د. عبدالخالق حسين
السبت 11 / 8 / 2007
ما الحل لأزمة حكومة المالكي؟
د. عبدالخالق حسين
تمر حكومة السيد نوري المالكي في أزمة خانقة وشديدة تهدد بسقوطها، خاصة بعد انسحاب وزراء قائمة التوافق (السنية)، وبعدهم قاطع وزراء قائمة العراقية، بقيادة الدكتور أياد علاوي، (عدا الوزير الشيوعي الوحيد) اجتماعات مجلس الوزراء. وقد سبق هذه الأزمة انسحاب وزراء التيار الصدري وحزب الفضيلة... وهكذا نرى أن نحو نصف عدد الوزراء إما انسحبوا من الحكومة أو قاطعوا اجتماعاتها.
أما بالنسبة للمواطن العراقي العادي فلا أظن أنه يشعر بهذه الأزمة، لأنه يعيش حالة أزمة مزمنة منذ زمن طويل، وهذا التصعيد في الأزمة ليس بالأمر الجديد، وفي هذه الحالة فانسحاب هذا العدد الكبير من الوزراء لا يعني شيئاً للمواطن العراقي المحروم من الأمن والخدمات، لأن الحكومة العراقية هي مشلولة وعاجزة أصلاًُ عن أداء مهماتها في جميع الأحوال، سواءً كانت بكامل نصابها أو بنصف نصابها، لا فرق.
وهنا نسأل عن الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة، وهل هي فعلاً نتيجة للأسباب التي أعلن عنها قادة الكتل السياسة المناوئة للمالكي على إنه أثبت عجزه في حل المشاكل المستعصية؟ أم هي مخططة مسبقاً، وما هذه الادعاءات إلا مجرد ذريعة لإسقاط الحكومة؟
ذكرت مراراً، إن فشل الحكومة هو نتيجة حتمية للوضع المزري الذي يمر به العراق بعد سقوط حكم البعث الفاشي في 9 نيسان/أبريل 2003 ولحد الآن وليس نتيجة عجز السيد نوري المالكي، لأن هذا العجز في أداء المهمات الأساسية للحكومة كان ملازماً لجميع الحكومات العراقية المتعاقبة التي تشكلت بعد سقوط النظام البعثي، سواء في عهد مجلس الحكم، أو حكومة أياد علاوي أو إبراهيم الجعفري أو الحكومة الحالية برئاسة السيد المالكي. فهذا العجز لم يظهر في عهد حكومة المالكي فقط. لذا علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية لهذا الفشل الملازم لهذه الحكومات المتعاقبة.
ما هي الأسباب الحقيقية وراء الأزمة؟
1- من طبيعة الحكومة الإئتلافية التي تسمى بحكومة الوحدة الوطنية، أن تكون ضعيفة لأنها مبنية على استحقاقات المحاصصة العرقية والطائفية وليس على أساس الكفاءة،
2- لأن مكونات حكومة "الوحدة الوطنية" هي متناقضة ومتناحرة فيما بينها، فالاسم (حكومة الوحدة الوطنية) مضلل وعلى غير مسمى، أي أنها (حكومة التفرقة الوطنية)، لذا فالحكومة الائتلافية تحمل بذور فنائها معها بسبب التناقضات بين هذه الكتل وصراعاتها على السلطة والنفوذ،
3- نقص الخبرة والتجربة لدى قادة الكتل السياسية في الحكم، إذ كان معظمهم مشردين في الشتات يمارسون أعمالاً بسيطة لضمان معيشتهم في الغربة، إضافة إلى انشغالهم في المعارضة وفي ظروف قاهرة في الخارج، إذ لم يسمح حكم البعث لأحد خارج حزب البعث بالتدرب على الحكم والإدارة. لذا فلما وجد هؤلاء أنفسهم فجأة في قمة السلطة لم يعرفوا كيف يتصرفوا ويديروا دفة الحكم.
4- تفضيل قادة الكتل السياسية المصلحة الشخصية والفئوية (الحزبية) على المصلحة الوطنية، وهذا ناتج عن ضعف الحس الوطني وتضخيم الشعور بالانتماء العشائري والطائفي بسبب المعاناة والانهيار الحضاري الذي حصل خلال الحكم الساقط ،
5- استغلال قادة بعض الكتل السياسية أزمة حكومة المالكي، والعمل على إسقاطها أملاً في خلق فرصة مناسبة لهم لتحقيق طموحاتهم في تبوئ منصب رئاسة الحكومة. أؤكد لهؤلاء أن موقفهم هذا ناتج عن أنانية مفرطة وقصر نظر وقلة خبرة في العمل السياسي البناء، ومصيرهم الفشل الذريع وبالتالي فإنهم يواجهون انتحاراً سياسياً واجتماعياً.
موضوعة المحاصصة الطائفية والعرقية
من الملاحظ أن معظم الكتاب العلمانيين الديمقراطيين، وأنا منهم، يلقون اللوم في عجز الحكومات المتعاقبة في العراق الجديد وفشلها في أداء مهماتها، على مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية وليس الكفاءة والوطنية. وهذا التفسير بالطبع صحيح، ولكن يجب أن نميِّز بين واقع الحال المفروض على أرض الواقع، والوضع الأفضل المثالي الذي يتمناه العلمانيون الديمقراطيون. وبعبارة أخرى يجب أن نميِّز بين الواقع والخيال، بين الممكن والحلول المثالية الطوباوية غير الممكنة.
يجب أن نعترف أولاً، أن المد الإسلاموي هو نتيجة لظروف موضوعية مرت ومازالت تمر بها دول منطقة الشرق الأوسط كلها، وليس حالة خاصة بالعراق، ولأسباب ذكرناها في مناسبات سابقة. ثانياً، أن الإسلام السياسي بالضرورة مرتبط بالطائفية، لأن الإسلام ينقسم إلى مذاهب مختلفة، لذا فالأحزاب الإسلامية هي طائفية بشكل مطلق. ثالثاً، يجب أن نعترف أنه ليس بإمكاننا، نحن العلمانيين الديمقراطيين، تغيير عقلية شعب بين عشية وضحاها وعن طريق الوعظ والإرشاد على غرار وعاظ السلاطين. ونتيجة لما تقدم، وإذا اتفقنا بأن الإسلاموية والطائفية هما نتاج ظروف موضعية معينة، لذا لا يمكن إزالتهما إلا بتغيير هذه الظروف الموضوعية وبالتدريج. وهذا يوصلنا إلى استنتاج آخر، وهو أن هذا الاستقطاب الطائفي والعرقي هو ليس من صنع الزعماء السياسيين من أمثال عبدالعزيز الحكيم ومقتدى الصدر وحارث الضاري وغيرهم، بل العكس هو الصحيح، أي أن الزعماء السياسيين الطائفيين هم نتاج العقل الجمعي للمجتمع العراقي المنقسم طائفياً وعرقياً.
لذا، يمكن تلخيص المشكلة على أننا نواجه انقسام طائفي وعرقي، والقادة السياسيون هم دون مستوى المسؤولية، تنقصهم الخبرة والتجربة، وعلينا نحن العلمانيين الديمقراطيين تقديم النصح والمشورة والمقترحات العملية، بعيداً عن المثالية الطوباوية، مقترحات قابلة للتطبيق وفق الظروف التي يعيشها العراق في واقعه الحالي المزري والطائفي المتخلف، وعلى أساس فن الممكن، وليس بالصياح والمناحات والبكائيات وتوزيع الشتائم على هذا وذاك، إذ لا يمكن حرق المراحل والقفز على الواقع، من ديكتاتورية صدام حسين إلى ديمقراطية أولف بالما بين عشية وضحاها.
ما العمل؟
ما المطلوب من المالكي عمله؟ هل عليه أن يستقيل كما يطالبه بعض قادة الكتل السياسية؟ أعتقد جازماً أن فشل حكومة المالكي في أداء مهماتها ليس ناتجاً عن ضعف المالكي، بل نتيجة حتمية لضخامة أزمة الوضع العراقي، ولطبيعة الحكومة الإئتلافية التي ترأسها منذ البداية قبل أكثر من عام كما وضحت ذلك أعلاه. لذا فليعلم الساعون بإزاحة المالكي ولأغراضهم الشخصية، أن أي شخص آخر يحل محله سيلاقي مصيراً أسوأ.
والحق يقال، أن المالكي ولحد الآن، أثبت نجاحه في إحراج خصومه أكثر مما نجح هؤلاء في إحراجه. لقد نجح المالكي في إدارة الأزمة الحالية بذكاء وهدوء، وسحب البساط من تحت أقدام الكتل السياسية التي انسحب وزراؤها من حكومته، إذ أن خصومه هم في حالة يرثى لها، حيث أصر الوزراء المستقيلون على عدم العودة للحكومة، بينما رفض المالكي قبول استقالاتهم، وهذا يكشف للعالم سلامة موقف المالكي لحل الأزمة، وإصرار خصومه على تصعيد الأزمة لأغراض فئوية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية.
إن وجود الوزراء المستقيلين والمقاطعين في الحكومة كان سبباً لشلها وضعف أدائها، وخروجهم منها لا بد وأن يكون سبباً لقوتها ونجاحها. وعليه يمكن للمالكي أن يقلب الطاولة على خصومه ويحرجهم بشكل أكثر ويبرز زعيماً ناجحاً للعراق، وذلك بملء الشواغر في حكومته بالمستقلين من الخبراء التكنوقراط، ويفضل أن يكونوا من جهات غير معروفة بانتماءاتهم الطائفية والدينية إن أمكن.
وفي نفس الوقت إذا أراد الذين انسحبوا من الحكومة حفظ ماء وجوههم وإثبات إخلاصهم للعراق أمام شعبهم، عليهم أن يشكلوا جبهة معارضة ديمقراطية بناءة، وليست المعارضة الهدامة كما في النضال السلبي. إذ لا حكومة ديمقراطية جيدة ما لم تكن هناك معارضة ديمقراطية جيدة. أما إذا أصر هؤلاء على تدمير الحكومة بأي ثمن كان وفق مبدأ حزب البعث (عليّ وعلى أعدائي يا رب) ولجأوا إلى دعم التمرد المسلح، فهذا هو الانتحار السياسي الكامل لهم، وليس للمالكي ولكل من يريد الخير للعراق.