|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  5  / 10 / 2024                                 حامد خيري الحيدر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

من ذكريات العمل الآثاري

قصة اكتشاف أكبر معبد دائري في وادي الرافدين
(3)

حامد خيري الحيدر  *
(موقع الناس)

تنقيبات الموسم الثاني 1998
في اواسط شهر نيسان عام 1998 بدأ موسم التنقيب الثاني في "تل النمل"، في هذا الموسم جرَى تغيير في فريق التنقيب حيث التحق به الدكتور أحمد كامل بدلاً من الزميل اسماعيل ابراهيم الذي اعتذر عن العمل لأسباب صحية، في هذا الموسم كان عمل فريق التنقيب أيّسر وأسهل نوعاً ما من ناحية التوجيه والتنظيم، بعد أن تم تحديد هوية الموقع وتاريخه، رغم التيقنّ بمواجهة بعض الصعوبات الفنية التي تتطلب الدقة والتأني خلال التنقيب، حيث أنه سيكون مُحدّداً بإكمال استظهار البناء الدائري الذي تم الكشف عن جزء صغير من معالمه في الموسم الأول، وكذلك مُتابعة التنقيب في المقبرة لتحديد امتداداتها، والكشف عن أكبر عدد مُمكن من قبورها لغرض معرفة مدى علاقتها بذلك البناء، بالإضافة طبعاً السَعي للعثور على القطع الأثرية التي توثق الفترة الزمنية للموقع.

كان الموسم السابق قد أنتهى بعد وصول التنقيب في البناء الدائري الى عمق لا يتعدى متر واحد، أمكن من خلاله تعيين حُددوه الخارجية وبعضاً من تفاصيله السطحية، وبعد قياس مَناسيب الارتفاعات تَبيّن أنه يتطلب الحفر لما يقارب أربعة أمتار أخرى للوصول الى أرضية البناء، التي كانت مُعظم المُعطيات الأولية تُشير الى أنه لا زال قائماً بكامل ارتفاعه القديم مع مرافقه البنائية، ومع احتساب كمية الأنقاض والأتربة الكبيرة التي سَيتم رفعها، تم وضع خطة العمل بزيادة عدد العمال والحَفارين أيضاً، حيث سيَنقسم العمال الى مجموعتين، مجموعة ترافق الحفارين في عملية الحفر والأخرى مُهمتها تَنحصر فقط بنَقل الأتربة الى خارج مَنطقة العمل، ليَغدو الموقع وفق هذا التخطيط شَبيهاً بخلية النحل لا تكاد الحركة فيه تتوقف أو تتباطأ، وكذلك كان الحال مع أعضاء فريق التنقيب حيث غدى الجميع في حركة دؤوبة لا تكاد تنقطع، مُتنقلين من مكان الى آخر لمتابعة عمل الحفارين، وما يُستجد خلال عمليات الحفر وتسجيل الملاحظات اللازمة، مع أخذ القياسات والقراءات المساحية بعد كل نصف متر من عمق الحفر .

اكتشاف مُحيّر
مع أواخر شهر حزيران تم استظهار كلاً من الجانبين الخارجيين للبناء الجنوبي والغربي، وقد كانا بارتفاع يزيد على الأربعة أمتار، علماً أن ارتفاعهما الأصلي حسب تصور أعضاء الفريق كان يزيد على الخمسة أمتار، كما تم رفع أنقاض الأتربة وكتل اللِبن المتساقطة من أجزاء البناء العليا التي كانت تملأ المَمر الوسطي بالكامل، والوصول الى أرضيته المُبلطة بطبقة سَميكة من الطين النقي المَخلوط بالحَصى الناعم، والتي كانت على عُمق أربعة أمتار ونصف، علماً أن نُزول أعضاء فريق التنقيب مع عمال الحفر الى تلك الأرضية كان يَتم عن طريق مُنحدر ترابي أعدّ لهذا الغرض في أحد الجوانب.

كانت أنقاض الأتربة هائلة جداً في المَمر مَصحوبة بكميات كبيرة جداً من الرَماد، الذي أخذ بالازدياد كلما تم التَعمّق بالحفر، وكان ذلك ناتج بشكل مؤكد عن سقوط سقف البناء بفعل النيران، وما يؤيد ذلك وجود آثار حرق واضحة على جدران البناء، مما يؤكد حقيقة أن البناء قد تَعرّض الى حريق كبير، كان في الغالب بشكل مُتعّمد ربما نتيجة غزو ما لم تُعرف هويته، أو حربٍ حَدثت خلال أحد أدوار عصر "دويلات المدن السومرية"، مما أدى الى هَجر المُستوطن بشكل كلي لفترة طويلة من الزمن امتدت لقرون عديدة تصل حتى فترة العصر الآشوري الوسيط كما تَمّت الإشارة الى ذلك، وفي الغالب أن ذلك الغزو والحَرق الحاصل قد حَدث عند أواسط القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد مع بداية تأسيس الدولة الأكدية (1) حين غَزَت وأخضعت جميع المدن السومرية واستباحت جيوشها بشكل عَنيف مُعظم مُستوطناتها في جنوب وادي الرافدين وشماله.

  

كان المَمر الوسطي البالغ عُرضه مترين كما سَبق القول، يفصل بين الجدارين الثالث والرابع للبناء، ولغرض تقوية هذين الجدارين، تم تدعيم جانبيهما المُطليّن على المَمر بأسلوب "الطلعات والدخلات (2)، وقد كانت المفاجأة التي لم تكن مُتوقعة فيه مع إزالة القسم الأخير من الأنقاض، هو اكتشاف عشر كوى (جَمع كوّة) مُثلثة الشكل مُتباينة الحجم تغور عميقاً في الجدار الرابع وموزعة على امتداده، كل واحدة تقع بين أثنين تلك الطلعات الساندة، تراوحت ارتفاعاتها ما بين متر ومتر ونصف، كما تباين عرض قواعدها بين ستين وثمانين سنتيمتراً، تسعة منها ذات عمق بحدود متر واحد، أما العاشرة التي تقع في الجانب الغربي فهي ذات شكل غريب للغاية، حيث كانت عبارة عن مَمر واطئ غير منتظم الجوانب مَعقود بشكل مُثلث ارتفاعه يزيد قليلاً على المتر، يُماثل شكل وارتفاع فتحة الكوّة، يَمتد لمسافة أربعة أمتار تقريباً ويصل حتى مركز البناء.

كانت هذه الكوى ذات شكل وتصميم غريبين وكان على جَوانبها أثار حَرق شديد، عثر فريق التنقيب داخلها على كميات كبيرة من الرَماد وكذلك العديد من الأواني الفخارية الصغيرة والمتوسطة الحجم والمُتنوعة الأشكال والاستخدام، من جرار وصُحون وأقداح شُرب الماء، بين مُلونة ومُزخرفة بشكل حُزوز وبسيطة خالية من النقوش، بالإضافة الى كميات كبيرة من عظام الحيوانات الداجنة من ماعز وطيور، وكذلك عظام أسماك وقواقع وأدراق سَلاحف، ومن بين ما عُثر عليه داخل أحدى تلك الكوى شيء طريف للغاية، يتمثل بقِدرٍ فخاري أسطواني الشكل متوسط الحَجم سَمج الصُنع، من النوع الذي يُستخدم عادة لطهي الطعام، وفي داخله بقايا عظام أسماك مع كمية كبيرة من بُذور الطماطم، وهذا يُشير بشكل واضح الى مَعرفة أجدادنا شعب سومر بكيفية أعداد مَرقة السمك، من يدري ربما كانت هذه التي تم العثور عليها هي الأقدم في التاريخ.

ومع اكتشاف تلك الكوى بما احتوته من مواد تُشير بشكل واضح لا يختلف عليه أي أثاري، أنها بمَثابة قرابين مُقدمة لمكان مُقدس، فقد غَدى فريق التنقيب في حيرة من أمر هذا البناء وبماذا كان يُستخدم، حيث أن القرائن التي أخذ يُعثر عليها فيه يوماً بعد يوم جَعلت فريق التنقيب ينبذ جميع الآراء التي سبق طرحها بصدد الأبنية الدائرية، وما زاد من هذا الغموض أيضاً هو كشف التنقيبات لاحقاً في الجانب الجنوبي الشرقي من المَمر الوسطي، عن بئر ماء كبيرة قطرها بحدود متر وربع، مُشيّدة حافتها بقطع الحجارة غير المنتظمة، مما يدعو للتساؤل عن سبب وجودها في هذا المكان تحديداً، رغم أنه كان يُمكن حفرَها في جانب آخر أو حتى خارج البناء، كل ذلك دعا الى الاعتقاد استناداً الى ما تم الكشف عنه حتى ذلك الوقت، بأن هذا البناء الدائري لابد أن تكون له صفة أو هوية دينية مُعيّنة.

أين هو مدخل البناء؟
رغم وصول الحفر حتى أرضية البناء الدائري حيث المَمر الوسطي، لكن فريق التنقيب لم يتمكن من تحديد موقع مدخل البناء، رغم الدقة البالغة في عملية التنقيب ومُتابعة امتدادات صُفوف اللِبن، حيث كانت مُتصّلة تماماً من دون أي قطع فيها، حتى وَصَل الحال بأعضائه الى الظن بأن هذا البناء بارتفاع جدرانه الكبير، قد تم تصميمه من دون مَدخل لسبب أو غرض ما، وأن الدخول إليه والخروج منه كان يتم عن طريق السلالم، لكن بعد ما يُقارب الأسبوعين من العمل المتواصل حُسم الجدل في ذلك حيث تَمّ استظهار الجانب الشرقي من البناء، وفي وسطه تماماً جَرى تحديد المدخل وكشفه بكامل شكله وارتفاعه، حيث كان بارتفاع يَزيد على المترين وعرضه بحُدود المتر، عُقدت قمته بعقدٍ دائري صغير يَقرب الى الشكل المُثلث، ووجود المَدخل في الجانب الشرقي من البناء يَتفق مع طبيعة الهوية الدينية للبناء ويؤكدها، والتي يَقتضي وفق أسلوب تَشييد المعابد والمَزارات الرافدينية المُربعة أو المستطيلة التخطيط والمُتجهة أركانها نحو الجهات الأربعة الرئيسية، أن يكون المدخل عادة في الجانب الشرقي (الجنوب الشرقي أو الشمال الشرقي)، من أجل أن يُقابل الشمس عند شُروقها حسب العقيدة الدينية لسكان وادي الرافدين.

ومع تتبع امتداد المدخل تبيّن أنه يخترق المَمر الوسطي، رغم وجود حاجز بشكل جدار قليل السُمك في وسط المَمر مما يُحتّم على الداخل الانحراف يميناً أو يساراً ثم متابعة الدخول، وهذا يتطابق تماماً مع تصميم المعابد التي تعود لعصر "دويلات المدن السومرية" الثاني، والمعروفة باسم "معابد المحوَر المُنكسر"(3)، ثم يَستمر أتجاه المدخل ليَمتد نحو الغرب مُخترقاً الجدار الرابع وحتى مركز البناء، والأكثر غرابة هو إلتقائه مع المَمر الواطئ المُمتد من الكوّة الواقعة في جهة الغرب حتى مركز البناء أيضاً، كل ذلك جعل من هذا المُخطط الغريب للغاية بمثابة أحجية معمارية لا يمكن أن تُفك طلاسمها إلا بعد اكمال التنقيب فيها.

ومع استمرار التنقيب في الجانب الشمالي من البناء أخذت تظهر مرافق بنائية أخرى في هذا الجانب، حيث تم الكشف عن وحدة بنائية ملاصقة للجدار الخارجي للبناء مُشيّدة باللِبن مُتكوّنة من عدد من الحجرات الصغيرة كان قد أزيل معظمها، وما تبقى من ارتفاع جدرانها لا يتعدى النصف متر تقريباً، وقد وجدت خالية تماماً من المواد الأثرية، باستثناء كِسر فخارية ملونة تعود لنفس فترة ثقافة "نينوى5"، لذلك لم يَتمّ تحديد هويتها أو بماذا كانت تستخدم، لكنها في الغالب كانت مخازن أو غرف مَعيشة ترتبط بالبناء الدائري، لكن الأهم هو أن تَمّ الكشف في هذا الجانب أيضاً وبالقرب من تلك الحُجرات على بناء غريب آخر مُشيّد بالحجر غير المنتظم والطين، يتمثل ببناء دائري آخر صغير الحجم يتكون من دائرة قطرها بحدود أربعة أمتار يُحيطها مَمر ضيّق عرضه متر تقريباً، وبعد تدقيق مَناسيب طبقات التربة بواسطة الأجهزة المساحية تبيّن أنه ينخفض بحدود متر وربع عن قاعدة البناء الدائري، أي أنه يعود لفترة زمنية أقدم، للأسف لم يُعثر داخله على لقى أثرية يُمكن أن تُبيّن تاريخه بشكل أكيد، باستثناء كميات قليلة من الكِسر الفخارية الخشنة والسَمجة الصنع تعود لعصر "الوركاء" 3500ق.م، مما يُشير بوضوح الى أن هذا البناء يُمثل طبقة أثرية كاملة تعود الى عصر "الوركاء"، أي أنها تَسبق تَشييد البناء الدائري بعدة قُرون.

في مطلع شهر آب ومع استمرار العمل لاستظهار باقي الأجزاء السفلى من البناء الدائري، لاحظ أعضاء فريق التنقيب مع مرور الوقت بأن الأقسام العليا لجداري المَمر الوسطي قد أخذت بالمَيلان تدريجياً نحو الداخل، بالإضافة الى حدوث بعض التشققات والتصدّعات في هيكل البناء بفعل العوامل الجوية، مما وَلدَّ لدى الجميع مَخاوف بأن يُسبب هذا الشيء للفريق وعماله كارثة غير مَحسوبة، تنتج عن انهيار تلك الاجزاء أثناء أوقات العمل، لذلك يقتضي مُعالجة هذا الأمر بشكل سريع والحَدّ من خطورته عن طريق تقوية هيكل البناء، وذلك بأسناد تلك الجدران والأجزاء المُتداعية بشكلٍ عَرَضي، بواسطة مَساند معدنية مُتحركة ترتكز على الواح خشبية عريضة، وقد قُدّرت الحاجة لتنفيذ هذه الفكرة بنحو خمسة عشر مسنداً، وبالفعل جرى تنفيذ هذه الفكرة التي كانت نتيجتها مُمتازة وفعّالة وكما تَمّ توقعها تماماً.

مَزيدٌ من الاكتشافات الغريبة
ترّكزت أعمال التنقيب فيما بعد على مركز البناء الدائري، بعد أن تَمّ استظهار معظم أجزائه بما احتواه من تفاصيل دقيقة وغريبة، حيث بات فريق العمل يعتقد جازماً بأن الكشف عن جميع تفاصيله البائية هو من شأنه فقط أن يُفسر ويُحدد هوية هذا البناء، لذلك جَرَت مُتابعة الحفر في المَمر الدائري المُحيط بالمركز ويفصله عن الجدار الرابع، والذي كان عرضه كما سبق القول بحدود متر واحد، ومع التعمّق بالحفر أخذت تظهر تفاصيل بنائية أخرى غريبة جداً وغير متوقعة، لتزيد من الحَيرة حول طبيعة هذا البناء وماهيته، حيث تبيّن أن مركز البناء كان بمَثابة مَوقد كبير للنار قطره بحدود مترين وعُمقه متر تقريباً، مُمتلئ بالرَماد وتغطيه طبقة سَميكة من التراب، ما أن تَمّت ازالتاها حتى أخذ يتطاير وكأنه أحترق قبل يوم واحد فقط، حيث كانت رائحة الحرق لاتزال تفوح منه.

وأسفل هذا الموقد تماماً كُشف عن كوّة كبيرة مثلثة الشكل ارتفاعها بحدود مترين، أما عرضها وعمقها فقد كانا متر واحد تقريباً، تتجه فتحتها نحو الشمال، لم نعرف سبب بنائها أسفل موقد النار، كما لم يُعثر داخلها على أي مواد أثرية تُشير الى الغاية منها أو وضيفتها البنائية، وأغرب ما فيها أنها كانت مُغطاة من الداخل بشكل كامل من السقف حتى الأرضية بقطعة سميكة من الحصير، مَنسوجة بشكل زخارف هندسية جميلة للغاية، تتمثل بأشكال مَعينات ومُربعات ومُثلثات، رغم أنها قد غدَت سوداء بسبب المدة الزمنية الطويلة التي قاربت الخمسة آلاف عام، لكنها كانت مُحافظة على شكلها ونَسيج قَصَبها الى حدٍ بعيد، وقد بَذل فريق التنقيب فيما بعد جهوداً استثنائية في مُعالجتها وإنقاذ ما يمكن انقاذه منها، بعد أن أخذت تهترئ وتتحلل إثر مُلامستها الهواء، وبالفعل تَمكنّ بصعوبة بالغة من الحفاظ على قطعة صغيرة جداً منها لا تتعدى الرُبع متر مربع، أما الباقي فقد تَحول الى مَسحوق أسود اللون.

ولم يَطل الوقت حتى فوجئ فريق العمل باكتشاف آخر أكثر اهمية، حيث أخذت تظهر مع التعمق بالحفر في مَمر المركز عدة قَدَمات مُدرّجة، تَمّت متابعتها شيئاً فشيئاً بشكل دقيق حتى أرضية البناء التي كانت بنفس مستوى أرضية المَمر الوسطي، ليَتبيّن أنها تُشكل بمُجملها سُلم لولبي مُدرّج مُتكامل، تم تَصميمه بشكل ذكي جداً من ناحية حِساب درجة مَيلانه قياساً الى مَساحة ارضيته وارتفاعه الذي بَلغ أكثر من مترين ونصف، كان عرضه بحدود متر واحد، ويتكوّن من ست عشرة قَدَمة "درجة" عُرض كل منها عشرون سنتمتراً وارتفاعها عشرون أيضاً، يبدأ من أرضية المَمر المركزي، ثم يلتف دورة ونصف بعكس اتجاه عقارب الساعة حَول مركز البناء بأسلوب مُماثل لسُلم ملوية سامراء، لينتهي بفتحة الكوة الكبيرة الواقعة أسفل موقد النار في الوسط، من جانب آخر فأن هذا السُلم كانت أولى قَدَماته تبدأ في الجانب الشرقي من المَمر المركزي، حيث يرتبط بمَمر طويل يمتد نحو الشرق ويوصل مباشرة الى المدخل الرئيسي للبناء.


الهوامش:
(1) الإمبراطورية الأكدية... أول إمبراطورية سياسية في تاريخ العالم، أسسها الملك "سرجون" عام 2371ق.م، مُنهياً بذلك عصر "دويلات المدن السومرية"، جُعل من "أكد" عاصمة للإمبراطورية الواسعة، والتي لم يُحدد موقها بشكل مؤكد حتى الآن، لكن يُعتقد أنها تقع في الغالب قرب بلدة "المحمودية" جنوب مدينة بغداد، وهناك رأي يُشير الى أنها موجودة في الطبقات السفلى من مدينة "بابل"، تولى حكم الإمبراطورية بعد الملك المؤسس أربعة ملوك هم.. "ريموش"، "مانشتوسو"، "نرام سين"، "شاركيليشري"، شهدت بلاد وادي الرفدين خلالها أول وحدة سياسية شملت جميع مناطقه من الشمال الى الجنوب، ثم استمر توسعها لتشمل مناطق وأقاليم بعيدة من الشرق الأدنى القديم، تمتد من البحر المتوسط وحتى الخليج العربي، تَميّزت فترة حكمها بسيطرة العنصر الأكدي على المرافق الحيوية في عموم البلاد، كما أتخذ من الأكدية لغة رسمية رئيسية لعموم السكان، أسقطت هذه الإمبراطورية من قبل القبائل "الكَوتية" الهمجية القادمة من الشمال عام 2230ق.م.

(2) الطلعات والدخلات... أسلوب بنائي تميّزت به العمارة العراقية القديمة، تعود بداياته الى الفترة الأخيرة من العصر الحجري الحديث أي بحدود الألف السادس قبل الميلاد عند الدور الثقافي المعروف باسم "حسونة"، يتمثل بتشييد الجدران أو واجهات الأبنية ليس بشكل مستوي واحد، وإنما بصورة تعرجات مُتناوبة منتظمة تبرز بشكل دعامات ثم تغور بشكل إنبعاجات، وبمقدار معين يزيد أو ينقص حسب حجم المبنى وهندسته، والغرض من ذلك هو أسناد الجدران واعطاءها قوة اضافية، فَضلاً عن عملها في تقليل حدة العوامل والمؤثرات الطبيعية والمناخية عليها، بالإضافة الى تخفيف حدة سقوط أشعة الشمس على سطحها من أجل الحفاظ على درجة حرارتها، وأيضاً لمنح البناء جمالية معينة من خلال أبعاده عن الرَتابة في الشكل، وكذلك من خلال التفاوت في إحداث الظل على البناء.

(3) معابد المحور المُنكسر... ظهرت هذه المعابد في المدن السومرية خلال عصر "دويلات المدن السومرية" الثاني، وتتميز بأن المدخل فيها لا يتعامد مع اتجاه خلوة الإله، بحيث يَتوجب على الداخل الانعطاف بزاوية قائمة لغرض التوجه بحركته نحو تلك الخلوة.



* باحث آثاري

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter