د. عبدالخالق حسين
الأثنين 15 / 10 / 2007
حول إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسطد.عبدالخالق حسين
هناك شبه إجماع لدى الباحثين في شأن الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط أن لدى أمريكا أربعة ثوابت لا يمكن أن تتخلى عنها، ومستعدة من أجلها خوض حرب ضروس إذا ما تعرض أي منها إلى الخطر. وهذه الثوابت بطبيعة الحال تمس المصالح الأمريكية الأساسية، بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي كالتالي:
1- ضمان تدفق النفط،
2- ضمان أمن وسلامة إسرائيل،
3- ضمان أمن وسلامة الدول العربية المتحالفة مع أمريكا في المنطقة وخاصة المصدرة للنفط منها (أي الخليجية).
4- عدم السماح لدولة غير حليفة في المنطقة بامتلاك السلاح النووي وغيره من سلاح الدمار الشامل الذي من شأنه أن يهدد الثوابت الأخرى.
ونؤكد على أن أي تهديد من أية دولة في المنطقة أو خارجها، لأي من هذه الثوابت، لا يمكن لأمريكا وحلفائها السكوت عنه، بل ومستعدة لشن الحرب إلى أن يزول ذلك الخطر. هل هذه الإستراتيجية على حق أم باطل، هذا ليس موضوع هذا المقال ولا من أغراض السياسة، إذ وكما ذكرت مراراً وتكراراً أن السياسة ليست وراء القضايا الاخلاقية بل تسعى من أجل حماية المصالح وتحقيق المزيد منها، ولا شيء غير المصالح، وأي سياسي لا يعرف هذه الحقيقة ولا يتبناها فهو سياسي فاشل. فالبحث عن الحق والباطل والاخلاق ليس مجاله السياسة، بل الدين والفلسفة، ونحن هنا نتحدث عن السياسة والمصالح.
ما دفعني للخوض في هذا الموضوع هو ردود الأفعال التي صدرت بعد نشر مقالتي "هل كان إسقاط حكم البعث بسبب النفط؟" إذ وكالعادة، استلمت العديد من الرسائل الإلكترونية، المؤيدة والمعارضة لما طرحت، كما ونشر بعض الزملاء مقالات معارضة لوجهة نظري، ولعل من أهمها، الدراسة القيمة التي نشرها الصديق العزيز والباحث المتميز الدكتور كاظم حبيب، في بحث واسع له يقع في 22 صفحة، بعنوان (هل من دور للنفط في إسقاط حكم البعث في العراق؟ ... رؤية حوارية) حافل بالمعلومات التاريخية الموثقة والمفيدة، أكد فيه أهمية النفط لأمريكا وللغرب، واستعرض تاريخ النفط العراقي منذ أوائل القرن الماضي وإلى اليوم، وأهمية النفط للغرب ودوره في العلاقة بين العراق والدول الغربية وغيرها.
في الحقيقة، لم أر تناقضاً فيما ذكرته في مقالي وما ذهب إليه المعترضون سوى بأسلوب الطرح. وربما كان عليّ أن أكون أكثر وضوحاً، كأن أجعل عنوان مقالتي السابقة (هل شنت أمريكا الحرب على حكم البعث من أجل السيطرة على نفط العراق؟). فهذا العنوان طويل بطبيعة الحال وأني أحاول قدر الإمكان تجنب العناوين الطويلة!! علماً بأني شرحت ما أقصد بكل وضوح في سياق المقال. في الحقيقة، أن كل ما كنت أعنيه في مقالتي تلك هو الرد على الذين قالوا أن أمريكا أسقطت صدام حسين ونظام حكمه البعثي من أجل السيطرة على نفط العراق، وشرائه بسعر بخس. وهذه الفكرة هي التي عارضتها وفندتها في مقالي السابق، وسأعيد تفنيدها في هذا المقال أيضاً. كما ولم أقل أن ليس للنفط أهمية لأمريكا أو الدول الصناعية وغيرها في سياساتها الخارجية. فأينما وردت كلمة النفط في مقالتي السابقة كنت أقصد النفط العراقي. وهنا أنقل فقرة مما جاء في هذا الخصوص في تلك المقالة، إذ قلت بالنص: "وهذا لا يعني أن النفط ليس مهماً لأمريكا. فأمريكا تحتاج إلى النفط كأية دولة صناعية متطورة، كما وأن صادف أن العراق يمتلك ثروة نفطية هائلة. ولكن هذا لا يعني أن الحرب وقعت من أجل السيطرة على نفط العراق. إذ ما دفعته أمريكا من تكاليف باهظة لهذه الحرب تفوق حتى قيمة النفط العراقي الاحتياطي غير المستثمر. وبالتأكيد هناك سبل أسلم وأرخص لأمريكا لحصولها على النفط من مغامرة الحرب."
لذا يجب أن نكون واضحين في التمييز بين القولين: (سعي أمريكا للاستيلاء على نفط العراق)، و(سعي أمريكا من أجل ضمان تدفق النفط.) ومن هنا نعرف أن الفرق كبير بين القولين.
وعود إلى ثوابت إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط، وإذا ما أمعنا النظر جيداً في سلوك وتاريخ النظام البعثي الساقط، فإننا نرى أن صدام حسين قد تجاوز على كل هذه الثوابت وعبر كل الخطوط الحمراء التي لا يمكن لأمريكا السكوت عنها، بغض النظر عن أي من الحزبين يحتل البيت الأبيض، الجمهوري أو الديمقراطي. فصدام حسين كان يسعى لامتلاك السلاح النووي، وكان بالتأكيد يمتلك السلاح الكيمياوي الذي هو أحد أسلحة الدمار الشامل حيث استخدمه في حربه مع إيران وضد الأكراد. كذلك هدد صدام بحرق نصف إسرائيل، وقام بغزو دولة الكويت التي هي حليفة استراتيجية لأمريكا في المنطقة، وضرب السعودية بصواريخ سكود إثناء حرب تحرير الكويت، ولو سكتت أمريكا عنه لتمادى في سعيه إلى أن يحتل جميع دول الخليج، ولكان بإمكانه غلق مضيق هرمز، وبذلك كان بإمكانه منع تدفق النفط وابتزاز العالم. ولذلك لا يمكن مطلقاً لأمريكا، الدولة العظمى، ولا حلفائها، السكوت عن مثل هكذا نظام يهدد الثوابت الإستراتيجية الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
ومن هنا نعرف، ونؤكد ما أكدناه في مقالنا السابق، أن إسقاط أمريكا للنظام البعثي في العراق لم يكن من أجل السيطرة على نفط العراق، كما يعتقد البعض، بل من أجل إزاحة خطر دولة مارقة مثل دولة البعث الصدامي على تدفق النفط والمصالح الأمريكية الأخرى. إذ كما ينقل لنا الأستاذ أمير طاهري عن مسؤول عراقي كبير قوله: « لقد قيل لنا أن الأميركيين يريدون سرقة نفطنا. وحتى الآن وجدنا صعوبات في إقناعهم بالحضور للعراق والبدء في السرقة». (الشرق الأوسط،5/10/2007).
أما التهمة الأخرى بأن يحصل الأمريكان على النفط العراقي بسعر زهيد، فهي الأخرى لم تصمد أمام أي محاججة منطقية، فبدلاً من أن يشتري الأمريكان النفط بسعر رخيص، رأينا أسعاره قفزت بعد سقوط البعث إلى أربعة أضعاف عما كان عليه قبل السقوط، حيث بلغ سعر البرميل الواحد نحو تسعين دولاراً والذي استقر أخيراً حوالي 60 دولاراً للبرميل، وهذا يعادل ثلاثة أضعاف سعره قبل السقوط حيث كان نحو 20 دولاراً للبرميل. فسعر النفط وكما يعرفه خبراء الاقتصاد والسوق، لا تقرره أمريكا، بل قانون السوق (العرض والطلب). وصعود الطلب على النفط ناتج عن حاجة العملاقين الصناعيين الجديدين الآن وهما الصين والهند اللتان تشكلان نحو ثلث البشرية، وحاجتهما للطاقة تتصاعد مع نمو اقتصادهما المتواصل.
ومن هنا نعرف أن أمريكا لها ثوابت إستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن تتخلى عنها أو التساهل حولها. وكما ذكرت في مقالي السابق، أن الزعيم الليبي معمر القذافي هو الآخر كان يسعى لامتلاك السلاح النووي، فخيّرته أمريكا بين التخلي عن هذا السلاح بالوسائل الدبلوماسية، أو أن يلاقي مصير صدام حسين. ولأول مرة أختار الرجل طريق السلامة والصواب، فتخلى عن سباق التسلح ونجى بجلده وأنقذ بلاده من الدمار الشامل.
والآن نرى سيناريو صدام حسين يتكرر مع نظام الملالي في إيران الذي يهدد جميع ثوابت الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. إذ يسعى هذا النظام لبناء القنبلة النووية، ويهدد بفناء إسرائيل، وضرب الدول الخليجية، وغلق مضيق هرمز، أي إيقاف تدفق النفط. لذا فالنظام الإيراني هو الآخر مرشح ليلقى نفس المصير الذي لقيه صدام ونظامه، وهذا يعني أنه أمام خيارين لا ثالث لهما. إما أن يختار طريق معمر القذافي، فيتخلى عن برنامجه النووي وينجو بنفسه ونظامه ويوفر على شعبه المآسي والكوارث الماحقة، أو يتبنى طريقة صدام حسين فيركب رأسه ويفقد عقله وبالتالي يكون مصيره كمصير صدام المشنوق ونظامه الساقط، وشعبه يتلقى ذات الكوارث التي نزلت على الشعب العراقي ما بعد السقوط . يبدو لي ولحد الآن، أن الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، وسيده علي خامنئي، مصران على إتباع نهج صدام حسين. ولدي دراسة أكاديمية موثقة نشرت حديثاً من قبل أكاديميين في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن (SOAS) تؤكد على إن الضربة الأمريكية لإيران آتية لا ريبة فيها ما لن تتخلى إيران عن برنامجها النووي. مرة أخرى أؤكد على إن غرض أمريكا من الحرب على إيران هو الآخر ليس السيطرة على نفطها، بل منع النظام الإيراني من التعرض لثوابت الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات علاقة بالموضوع:
1- د. عبدالخالق حسين: "هل كان إسقاط حكم البعث بسبب النفط؟"
http://al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/17oil.htm
2- مقالة الدكتور كاظم حبيب: هل من دور للنفط في إسقاط حكم البعث في العراق؟ ... رؤية حوارية
http://al-nnas.com/ARTICLE/Khabib/23oil.htm