|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  28  / 2 / 2023                                د. كاظم المقدادي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

لتُحاسِبُ قتلة المتظاهرين محكمة خاصة

د. كاظم المقدادي *
(موقع الناس)

قتلة المتظاهرين السلمين المطالبين بحقوقهم المشروعة، معروفين للجميع، وموجودين، ويصولون ويجولون.. فهل حقاً وصدقاً وفعلآ يريد رئيس مجلس الوزراء والقائد العالم للقوات المسلحة السوداني إعتقالهم، مهما كانت مواقعهم، ومحاسبتهم قضائيا لينالوا جزاءهم العادل ؟

بعد ثلاث سنوات
إعتبر خبراء الحقوق والقانون ان ما إرتكبته السلطة بحق المتظاهرين من شباب وشابات تشرين 2019، الذين كانوا يطالبون بتوفير الخدمات وتحسين الظروف المعيشية والأمن والأستقرار،وهي حقوق مشروعة كفلها لهم الدستور العراقي، هي "جرائم القتل العمد (والعمد هو فعل التخطيط للقتل مع سبق الإصرار) والثمع الدموي".. ولم يحاسب القتلة وهم يسرحون ويمرحون ويعيثون فساداً وخراباً..

بعد مرور ثلاث سنوات على تلك الجرائم، وجه رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني بإعادة العمل باللجنة الخاصّة بتقصّي الحقائق عن قتلة المتظاهرين وتعويض جرحى التظاهرات.

ووفقاً لبيان مكتبه في 9/2/2023، " تم إعادة عمل اللجنة، وباشرت عملها فعلياً مطلع الأسبوع الماضي. وان رئيس مجلس الوزراء تعهد بعرض نتائج لجنة تقصي الحقائق في مؤتمر يخصص لهذا الغرض، التزاماً بالبرنامج الحكومي، وإيفاءً بوعوده لمتظاهري تشرين".

من جهتها، أعلنت اللجنة نفسها، في بيان لها يوم الثلاثاء 13/2/2023، انها " تلقت توجيهات من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بتسريع إجراءات اللجنة التي تتعلق بالتحقيق في الأحداث التي رافقت تظاهرات تشرين عام 2019 وما بعدها."

تساؤلات بحاجة الى إجابات
تطرح نفسها التساؤلات التالية: اللجنة المذكورة هي لجنة حكومية، ومشكلة منذ أكثر من عامين،وفق الامر الديواني 293 لسنة 2020 ، ولليوم لم تُكمل مهمتها.. فلماذا لم تكمل همتها ؟ ولماذا توقف عملها ؟ ومن أوقفه ؟ حتى طلب السيد السوداني إعادة عملها والإسراع في اكمال التحقيقات ؟

ثم ان اللجنة تشكلت عقب اسقاط تورة تشرين الباسلة لحكومة عادل عبد المهدي، اواخر عام 2020، وعدا هذه اللجنة تشكلت 11 لجنة رئيسية، وأكثر من 20 لجنة في احداث قتل فردية رافقت الاحتجاجات التي اندلعت في الأول من تشرين/أكتوبر 2019.. لم تعلن النتائج النهائية لعملها، ولا يُعرفُ ما هو مصير ما أنجزته وما توصلت إليه،، وأين صارت.

ولابد من الإجابة على التسؤالات التالية: هل اللجنة التي أعيد عملها تمتلك المواصفات المطلوبة من حيث المهنية، والإستقلالية، والنزاهة، والشجاعة والجرأة لتستدعي المسؤولين المتنفذين المتورطين بجرائم القتل والقمع الدموي للمتظاهرين والمحتجين للإدلاء بشهادتهم وتوجيه الإتهام لهم ؟

وهل أخذت بعين الإعتبار الكم الهائل من الوقائع والقرائن والأدلة ذات العلاقة ؟ و الجميع يعلم بوجود عشرات مئات الفيديوهات والأفلام، واَلاف الصور الحية، ومئات التقارير، بما فيها رسمية، الموثقة للأحداث، ليس من الصعب الرجوع إليها. إضافة الى وجود اَلاف شهود عيان، يتعين كسب ثقتهم وإعطائهم الضمانات والحماية من قبل القضاء.وكل ما يساعد على تجاوز خيبة أملهم.

تقارير مهمة
تتوفر مئات التقارير العراقية والأجنبية التي وثقت الأحداث.نشير الى بعض منها:
أكدت (منظمة العفو الدولية) ان “الجهات المسلحة التابعة للدولة استهدفت المعارضين والنشطاء وهددتهم واختطفتهم وأعدمتهم خارج نطاق القضاء، وكذلك عائلاتهم، ما دفع الناجين الى الفرار للاختباء، فيما اعتقلت السلطات العراقية وحاكمت أفرادا على بعض هذه الهجمات، وقد ظل عشرات الأشخاص متخفين"[1]

من جهتها أوضحت منظمة (الأورومتوسطي لحقوق الإنسان) :"منذ بداية احتجاجات الأول من تشرين أول/أكتوبر 2019، واجهت قوات الأمن العراقية المحتجين بالعنف المفرط ونشرت القناصة في محيط أماكن التظاهر وساحات الاعتصام، واستخدمت وسائل القمع العنيفة ضد المحتجين، بما في ذلك الرصاص الحي، بمختلف الأسلحة الآلية،الى جانب الاحتجاز، والتعذيب، والضرب ، ما أدّى إلى مقتل نحو 730 عراقيًا، وجرح أكثر من 25 ألفًا آخرين، إضافة إلى تعرّض عشرات المتظاهرين للإخفاء القسري، خلال ستة أشهر من الاحتجاجات" [2].

وحسب حصيلة أعلنتها (مفوضية حقوق الإنسان) الحكومية في هذا البلد قتلت القوات الأمنية خلال 5 أيام نحو 100 شخصاً، معظمهم من المتظاهرين، وجرح نحو 4000 آخرين، منذ بدء الاحتجاجات في العراق [3] .

وبحسب بيانات حكومية أقرت حكومة عبد المهدي بحصول "اعمال عنف ضد المحتجين اثناء وبعد التظاهرات الشعبية، وإعترف رئيس مجلس الوزراء عبد المهدي،شخصياً، في عام 2019 بوجود عمليات قنص استهدفت المتظاهرين.وبعد "تقرير قنص المتظاهرين"،كشف تقرير لجنة التحقيق حول الاضطرابات في العراق، عن مقتل 157 شخصاً، وان ما يقرب من 70‎% من الإصابات استهدفت الرأس والصدر.

وخلصت اللجنة إلى أن قوات الأمن استخدمت "القوة المفرطة والرصاص الحي" لقمع المتظاهرين ما تسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين في محافظة بغداد والمحافظات الأخرى [4].

وفيما بعد أقرت الحكومة ان اعمال العنف ضد المحتجين اثناء وبعد التظاهرات الشعبية اوقعت 500 قتيل واَلاف الجرحى، فضلا عن عشرات المختطفين، بينما أفادت تنسيقيات الاحتجاجات في البلاد: هناك نحو 700 قتيل، وأكثر من 20 ألف جريح [5].

وأكدت الأمم المتحدة:"مقتل حوالي 500 متظاهر في الأسابيع القليلة الأولى فقط من الانتفاضة على يد قوات الأمن العراقية والجماعات المسلحة المدعومة من الدولة.وان العنف ضد المتظاهرين إستمر حتى بعد انتهاء الاحتجاجات، من خلال حملة اغتيال استهدفت نشطاء بارزين، كان يُنظر إلى معظمهم على أنهم أصوات مؤثرة في حركة الاحتجاج" [6].

لكن منظمة "الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" أفادت ان الأجهزة الأمنية والمليشيات قتلتَ 730 متظاهراً خلال 6 أشهر فقط [7].
ونشر تقرير حديث أكد ان أعمال العنف أدت إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب أي جهة متورطة في هذه الأعمال حتى الآن [8]..

بشأن الأرقام الواردة المختلفة والمتناقضة فان المنظمات الدولية تستند الى الأرقام الرسمية المعتمدة، وهي عادة غير دقيقة ومشوهة بشكل مقصود.وقد وقعت الجهات الحكومية الناشرة لها بتناقضات فاضحة.فمرة تقول ان عدد المقتولين 600 وبعد أسابيع تعلن ان العدد 500 رغم سقوط قتلى جدد.ومرة ثالثة تقول ان العدد لا يتجاوز الـ 430.

والمتتبعين للأحداث والمراقبين الحياديين عايشوا جريمة حكومية لا تغتفر. فقد منعت الحكومة الطب العدلي تزويد أهالي الشهداء والشهيدات بشهادة قتلهم بالرصاص أو بالقنابل الغازية السامة، وإنما وفاتهم بأسباب أخرى، وإلا لن يستلموا جثامينهم لدفنها.وفعلآ رضخت عشرات العوائل من منطلق "إكراماً للميت دفنه"، وبذلك لم يسجلوا كشهداء ولم يُضاف عددهم الى عدد ضحايا القمع الدموي برصاص القوات الأمنية..

بالضد من ذلك، جرت متابعة مضنية من قبل متطوعون شجعان وحصلوا على معلومات موثقة من مصادر وزارات: الصحة والداخلية والدفاع وقيادة العمليات المشتركة والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان العراقية والعربية والأجنبية، تؤكد ان ضحايا الأجهزة القمعية والمليشيات المسلحة وبقية بلطجية أحزاب الإسلام السياسي الشيعي المتنفذة، حتى نهاية عام 2021، هم أكثر من 1000 شهيد و30 ألف جريح، من بينهم أكثر من 7 الآف معوق جسدياً من ضحايا شباب وشابات المتظاهرين السلميين.

وبغض النظر عن العدد فان لا أحد ينكر سقوط مئات الضحايا من المتظاهرين والمحتجين السلميين قتلى واَلاف الجرحى والمعوقين برصاص وقنابل الأجهزة القمعية.. فهل تمت محاسبة القتلة ؟

مَن الذي سيحاسب ؟!!
في عام 2021 كتبت صحيفة "الأندبندنت" البريطانية تقول:" لم يعد السؤال في العراق متى ستحاكم الحكومة قتلة تظاهرات تشرين/ أكتوبر 2019، التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى ؟..السؤال المطروح هو " الحكومة ستحاسب من" ؟.

وأوضحت:بعد عام من الوعود ولجان التحقيق الخاصة باحتجاجات تشرين، بسبب العنف الذي رافق التظاهرات، فجأة اكتشف العراقيون أنه لا توجد أسماء للفاعلين! كما تتداول أخبار عن إطلاق سراح قادة عسكريين متورطين بتلك الجرائم.

وقال القضاء العراق إنه لا يملك أسماء لمتهمين في تلك الأحداث، بينما كانت الحكومة السابقة كشفت عن عشرات الأسماء المتورطة في العنف ضد المحتجين.

وقال ناشط مدني من بغداد "لم تصدر أي قرارات من القضاء أو أية جهة رسمية بالحكم على مسؤول أو قائد عسكري منذ اندلاع التظاهرات قبل أكثر من عام".

كيف حدث ذلك؟
يقول ناشطون وسياسيون إن هناك مؤامرة كبيرة وتدخلاً من قبل ميليشيات وأحزاب سياسية تتستّر على قتلة المتظاهرين [9].

لا محاسبة جدية القتلة
تحت عنوان:"الجناة لن يُحاسبوا أنفسهم: العدالة ما تزال بعيدة المنال لضحايا تشرين 2019 في العراق"
أكدت منظمة "الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" ان قوات الأمن العراقية واجهت المحتجين بالعنف المفرط، ونشرت القناصة في محيط أماكن التظاهر وساحات الاعتصام، واستخدمت وسائل القمع العنيفة ضد المحتجين، بما في ذلك الرصاص الحي، والاحتجاز، والتعذيب، والضرب والإهانة، ما أدّى إلى مقتل نحو 730 عراقيًا، وجرح أكثر من 25 ألفًا آخرين، خلال ستة أشهر من الاحتجاجات، إضافة إلى تعرّض عشرات المتظاهرين للإخفاء القسري.ومما كان لافتًا خلال تلك الأحداث، مشاركة ميليشيات مسلّحة في عمليات قمع المتظاهرين على نحو واسع، إذ شارك المئات من المسلحين الذين يُزعم بانتمائهم لبعض القوى والتيارات السياسية العراقية في عمليات قتل المتظاهرين وإخفائهم في أماكن احتجاز غير رسمية، وتعريضهم لأنواع مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة.

ودعت المنظمة الى:
* تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق تتولى التحقيق في جميع الجرائم التي ارتكبتها قوات الأمن والميليشيات المسلحة خلال احتجاجات أكتوبر/تشرين أول 2019.
* إنشاء قناة تواصل مباشرة وآمنة مع الضحايا على نحو يمكّنهم من تقديم الأدلة دون تحفظ أو خشية من تسرب المعلومات للجهات المتنفذة.
* وضع إطار زمني محدد لعملية المساءلة والمحاسبة، وضمان تقديم جميع الدعم والتسهيلات الممكنة لإنجاز المهمة [10].

لا إنجاز حكومي يُذكر
قالت منظمة (هيومن رايتس ووتش) ان مصطفى الكاظمي،الذي تولّى السلطة في أيار 2020 وعد بالمحاسبة القانونية عن أعمال العنف.وشكل في أكتوبر 2020 "لجنة لتقصي الحقائق" للتحقيق بشأن أعمال العنف التي إرتكبتها قوات أمن الدولة والجماعات المسلحة ضد المتظاهرين والنشطاء. لكن في الشكاوى القانونية التي قدمتها الأسر والأفراد في قضايا القتل، والاغتيال، والخطف، والإصابات التي حققت فيها المنظمة، بالكاد تحقق أي تقدم نحو العدالة بين 2020 وأكتوبر 2022. فلم تنشر اللجنة أي معلومات جوهرية حول النتائج التي توصلت إليها، ولم تكشف حتى عن القضايا التي حققت بها، ناهيك عن نتائج التحقيقات التي أجرتها.

وأوضح اَدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في المنظمة: "بعد عامين ونصف من تولي الكاظمي للسلطة، تبيّن أن وعوده بالعدالة في قضايا العنف الشرس ضد المتظاهرين السلميين فارغة، والقتلة يسرحون بحرية.لقد ضحّى المتظاهرون بالكثير لتحسين الظروف في البلاد، حتى أنهم ضحّوا بحياتهم، لكن حكومتهم لم تستطع في المقابل منحهم حتى الحد الأدنى من العدالة [11].

"إنجازات" كاذبة
في 15/6/2021 ،عرض مصطفى الكاظمي في جلسة مجلس الوزراء تقرير الأداء الحكومي، الذي تضمن "منجزات الحكومة" في ملف تظاهرات تشرين ومحاسبة القتلة،والذي زعم أن" نسبة الانجاز كانت 74 في المائة". وجاء في التقرير, انه " تم تشكيل لجان تحقيقية من مختصين لجمع المعلومات والأدلة بشأن المتورطين بقمع المتظاهرين لتقديمهم للعدالة" و" تم تسجيل ضحايا المظاهرات في مؤسسة الشهداء، وتأمين حقوقهم جميعاً"..

في وقته، كذبنا المزاعم وكتبنا ان الحكومة لم تتقدم خطوة واحدة للأمام، بل بقيت عاجزة عن كشف القتلة، برغم امتلاكها لمعلومات وأدلة يمكن من خلالها ادانة المجرمين ومن يقف وراءهم.والدليل أنها لم تعلن اسماء القتلة. بل هناك متظاهرون لُفقت لهم تهم، وتم الحكم عليهم على اساسها بأثر رجعي.

والجميع يعلم بان الاجهزة الامنية يمكنها معرفة القتلة بسهولة، لكن التدخلات السياسية من قبل الكتل الحاكمة، تمنع فتح ملف قتلة المتظاهرين..فعلى سبيل المثال: ان «محافظة كربلاء مراقبة بشكل كامل بالكاميرات، وبالتالي يمكن من خلالها معرفة من نفذ عمليات الاغتيال بحق الشهداء علاء مشذوب وفاهم الطائي وايهاب الوزني.

إستمرار التسويف والمماطلة
في مطلع العام الجاري اصدرت مجموعة (مدافعون لحقوق الانسان) تقريرها السنوي الموجز حول واقع حقوق الانسان في العراق لسنة 2022، والذي راجع اهم الانتهاكات التي استمرت بدون إجراءات مساءلة وأكد التقريراستمرار التسويف في ملفات انتهاكات حقوق الانسان المتراكمة منذ سنوات، والتي مرت عليها حكومات متعددة، ووعود متكررة بتحقيق العدالة، لكن بلا اجراءات حقيقية.

ووثق تقرير لبعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)/ مكتب حقوق الانسان، غطي الفترة من تموز 2019 إلى 30 نيسان 2021، وإستند إلى مقابلات مع 235 شخصا محرومين من حريتهم، ان أكثر من نصف المحتجزين الذين قابلتهم البعثة قدموا روايات موثوقة عن التعذيب، بما يتفق مع الأنماط والاتجاهات الموثقة في الماضي من قبل يونامي وغيرها من المنظمات”.

وفي تشرين الثاني 2022 أعطى الاعلام المحلي مثالآ واحداً- قضية المواطن من محافظة كركوك حسن اسود الطائي، والذي تعرض إلى احتجاز وتعذيب تسبب في بتر احد يديه، وتعرضت عائلة الشاب لضغوطات أمنية وعشائرية وتهديدات لإرغامهم على التنازل عن الدعوى المرفوعة ضد الضباط المتورطين.

أما ضغوطات وتهديدات السلطة،فقد بلغت حد تقديم شكوى قانونية ضد د. علي البياتي، عضو (المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق)، لأنه سعى إلى التحقيق في شكاوى تعذيب المحتجزين، وهي جزء من التفويض المؤسسي للمفوضية. و تُعد قضية البياتي القانونية واحدة من قضايا عديدة استُهدف فيها منتقدو الحكومة والمدافعون عن حقوق الإنسان بقوانين تشهير فضفاضة.

لقد أجرت بعثة الأمم المتحدة (يونامي) مئات المقابلات الشخصية مع أشخاص ممن لديهم معرفة مباشرة،وعقدت البعثة العديد من الجلسات الحوارية مع متظاهرين/ ناشطين/ محامين، وغيرهم من العاملين في مجالات ذات صلة بالمساءلة والتظاهرات، سواء عبر اللقاءات المباشرة من خالل الحضور الشخصي أو باستخدام تطبيقات التواصل عبر شبكة الإنترنيت.

لأنقل لكم ما قاله والد أحد الشهداء المتظاهرين،الذي قُتلَ في بغداد في شهر تشرين الأول 2019 ، لبعثة الأمم المتحدة، التي أجرت المقابلة معه في اَذار 2021:
"اسمحوا لي أن أكون صريحا معكم: إن الحكومة تعرف تماما من هم القتلة، وهم ينتمون للاحزاب السياسية والميليشيات. هل تتوقعون مني أن أصدق أنه ً خلال سنة ونصف لم تستطع الدولة العثور على القتلة ؟ لديهم كامل السلطة والموارد لعمل ذلك [12]."

فهل ستضمن يا سيد رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ان اللجنة التي طلبت إعادة عملها ستتجرأ على طلب حضور هؤلاء كشهود أولآً، للإستماع الى شهاداتهم، ومن ثم توجيه الإتهام لمن يثبت تورطه بالجرائم ؟

ما أكثر الأدلة
ثمة الكثير الكثير من الأدلة والقرائن والتقارير الموثقة،عراقية وأجنبية، التي تدين القتلة وتشخصهم.
أدناه تقرير للأمم المتحدة، أعدته (یونامي) من خلال مكتبها المعني بحقوق الإنسان ومكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان،ًعن إنتهاكات حقوق الإنسان في العراق، ونشرته في اَب 2020.

إستند معدو التقرير إلى معلومات قدمت للمنظمة الأممية والى أكثر من 900 مقابلة أجريت في العراق مع مصادر مختلفة، بما في ذلك أشخاص مشاركون في التظاهرات، ومراقبو حقوق الإنسان، ونشطاء سياسيون، ومدنیون، وصحفیون، ومحامون، وأفراد من أسر المتظاهرين القتلى، فضلاً عن ملاحظات من مواقع التظاهرات، وزيارات إلى مرافق الاحتجاز، ولقاءات مع مختلف المسؤولین الحكومیین وغیرهم من الجهات المعنية.

وخلص التقرير إلى تأكيد " انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، والتي بدا انها تهدف إلى إنهاء الاحتجاجات التي إنطلقت في تشرين 2019، بما في ذلك استهداف أطراف مسلحة مجهولة الهوية بالعنف للمتظاهرين والأشخاص الذین ینتقدون الحكومة والجماعات المسلحة ذات العلاقة المختلفة بالدولة".

وقال:"في حین أن الحكومة المشكلة في اَيار 2020 قد أعلنت عن إلتزامها بالمساءلة عن الانتهاكات والتجاوزات ذات الصلة بالتظاهرات، إلا أن استمرار إفلات الجناة من العقاب يشكل مصدر قلق بالغ".

وأضاف:" ان البعثة وثقت إستخدام القوة غیر الضرورية والمفرطة ضد المتظاهرين في عدة محافظات، وكان ذلك بشكل رئيسي في بغداد وذي قار وكربلاء والبصرة. و قد أدى استخدام القوة إلى وفاة وإصابة المتظاهرين".

وتأكيداً لذلك،أعلنت الحكومة في 30 تموز 2020 أنها أعدت لائحة قابلة للتوسع بحوالي 560 حالة وفاة، وأنها ستمنح عوائل المتوفين حقوقهم حسب القضاء.

وأشار التقرير الى إصدار مجلس القضاء الأعلى بتأريخ 7 تموز 2020 أمرا بتشكيل هيئة قضائية للتحقيق في قضايا الأغتيال في بغداد والمحافظات الأخرى [13]..

السؤال الذي يطرح نفسه: هل كشفت اللجنة القضائية المذكورة القتلة وقدمتهم للقضاء ؟
أجاب رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، في لقاء متلفز أذيع مساء 2/4/2022:" شكل القضاء لجان تحقيقية في كل محافظة شهدت تظاهرات، وتم إصدار عدد كبير من مذكرات القبض بحق المعتدين على المتظاهرين، سواءً من الأجهزة الأمنية أو الاطراف الاخرى". وأكد "ان المحاكم أصدرت قرارات، لكن تنفيذها من مهام الأجهزة الأمنية".وأقر: "هنالك أهمال من قبل الاجهزة الامنية في تنفيذ بعض المذكرات خشية من الوضع السياسي الحساس او لانشغالهم بأمور أخرى".وأضاف : "بقية القضايا ما تزال في طور التحقيق لخصوصية هذه القضايا والمتهمين فيها، باعتبار أن قانون أصول المحاكات الجزائية العسكري، يؤكد على أنه لا يحق تنفيذ مذكرة بحق ضابط عسكري الا بموافقة القائد العام للقوات المسلحة، وأما إذا كانت المذكرة صادرة بحق ضابط شرطة فلا يمكن تنفيذها إلا بموافقة وزير الداخلية"..

وهنا يقر رئيس مجلس القضاء بان تنفيذ القانون وقرارات القضاء تخضع لـ "حساسية" الوضع السياسي، بينما كان إعلام المجلس يزعم كذباً وبهتاناً: "القضاء العراقي لا يتعرض لضغوطات سياسية"، لحين كذبه هادي العامري- رئيس منظمة " بدر" وزعيم "تحالف الفتح"، عندما أعلنً، في لقاء له في أحد برامج قناة " العراقية" في عام 2022: "مارسنا ككتل وأحزاب سياسية الضغوط على القضاء، وهددناه، وخضع القضاء للتهديد "- الفيديو موجود على اليوتوب لحد اليوم.

علماً بأن القاضي زيدان إعترف في 6/2/2020:" ان الضغط السياسي على القضاة موجود".وبعده بنحو شهر، وتحديداً في 3/3/2020، أكد المتحدث الرسمي بإسم المجلس القاضي عبد الستار بيرقدار: " وجود ضغوط يتعرض لها القضاة لتبرئة سياسيين فاسدين"..

إستهتار المتنفذين متواصل
ما يزال سائداً تعرض القضاء لضغوط المتنفذين الفاسدين،لا بل أصبح أشد وأكثر إستهتاراً.
لا نعتقد ان السيد محمد شياع السوداني غير ملم بذلك.
وأود ان أسأله،بوصفه رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة،هل هو مدرك لخطورة الضغط على القضاة النزيهين، ودور ذلك في ظاهرة إنعدام الثقة المستفحلة بين غالبية الشعب،وفي مقدمتها أسر شهداء وجرحى ومعوقين تظاهرات تشرين، وبين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية.

لكنني لا أشك بانه يعرف ان كل ذلك هو نتاج سياسات الطبقة السياسية المتنفذة القائمة على الهيمنة والمحاصصة والفساد وتقاسم المغانم والسلطة والنفوذ،والإستحواذ على مقدرات البلد، ونهب ثروات الشعب.

وعليه أن يعالج خيبة الأمل الكبرى لأُسر ضحايا القتل العمد والقمع الدموي عقب تقديمها للجهات المعنية كل ما وفرته من إثباتات تدين قتلة أبناءهم وبناتهم، ولم تتخذ السلطة أي إجراء ضدهم، بل وواصلت المماطلة والتسويف، الى جانب تشويه الحقائق، والإساءة لإنتفاضة تشرين المجيدة ولشهدائها ونشطائها ورموزها.

الى هذا، يعتقد رئيس حزب" البيت الوطني" حسين الغرابي بحق انه بعد 3 سنوات من احتجاجات تشرين " لم تعد هناك ثقة في ان تقوم حكومة بمحاكمة القتلة خصوصا الحكومة الحالية، التي شكلها الإطار التنسيقي، والاخير لديه فصائل متهمة بقتل المتظاهرين. لذا لا يمكن ان نصدق بأنها ستكشف حقيقة ما جرى في تشرين".

وبين الغرابي ان ما هو " أبشع من القتل في تشرين هو ما حدث بعد ذلك من عمليات خطف وتغييب قسري، وقد إختفى عشرات المحتجين، من بينهم اصدقائي"[14].وأكد (المرصد العراقي لحقوق الإنسان) ان 11 ألف أسرة ابلغت عن حالات اختطاف ذويها بين عام 2014 و2022.وتفجرت موجة غضب واحباط شعبي وسياسي في العراق ازاء تصريحات رئيس مجلس النواب محمد الحلبوصي، بان عشرات الآلاف من المغيبين هم في عداد المغدورين (أي القتلى) وذلك بعد سنوات من التكتم الرسمي عن مصير أولئك المغيبين وأماكن وجودهم والجهات المسؤولة عن خطفهم وقتلهم [15].

وكشف الغرابي، وهو محامي ةناشط مدني: " أقمنا دعوات ضد ما حدث في الزيتون بالناصرية ومناطق اخرى، لكن لم تتم ادانة اي أحد "، مشيرا الى انه في احداث الناصرية تم تثبيت "استخدام الرصاص من الطائرات".

وعن الشهادات السابقة التي جمعتها لجنة تقصي الحقائق في العامين الماضيين يقول الغرابي:" جرت محاكمات صورية لمتهمين.. يأتي المتهم سواء أكان ضابطا ام أحد اعضاء المليشيات بكامل اناقته وبقيافة عالية الى المحكمة، ويخرج بعد ذلك بوقت قصير"[16],
وقال سجاد سالم وهو أحد ناشطي تشرين ومحامي وعضو مجلس النواب حالياً:"ان رصيد العدالة «عاد صفراً» بعد افلات المتهمين في القضية الوحيدة التي تم الحكم فيها من قضايا العنف في تشرين" .وكتب على "تويتر":"عن العدالة في العراق.. من بين مئات الشهداء في الاحتجاجات، القضية الوحيدة في العراق لشهيدين تم الحكم فيها على الضباط الجناة نهاية عام 2019 (وكنت محامي وكيل ذوي الشهداء آنذاك). تم الافراج عن الضباط وبراءتهم من التهمة قبل ايام ليعود رصيد العدالة صفراً"[17]..

المطلوب محكمة خاصة
فوراً عقب تأكيد رئيس مجلس الوزراء متابعة وتسريع التحقيقات في أحداث تظاهرات تشرين 2019، التي قُتل فيها مئات المحتجين العراقيين، وتعهده بعرض نتائج التحقيقات قريباً، عبر ناشطون مدنيون" أنهم لا يثقون بالتتصريحات التي تطلقها حكومة السوداني، كونها مدعومة بالأصل من جهات سياسية كانت تحرض ضد المتظاهرين، وبعضها تورط فعلاً في قتل واختطاف عدد من الناشطين، وإعتبروا أن السوداني يريد أن يكسب تعاطف المحتجين والقوى المدنية التي باشرت الحديث أخيراً عن رفضها لأي قانون انتخابي يخدم القوى السياسية الكبيرة والتقليدية".

ويرى الناشط المدني المشارك في الاحتجاجات احمد الوشاح:"ان اللجان المشكلة هي وسيلة للتملص من المسؤولية وتمييع الحقائق".وطالب،بدلا عن ذلك:« تشكيل محكمة خاصة بأحداث تشرين على غرار محاكم النشر والنزاهة ومحكمة ازلام النظام السابق".وأضاف:"حينذاك سنذهب ونقدم الادلة والوثائق والفيديوهات الى المحكمة، وإلا فان اللجان لن تقول الحقيقة"..

وإستغرب الوشاح من طلب المحققين والمحاكم تحديد الشخصيات التي قتلت المحتجين، مضيفا: "اغلب المسلحين كانوا ملثمين، وان لم يكونوا، فنحن لا نعرف أسماءهم او عناوينهم".وتابع:"نحن نعرف من ملابسهم وعجلاتهم التي كتب على بعضها بانها تابعة للجيش او الداخلية او مكافحة الشغب، كما صدرت ضدنا تهديدات وفتاوى قتل من رجال دين ومسؤولين يجب التحقيق معهم"..

وقال المحامي حسين الغرابي: إن "حكومة السوداني أضعف من محاسبة الجهة المتورطة في قتل المتظاهرين، لأنها محاطة بكل الأحزاب والفصائل المسلّحة التي تورطت في قتل متظاهرين وناشطين".وأضاف أن "قتلة المتظاهرين ينتمون لجهات واضحة ومعروفة، والأمر لا يحتاج إلى كل هذا الوقت للكشف عنهم، كما أن ذلك لا يتم عبر البيانات الحكومية التي تريد الاحتيال على العراقيين، بل من خلال إرادة سياسية وقضائية حقيقية، لذلك نحن نطالب بإقامة محكمة خاصة ومتخصصة في ملف تظاهرات تشرين، ومحاسبة الجهات المتورطة في دم المحتجين [18].

حيال هذا،أعلن الناشط السياسي أيهم رشاد:" باشرالناشطون بحملة واسعة للمطالبة بتشكيل محكمة خاصة لمحاسبة قتلة المتظاهرين، وجعلها بعيدة عن متناول الأحزاب أو التأثيرات السياسية"، مؤكداً أن "قضية تشرين تحتاج إلى اهتمام حقيقي من قبل القضاء العراقي، وعزلها عن تأثيرات الفصائل المسلّحة وبعض قادة الأحزاب" [19].

فوفاءً لدماء شهداء تشرين، يتعين على كافة القوى الوطنية والديمقراطية إسناد حملة تشكيل محكمة خاصة،على غرار المحكمة الخاصة لمحاكمة أركان النظام السابق.وعلى حكومة السوداني ان تثبت حسن النية وصدق تعهداتها بالطلب من القضاء تشكيل المحكمة الخاصة، وفق الإجراءات المطلوبة، ومنها ان تتألف من قضاة مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والحيادية والعدالة، ويكونون جريئين بإستدعاء والتحقيق مع المتنفذين،ولا يرضخون للتهديدات والضغوطات،مع ضمانات الدعم والحماية لهم، ليعملوا على كسب ثقة المواطنين ليدلوا بشهاداتهم وليزودوها بما لديهم من وثائق وأدلة وبراهين.

ولتكن جلساتها علنية،وتتوج عملها بإصدار أحكامها العادلة لينال القتلة جزاءهم العادل.
 


الهوامش:
1-
” تقريرAmnesti.org: حالة حقوق الإنسان في العالم لعام 2021/ 2022.
2- Euro – Med Human Rights Monitor, 27 Okt.2022 .
3- "القدس العربي"،5/10/2019..
4- "العربية. نت"، 23/10/ 2019.
5- " Independent) عربية"،10/10/2021
6- Human Rights Watch, 29 Nov, 2022
7-  Euro- Med Human Rights Monitor, 27 Okt. 2022
8- "العربي الجديد"،17/2/2023.
9- " Independent عربية"،10/10/2021)
10- Euro – Med Human Rights Monitor, 27 Okt.2022
11-Human Rights Watch,12 Jan 2023)
12- بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق( يونامي)، تطورات التظاهرات في العراق، ،اَيار 2021
13- بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق،مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بغداد- العراق، اَب 20202
14- -"المدى"،14/2/2023
15- "القدس العربي"، 7/1/2023
16- "المدى"، 14/2/2023).
17- المصدر السابق.
18- المصدر السابق
19- "العربي الجديد"، 17/2/ 2023.

 

* كاديمي متقاعد، عراقي مقيم في السويد

 

 

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter