د. عبدالخالق حسين
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الأثنين 15 /1/ 2007
هل حقاً أعدِمَ صدام لدفن أسراره معه ؟
د.عبدالخالق حسين
بعد تنفيذ حكم الإعدام بحق الطاغية صدام حسين فجر السبت 30/12/2006، انبرى عدد من الكتاب و المحللين السياسيين العرب والأجانب، بالادعاء أنه تم إعدام صدام لكي يدفنوا معه أسراره الكثيرة. وكان آخر من أدلى بدلوه في هذا الخصوص هو رئيس الوزراء الروسي السابق يفغيني بريماكوف قائلاً: "إن الرئيس العراقي المخلوع اعدم بسرعة لمنعه من إفشاء أسرار قد تحرج الولايات المتحدة... لكي لا تكون له الكلمة الأخيرة ويفشي معلومات حساسة حول العلاقات التي كان نظامه يتمتع بها مع أمريكا... وإنه لو تمكن صدام من الإدلاء بما لديه من معلومات لتسبب ذلك في إحراج شديد لإدارة الرئيس جورج بوش. " كما وادعي بريماكوف "ان صدام عقد صفقة مع الأمريكيين قبيل غزوهم للعراق عام 2003 تقضي بتسهيل احتلالهم للبلاد دون مقاومة." (bbcarabic.com ،في 15/1/2007).
هناك أسئلة مهمة جداً جديرة بالطرح والمناقشة لكي نكشف حقيقة الذين أدمنوا على نظرية المؤامرة ولا يعرفون أية وسيلة أخرى لتفسير الأحداث إلا من خلالها، ويكسبون معيشتهم على التلاعب بعقول الناس وتضليلهم. ومن هذه الأسئلة: هل حقاً كان لدى صدام أسرار كثيرة وحساسة محرجة لأمريكا؟ وهل صحيح أنه أعدم بسرعة؟ وإذا كانت هناك أسرار لدى صدام، فهي محرجة لمن؟ محرجة لأمريكا وإدارة الرئيس بوش، أم لصدام حسين وأعوانه من العرب الذين اتخذوا منه بطلاً قومياً وعدواً شرساً ضد "الإمبريالية الأمريكية والصهيونية الحاقدة"، العبارة التي يرددونها ليل نهار وبلا انقطاع؟
أولاً، الجواب على السؤال الأول واضح وضوح الشمس، وهو إذا كانت هناك أسرار لدى صدام حسين فهي أسرار محرجة له ولعملائه الذين اعتاشوا كالطفيليات على أموال الشعب العراقي. فهذه الأسرار إن وجدت وإن أفشى بها فكان سيكشف عمالته هو لأمريكا والصهيونية ويفضح بها نفسه. وبالتأكيد لا يريد صدام ولا أعوانه أن يعترف بهذه العمالة فيخسر بذلك تأييد المعجبين به من الأعراب المدمنين على تقديس الطغاة.
ثانيا، وهل صحيح أنه أعدم بسرعة؟ بالتأكيد لم يعدم صدام بسرعة كما يدعي صديقه الوفي بريماكوف. فقد تم القبض على صدام يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2003، وأعدم بعد أكثر من ثلاث سنوات، ومحاكمة دامت 15 شهراً وأكثر من 40 جلسة، وأعطى صدام وأعوانه الحرية الكاملة ليقولوا ما عندهم، وفعلاً أساءوا الحرية والشفافية التي مارستهما المحكمة، خلافاً لما كان صدام يمارسه مع خصومه في عهده. فلو كانت لديه أسرار يحرج بها أمريكا لأفشى بها دون أي تأخير أو تردد. ولو كان الأمريكان يخافون منه في إفشاء أسراره لقتلوه في لحظة العثور عليه في الحفرة قبل ثلاث سنوات. وعليه فالادعاء بأن تم إعدام صدام بسرعة هراء في هراء.
ثالثاً، والجدير بالذكر أن السيد يفغيني بريماكوف، وكما ذكرنا أعلاه، كان صديقاً لصدام، والصديق عند الضيق، كما يقول العرب. وهذه ليست المرة الأولى التي ينبري فيها بريماكوف بالدفاع عن صديقه صدام. إذ حاول إنكار إلقاء القبض على صدام في شهر كانون الأول 2003، وشكك بصحة الفيلم الوثائقي الذي أظهر وجود نخلة قرب الحفرة تتدلى منها عذوق التمر الأصفر. فسارع بريماكوف مع غيره، قائلاً أن هذا دليل على أن العملية تمثيل أجري في الصيف، الادعاء الذي نفاه مراسل بي بي سي (جون سيمبون) حيث ذهب إلى الحفرة وأعاد تصوير المكان مع النخلة بعذوقها مؤكداً صحة الخبر وزيف أقوال بريماكوف.
كما ادعى بريماكوف "أن صدام عقد صفقة مع الأمريكيين قبيل غزوهم للعراق عام 2003 تقضي بتسهيل احتلالهم للبلاد دون مقاومة." والسؤال هو: من أين استقى السيد بريماكوف هذه المعلومة؟ وهل صدام أو الأمريكان من الغباء إلى حد إفشاء مثل هذا السر إليه وحده دون غيره. ونحن إذ نتحدى بريماكوف أن يثبت لنا هذا الادعاء.
خلاصة القول، لم تكن لدى صدام أسرار خطيرة ليفشي بها حتى ولو تأخر إعدامه لسنوات عديدة، لأن في إفشاء هذه الإسرار، إن وجدت، فضيحة له وللمخدوعين به من العرب الذين رأوا فيه بطلهم الصامد وأدمنوا على عبادة الطغاة وليس أي إحراج لأمريكا.