د. عبدالخالق حسين
الأحد 13 / 1 / 2008
هوس العرب بالسيفد.عبدالخالق حسين
ليس هناك شعب مهووس بالسيف مثل الشعوب العربية وقادتها السياسيين وحتى في أوساط بعض المثقفين. فالسيف هو أداة قتل وقطع الرقاب، وبه يتم تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق المحكوم عليه بالفناء في السعودية وفي باكستان في عهد الجنرال ضياء الحق، وربما لحد الآن، وكذلك هي الطريقة المفضلة عند الإرهابيين الإسلاميين في ذبح خصومهم الأبرياء كما تذبح الشاة مع صيحات الله أكبر وأمام الكاميرات التلفزيونية التي تبثها قناة الجزيرة عادة ذات الشعبية الواسعة عند المشاهدين العرب، باعتبارها طريقة إسلامية.
ومنظر السيف بشع ومقزز يثير الرعب والاشمئزاز في نفوس البشر المسالمين الطبيعيين وليس الساديين، لأنه يذكر بقطع الرقاب، وقطع الرقاب عملية وحشية بشعة، سواء كان قطع رقاب البشر أو الحيوانات الأخرى، بل وحتى قطع الشجر صار اليوم جريمة. ولكن رغم كل هذه البشاعة، فالسيف عند العرب والمسلمين يمثل رمز العروبة والإسلام، وتراه يمثل قيمة جمالية مع الأسف الشديد في معظم الأدبيات العربية والإسلامية. (فالسيف أصدق أنباءً من الكتب!!).
ولهذه الظاهرة طبعاً جذورها التاريخية الضاربة في عمق التراث البدوي العربي. فالبدو كانوا ولحد وقت قريب يكسبون عيشهم عن طريق الغزو. وهذه الطريقة فرضتها عليهم ظروف الصحراء القاحلة، وهي جزء من عملية الصراع من أجل البقاء. فأما أن يكسب البدوي عيشه بحد السيف أو يموت جوعاً. وهذا ينسجم مع المبادئ الداروينية evolutionism (الصراع على المصادر الحيوية في الطبيعة، والاختيار الطبيعي، والبقاء للأصلح). ولكن بمرور الزمن وحتى عندما يختفي السبب الأساسي لظاهرة ما في المجتمع البشري، فالظاهرة تبقى رغم انتفاء الحاجة إليها، لأن في هذه الحالة تبقى الظاهرة (السيف) مكرساً في العقل الجمعي والثقافة الموروثة (culture). فأصبح السيف اسماً شاعرياً يطلقه الآباء على أبنائهم كرمز للرجولة والبطولة، وهو دليل على أن العرب والمسلمين يقدسون ثقافة العنف في التعامل فيما بينهم وخاصة مع المختلف، كجزء من الموروث الاجتماعي.
وقد جاء الإسلام، المفترض به أنه خفف من رعونة وقسوة البدو والأعراب الذين وصفهم القرآن بأنهم (أشد كفراً ونفاقاً) وعمل على تهذيب طباعهم الخشنة، إلا إنه في الحقيقة أضفى القداسة على بعض الظواهر والعادات البدوية الجاهلية مثل: ظاهرة تمجيد السيف والغزو والعنف في كسب العيش والتعامل مع الآخر، إذ هناك أقوال منسوبة للنبي محمد تخدم هذا الغرض، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر الأحاديث التالية: "الجنة تحت ظلال السيوف" وقوله: "جعل الله رزقي تحت حدّ سيفي!" وقوله: "من لم يغزو ولم يفكر بغزوة مات ميتة جاهلية..". فماذا نتوقع من شاب وهابي فارغ فكرياً، يزقه خطباء المساجد بهذه الأقوال في خطب الجمعة؟
وقد جئنا على تقديس العرب والمسلمين لظاهرة العنف في مقالات سابقة لنا، خاصة بمناسبة تصريحات البابا بنديكيت السادس عشر عندما أكد أنه من الأفضل نشر الدين عن طريق العقل والمنطق والإقناع وليس عن طريق السيف. فهاج وماج العرب والمسلمون في كل مكان على هذا التصريح من الحبر الأعظم، بمن فيهم شيخ الأزهر الذي قرر قطع الحوار مع الفاتكان بسبب ذلك التصريح.
ولكن رغم استنكار قادة ومثقفي العرب لتصريحات الحبر الأعظم، إلا إنهم ينسون ذلك ويقومون في مناسبات خاصة بتقديم الأدلة القاطعة على دور السيف في ثقافتهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر ما يلي:
أولاً، عندما قام العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بزيارة للبابا بنديكت في الفاتيكان أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام المنصرم، كانت هديته الرمزية للبابا السيف العربي. ألا يذكر هذا بصحة ما قاله البابا وما يكنه العقل الغربي عن أفضلية السيف عند المسلمين على العقل؟ وقد دفع سلوك الملك هذا المفكر المصر الأستاذ طارق حجي لنشر مقال قيم له بعنوان (الملك والسيف) جاء فيه: " أوجع قلبي وعقلي وضميري أن أرى ملكَ السعوديةِ يقدم لبابا الڤاتيكان سيفاً. فما كان أشد حاجتنا لأن نبعد أنفسَنا عن السيوفِ ونبعد إسمَ الإسلامِ والمسلمين ورموزهما عن السيفِ كشكلٍ وكفكرةٍ وكدلالةٍ. "
ثانياً، عندما أطلق سراح المناضل نيلسون ماندلا من السجن أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، أقيم له احتفال عالمي مهيب في جوهانسبورغ، دعي إليه قادة العالم. وكان ماندلا يدعو إلى السلام والتآخي ونبذ العنف والعنصرية بين أبناء شعبه كحل حضاري لمشكلة التمييز العنصري الذي عانى منه شعب جنوب أفريقيا. فقدم القادة بهذه المناسبة هدايا رمزية تذكارية للمحتفى به، وأكثرها كانت رموزاً ثقافية تدعو للتفاهم والتقارب والمحبة بين الشعوب. ثم جاء دور الراحل ياسر عرفات، فماذا كانت هديته الرمزية للمحبة والسلام؟ طبعاً السيف العربي!! وهنا ركز مراسل تلفزيون الـ (بي بي سي) كاميرته على هذه الهدية ومنديلا يحمل السيف بيديه متأملاً بدهشة واستغراب شديدين لا يدري ماذا يقول. فقال المعلق: لا شك أن منديلا يقول: أنا رجل سلام، فماذا سأفعل بهذا السيف؟
ثالثاً، في زيارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلى البحرين يوم 12/1/2008، كانت هدية العاهل البحريني للضيف هي السيف العربي بدلاً من باقة ورد. ونحن نعرف أن الغرض الأساسي من زيارة بوش إلى المنطقة هو العمل على نشر الأمن والاستقرار والدعوة إلى دعم الحرية وحركة الديمقراطية، ونبذ العنف.
بوش يحمل سيفا من الذهب قبل مشاركته في رقصة العرضة أثناء مراسم استقبال الملك حمد بن عيسى لهرابعاً، ذكرنا سابقاً عن وضع السيف في العلم السعودي وشعار حزب الأخوان المسلمين في مقالين سابقين لنا.
ما العمل؟
إذا كان السيف شرطاً ضرورياً من شروط البقاء في حياة البدو في الصحراء في الماضي الغابر، فقد أصبح اليوم رمزاً للعنف والتخلف وسبباً للفناء لا للبقاء. فقد أثبت العلم أن بقاء الفرد والشعب والنوع (species) يعتمد كلياً على قدرة هذه الكائنات على التكيف (adaptation) مع الظروف المستجدة، وإلا فمصيرها الفناء، لأن البقاء للأصلح. وفي ظروف العولمة المستجدة حيث السباق على كسب العلم والمعرفة، والتعايش السلمي والتقارب بين الشعوب، ونبذ العنف، فالمطلوب بأولي الأمر في الدول العربية والإسلامية العمل الجاد على إعطاء الأولوية للعقل وليس للسيف الذي يجب التخلص منه لأنه يمثل رمز التخلف والعنف وليس رمزاً يقدم كهدايا لقادة العالم المتحضر. لذا فالمكان الوحيد للسيف هو المتحف.