الحل، فعليهم تقبل مسؤولية قراراتهم وهي أن التاريخ سيسحقهم بعجلاته الثقيلة وفق مبدأ البقاء للأصلح.
2- ولتحقيق الشرط الأول، يجب تنظيم لقاءات ودورات ثقافية تجمع بين رجال الدين المعتدلين والمفكرين الليبراليين الإصلاحيين من جهة، مع دعاة التطرف الإسلامي وبالأخص شيوخ الوهابية المتشددين، وإجراء حوارات مكثفة بين الجانبين، إلى أن يتم التخفيف من تطرف الغلاة المتشددين. فالإصلاح الديني والسياسي ضرورة ملحة ومسألة مصير، بقاء أو فناء. كما ونؤكد للمتطرفين، أنه لا بد للإصلاح الديني والسياسي أن يحصل ويعم العالم الإسلامي، شاءوا أم أبوا، إن عاجلاً أم آجلاً، وفي هذه الحالة، فكيف يريدونه أن يحصل، بأقل أو أكثر ما يمكن من خسائر؟ الخيار لهم.
3- لا يمكن للعاهل السعودي أن ينجح بمشروعه الإصلاحي في بلاده ما لم يعتمد على المثقفين الإصلاحيين السعوديين ويطلق سراح السجناء منهم، ويدعم حرية التعبير لهم لنشر الأفكار النيرة لتنوير الشعب السعودي وعدم ترك الساحة للمتطرفين الإسلاميين وحدهم يسممون عقول الناشئة ويرفدون منظمات الإرهاب بالمزيد من الشباب بعد تعريضهم إلى عملية غسيل الدماغ.
مرة أخرى نؤكد أن هذه المهمة ليست سهلة، ولكنها ممكنة إذا توفرت لها الإرادة القوية والمخلصة ونفذت بالحكمة والتدريج.
خلاصة القول، نحن لا نحتاج إلى إقناع أتباع الديانات من غير المسلمين باحترام الإسلام والتعايش السلمي مع المسلمين، بل نحتاج إلى إقناع المسلمين وبالأخص الوهابيين بسماحة الإسلام، وباحترام غير المسلمين والمسلمين من غير الوهابيين، والاعتراف بحق الجميع في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية بكل حرية وكما يجري في الغرب.
مقال ذو علاقة بالموضوع
د. عبدالخالق حسين: لماذا تفشل مؤتمرات التقارب بين الأديان والمذاهب؟
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/1reg.htm