| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

 

الأحد 15 / 7 / 2007

 




المطلوب حكومة تكنوقراط رشيقة


د. عبدالخالق حسين

بين حين وآخر يفجر البعض قنابل من الإشاعات تنبئ عن وجود مخططات لانقلاب عسكري-مدني على حكومة السيد نوري المالكي وبمباركة أمريكا!! لا شك أن هناك أغراضاً عديدة وراء بث مثل هذه الإشاعات، منها: اشغال الرأي العام العراقي خاصة، والعربي عامة بهذه الأمور أولاً، وإضعاف الثقة بالمالكي وحكومته وبالديمقراطية ثانياً، وإلقاء فشل توفير الأمن ودحر الإرهاب على المالكي وحكومته ثالثاً، والترويج لهذه الشخصية أو تلك والادعاء أنها أكثر قدرة على تحقيق النجاح من المالكي، رابعاً.

وهنا، أنا لا أريد الدفاع عن السيد المالكي وحكومته المنتخبة والتي تسمى بحكومة الوحدة الوطنية، ولكن يجب توضيح بعض الحقائق لإنقاذ الرأي العام من محاولات التضليل والصيد في الماء العكر في هذه الفوضى الإعلامية من قبل المتصيدين والمستفيدين من محنة العراقيين، والساعين لإضافة المزيد من الوقود على النيران المشتعلة أصلاً. أود في هذه المداخلة أن أقترح البديل للخروج من المأزق العراقي، ولكن قبل طرح هذا الاقتراح يجب توضيح الحقائق وذكر الأسباب وراء فشل حكومة المالكي في تحقيق الأمن وتوفير الخدمات للشعب.

أسباب فشل حكومة المالكي:
يجب التوكيد هنا إن الفشل في القضاء على الإرهاب وتوفير الخدمات للشعب، لا يعود إلى ضعف في شخصية وإدارة السيد المالكي كزعيم سياسي، بل يعود إلى الأسباب التالية:

أولاً، شراسة فرق الإرهاب واتساع عصابات الجريمة المنظمة. إذ نعرف أن حزب البعث، وبتعليمات من صدام حسين قبل سنوات من السقوط، تبنوا مخطط نهب جميع أسلحة الجيش ومعامله وذخيرته لشن حرب العصابات وتخريب البلاد وتدمير المؤسسات الاقتصادية والبنى التحتية لمنع أية جهة من حكم العراق من بعدهم.

ثانياً، الخراب البشري الذي خلفه النظام الساقط، حيث ضعف الشعور بالمسؤولية وبالمواطنة والانتماء والولاء للوطن، ليحل محلهما تنشيط الشعور بالانتماء إلى القبيلة والطائفة والولاء لرئيس العشيرة وشيخ الطائفة بدلاً من الولاء للشعب والوطن والدولة.

ثالثاً، ونتيجة للعامل الثاني، تفشى اللا أبالية، وغياب الانضباط المهني والالتزام بالواجب والإخلاص للوطن من قبل نسبة واسعة من منتسبي القوات المسلحة وذلك بسبب الاختراقات وتسلل المليشيات الحزبية وفلول البعثيين والتكفيريين إلى صفوف هذه المؤسسات الأمنية. فأنا واثق أن الذين قاموا بتفجير ضريح الإمامين في سامراء هم من الإرهابيين الذين نجحوا في اختراق الشرطة.

رابعاً، دور إيران وسوريا وغيرهما من دول الجوار والإعلام العربي وأئمة المساجد الوهابية خاصة وعلى رأسهم يوسف القراضاوي، في دعم الإرهاب في العراق والحث على تجنيد الشباب المسلم بالانخراط للمنظمات الإرهابية، لإفشال التجربة الديمقراطية في العراق خوفاً من وصولها إلى بلدانهم.

خامساً، الخلل في طبيعة حكومة الوحدة الوطنية: إن حكومة الوحدة الوطنية هي بطبيعتها محكوم عليها بالضعف. فلا شك أن الغرض من تشكيل حكومة من جميع الأطراف المتصارعة هو مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي وبالتالي منح الشعور بالمشاركة الواسعة من أجل إرضاء الجميع. ولكن سلبيات هذه الحكومة كثيرة. فقد أثبتت "حكومة الوحدة الوطنية" هذه وخلال أكثر من عام على ولادتها، أن أعضاءها أعطوا الأولية إلى مصالحهم الحزبية الضيقة والطائفية المقيتة على حساب المصالح الوطنية. كما وأثبتوا عدم انسجامهم مع بعضهم البعض، وانشغلوا في صراعات حادة فيما بينهم، إذ هناك وزراء لهم رجل في الحكومة ورجل في "المقاومة الشريفة". والدليل على ذلك، هناك وزير متهم بضلوعه في أعمال قتل الوطنيين الأبرياء وهو الآن هارب من وجه العدالة. وجبهة هذا الوزير علقت مشاركتها بالحكومة احتجاجاً على هذه التهمة بدلاً من تسليم المتهم لمحاكمته وتبرئة ساحته إن كان بريئاً حقاً. إضافة إلى انسحاب كتلة التيار الصدري وحزب الفضيلة من الحكومة، لأن هؤلاء اعتادوا على المعارضة حتى ولو كانوا في السلطة. لذا فخروجهم من السلطة مسألة مفيدة.
كل هذه العوامل تجعلنا نعتقد بشكل جازم أن مشاركة أعضاء متصارعين في الحكومة تؤدي إلى شل هذه الحكومة بدلاً من تنشيطها وتفعيلها في أداء واجباتها.

سادساً، ترهل الحكومة. ونتيجة للسعي لإرضاء الجميع بتحقيق مشاركة واسعة من قبل مختلف الأطراف، تم خلق وزارات لا داعي لها، فالحكومة الحالية تضم أكثر من 30 وزارة. وغني عن القول أنه كلما ازداد عدد المشاركين في الجدال في اجتماعات مجلس الوزراء يزيد احتمال الاختلاف وشل الحكومة وفشلها في أخذ قرارات جادة وحازمة، وفي أغلب الأحيان تؤدي إلى أخذ قرارات مائعة كحل وسط .

سابعاً، المحاصصة الطائفية: إن التقوقع الطائفي والعرقي في رأيي هو نتيجة الأمر الواقع وهو من الثمار المرة القاتلة التي خلقها وكرسها نظام البعث الطائفي الساقط. وتوزيع الحقائب الوزارية وفق هذه المحاصصة على حساب مبدأ الكفاءة والشخص المناسب في المكان المناسب، يزيد من شل الحكومة من جهة، ويساعد على تفشي الإرهاب من جهة أخرى.

الخروج من المأزق:
ذكرت في مناسبات عديدة أن الحل للأزمة الراهنة هو أن نعكس المعادلات المذكورة أعلاه، ولا ضير أن أعيد الآن ما اقترحته في السابق. كما ويسرني أني لمست في تصريحات السيد رئيس الوزراء الأخيرة، الإشارة إلى بعض هذه المقترحات والأخذ بها لتشكيل الحكومة القادمة، وذلك كما يلي:

1- أعتقد أن تشكيل الجبهة الرباعية المؤلفة من حزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي (جماعة الحكيم) والتحالف الكردستاني مسألة صحيحة، على شرط وضع برنامج وطني عقلاني عملي قابل للتطبيق. وفي نفس الوقت يجب على القوى المعارضة للحكومة أن تشكل جبهة المعارضة الديمقراطية. فلا حكومة ديمقراطية جيدة بدون معارضة ديمقراطية جيدة. وعلى جميع أطراف المعارضة إدانة العمل المسلح ضد الدولة بجميع أشكاله.

2- تشكيل حكومة طوارئ مدنية رشيقة من التكنوقراط برئاسة السيد المالكي (أو أي شخص مناسب، ولكني أفضل السيد المالكي لأن تراكمت لديه الخبرة وتعلم من التجارب الفاشلة)، تتلقى الدعم من قوى الجبهة الرباعية، مؤلفة من أصحاب الاختصاصات والكفاءات من المستقلين من شخصيات معروفة بكفاءتها ونزاهتها وإخلاصها للوطن، واختزال عدد الوزارات إلى الحد الأدنى (10-15 وزارة فقط) وذلك للمحافظة على تماسك أعضاء الحكومة وتسهيل أدائها،

3- وخلال فترة الطوارئ، يجب مراقبة الإعلام وعدم السماح لأي كان في تمجيد العنف والإساءة للأمن الوطني والترويج للطائفية والعنصرية تحت غطاء حرية التعبير والشفافية!!،

4- حل المليشيات بالوسائل السلمية أولاً، وبالقوة إذا اقتضت الضرورة، وإيجاد عمل لأفرادها، ولكن في جميع الأحوال عدم دمجها بالقوات المسلحة، وإلا ستواصل هذه المليشيات التخريب من خلال القوات الحكومية، كما يجري الآن، إذ نرى بين حين وآخر هجوم عدد كبير من المسلحين وبزي الشرطة على مؤسسة حكومية وخطف عدد من الناس. وفي رأيي أن الخاطفين هم فعلاً شرطة حكومية تابعة للمليشيات الحزبية، تنفذ أوامر قادة أحزابها بدلاً من تنفيذ أوامر الحكومة.

5- اعتماد الحزم في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة والبحث عن المجرمين وأوكارهم ومخابئ أسلحتهم، والإسراع في محاكمة المعتقلين منهم وتنفيذ حكم الإعدام بحق من يستحقها وفق القانون، ليس بدافع الانتقام، بل بدافع الردع وتحقيق العدالة لضحايا الإرهاب،

6- وعند النجاح في دحر الإرهاب والجريمة المنظمة، يجب الإسراع في تنفيذ مشاريع إعمار العراق للقضاء على البطالة التي هي مصدر رفد الإرهاب والجريمة المنظمة.

7- غلق الحدود، وفضح الدول المشاركة في دعم الإرهاب في العراق وتقديم شكاوى ضدهم إلى الأمم المتحدة لمحاسبتها.