| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

 

الأحد 11 /2/ 2007

 




الإرهاب والوضع الراهن في العراق *

 

د. عبدالخالق حسين

مقدمة
لا شك أن موضوع الإرهاب في العراق هو موضوع شائك ومعقد ومثير للجدل وليس عليه إجماع في أسبابه وتداعياته ودوافعه ....الخ. كما ليس هناك إجماع على تعريف الإرهاب ويقال أن حتى الأمم المتحدة لم تتوصل بعد إلى تعريف يرضي الجميع. ولكن بدون الدخول في التفاصيل أو جدل بيزنطي، أنقل تعريفاً مبسطاً وبشكل موجز ومكثف: الإرهاب هو استخدام العنف من قبل جماعة مسلحة تقوم بالقتل العشوائي ضد السكان المدنيين لإلحاق أكبر ما يمكن من قتل ودمار من أجل نشر سيكولوجية الرعب لتحقيق أغراض سياسية.

نبذة عن تاريخ الإرهاب في العراق؟
من متابعتي للتاريخ السياسي العراقي الحديث وعلى قدر ما يتعلق الأمر بالإرهاب، توصلت إلى نتيجة مفادها أن الإرهاب في العراق له ارتباط وثيق بحزب البعث، إلى درجة أستطيع معها القول: (أن الإرهاب وحزب البعث وجهان لعملة واحدة). وهنا أود التأكيد على أني لا أريد الإساءة إلى أي عراقي انتمى إلى حزب البعث بدوافع وطنية وقومية نزيهة، إذ هناك كثيرون انتموا إلى هذا الحزب بمقاصد شريفة وبتأثير شعاراته الخلابة والجذابة المعلنة، ولكنهم تخلوا عنه بعد أن اكتشفوا المقاصد الحقيقية له فانسحبوا منه وكتبوا عنه وفضحوه على حقيقته الشريرة. كذلك انتمى للبعث في العراق نحو مليوني إنسان بعد اغتصابه السلطة للمرة الثانية عام 1968، وذلك بدوافع انتهازية أو طلباً للسلامة.

لقد اعتمد حزب البعث منذ تأسيسه، على العنف لتحقيق أغراضه السياسية. وهذا مرتبط بسيكولوجية مؤسسه ميشيل عفلق، المعادية للديموقراطية. وسبب هذه العقدة النفسية هو أنه رشح نفسه عدة مرات للانتخابات البرلمانية في سوريا في الأربعينات من القرن المنصرم وفشل فيها جميعاً، لذلك ناصب الديمقراطية العداء واعتبرها خدعة استعمارية غربية، وتبنى عقلية التآمر والعنف والانقلابات العسكرية للوصول إلى السلطة بدلاً من صناديق الاقتراع. واتبع حزب البعث هذه السياسة في جميع مراحل تاريخه، سواء في العراق أو في سوريا. نعم أنا اعتقد أن الإرهاب مرتبط بحزب البعث منذ أن سمعنا باسم هذا الحزب. وبالنسبة لي، فلأول مرة سمعت بحزب البعث كان بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة حيث كنت تلميذاً في السنة الأولى من الدراسة المتوسطة، وكان هذا الحزب ضمن تحالف القوى الوطنية الذي تأسس قبل الثورة وفي عام 1956 تحديداً باسم: (جبهة الاتحاد الوطني). ولكن بعد الثورة انقلب البعث عليها (الثورة) وعلى الجبهة الوطنية ورفع مع بقية فصائل التيار القومي شعار (الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة) والذي لم يكن ضمن أهداف الثورة. وحاول الحزب فرض هذا الشعار على الشعب العراقي وقواه الوطنية بوسائل العنف والقوة وإرعاب الخصوم السياسيين عن طريق الأشقيائية والبلطجية من المجرمين العاديين الذين ضمهم إلى صفوفه لهذا الغرض. إذ قرأنا لكتاب بعثيين سابقين، أن قيادة الحزب أمر أعضاءه المعتقلين في عهد ثورة 14 تموز بتنظيم السجناء المجرمين العاديين وضمهم إلى صفوف الحزب لاستخدامهم للمصادمات مع الخصوم. وحقق الحزب نجاحاً كبيراً في هذا المجال، فقامت عصابات البعث في عهد الثورة بزعزعة الأمن وفرض الإضرابات على طلبة وأساتذة الجامعات والمعاهد والمدارس بالقوة، إضافة إلى القيام بعمليات الاغتيال السياسي ضد الخصوم السياسيين لإرباك قيادة الثورة وإلهائها عن إنجاز مهماتها الثورية.

فقد دشن الحزب إرهابه هذا بمحاولة اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم قائد الثورة ورئيس الحكومة عام 1959، ومن ثم قام بعمليات مماثلة ضد اليساريين، وكان من ضحايا هذه الاغتيالات الشهيد عزيز أبو التمن، نجل الزعيم الوطني المرحوم جعفر أبو التمن، لانتمائه إلى الحزب الشيوعي العراقي. كما وتصاعدت موجة الاغتيالات على يد عصابات البعث في الموصل بعد مؤامرة الشواف، حيث يقدر البعض عدد الضحايا في الموصل وحدها في حدود 800 مواطن، إضافة إلى تشريد الألوف من العائلات الموصلية. كما وحصلت عمليات مماثلة وبدرجات متفاوتة، في معظم المدن العراقية وخاصة في بغداد.

إرهاب البعث وهو في السلطة
أما عند تسلمه الحكم بعد انقلاب 8 شباط 1963 فقد تبنى حزب البعث إرهاب السلطة ضد الشعب وتم قتل نحو 20 ألف من خيرة المواطنين العراقيين من الديمقراطيين واليساريين. وحوَّل ساحات الملاعب الرياضية والشوارع وقاعات الأندية إلى معتقلات، لأن السجون والمعتقلات امتلأت ولم تكف لاستيعاب الألوف من الذين تم اعتقلاهم.

وبعد اغتصابهم السلطة للمرة الثانية عام 1968، فقد أحالوا العراق إلى أكبر سجن وأكبر مقبرة جماعية لضحايا إرهابهم بعد أن استفادوا من تجربة عام 1963 الفاشلة عندما انقلب عليهم حليفهم عبدالسلام محمد عارف، فقرروا في هذه المرة الحفاظ على السلطة بأسنانهم وأظافرهم وبأي ثمن كان.

إذ كما قال الدكتور جواد هاشم، وزير التخطيط في أوائل السبعينات، أن في أحد اجتماعات مجلس الوزراء فاجأهم صدام حسين بالقول أن تجربة عام 1963 سوف لن تتكرر، وحزب البعث جاء إلى السلطة هذه المرة ليحكم ليس لثلاثين سنة بل لـ300 سنة. وهذا لا يتم إلا بتخصيص ميزانية قوية لمالية الحزب. فتم إصدار قرار وزاري في ذلك الاجتماع، بتأميم حصة كولبنكيان الـ 5% من النفط وتخصيصه إلى مالية الحزب. وحسب تقديرات الدكتور جواد هاشم، بلغ هذا المبلغ مع أرباحه المتراكمة حوالي 40 مليار دولار لحد عام 1990. طبعاً هذا المبلغ الضخم مستثمر في مئات الشركات الاستثمارية وتحت أسماء غير معروفة (nominees) موزعة في 24 دولة حسب أحد التقارير. والله يعلم كم بلغ بعد 17 عاماً من ذلك التاريخ، و في تقديري لا يقل عن 60 مليار دولار. ولهذا السبب نرى لحزب البعث كل هذا التأثير الكبير على شراء الذمم، والنفوذ الواسع في العالم.

تشكيل المنظمات السرية
إضافة إلى ما تقدم، فقد اتخذ صدام حسين ومنذ ذلك الوقت وبما عرف عنه من نبوغ وعبقرية في الإجرام وشخصيته السايكوباثية المريضة، اتخذ الاستعدادات الكاملة في تشكيل المنظمات السرية الإرهابية، وحتى تشكيل حكومة سرية مصغرة ورشيقة قابلة على التحرك السريع عند الضرورة لهذا الغرض. فهناك تقارير واعترافات من بعض البعثيين تفيد أن صدام حسين قد أعد كافة الاستعدادات الاحتياطية واتخذ الإجراءات الاحترازية للحالات الطارئة فيما لو فقد الحزب السلطة، وحتى كانوا يجرون تمارين ومناورات على الأعمال الإرهابية داخل المدن إثناء حكمهم بحجة التدريب على عمليات الدفاع المدني وغيرها تحسباً لمثل هذه الحالات.

إرهاب البعث بعد 9 نيسان 2003 وقرار حل الجيش العراقي
إن حل الجيش العراقي، وإنْ أعلن بقرار أمريكي، إلا إنه كان مطابقاً لقرار مسبق كان قد اتخذه صدام حسين قبل سقوط نظامه. فكما جاء في تصريحات بعض البعثيين القياديين، فقد تداول صدام مع كبار مساعديه وأخبرهم أنه في حالة نشوب الحرب مع الأمريكان ليس بإمكان الجيش محاربة القوات الأمريكية، وعليه يجب اختفاء الجيش عن الأنظار للحفاظ عليه وعلى عتاده، ولخوض حرب العصابات مع القوات المحتلة بدلاً من الحرب الكلاسيكية. ولذلك عندما احتل الأمريكان العراق وجدوا جميع المعسكرات فارغة ومنهوبة، واختفى الجيش عن الأنظار. ولاشك أن جميع الأعتدة والذخيرة مخزونة في مخازن سرية تحت سيطرة فلول البعث لهذا الغرض منذ ذلك الوقت. والمعروف أن بول بريمر، الحاكم المدني لقوات التحالف في العراق فقد استلم الإدارة في 3 مايس/أيار 2003، أي بعد نحو شهرين من سقوط النظام الفاشي، وطيلة هذه الفترة لم يكن للجيش أي وجود. لذا فقرار بريمر بحل الجيش كان عبارة عن توقيع شهادة وفاة ليس غير.

لذلك، فرغم ما تلقاه هذا الحزب من ضربات ماحقة لتنظيماته إلا إني اعتقد جازماً أن معظم أجهزته الأمنية والإستخباراتية والعسكرية والحزبية بقيت محافظة على تشكيلاتها وممتلكاتها، وحتى الألوف من الأبنية السرية في طول البلاد وعرضها التي هيئوها لهذا الغرض بقيت بحوزتهم لتسهيل عملياتهم الإرهابية. كما علمت من أحد ضحايا الاختطاف أطلق سراحه بعد دفع فدية، أن الخاطفين كانوا يتحققون معه بمنتهى الحرفية الاستخباراتية والغرفة كانت بلا نوافذ ومخصصة لهذا الغرض.

التكنولوجية في خدمة الإرهاب
عامل آخر ساعد البعثيين على توسيع إرهابهم تضخيم تأثيره قياساً إلى عددهم هو التكنولوجيا المتطورة، فعندهم الخبرة وآلاف الأطنان من المتفجرات والعبوات الناسفة والأسلحة والذخيرة التي نهبوها من مستودعات الجيش، إضافة إلى امتلاكهم لمعامل سرية لصناعة هذه المتفجرات وقدرتهم على سرقة سيارات الناس وتفخيخها واستخدامها للقتل والدمار. كذلك التلفونات النقالة التي يستعملونها كريموت كونترول لتفجير هذه العبوات التي يزرعونها في الطرق والمفخخات في الأسواق والأماكن المزدحمة من على بعد.

قدرة حزب البعث على المناورة والخداع
يجب أن لا نستهين بقدرة حزب البعث على المناورات السياسية الماكيافيلية وتفوقه في الخبث والدهاء والتكتيك منذ تأسيسه وإلى الآن. فهذا الحزب استطاع توظيف المخزون الثقافي العربي –الإسلامي من التقاليد والأعراف والتراث الديني والاجتماعي والسياسي لأغراضه، بل وحتى الصراعات والتناقضات بين الشرائح والطبقات الاجتماعية والقوى السياسية، حيث استطاع توظيفها لخدمة أغراضه، وذلك بإتباع سياسة ( فرق تسد) وإقامة التحالفات الحزبية مع هذا الحزب على حساب الآخر، وحسب ما تمليه الضرورة. إذ يتحالف البعثيون مع مختلف القوى السياسية عندما يكونوا في حالة الضعف ويحتاجون إلى حليف لتسخيره لأغراضهم عند الحاجة ضد عدو. فقد تحالفوا مع القوى الكردية ومع الشيوعيين ومع القوميين العرب، ثم تنكروا لحلفاء الأمس وانقلبوا عليهم وضربوهم في الصميم. واليوم وبعد أن خسروا السلطة لجأوا إلى التحالف مع أشد القوى ظلامية ورجعية مثل منظمة القاعدة. كما لم يتردد البعث في عقد تحالفات مع أعداء الأمس مثل إيران وسوريا مستفيدين من تعقيدات الوضع وخوف هذين النظامين من أمريكا وعدائهما المستفحل ضد دمقرطة العراق. وهكذا استفاد البعثيون من هذه الأوضاع والجهات المتناقضة وتوظيفها في إرهابهم ضد الشعب العراقي، والقاسم المشترك الذي يجمع جميع هؤلاء هو إفشال العملية السياسية الديمقراطية في العراق.

تهيئة الأرضية العراقية للإرهاب
لقد مهد حكم البعث خلال 35 سنة من حكمه الجائر بتدمير العقلية واعتماد سياسة تجهيل وتفتيت المجتمع العراقي وتحضير البيئة الاجتماعية لهذا الغرض. فقد تعرض الشعب العراقي إلى أبشع أنواع القهر والحروب والحرمان والفقر والاستلاب نتيجة الحروب والحصار والظلم والقمع والتجهيل المتعمد، بحيث فقد الإنسان العراقي إيمانه بنفسه وولاءه بالوطن والشعب، وصار مستعداً ليلقي بنفسه في خدمة أية جهة تقوده إلى الهاوية وتقبل أي فكرة خرافية. واليوم وبعد أن فقدوا السلطة، لن يتورع البعثيون تبني السياسة الشمشونية وذلك بهدم المعبد على رؤوسهم وعلى الآخرين وفق مبدأ (فليكن من بعدي الطوفان، وعليَّ وعلى أعدائي يا رب) وهم يعملون لتحقيق ما وعد به سيدهم المقبور صدام حسين أن "الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه خرائب بلا بشر."

هل الإرهاب طائفي؟
لقد حقق البعثيون نجاحاً كبيراً في  إضفاء صبغة الطائفية على إرهابهم بمثل ما نجحوا في توظيف الظروف الراهنة من المحاصصة الطائفية في خدع السنة العرب أن صدام حسين كان هو البطل القومي والرمز السني العربي وأن البعثيين يحاربون الاحتلال الأجنبي وعملاءهم الحكومة الشيعية (كذا) باسم السنة العرب ويدافعون عن حقوقهم. إذ لم يصدر الإرهابيون البعثيون أي بيان عن عملياتهم باسم حزبهم بل
انتحلوا أسماء إسلامية عديدة لعصاباتهم، ويصدرون بياناتهم بأسمائها وباسم جماعة القاعدة وغيرها. يقول مفكر إنكليزي أن الإرهابيين لا يعتمدون فقط على ما تنتجه أفعالهم من أضرار، بل وعلى الأضرار التي تنتج من ردود الأفعال لإرهابهم. وعندما فشل البعثيون في إثارة الفتنة الطائفية لجأوا إلى تفجير ضريحي الإمامين الشيعيين في سامراء. فهذه الجريمة هي بعثية بامتياز الغاية منها إثارة الشيعة ضد السنة. ومن المؤسف القول أنهم نجحوا لحد ما في هذا الصدد، فقد حصلت ردود أفعال بشعة من قبل مليشيات شيعية طائفية مدعمة من إيران لهذا الغرض، فراحت هي الأخرى ترتكب الإرهاب ضد السنة، إضافة إلى الدعم الذي تلقوه ومازالوا من الدعم الإعلامي من قبل الفضائيات العربية التي تنفخ في البوق الطائفي وتواصل الضرب على الطنبور بغية إشعال حرب طائفية لا تبقي ولا تذر. (سأوضح هذا الأمر بشكل مفصل في مقال لاحق بعنوان: الاقتتال في العراق ليس طائفياً).

خلاصة القول:
أعتقد جازماً أن (البعث والإرهاب وجهان لعملة واحدة.) وأن البعثيين نجحوا الآن كما في الماضي، في توظيف الموروث الاجتماعي العراقي والعربي والإسلامي والتناقضات الداخلية والخارجية والعوامل الدولية لصالحهم، حيث بدؤوا إرهابهم تحت واجهة طائفية لأغراض سياسية، ونجحوا في جر الضحايا من الشيعة لردود أفعال طائفية ضد السنة العرب، فتشكلت مليشيات شيعية وسنية تتلقى الدعم من إيران وسوريا ومن دول الجوار التي استغلت هذا الصراع واتخذت من العراق ساحة لتصفية حساباتها مع أمريكا على الأرض العراقية وبدماء أبناء الشعب العراقي. إيران بحجة الدفاع عن الشيعة، والدول الجوار الأخرى تدعم الإرهاب بحجة الدفاع عن العرب السنة ومقاومة المحتل، بينما القوات الأمريكية معسكرة في بلدانهم. إن الغرض الأساسي لجميع هذه الدول والفرقاء المتحالفة في الإرهاب، ورغم تباكيها الكاذب على الشعب العراقي، هو تدمير العراق وإفشال العملية السياسية الجارية، انتقاماً من هذا الشعب وبغضاً لأمريكا. فالشعب العراق عانى ويعاني من هذا البلاء بشكل مضاعف، عاناه في عهد حكم البعث ويعانيه الآن بعد حكم البعث لكي لا تقوم له قائمة. ولكننا نؤمن بحكم التاريخ ومساره التقدمي، ففي نهاية المطاف، لا يصح إلا الصحيح.


* ألقيت هذه المداخلة في الندوة السياسية التي نظمتها لجنة تنسيق التيار الديمقراطي العراقي في لندن مساء السبت 3/2/2007، كما أعاد الكاتب إلقاءها في ندوة البالتوك (غرفة البرلمان العراقي) مساء الخميس 8 شباط 2007.