|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  10  / 12  / 2022                                 حكمت حسين                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



الإحتجاج وطلب التضامن

حكمة إقبال
(موقع الناس)

يهدف الإحتجاج بأشكاله المتنوعة الى ايصال صوت المحتجين الى أصحاب القرار، ويطلب المحتجون التضامن معهم للضغط على أصحاب القرار. والتجربة العراقية بعد عام 2003 شهدت تطور الحركة الإحتجاجية لتصل في ذروتها في إنتفاضة تشرين 2019، التي نجحت في إسقاط حكومة عادل عبد المهدي، ولم تنجح في تغيير شكل التركيبة السياسية التي تنتهج المحاصصة لإدارة البلاد، والتي شكلت مظلة لفساد سياسي ومالي واداري، ليصبح ظاهرة مجتمعية افقدت الدولة دورها في تنمية المجتمع، وأصبحت مرتعاً لكل مسببات التراجع والتخلف في بنية الدولة والمجتمع على حد سواء.

شهدت الأيام الماضية قضيتين كبيرتين دعت الى الإحتجاج، أولها طرح مشروع قانون حرية التعبير للقراءة الأولى في البرلمان، وهو مشروع قديم منذ 2010 يحد من حرية التعبير أكثر مما يحملها اسم القانون، وترافقت مع قضية إصدار حكم بالسجن ثلاث سنوات على الشاب حيدر الزيدي بسبب اعادته نشر تغريدة تمس الحشد الشعبي، والثانية استشهاد شابين في الناصرية برصاص القوات الأمنية اثناء احتجاجهم للمطالبة بمعالجتهم إثر جروحهم في انتقاضة تشرين.

في القضية الأولى، لم ترقى اساليب الإحتجاج الى الحد الذي يدعو السلطات الى إعادة النظر في مشروع القانون أو تغيير الحكم بحق الزيدي. المتضرر الرئيسي من مشروع القانون هي القوى المدنية، وهو موّجه ضدها بالأساس، أكتفت بعضها باصدار بيانات معترضة، نشرت في صحافتها محدودة التوزيع، وفي اكثر من محافظة وقف حوالي عشرين شخص يحملون لافتات يطالبون بالحرية لحيدر الزيدي ويعترضون على القانون. من جانبها لم تتحرك نقابة المحامين للإعتراض على مشروع القانون. البرلمان سيذهب بعطلة تشريعية وعسى أن ينسى البرلمانيون مشروع القرار وينشغلون بغيره حسب تطور الأحداث.

في قضية استشهاد ابناء الناصرية تعالت أصوات الإستنكار لهذه الجريمة، وهذا أقل مما هو مطلوب، ولكن الجديد الآن هو تساؤل طرحته حركة امتداد عن صمت "المجتمع الدولي"، وأصوات أخرى عبر وسائل التواصل الإجتماعي تتساءل لماذا يهتم الغرب بقتل شابة ايرانية ولا يهتم لإستشهاد 700 مواطن عراقي؟ وهذا السؤال محق حيث نرى تضامن عالمي واسع مع الشعب الإيراني مستمر منذ ثلاثة اشهر، ولم نرى نفس التضامن مع الشعب العراقي أثناء إنتفاضة تشرين.

أعتقد لكي نحصل على ما نطلب من تضامن أن نعمل باتجاهين: داخلي ويعني توسيع حركة الإحتجاج وطلب التضامن لتشمل النقابات المهنية مثل المحامين والحقوقيين، وعدم الإكتفاء باصدار البيانات، بل القيام بافعال جماهيرية اخرى مثل جمع التواقيع بأكبر عدد ممكن وتقديمها للقضاء أو الجهات المعنية الأخرى، وفعاليات اعتصام جماهيري، وإضرابات مهنية واسعة في كل المحافظات، وغير ذلك كثير جداً.

أما التضامن الخارجي وهو مهم أيضاً بنفس القدر، وربما أكثر، فهو يحتاج الى حركة منظمة من التواصل مع مؤسسات القرار في الدول التي تتوفر فيها جاليات عراقية، وللأسف هذا لم يتحقق في إنتفاضة تشرين وما بعدها.

لكي تؤدي الجاليات العراقية دورها في دعم حركة الإحتجاج وتوفير التضامن العالمي مع الشعب العراقي، تحتاج الى بناء علاقات سياسية مع برلمانات الدول التي تعيش فيها هذه الجاليات، علاقات متينة ومتواصلة وليست موسمية، وأعتقد ان هذا غير متوفر.

في الدنمارك وفي أيام إنتفاضة تشرين، تواصلتُ مع عدد من السياسيين الدنماركيين، وكان موقفهم ان الخشية من دعم انتفاضة تشرين هو تجربتهم في دعم ثورات الربيع العربي التي تحولت الى الإتجاهات الإسلامية مثل تونس ومصر واليمن، وعدم استقرار ليبيا.

كيف يمكن ان نوصل مطالبنا الى أصحاب القرار في بلدان اوربا اذا لم تكن لدينا علاقات مع الأحزاب السياسية في تلك البلدان؟

لكي نؤثر في الموقف الدولي، ولكي يتضامن معنا الناس في بلدان اوربا، علينا ان نبني علاقات سياسية مع قادة الرأي في تلك البلدان كما فعل الإيرانيون.

الجالية العراقية في اوربا، والمدنيون منهم بالذات، بعيدين عن التواصل المتين والمستمر مع منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية وغيرها، وهذا يحتاج الى مراجعة القوى المدنية لوضعها هذا.

قي تجربة تيار الديمقراطيين العراقيين في الدنمارك، قبل سائرون، نجحنا هنا في الدنمارك في لقاءات سياسية مع سفير الدنمارك في العراق، ومع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الدنماركي وكان وزيراً للخارجية في عام 2003، ومع وزير المساواة واستضفناه في لقاء مع أبناء الجالية العراقية، وكذلك مع اعضاء برلمان ومجلس مدينة كوبنهاكن، وللأسف لم تستمر التجربة بعد ذلك.

لكي نؤثر في الوضع السياسي في العراق، علينا الإتصال بالجهات الدولية مثل الأمم المتحدة والبرلمان الأوربي والمنظمات الدولية وابلاغها بشكل مستمر عما يجري، وبعد ذلك نطالبها بالتضامن معنا.

المسؤولية في التضامن الدولي تقع على منظمات الجالية العراقية في الخارج لتوفير القناعة لصناع القرار في اوربا في التضامن معنا. لا يكفي ان نقف في ساحة ما أو امام السفارة العراقية خارج اوقات الدوام، ونرفع لافتة ونلتقط صور ننشرها في الفيسبوك، بل اللقاء المباشر والمتواصل مع أعضاء البرلمان لنوفر لهم صورة واضحة عن الوضع في العراق، وحينها نطالبهم بالتضامن.

الإيرانيون ليسوا أكثر عدداً من العراقيين في اوربا، ولكنهم أكثر نشاطاً.

سلاما للعراق وأهله.

 

9 كانون الأول 2022
 




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter