| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حامد كعيد الجبوري

 

 

 

                                                                                      الأحد 31/7/ 2011

 

الختان وأيام زمان

حامد كعيد الجبوري

حدثني صديق لي أن ولده أصبح بعمر خمسة سنوات ولم يختن ، وقال أن زوجته أشارت عليه أن يأخذا ولدهما لطبيب جراح لأجراء عملية الختان ، ولأن الحرب العراقية الإيرانية قائمة وصديقي جندي لذا قررا ختان أبنهما دون حفلة لذلك ، عصر أحد الأيام وصديقي بإجازته الدورية قالا لولدهما أنهما سيأخذانه لمدينة الألعاب ففرح الطفل لذلك ، والحقيقة أنهما أخذاه الى عيادة الجراح وسلما ولدهما لمساعد الطبيب الذي ما لبث طويلا وخرج وهو يحمل الصبي و( أحليله ) مضمد والدماء واضحة على القطن وهو يبكي ، وما أن وقعت عينا الصبي على والديه خاطبهما صارخا ، ( أتكولون مدينة الألعاب ... حقراء ) ، وعملية الختان والتي تسمى الطهور – من الطهر - سنة نبوية أسلامية ، ومحمد ( ص ) ختن الحسن ( ع ) وثم الحسين ( ع ) وعمرهما ثلاثة أيام ، وأولم لهذا الختان ، وفي اليوم السابع لولادتهما حلق رأسيهما وتصدق بوزنه فضة ، ومن الطريف ذكره بعملية الختان أن أحد الأخوة المسيحيين يسكن بمنطقة مسلمة ، وأستطاع أحد أصدقائه أن يحدثه مبشرا له بدين الإسلام فأعتنقه ، وبما أن المسيحي الذي أعتنق دينا جديدا عليه تطبيق كل تعاليم الإسلام بما فيه الختان ، لذا ذهب الرجل الى المستشفى وأجرى عملية الختان وفرح أصدقائه اللذين يلتقي بهم في الجامع بذلك ، ضجر الرجل من كثرة الصلاة خمسة فروض بما فيها صلاة الفجر الثقيلة وقال لأصحابه سأعود لمسيحيتي ، أجابوه ولكنك ستقتل لخروجك عن الدين الذي اعتنقته ، قال الرجل الذي أسلم سبحان الله أدخل دينكم فتقصون ...... وأخرج من دينكم فتقطعون رقبتي أي دين هذا ، وحقيقة علمية يصفها المختصون بعملية الختان يقولون تحدث للصبي التهابات كثيرة بعضوه التناسلي جراء ما يتبقى من أملاح من عملية الإدرار ، وحين ختنه يزول عنه ذلك الالتهاب .
لأيام زمان نكهتها ، وجمالها ، وبساطة تعبيرها ، مع ملاحظة الحالة الاقتصادية لوالد الطفل المختون ، ويا لسوء حظ الفقراء بهذه المراسيم الاحتفالية ، تستمر حفلة الختان ليلتان وقد يضاف لها ليالي أخرى وحسب الحالة الاقتصادية كما قلنا .
اليوم الأول :-
1 : عصر اليوم الأول يستدعى حلاق أو أكثر لحلاقة الطفل ( المختون ) مع أطفال تلك المحلة ولمن يرغب من الآباء بحلاقة أطفاله ، يجلس الطفل على كرسي معد لذلك بباحة دار والده ، وسط تصفيق الرجال ، وزغاريد النسوة متصاحبة مع فرقة ( العبيد ) التي تستخدم الطبول والدفوف و ( المطبك ) – آلة تصنع من القصب - ، وأذكر أن هناك شخصان يرافقان فرق العبيد هذه يدعى احدهم ( غازي الشعار ) ، وراقص آخر مع فرقة أخرى يدعى ( حميدي الشعار ) ، وكلاهما بشعر طويل ويضعان بأصابع أيديهما ما يسمونه ( جنبارات ) وهي تشبه الطاس ومصنوعة من مادة الصفر تصدر صوتا تبعا لحركة كل أصبع ، ويأخذ صبي الحلاق ( صانعه ) صحنا من الفضة أو الخزف ويطوف صحن الدار مبتدئا من والد الطفل المختون وهو يردد كلمة ( شوباش ) فيخرج الوالد من أكمامه مبلغا من المال ويرفعه بيده ليراه الجميع ويضعه بذلك الصحن ، وعملة أيام زمان الورقية تبدأ من ربع الدينار ، ، ونصفه ، والدينار ، وخمسة دنانير ويسمونه ( نوط أبو الخمسة ) وهو أحمر اللون ، وعملة ورقية أخرى ( نوط أبو العشرة ) لم أره وسألت والدتي فأجابت ( والله يمه بس سامعه بيه ما شايفته ) ، ومفردة نوط أتت من المفردة ( not) وتعني العملة الورقية فأبدل ( التاء ) ليصبح ( طاء ) ، بعد ذلك يتوجه صانع الحلاق صوب أم الطفل فتضع مبلغا ما ( شوباش ) للحلاق ، ثم تهال عليه العملات بأنواعها وبخاصة الحديدية منها وهي ( الفلس ، الفلسان ، العانة وهي أربع فلوس ، وعشرة فلوس ، والقران وهو عشرون فلسا ، والدرهم وهو خمسون فلسا ،ابو المية وهو مئة فلس ، وربع دينار حديدي وهو مائتان وخمسون فلسا ) ، وتنثر على الصبي وبقية الصبايا (الملبس) وهو عبارة عن مجموعة من الحلوى بدائية الصنع تسمى ( حامض حلو ) ، ولم نكن نعرف تلك الأيام ما يسمى (الجكليت ) .
2 : الزفة :-
لا تأخذ عملية الحلاقة أكثر من نصف ساعة أو ساعة ، بعدها يدخل الطفل الى الحمام ويلبسوه ملابس الطهور وهي ( دشداشة ) بيضاء مطرزة بخيوط فضية وذهبية ، ويلبسونه الطاقية المطرزة أيضا مع العقال والكوفية المطرزة أيضا ، ومنهم من يلبس الطفل الطاقية لوحدها ، وتهيأ والدة الطفل ( شرشفا ) أبيضا مطرزا بخيوط ذهبية تمسك أطرافه من أخوة الطفل المختون أو أقاربه أو من أبناء محلته ، ويقف خلف ذلك ( الشرشف ) الطفل الذي سيختن وأن كان صغيرا لا يستطيع السير فيحمله أخوه الكبير أو والده أو أحد أبناء عمومته ، ويقف لجنبه الأبناء الآخرون الذين سيختنون فجر يوم غد ، وتبدأ مسيرة المحتفلين وهم يجتازون أزقة المحلة التي يسكنون والفرقة الشعبية ترافق مسيرتهم ، وواجب تلك الفرقة الشعبية ألفات نظر أهالي المحلة لتلك ( الزفة ) فتخرج النسوة والرجال والأطفال من بيوتهم ، ومن يعرف بذلك يهيئ ( الملبس ) لينثره على الأولاد فتتراكض الصبية نحو سقوط (الملبس) ليجمعونه ، أما أغنياء المحلة - نادر هذا - فينثرون على رأس الصبي الذي سيختن عملة نقدية حديدية ، وفي بعض الأحيان تكن الأزقة ضيقة لا تستوعب سير الركب وهم في النسق ، وفي هذه الحالة يتراجع حملة (الشرشف) الى الخلف ويأخذ من يحمل الطفل بيده ( الشرشف ) من منتصفه ويصبح كرأس سهم ليجتاز الأزقة الضيقة ، ومنهم من يكتفي بالزفة داخل المحلة نفسها ، ومنهم من ينطلق نحو شوارع المدينة ليعلن للجميع أن غدا يوم ختان ولده ، وأذكر في مدينتي الحلة الفيحاء أن مثل هذه الزفات تصل لأهم شارع في المدينة وهو شارع المكتبات بدءا من مديرية الشرطة وصولا لساحة ( سعيد الأمين ) فيخرج أصحاب المحال من عملهم وينثرون على الأطفال الحلوى - ( الشكرات ) – وبخاصة أن علمنا أن محلات بيع هذه الحلوى ونسميها ( الملبس – الويهلية – الشكرات ) تباع في محلات هذا الشارع ، بعد أن تصل الزفة لنهاية مطافها يعود كل لداره على أمل اللقاء فجر اليوم التالي لحضور حفلة الختان الدموية ، ومن المعلوم أن التطور الحضاري بدأ يأكل هذه الطقوس الجميلة ، فما أن ظهرت العربات التي تجرها الخيول ويسمونه ( الربل ) ، وهذه ( الربلات ) تستأجر لتنفيذ مراسيم الزفة ، وما أن ظهرت السيارات وكثرت أندثر دور هذه ( الربلات ) ، بعد كثرة السيارات وضيق الشوارع واختناقاتها المرورية أضف لذلك الأوضاع الأمنية – لا أقصد هذه الأيام – كل ذلك قلص أفراح الزفات ( الختانية ) حتى دثرت تماما ولم نعد نراها .
اليوم الثاني :
الختان :- فجرا يستيقظ والد الطفل ووالدته ويوقظون ولدهم ويمنحونه شيئا من الأكل أن كان يأكل ، أو تلقمه أمه ثديها لأن بعد عملية الختان ربما يعزف عن الأكل أو أخذ الثدي أن كان صغيرا ، وتحضر فرقة العبيد ومعهم الرجل الراقص ( الشعار ) وتبدأ الفرقة بالعزف لإعطاء الإشارة لمن يريد الحضور لحفلة الختان ، ويأتي الرجل الذي سيختن الطفل ويسمى هذا الرجل ( السعرتي ) وبعضهم يسمونه ( الزعرتي ) ، و ( السرعتي ) رجل يأتي الى المحافظات العراقية من جنوب تركيا وبالتحديد من قرية ( سعرت ) وأغلبهم من الرجال التركمان أو الأكراد ، ويستأجر هذا الرجل بيتا أو غرفة أو يلجأ الى الخانات التي تشبه الفنادق أيامنا هذه ، وهذا ( السعرتي ) له زي خاص كما هو زي الأخوة الكورد أو التركمان ، وقد استفاد الحلاقون والمضمدون الصحيين من خبرة هؤلاء الرجال وبدأوا يتعلمون منهم مهنتهم فأنحسر دور ( السعرتيه ) ، ومن أشهر هؤلاء الحلاقون في مدينة الحلة الشيخ ( علي المزين ) ، يمسك الطفل الذي سيختن من قبل رجل قوي الأعصاب والبنية بعد أن يلوي ذراعي الطفل من بين أرجله ويبرز أحليله وجها لوجه مع ( المطهرجي ) ، في هذه الأثناء هيأ ( المطهرجي ) أدواته ويعقمها بمحلول الصابون لعدم وجود المادة المعقمة ( الديتول ) ، يأخذ ( ذكر ) الصبي ويسحب ( قلفة الذكر ) ويقرصها بآلة تسمى ( القارصة ) على أن تكن بعيدة عن ( حشفة الذكر ) كي لا يؤذيها ، ثم يأخذ شفرته الحادة جدا ويقطع (القلفة) ويضعها بصحن مهيأ لذلك ، ثم يضع الشاش على ذكر الطفل ويربطه بعناية خبير ، فأن كان الشد قويا لا يستطع الطفل التبول ، وأن كان الشد غير قوي فستبقى الدماء تنزف من أجزاء اللحم المقطوع ، وهكذا تستمر العملية مع الطفل الآخر والآخر ولحين نهاية ختان من يريدون ختانه ، كل ذلك بمرافقة الفرقة الفنية الشعبية وزغاريد النسوة ونثر الحلوى على الأطفال الذين تم ختنهم ، ويأخذ أحد الرجال ذلك الصحن الذي وضعت فيه (القلف) ويطوف بها على الحضور وهو يردد ( شوباش ) فيستخرج الرجال والنساء نقودهم الورقية والمعدنية ويضعونها تكريما الى ( السعرتي ) ، كل هذا غير المبلغ المتفق عليه مع ( السعرتي ) كأجر له ، وكثير من الآباء والأمهات لا يستطيعون مسك دموع الرحمة والشفقة لأولادهم ، وأما أحباب الله الأطفال الفقراء الذين يختنون مع أبناء الأغنياء فلا ينالهم شئ من كل هذه الطقوس ، ولا أبخس حق أحد حين أقول أن قسما من الأغنياء يشترون من مالهم الخاص ( الدشاديش ) البيضاء لهؤلاء الفقراء وربما يمنحون مبلغا من المال لوالد الطفل المختون ليعمل له وليمة على مقدار حاله ، وأغنياء آخرون لا يوافقون خروج أولاد الفقراء من بيوتهم بل يعاملونهم كأولادهم وينتظرون مأدبة الغداء التي تعد كوليمة لكل الأولاد المختونين ، وهناك ملاحظة لا بد من ذكرها وهي أن حفلات الختان وتسمى ( الكيف ) تقام ليالي الجمعة ، وحفلة الختان فجر يوم الجمعة ، وما أجمل تلك الأهازيج التي تردد للطفل المختون ، ومن هذه الأهازيج الشعبية ( كصيناه وخلصنه منه ) ، ومنهم من يردد قائلا ( هذا الطهور الأول وبعده طهور المنجل ) ، دلالة للزواج وحفلاته ومراسيمه – سنتناول ذلك لاحقا - ، ورحم الله الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم الذي كان يجري عمليات الختان الجماعية بمناسبة عيد 14 تموز من كل عام وتجري تلك المراسيم ببلدية الحلة مع وجبة غداء فاخرة وعلى نفقة الدولة ، ( من سن سنة حسنة لها أجرها وأجر من عمل عليها الى يوم القيامة ) .

 





 

free web counter