|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

   
 

الجمعة   4 / 10 / 2024                                 حازم كوي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي تولياتي يحذرالحزب الشيوعي السوفييتي من الانفصال عن الحزب الشيوعي الصيني

يينس رينر (*)
ترجمة: حازم كويي
(موقع الناس)


في تأريخنا المعاصر،عندما أشتدت الخلافات الأيديولوجية بين مركزي قيادة الحركة الشيوعية العالمية، حاول بالميرو تولياتي التوسط - كتب فيها "مذكرة يالطا"

ظل نص بالميرو تولياتي الأخير المنشور بعد وفاته، "مذكرة يالطا"، واحدة من أهم النصوص حتى بعد وفاته. فقد سافر الأمين العام للحزب الشيوعي الإيطالي (
PCI) إلى الاتحاد السوفيتي في صيف عام 1964 لتوضيح الاختلافات الإستراتيجية مع الحزب الشيوعي السوفييتي. المذكرة حول هذا الموضوع كانت مكتوبة قبل محادثة شخصية مع نيكيتا خروتشوف، السكرتير الأول للحزب الشيوعي آنذاك - لكن ذلك لم يحدث أبداً.

في 21 أغسطس، بعد أيام قليلة من وصوله إلى شبه جزيرة القرم، توفي تولياتي بسبب نزيف في المخ بعد إصابته بسكتة دماغية عن عمر يناهز 71 عاماً. وقد تمت طباعة مُذكرتهِ في 5 سبتمبر في صحيفته المركزية للحزب الشيوعي ألإيطالي L’Unità وفي صحيفة
Rinascita الأسبوعية. وبقرار من خليفة تولياتي لويجي لونغو (1900 - 1980). وظهرت الترجمات في وقت واحد تقريباً في صحيفة لوموند الباريسية اليومية وفي صحيفة نويس دويتشلاند في برلين الشرقية.

ولم تُطبع في الاتحاد السوفييتي، على الرغم من أن المحتوى واللهجة لم تكن إستفزازية على الإطلاق، بل كانت نابعة من القلق على آفاق الحركة الشيوعية العالمية، وخاصة الصراع المتصاعد في ذلك الوقت بين أقوى قواها، الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي الصيني.

بدأ هذا النزاع في عام 1956 وتصاعد بعد أن كتبت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني رسالة مفتوحة إلى الرفاق الصينيين في مارس 1963. متضمنة عرضاً بإجراء مناقشة حول "كيف يمكن ضمان إنتصار الدول الاشتراكية في المنافسة السلمية مع الرأسمالية بسرعة أكبر وبشكل أفضل". وردت اللجنة المركزية الصينية بإجمالي تسعة تعليقات يمكن أن تملأ الكتب. كان "الجدل حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية" وهي عبارة عن مجموعة من الانتقادات الحادة الموجهة إلى "التحريفية" السوفييتية و"الشيوعية الزائفة"، بما في ذلك الإهانات الشخصية.

وتعرضت القيادة السوفييتية للسخرية ووصفتها بأنها "زمرة خروتشوف بقيادة مهرج". ولمواجهة هذه الهجمات، خطط الحزب الشيوعي السوفييتي لعقد مؤتمر دولي للأحزاب الشيوعية.لم يعتقد تولياتي أن هذه فكرة جيدة. وكان من الواضح أن الأحزاب الشيوعية الأخرى إلى جانب الصينيين سترفض أيضاً، ليتعمق الصدع وتصبح أي وساطة أكثر صعوبة، إن لم تكن مستحيلة، كما حذر تولياتي. وبعد توقفه في موسكو، حيث التقى ليونيد بريجنيف، الذي كان آنذاك الرجل الثاني في قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي، ولخص حججه كتابياً في يالطا. وكما أكد في البداية، فإنه كان مهتماً بـ«الأسلوب الأفضل لمحاربة الأطروحات الصينية»، أثناء إدارة الجدل حيث كان يدير الجدل «بشكل واقعي ومقنع ودائماً مع احترام مُعين للخصم».

ومن وجهة نظره فإن الوضع العالمي المُهدد يتطلب ذلك. وكتب: “إن الولايات المتحدة تشكل الخطر الأكبر اليوم”. وبعد إغتيال جون كينيدي في نوفمبر/تشرين الثاني 1963، شنت الجماعات الرجعية هناك هجوماً سعت إلى التحالف مع قوى مماثلة في أوروبا الغربية. إضافة إلى ذلك، هناك خطر فوز المرشح الجمهوري باري غولد ووتر في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، «الذي أدرج الحرب في برنامجه متحدثاً بلغة فاشية». لم يذكر تولياتي سوى الوتيرة المتزايدة للحرب الأمريكية في فيتنام الجنوبية، والتي كانت تمر كجزء من سياسة إمبريالية لـ "الاستعمار الجديد" كانت موجهة أيضاً ضد "الدول الشابة المستقلة في إفريقيا". كل هذا يتطلب “وحدة جميع القوى الاشتراكية في عمل مشترك ضد الجماعات الإمبريالية الأكثر رجعية، حتى عبر الاختلافات الأيديولوجية”.

ولا ينبغي طرد الرفاق الصينيين من هذه الجبهة الموحدة. ومن الضروري أيضاً أن تتعاون الأحزاب الشيوعية في المراكز الرأسمالية مع حركات التحرر في الدول المستعمرة والدول التي كانت مُستعمرة سابقاً. وعلى الصعيد الداخلي، يتعين على الشيوعيين أن يعتمدوا أيضاً على تحالفات واسعة، بما في ذلك مع "العالم الكاثوليكي المُنظم"، حيث حدث "تحول كبير نحو اليسار" منذ عام 1958، مع بداية بابوية يوحنا الثالث والعشرين، وفقاً لتولياتي. إن "الدعاية المُلحدة القديمة" عديمة الفائدة ضد الجماهير الكاثوليكية. كان سلف تولياتي أنطونيو غرامشي (1891 - 1937) قد أتخذَ هذا الموقف بالفعل في عام 1917 عندما شن هجوماً ضد "المناهضة الغبية للإكليروسية" المنتشرة في اليسار الإيطالي، والتي وقفت في ذلك الوقت في طريق التحالف مع الشباب الكاثوليك المعارضين للحرب. ولكن بعد ما يقرب من نصف قرن من الزمان، أصبح من الممكن تفسير إشارة تولياتي إلى "العالم الكاثوليكي المُنظم" على نطاق أوسع كثيراً. وفي إيطاليا، بعد عام 1945، أصبح الحزب الديمقراطي المسيحي (
DC) أفضل قوة منظمة للكاثوليكية السياسية.

ومع ذلك، فإن الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الديمقراطي المسيحي لم يصبحا أقرب إلا في السبعينيات في عهد الأمين العام إنريكو بيرلينغوير (1922 - 1984)، أحد مؤسسي الشيوعية الأوروبية.

من المشكوك فيه أن تكون سياسة بيرلينغوير القصيرة الأمد المتمثلة في "التسوية التاريخية" مع الديمقراطية المسيحية، والتي كانت في نهاية المطاف كارثية بالنسبة للحزب الشيوعي الإيطالي، كونها ستتوافق مع روح تولياتي و"مذكرته".

الطريقة الإيطالية.
ولم تتم مناقشة "مذكرة يالطا" بجدية في أي مكان، ولا حتى في إيطاليا. كتب لوسيو ماغري (1932 – 2011)، عضو مجموعة
Il Manifesto عام 1969 والمؤسس المشارك للصحيفة التي تحمل الاسم نفسه، في مذكراته، التي يروي فيها "التاريخ المحتمل" للحزب الشيوعي الإيطالي : "عندما قرأت المذكرات مرة اخرى بعد وقت طويل، لاحظت ما هو فيها جديد حقاً.".مالم يكن جديداً هو الألتزام ب "الطريق الإيطالي نحو الأشتراكية" وتعددالمراكز للحركة الشيوعيةالعالمية .

وكان تولياتي قد أعلن بالفعل عن الأمرين في عام 1956، ولكن، بحسب ماغري، لم يحقق بعد "نتائج عظيمة". ومع ذلك، فقد كان هناك شك في أن "الطريقة الإيطالية" في كل من موسكو وبكين، كونها قريبة للغاية من الديمقراطية الاجتماعية.

بالنسبة إلى ماغري، كان الجديد في نص تولياتي الأخير هو "التحذير بعيد النظر": "إنه من بين كل الناس، الذي كان هدفاً للجدل المباشر والفج من الصين لسنوات، أراد أن يقول لموسكو: كن حذراً!" وأن الحزب الشيوعي الإيطالي أراد مناقشة ذلك، بعد وفاته المفاجئة. "لكن رفاقه الإيطاليين لم يفهموه أيضاً، على الرغم من أنهم نشروا هذا النص على الفور، فهل كان هذا أيضاً بسبب "البيان" نفسه؟". والتي كانت بالنسبة لماغري بمثابة "رسالة في زجاجة" ألقيت في البحر؟ والصورة مأخوذة من ثيودور دبليو أدورنو وماكس هوركهايمر. فهو يصف الرسالة بأنها غير موجهة لشخص محدد، ولكن إلى مرسل مُحتمل في المستقبل. تولياتي لم يكن فيلسوفاً، بل كان سياسياً، وباعتباره واحداً من أقوى الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية، كان معتاداً على الإدلاء بتصريحات واضحة، إن لم يكن حتى إعطاء توجيهات ملزمة.

وربما طغى على حزبه لأنه جادل بطريقتين. فبينما رفض من ناحية "الحملة المخزية والفاسقة" التي قام بها الصينيون، توقع في الوقت نفسه أن يتغلب الاتحاد السوفييتي على "نظام تقييد وقمع الحريات الديمقراطية والشخصية" في جميع المجالات. سيكون من "المفيد في بعض الحالات" لو جرت مناقشات مفتوحة أيضاً في البلدان الاشتراكية "التي شارك فيها قادتهم". لسوء الحظ - هذا ما يقوله الشرط المستخدم عمداً - من وجهة نظره، لم تكن هذه المناقشات موجودة أو لم تكن موجودة إلى حد كافٍ، ولا حتى في الوطن الأم لجميع العمال. وعلى الرغم من النية الطيبة، التي تكاد تكون خاضعة ــ "مفيدة في بعض الحالات" ــ فقد كانت شجاعة.

قد تكون رفيقة لوسيو ماغري السياسية روسانا روساندا (1924 - 2020) هي الأقرب إلى الحقيقة بتفسيرها لنية تولياتي. وباعتبارها واحدة من النساء القلائل جداً في المناصب القيادية في الحزب الشيوعي الإيطالي، والتي يدعمها (ويسيطر عليها) تولياتي شخصياً، فقد كانت على إتصال متكرر به وبالتالي كانت لديها نظرة ثاقبة على طريقة تفكيره. كتبت روساندا في سيرتها الذاتية "إبنة القرن العشرين" أن تولياتي "استمتع برمي العصا بين أرجل الحزب ". لم يكن يريد إقناع خروتشوف، بل أراد فقط إظهار بعده عن مركز السلطة في موسكو.

يبدو من المشكوك فيه أن تولياتي أراد أن يترك إرثاً واعياً للأجيال القادمة من خلال "مذكرة يالطا". خاصة وأنه يقترح في النهاية أن هناك بالتأكيد الكثير مما يمكن قوله عن "الوضع الإيطالي". ولكن من الأفضل أن يتم الاحتفاظ بهذا "للتفسيرات الشفهية" اللاحقة. لكن هذا لم يحدث حتى الآن.
 


(*)
يينس رينر: هو مدرس وصحفي مؤهل. شارك في الصحافة الإيطالية لسنوات عديدة،يكتب في عدة صحف ألمانية،في التحليل والنقد،من منشوراته :العودة الى الحياة الطبيعية الأوربية.اليسارفي أيطاليا.قضية برلسكوني.السياسةاليمينية والدكتاتورية.

 

 

 



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter