د. عبدالخالق حسين
الجمعة 14/ 11/ 2008
حول ترشيح المالكي لجائزة نوبلد. عبدالخالق حسين
بدءً، أود التوضيح أني لست من الذين ينتقدون الحكومة من أجل النقد لذاته، فهذا خطأ ومضر بالمصلحة الوطنية، وإنما من الذين يتمنون لأية حكومة عراقية مخلصة كل النجاح والتوفيق فيما يخدم الشعب العراقي. ومن هذا المنطلق وقفت مدافعاً عن كل حكومة جديدة في عراق ما بعد صدام، لكي نعطيها الفرصة والوقت الكافي لتكشف عن قدرتها ونواياها في خدمة المصلحة العامة. ونفس الموقف تبنيته من حكومة السيد المالكي، ومازلت ناصحاً بما أراه مفيداً، مشجعاً للإيجابيات، وناقداً للسلبيات، لأن من واجب المثقف توجيه النقد للمسؤولين في حالة وقوعهم في الخطأ، إذ لا تستقيم الأمور إلا بالنقد البناء، وكما قال ماركس: "النقد أساس التقدم"
مناسبة هذه المقدمة ما تناقلته وكالات الأنباء أن "الأمانة العامة لمجلس الوزراء رشحت السيد نوري كامل المالكي لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2009 لدوره في إقرار الأمن والسلام في العراق." (1)
سواء كانت فكرة الترشيح في الأصل مرغوبة لدى السيد المالكي أو أنه وقع في فخ منافق من مساعديه وجذبه الإغراء لهذه الجائزة، إلا إني أعتقد أن هذا الترشيح غير موفق، لأنه يعرض المالكي إلى الإحراج، ويجعله مادة للتندر من قبل خصومه. وربما هناك من بدأ هذه المبادرة، لا حباً بالمالكي، بل أملاً في نيل الحظوة لديه، كما ولا أعتقد أن السيد المالكي بحاجة إلى هذا التملق والنفاق من ذلك الشخص.
من المؤسف القول إن المبالغة في كيل المديح والثناء للحكام هي حالة مرضية مزمنة في العراق، فقد حصلت في مدح شهيد الوطنية العراقية الزعيم عبدالكريم قاسم عندما أدعى أحد الضباط أنه رأى صورته في القمر... الخ، ولا أعتقد أن الزعيم قد كلفهم بشيء من هذا القبيل.
ولعل نصيب صدام حسين في المديح والثناء والتأليه من قبل المنافقين قد بلغ رقماً قياسياً، وعلى سبيل المثال، نذكر مقطعاً من قصيدة شفيق الكمالي يؤله بها صدام قائلاً:
تبارك وجهك القدسي فينا كوجه الله ينضح بالجلال
رأيت الله في عينيك والعربا ... الخ
ويقول في قصيدة أخرى بعنوان ( لولاكَ):
لولاك ما طلع القمر
لولاك ما هطل المطر
لولاك ما اخضر الشجر
لولاك أيضاً ما رأى أحد ولا عرف النظر
لولاك ما كان العراقيون معدودين في جنس البشر
بل لم يكونوا في الخلائق
أو لكانوا دون سمع أو بصر إنا لنحمد حظنا
إذ كنت حصتنا وجاء بك القدر.
وفي فترة رئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري لمجلس الوزراء، نشر أحد أتباعه مقالة على مواقع الانترنت بعنوان: (الجعفري مع الحق والحق مع الجعفري.. يدور الحق حيث يدور الجعفري!!) امتدح بها الجعفري بشكل رخيص وفج، فجعله منافساً في طلعته البهية حتى أشعة الشمس، إذ جاء فيها: ((يحتار المرء أحيانا في محاولته لوصف حالة ما أو التعريف بشخصية ما أو تقييم أمر يرى فيه خصال الجمال والكمال ساطعة كسطوع الشمس تثقب الأبصار، عندها لا القلم يكتب ولا الشفة تنبس والعجز يصبح سيد الموقف. وسبب حيرة المرء هو عندما يريد أن يلقي الضوء على شيء ما أو شخصية ما شمسها ونورها أسطع من ضوءه فكيف يا ترى سينيرها والى أي مدى سيكشفها؟.. أليس ضوءه الباهت سيرتد عليه خاسئا وهو حسير؟؟.. وفي عالم الوصف وسماء التعريف بماذا توصف وكيف تقيّم وماذا تنير حين تكون الشمس بازغة مهيمنة حاضرة في كبد السماء، عندها لا يكون للوصف غير الانكفاء والأفول والقصور والضمور..). ويواصل الكاتب قوله لا فظ فوه: (وعجزنا في وصف حبيبنا وسيدنا الجعفري إبراهيم يتزايد يوما بعد يوم كلما أبرز هذا الكريم سجاياه الحميدة وخصاله الكريمة وأخلاقه الرفيعة.. فهذه الشخصية الفذة سحرت قلوب المحبين لهفا.. وأرغمت قلوب الكارهين رغما، فأجبرتها على احترامها والتبجيل لها والخضوع أمامها.. فالحديث عن الجعفري إبراهيم ليس بالأمر الهيّن.. فقد أثبت هذا الإنسان إنه خير مثال للإنسانية وخير نموذج لكي تكون عليه البشرية..)) ويختتم مقاله بالقول: (.. ذاك هو الجعفري إبراهيم.. أسد العراق الغالب.. سليل بيت علي ابن أبي طالب). أنتهى.
احتفظت بالمقال في حاسوبي، كما واحتفظت برابطه أيضاً، ولكن مع الأسف لم يعد فاعلاً. على أي حال، أضطرني الكاتب أن أرد عليه في مقال بعنوان (دور المنافقين في صنع المستبدين) (2) قلت فيه أن هذا المقال ليس مدحاً للجعفري بل ذماً وإحراجاً له، لأنه كما تقول الحكمة (من مدحك بما ليس فيك فقد ذمك) ولا أعتقد أن الجعفري كان يقبل بهذا الإسفاف الرخيص.
ويتكرر اليوم نفس النفاق والتزلف والمداهنة مع السيد المالكي ولكن بطريقة أخرى، أي أن يقوم أحد موظفي مكتبه بترشيحه لجائزة نوبل للسلام. فالمعروف أن يتم الترشيح من قبل جهات أجنبية ومحايدة لشخصيات حققت إنجازات في خدمة الإنسانية في مجال تحقيق السلام، لا تقبل الجدل. أما وأن يأتي هذا الترشيح من مكتب رئاسة الوزراء فهذا أمر مضحك.
بطبيعة الحال، أتمنى من كل قلبي أن ينجح السيد المالكي في تحقيق الأمن والسلام في ربوع العراق ويعيد الحياة الطبيعية إلى العراقيين، عندئذ سأكون من الأوائل الذين يرشحونه لجائزة نوبل وغيرها من الجوائز. كذلك لا نريد أن نقلل من المصاعب الجسيمة التي يواجهها المالكي، أو أي مسؤول في الحكومة في مواجهة الإرهاب البعثي-القاعدي، المدعوم من قبل إيران وسوريا، ولكن لماذا العجلة في الترشيح قبل الأوان؟ فهل حقاً نجح المالكي وحكومته في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في العراق لكي يتم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام؟ فالأمن مازال مفقوداً، (أدناه رابط لتقرير حديث من مراسل بي بي سي عن الوضع الأمني في العراق مثير للقلق)(3)، والمصالحة الوطنية لم تتم بعد، والقتل بالعشرات صار مظهر يومي مألوف، والتفجيرات على قدم وساق، ومازال كل عراقي عبارة عن مشروع قتل في أية لحظة، والمليشيات الحزبية هي المتسلطة على رقاب المواطنين العزل، والخدمات في جميع المجالات شبه مفقودة، والشوارع طافحة بمياه الصرف الصحي، بل وعادت بعض الأمراض مثل الكوليرا وغيرها لتصبح متوطنة ثانية، ومازال هناك أكثر من مليونين من العراقيين لاجئين في سوريا والأردن، ومليونين مهجرين داخل العراق بسبب التطهير الطائفي المخزي، والمجازر ضد الأقليات الدينية صارت من الممارسات اليومية، وليس آخرها المجزرة التي ارتكبت ضد المسيحيين العزل في الموصل، حيث يجول ويصول الإرهابيون في شوارع المدينة بكل حرية على مرأى ومسمع الحكومة وقواتها المسلحة ينذرون المسيحيين بمكبرات الصوت، إما أن يتحولوا إلى مسلمين، أو يغادروا العراق بالجملة وترك جميع ممتلكاتهم كغنائم للمسلمين، أو يعرضوا أنفسهم إلى القتل ونساءهم وأطفاله للسبي. هذه المآسي مازالت سيدة الموقف في العراق، فأين الأمن والسلام الذي حققهما السيد المالكي لكي ترشحه أمانة مجلس وزرائه لجائزة نوبل؟
كذلك لاحظنا مع الأسف الشديد، أن السيد المالكي، وبدلاً من أن يصغي إلى نصائح المثقفين العراقيين، راح يستمع إلى نصائح ضارة بمصلحة الشعب والوطن الصادرة من قبل المتملقين له والمحيطين به، كما في حالة إصداره قرار غلق النوادي الليلية، وعزمه الآن على تشكيل ما يدعى بـ "مجالس إسناد العشائر" والتي هي عبارة عن مليشيات عشائرية مسلحة، سيكون دورها ليس أكثر من دور الطفيليات على ميزانية الدولة مقابل لا شيء، وهي مشروع لإحياء القبلية والعشائرية لتكريس التخلف ووضع العقبات أمام التقدم الحضاري، وقد حذرنا من عواقب إحياء العشائرية في مقال سابق لنا بعنوان (العشائر والدولة)، ولكن يبدو أن ما نقوله يقع على أذن صماء. وأرى من واجبي أن أحذر السيد المالكي، وكما أخبرنا التاريخ، أن جميع الحكام الذين أصغوا للمتملقين من حولهم، ولم يقبلوا النقد البناء من العقلاء، قد خسروا. لا شك فإن هذه المليشيات العشائرية ستنقلب يوماً على الحكومة نفسها لتكون حكومة داخل حكومة يصعب التخلص منها. نلاحظ الآن أن الحكومة تبذل المزيد من التضحيات للتخلص من المليشيات. فما الحكمة إذن أن تتخلص الدولة من مليشيات حزبية لتحل محلها مليشيات عشائرية لا تقل ضرراً عن سابقتها؟ فهل هذا المشروع هو الآخر من دواعي ترشيح المالكي لجائزة نوبل؟
ولهذه الأسباب مجتمعة، أنصح السيد المالكي بطرد ذلك المنافق الذي بادر بترشيحه لجائزة نوبل، والذي صار الخبر عبارة عن نكتة سوداء يتبادلها خصوم المالكي في التندر عليه. وكما علق أحد الأصدقاء أنه حتى لو نجح المالكي في المستقبل في تحقيق الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي في العراق، فإن هذا الترشيح النكتة قد أنهى كل أمل له في ترشيحه في المستقبل حتى عندما يستحقه فعلاً.
يقال أن جاء أحد المنافقين إلى الإمام علي وراح يغالي في مدحه، وبعد أن انتهى الرجل، أجابه الإمام قائلاً: (أنا دون ما قلت وفوق ما في نفسك). أرجو من السيد المالكي أن يستفيد من حكمة الإمام.
هوامش
1- الأمانة العامة لمجلس الوزراء تُرشح المالكي لنيل جائزة نوبل للسلام
http://www.sotaliraq.com/iraqnews.php?id=29793
2- دور المنافقين في صنع المستبدين
http://www.sotaliraq.com/abdulkhaliqhussein.php?id=268
3- آخر تقرير لبي بي سي عن الوضع الأمني في العراق:
Viewpoint: Bad case of Baghdadophobia
http://news. bbc.co.uk/ 1/hi/world/ middle_east/ 7706872.stm