| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جواد وادي

Jawady49@hotmail.com

 

 

الأثنين 21/11/ 2011                                                                                

 

ما الذي وراء أقلمة العراق؟!

جواد وادي *

الإرباك السياسي الذي بات لصيقا للوضع الكارثي في العراق وتفشي لغة التهديد والوعيد بالثبور لكل من يقف دون تحقيق ما يراه المناطقيون حقا شرعيا وإرثا تأريخيا يخضع لانتماءات وإعادة نفوذ ضائع ولم شمل ما بعثرته الأحداث لأفراد يسعون لإعادة المجد المفقود والمراهنة على إعادة التأريخ الرث بكل آلامه وويلاته وغياب لغة الحوار والنقص الحاد في فهم ما يجري وعدم الاحتكام للعقل والاعتراف بالأخطاء الفادحة التي جرت البلاد للكوارث وأحالت بلدا عريقا أرضا وناسا وتأريخا وثروات هائلة إلى مسخ ما بعده مسخ وبدل أن يتجند الجميع للسعي لانتشال هذا الوطن المنكوب من المحنة بالتقرب وتصفية النوايا والتفكر فيما آلت إليه الأمور واضعين منافعهم الشخصية والمناطقية والقومية والمذهبية والدينية جانبا ولو لحين ومن ثم لكل مقام مقال لأن الأرض لن تذوب في لجة النوايا والناس لن يغادروا الأرض اللصيقة لهم ولا ملاذ لمن يراهن على فوات الوقت والعمل بسرعة البرق لقطف ثمار الفعل اللاوطني لحصد ما يمكن جنيه وليذهب الوطن للجحيم.

الغريب في الأمر أن من كان يدافع عن وحدة العراق ورفض نوايا التقسيم تحت أي مسمى، نظاما فيدراليا كان أم إقامة أقاليم أم أي نظام جيوسياسي أو جيواقتصادي وغيرها، بات الآن من المطالبين بقوة لإقامة الأقاليم لا على أساس لا مركزي في الإدارة وتسيير شؤون المحافظة ومناطقها، بل باتجاه بناء حكومات مستقلة عن المركز وهذا الفعل، شئنا أم أبينا، بداية الدخول في دوامة التقسيم معطلين، هؤلاء المطالبين بفك الاشتباك مع الحكومة المركزية عقولهم في العواقب الخطيرة لهكذا مطالبات ومجندين أتباعهم من أنصاف الأميين والجهلة وبدافع ومباركة قوى ترفض العملية السياسية بالكامل حكاما وسياسيين وأحزابا تشكل المشهد السياسي، معتبرينهم جاءوا مع الاحتلال وكأن هذا الاحتلال هبط بقدرة قادر وعلى حين غرة دونما معرفة أسبابه ومحركه الأساسي ومن أعطاه الضوء الأخضر والبنفسجي وكأن حزب البعث وسلطة صدام الغاشمة بحروبها العبثية وبمقابرها الجماعية، لا يد فيها ولها فيما وقع من زلزال يتحمل كل تبعاته، أسبابا ونتائجا، للعبث البعثي وبلادة قيادة البلد بطريقة البلطجة بعيدا عن حكمة السياسي العارف بدهاليز فن القيادة والحفاظ على البلد بعيدا عن الكوارث التي محقت كل شئ وهذا ما حصل للعراق الذبيح، وما زالت ذات المخلوقات بعد هذا الكم الهائل من المتغيرات داخل وخارج العراق لا زالت تتشبث بالعودة وحكم البلاد بقبضة الحزب القائد وحرق كل المناوئين لهذا الهدف البيزنطي بعد أن وجدوا من يشد على أياديهم ويعضد ما ينوون فعله من مكونات دخلت العملية السياسية لا بهدف تصحيح المسار وإعادة بناء البلد المخرب، بل بحيل وخدع سياسية يختبئون من ورائها وكأن قدر العراق أن يستمر في ذات الدوامة دونما حس وطني وضمير آدمي للشعور بمعاناة المنكوبين من العراقيين ولا يهمهم إذا ما عادت الفترة السوداء ثانية وليتحمل العراقيون مرحلة خراب جديدة.

كيف سمح مواطنو صلاح الدين لأنفسهم لأن ينقلبوا بهذا الشكل الغريب حتى على أنفسهم؟ ولماذا المطالبة بأقلمة المحافظة دافعين بقية المحافظات التي ما فتأت تعمل وبقوة على تغليب الشحن الطائفي لذات المنحى فقط بعيد اعتقال مجموعة من بقايا البعث، وحتى لو تسرعت الحكومة وقامت بهذا الإجراء فهل من المعقول القيام بهذا المطلب وتحشيد الناس للضغط على الحكومة للقبول بالأمر الواقع؟ وهل العراق في وضع يؤهله لأن يؤقلم وفي هذا الوقت وقبيل سحب القوات الأمريكية بأقل من شهر؟ هذه الأسئلة وغيرها تدفعنا لأن نضع أكثر من علامة استفهام على هذه النوايا التي لم تكن نقية أبدا مهما حاول البعض إيجاد التبريرات لها.

لو عدنا قليلا إلى الوراء وتحديدا أيام التصويت على الدستور العراقي الدائم عام 2005 لوجدنا أن من أعطى الضوء الأخضر لما يجري الآن بالإضافة إلى نظام المحاصصة السيئ الصيت والفعل وكيف قسم ساسة العراق المنافع السياسية بينهم كما قسمت الدول الاستعمارية الشرق الأوسط في اتفاقية سايكس - بيكو ووزعوا الدول بينهم. لا أجد توصيفا ابلغ لنظام التحاصص لكتلنا السياسية بقدها وقديدها وهي تتكالب لتوزيع المغانم لبلد لا يعرف إلا نضوح الصديد يوما بعد آخر.

ما قرأت لصديق نقل مشاهدات زيارته للعراق حين زار دائرة عراقية كبيرة، وما أن ولجها تعرف على أنها تعود لتيار مشارك في العملية السياسية من خلال الصور المعلقة والرايات الحسينية والموظفين الملتحين والمحجبات الجدد، فسلم أمره لخالقه وعاد من حيث أتى لأنه لم يدخل دائرة بل حسينية بامتياز. هذا المثل ينسحب على العشرات من دوائر الدولة التي باتت حكرا للمؤلفة قلوبهم من ساستنا الأشاوس معممين وأفندية.

إذن كيف ونحن أمام هذا المسخ الحقيقي للدولة التي عادت كانتونات للأحزاب والمكونات المباركة أن نلوم أهل صلاح الدين والرمادي وديالى وغيرها من المحافظات بالمطالبة بتكوين أقاليم وهم يعيشون ويعانون حالة من التسيب والفساد والاستحواذ على مقدرات البلد وبات الأمر وكأنه سعي مسعور لنيل ما يمكن نيله من أموال البترول دولار.

أما العراق والشعب والبناء وترميم الخراب، فبات لا يعني الجميع وإلا لماذا هذا الصمت ازاء هذا الخراب والخسارات الفادحة. وكأن العراق والعراقيون في واد والساسة والناهبون والحرامية في واد آخر.

الوجه الآخر للأزمة هو الدستور الذي شرّع لإقامة الأقاليم وهو يخرج للتو من محارق وخراب وحروب وفتك و العراق مهدد بالتقسيم والحرب الأهلية تحصد الأبرياء وغيرها من صور الخراب، ليأتي الساسة بمشروع إقامة الأقاليم وتكوين الفيدراليات وغيرها من صيغ تفتت الوطن في الوقت أن مثل هكذا قانون يتطلب وضع مستقر وبنية تحتية متينة وفصائل عراقية متآلفة وشعب ينعم بالرخاء ووطن خالي من المشاكل وسواها من صيغ الاستقرار. فأية عبقرية هذه التي تفتقت لإخراج مثل هذا المشروع الذي أعطى الضوء الأخضر لكل المتربصين بالعراق وأمنه واستقراره لأن يجدوا مخرجا لتنفيذ أجندات يتداخل فيها الداخل بالخارج لتأزيم الوضع أكثر مما هو مأزوم، ليبقى أمن العراق ووحدته على كف عفريت، وها نحن نحصد ما جنيناه من عبث لا يحتكم لأدنى معايير الرصانة السياسية والفعل الجاد للحفاظ على سلامة المواقف تحقيقا للأهداف الوطنية الكبرى.

ما قلناه ونقوله وسنقوله عن الوضع في العراق من ارتباك وتشتت وضياع وتعدد مصادر القرار وعدم احترام مركزية الدولة وفساد ولعب في الوقت الضائع وإبقاء الحبل على الغارب كل هذه الأمور ستقلب الجرة حتما على كل سياسيي العراق بكتله وأحزابه ومكوناته وسيندم الجميع إن لم يبادر الكل في أيجاد الحلول وبأسرع وقت. ومن أهم الخطوات تغيير الدستور وإجراء الانتخابات المبكرة وتصحيح المسارات بكل تفاصيلها والضرب بيد من حديد على كل المتلاعبين والفاسدين وأصحاب النوايا الخبيثة لتدمير ما تبقى من العراق.

وحتى نكمل الفكرة نترك القارئ مع بعض بنود الدستور التي تعتبر مساهمة في تفتيت البلد لأن وضع العراق وهو يخرج من أتون الحروب والفناء، لا يتناسب أبدا وهذه المواد الكارثية. وكان من الأنسب الإشارة إلى منح المحافظات صلاحيات أوسع ونظام لا مركزي يحدد بقانون لإدارة شؤونها لا كما جاء في الدستور من صلاحيات لتشكيل حكومات محلية ومجالس وزراء وبرلمانات وتشريع دساتير خاصة بالأقاليم وغيرها من الإجراءات التي تشجع وتدفع بقيام دويلات في وضع هش وميئوس من إصلاحه في خضم هذا الخراب والإهمال وتغليب المنافع الشخصية على قضايا الوطن الكبرى.

بعض مواد الدستور
الباب الخامس سلطات الأقاليم
الفصل الأول الأقاليم
• المادة (112):
يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ وأقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ وإدارات محلية.

• المادة (113):
أولا :ـ يقر هذا الدستور، عند نفاذه، إقليم كردستان وسلطاته القائمة، إقليما اتحادياً. ثانياً :ـ يقر هذا الدستور، الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامه.

• المادة (114):
يسن مجلس النواب في مدةٍ لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ أول جلسةٍ له، قانوناً يحدد الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم، بالأغلبية البسيطة للأعضاء الحاضرين.

• المادة (116):
يقوم الإقليم بوضع دستورٍ له، يحدد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على أن لا يتعارض مع هذا الدستور.

• المادة ( 117):
أولا :ـ لسلطات الأقاليم، الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية. ثانياً :ـ يحق لسلطة الإقليم، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم، بخصوص مسألةٍ لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية. ثالثاً :ـ تخصص للأقاليم والمحافظات حصةٌ عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها. رابعاً :ـ تؤسس مكاتبٌ للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية، لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية. خامسا:ـ تختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم، وبوجهٍ خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم، كالشرطة والأمن وحرس الإقليم.
 


* شاعر ومترجم وكاتب عراقي مقيم في المغرب




 

 

free web counter