د. عبدالخالق حسين
السبت 10/ 5 / 2008
حزب الله على خُطىَ حماس في الإثم والعدواند. عبدالخالق حسين
لم يفاجأ العالم على قيام حزب الله بجريمة احتلاله لبيروت واختطافه الأهالي العزل رهينة لمسلحيه الملثمين كإرهابيي القاعدة. فقد بدأ حسن نصر الله، زعيم الحزب، بتصعيد الأزمة منذ توريطه لبنان في حربه غير المحسوبة مع إسرائيل في تموز/يوليو 2006 ، والتي كلفت الشعب اللبناني الآلاف من القتلى والجرحى وخسائر مادية قُدِّرَت بنحو 15 مليار دولار. ولكن رغم كل هذه الخسائر والأضرار الفادحة التي ألحقها بالشعب اللبناني، اعتبرها زعيم الحزب ومن يدفعه إلى هذا المصير، بأنها كانت نصراً إلهياً على إسرائيل، عجزت الحكومات العربية وجيوشها النظامية تحقيقه خلال ستين عاماً!!!
وقبَيْل حربه الأخيرة على الشعب اللبناني بأيام، قام حزب الله بنصب شبكة الاتصالات اللاسلكية والكاميرات التجسسية على المطار وأنحاء مختلفة من ضواحي بيروت ولبنان، وبذلك أثبت أنه حقاً دولة داخل دولة. ولما اكتشفت الأجهزة الأمنية الحكومية هذه الشبكة وقامت بتعطيلها، احتج قادة الحزب على قرار الحكومة الشرعية المنتخبة، واعتبروه بمثابة إعلان حرب عليهم. وكانت هذه خطوة تمهيدية وذريعة لقيام مليشيات الحزب باحتلال بيروت والعبث بأمن وسلامة الشعب اللبناني وجلب شبح الحرب الأهلية الرهيبة إلى أذهان اللبنانيين.
إن احتلال حزب الله لبيروت هو محاولة إنقلابية مسلحة ضد الحكومة الشرعية المنتخبة، والسيطرة على مؤسسات الدولة ومكاتب قادة 14 آذار، والعبث بمحتوياتها وتنزيل صور قادتها، ورفع صور بشار الأسد والخميني والخامنئي ونصر الله مكانها، هو نسخة طبق الأصل لما قامت به منظمة "حماس" بانقلاب مسلح في قطاع غزة قبل عامين ضد إدارة الرئيس الفلسطيني المنتخب السيد محمود عباس، ومنظمة فتح، وقتل عدد من رجالها والعبث بمكاتبها، وإهانة الرئيس الراحل ياسر عرفات، رمز نضال الشعب الفلسطيني، والرئيس الحالي محمود عباس، بسحق صورهما بالأحذية وأمام الكاميرات التلفزيونية دون أدنى خجل. وفي وقتها، قالت "حماس" بتبجح، أنها قامت بتحرير غزة مرتين، مرة من الاحتلال الإسرائيلي عندما أرغمت إسرائيل على الانسحاب منها، والمرة الثانية تحريرها من "عملاء" إسرائيل، أي منظمة فتح وحكومة الرئيس عباس!! والعالم يعرف، كم عانى الشعب الفلسطيني في غزة من هذا "النصر الإلهي" الذي حققته حماس. فعلى سبيل المثال، وكما صرح الرئيس محمود عباس قبل شهر، أن اختطاف حماس لجندي إسرائيلي واحد (شاليط) عام 2006، كلَّف الشعب الفلسطيني لحد الآن أكثر من ألف قتيل. هذا هو النصر الهي الذي تبجح به قادة حماس. في الحقيقة انه هزيمة ماحقة لحماس وأيديولوجيتها التدميرية.
من المؤكد أنه، لا حماس ولا حزب الله، كانا ليقومان بهذين الإحتلالين ضد شعبيهما لولا صدور أوامر إليهما من أسيادهما في إيران وسوريا. فمن المعروف أن حزب الله تأسس بدعم إيراني، وهو امتداد للثورة الإسلامية الإيرانية في لبنان حسب تصريحات قادة إيرانيين وزعماء الحزب نفسه. أما منظمة (حماس) الإسلامية، فهناك أنباء تفيد أن إسرائيل ساعدت على تأسيسها وبدعم من بعض الحكومات العربية في أواخر عام 1987 لمنافسة منظمة فتح وإضعافها، وأخيراً تم شراؤها من قبل إيران وسوريا بالمال. وكلا التنظيمين، حزب الله وحماس، يسيران في فلك إيران وسوريا لخدمة أغراض الدولتين على حساب مصالح الشعبين، اللبناني والفلسطيني.
وقد يحتار العقل في تفسير ظاهرة قيام هذين التنظيمين بهذه الأحداث السوريالية الغريبة، بتدمير بلديهما وشعبيهمت خدمة لأجندات أجنبية، إيرانية وسورية. فلو نظرنا ملياً إلى "انتصارات" حماس في غزة، لرأيناها هزائم حقيقية لها، وكوارث على الشعب الفلسطيني. فحماس هي الآن في ورطة قاتلة من العزلة الخانقة لم تعرف كيف تخرج منها، إضافة إلى ما سببته من آلام ومعانات لا تقدر للشعب الفلسطيني في القطاع. والملاحظ أن حماس لم تقم بهذه الأعمال التدميرية بحجة المقاومة إلا في المناسبات التي يقوم فيها المجتمع الدولي بإجراءات عملية جادة لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وإقامة الدول الفلسطينية لإنهاء محنة الشعب الفلسطيني.
وكذلك حزب الله الذي يدعي أنه يدافع عن مصلحة شيعة لبنان، فبدلاً من الاستفادة من الديمقراطية التوافقية المتاحة في لبنان لتحقيق مصالح الطائفة التي يدعي الحزب تمثيلها، سخَّر الحزب كل طاقاته، وبذريعة مقاومة إسرائيل، إلى العبث بأمن البلاد، وشل الحكومة اللبنانية المنتخبة وتهديد الشعب اللبناني بحرب أهلية جديدة. وبذلك فقد ألحق الحزب أشد الأضرار بمصلحة شيعة لبنان وشوه سمعتهم وجعلهم خدماً يأتمرون بأوامر إيران ضد مصلحتهم ومصلحة شعبهم. وهذا بالضبط ما تقوم به "مليشيات جيش المهدي" بقيادة مقتدى الصدر، التي أسستها حكومة الملالي الإيرانية في العراق على غرار حزب الله في لبنان.
إن ما يجري في لبنان وغزة والعراق على أيدي عملاء إيران وسوريا، يؤكد ما قلناه مراراً وتكراراً، أن المنطقة سوف لن ترى الأمن والاستقرار طالما بقي تحالف النظامين الإيراني والسوري في الوجود. إن حزب الله وجيش المهدي ألحقا أشد الأضرار بسمعة ومصلحة أبناء طائفتهم (الشيعة) في المنطقة. فقد أعطيا صورة مشوهة ومسيئة عن الشيعة للعالم، بأن الشيعة يطالبون بالعدالة طالما كانوا مظلومين ومضطهدين من قبل أنظمة جائرة مثل نظام صدام حسين. ولكن ما أن يزول عنهم الظلم، وبدلاً من المساهمة الإيجابية في تكريس حكم العدالة والديمقراطية في بلادهم، نراهم يتحولون من مظلومين إلى جلادين والعمل ضد مصلحة شعبهم وطائفتهم. هذا هو الانطباع الذي أعطاه مقتدى الصدر وحسن نصر الله عن الشيعة.
إن جيش المهدي في العراق يواجه الآن نهايته المحتومة. فمنذ بدء علمية "صولة الفرسان" في الشهر الماضي في البصرة، قُتِلَ أكثر من ألفين من مسلحيه، وزعميه هارب عند أسياده في مدينة (قم) الإيرانية بحجة الدراسة. وكذلك حماس في احتلاله لغزة فقد انتصر على نفسه وهو في وضع لا يحسد عليه. أما حزب الله، فمنذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وبدلاً من أن يستفيد من هذا النصر ويكرسه لخدمة أبناء طائفته والشعب اللبناني، أصيب بالغرور، واعتقد أنه بإمكانه إقامة دولة إسلامية شيعية في لبنان وفق أيديولوجية "ولاية الفقيه" الإيرانية على الشعب اللبناني المتعدد الأديان والطوائف.
خلاصة القول، تقول الحكمة، "رب ضارة نافعة". إن ما قام به حزب الله من جريمة احتلال بيروت هو مأزق مميت سقط فيه، وبدء هزيمة منكرة له ولأسياده من قادة الفاشية الدينية في إيران والفاشية القومية في سوريا. إن محور إيران-سوريا-جيش المهدي، حزب الله- حماس، هو سبب القلاقل والاضطرابات في دول المنطقة، ولا يمكن تحقيق السلام والأمن والاستقرار فيها إلا بتدمير هذا المحور، محور الشر، لأن قادته أصيبوا بالغرور، لذلك يحثون الخطى نحو نهايتهم المحتومة. فالنصر النهائي لا بد وأن يكون للشعوب وليس للزعران والبلطجية، ولأن في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.