د. عبدالخالق حسين
السبت 17/ 1/ 2009
لماذا أرى ميسون الدملوجي أولى برئاسة البرلمان؟د. عبدالخالق حسين
قد تكون هذه المقالة جاءت متأخرة، ولكن مع ذلك أرى من المفيد أن أعرب عن رأيي في هذه القضية الحساسة التي تهم مستقبل الديمقراطية في العراق. إذ تجري هذه الأيام استعدادات وسجالات محتدمة لانتخاب الرئيس الجديد للبرلمان العراقي خلفاً للسيد محمود المشهداني، المستقيل أو أجبر على الاستقالة قبل أسابيع. وهناك عدد غير قليل من المرشحين لهذا المنصب الحيوي والرفيع في العراق الجديد، ومن بينهم النائبة ميسون سالم الدملوجي. ومما يجدر ذكره أن معظم المرشحين متمسكون بورقة المحاصصة الطائفية وليس الكفاءة الشخصية لهذه المسؤولية.
مشكلة الديمقراطية العراقية أنها ولدت ولادة قيصرية بعد مخاض عسير، حملت معها تشوهات خلقية وعلى رأس هذه التشوهات لعنة المحاصصة الطائفية البغيضة التي لوَّثت صورة العراق الجديد. والمفارقة أن الأغلبية الساحقة من السياسيين العراقيين وخاصة من اللاعبين الكبار في صنع القرار السياسي، يستنكرون باستمرار المحاصصة الطائفية، ولكنهم في نفس الوقت يمارسونها علناً ويصرون عليها ولو بطرق ملتوية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، طلع علينا قبل أسابيع، الدكتور طارق الهاشمي، رئيس الحزب الإسلامي العراقي، في مؤتمر صحفي، تعهد فيه أمام الملأ أنه مستعد للتنازل عن منصبه مقابل أن يتخلى الجميع عن المحاصصة الطائفية. وكعلمانيين وليبراليين نؤمن بالديمقراطية الحقيقية، وبالولاء للعراق وليس للطائفة، فقد رحبنا كثيراً بهذا الإعلان وصفقنا له، وطالبنا الآخرين أن يحذوا حذوه، ولكن في نفس الوقت قلنا أن العبرة بالأفعال وليست بالأقوال، دعونا ننتظر ساعة التنفيذ لكي لا نظلم الرجل.
ويا لخيبة الأمل، فما أن توفرت الفرصة وحل وقت التنفيذ في اختيار الرئيس الجديد للبرلمان، حتى رأينا حزب الدكتور الهاشمي يصر على أن تكون الرئاسة من حصته كما كانت سابقاً، إذ جاء في الأنباء: "يصر الحزب الإسلامي العراقي على ترشيح النائب إياد السامرائي لتولي منصب رئيس البرلمان خلفا لمحمود المشهداني، مشددا على ضرورة استمرار العمل بنظام المحاصصة الطائفية لحسم هذا الموضوع، في الوقت الذي يرفض فيه حزب الدعوة بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي هذا الترشيح، معللا موقفه بمنع احتكار الحزب الإسلامي للمناصب الرئاسية المهمة".(راديو سوا، 16/01/2009). ومن هنا فقد فشل الدكتور الهاشمي في أول امتحان له في تنفيذ تعهداته التي أعلنها بالتخلي عن المحاصصة الطائفية.
على أي حال أعتقد أن النائبة ميسون سالم الدملوجي أولى من غيرها برئاسة البرلمان وذلك للأسباب التالية:
أولا، أثبتت النائبة الدملوجي خلال الثلاث سنوات من عملها في البرلمان كفاءتها في الأداء، وثقافتها الواسعة، وقدرتها على الحوار الهادئ، ونبذها للطائفية،
ثانياً، أثبتت شجاعة فائقة وثقتها العالية بالنفس في الترشح لهذا المنصب المهم الذي يعتبره البعض مع الأسف أنه من حصة الرجال فقط، فقبلت التحديات في الخوض في بحيرة مليئة بالتماسيح،
ثالثاً، وكما بينا في أعلاه، أن صورة الديمقراطية العراقية مشوهة، لذلك فبانتخاب النائبة ميسون الدملوجي لهذا المنصب يعيد السياسيون الصورة الجميلة الحقيقية للديمقراطية التي حلم بها كل مواطن عراقي يؤمن بالولاء للوطنية العراقية وينبذ التمييز الطائفي والعرقي والمناطقي والجندري (الجنسي).
رابعاً، نحن نمر في فترة تاريخية عصيبة تم فيها تشويه صورة المسلمين والعرب والعراق بالنظرة الدونية للمرأة في مجتمعاتنا الإسلامية، ولذلك فبانتخاب امرأة كفوءة مثل ميسون الدملوجي لهذا المنصب، نكون عملياً أثبتنا بطلان هذه التهمة، ونعيد للمرأة العراقية خاصة وفي المجتمعات الإسلامية عامة، المكانة المرموقة التي تستحقها المرأة،
خامساً، بتسنم المرأة لهذا المنصب الرفيع، تكون المرأة العراقية حققت سابقة تاريخية برد الاعتبار لمكانتها ليس في العراق فحسب بل وفي العالم العربي أجمع، خاصة وأن العراق كان أول دولة عربية تم فيه تعيين امرأة بمنصب وزاري عام 1959.
وعليه، وبناءً على الأسباب المذكورة أعلاه، فإني أرى هذه المناسبة هي فرصة حقيقية وفرها التاريخ للنواب العراقيين الأفاضل أن يثبتوا للعالم بأنهم ينبذون المحاصصة الطائفية والعرقية والجندرية، قولاً وفعلاً، ولن يتم ذلك إلا بالتصويت للنائبة ميسون الدملوجي.
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.