| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأحد 24 / 3 / 2024 علي المسعود كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
"حافة الجنة"
فيلم عن الروابط الأسرية ويكشف جانب من نضالات الشعب الكردي
علي المسعود (*)
(موقع الناس)
"حافة الجنة" فيلم درامي تركي ألماني - إيطالي تم إنتاجه عام 2007، هو من تأليف وإخراج فاتح اكين وبطولة تونسل كورتيز ونورسيل كوس ونورغول يشيلتشاي وباكي دافراك وهانا شيغولا، فاز الفيلم بجائزة السعفة الذهبية لأفضل سيناريو في مهرجان كان السينمائي في العام نفسه، كما دخل في المنافسة لنيل جائزة أوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية إلا أنه لم يترشح للنهائيات . نجح المخرج السينمائي فاتح أكين في إنجاز عملٍ متميزٍ عبر فيلمه " حافة الجنة " أو العنوان الاصلي للفيلم "الجانب الآخر". الفيلم يستعرض تقاطع سير حياة مجموعة من البشر يعيشون في ألمانيا وآخرين في تركيا. هناك ست شخصيات رئيسية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أزواج: أب عجوز مهاجر تركي - ألماني يدعى علي وابنه نجاة الاستاذ الجامعي . عاهرة تركية يتر وابنتها أيتن ، وأخيرا ، طالبة جامعية ألمانية من الطبقة المتوسطة لوت ووالدتها سوزان . يروي الفيلم قصصٍ عابرةٍ سير حياة هؤلاء الستة أشخاص ، تتقاطع حياتهم أو لا تمس بعضهم البعض إلا بشكل عابر في مجرى التاريخ ويتجاوز الثقافات المختلفة. وكذالك يرسم الحدود بين السياسة والخاص، الحب والحداد، الموت والخسارة .
يبدأ الفيلم من تركيا ، بمشهد لرجل في سيارة يذهب في الى مكان ما ، يتوقف عند محطة وقود ، يقدم له عامل المحطة التهنئة (عيد سعيد) يشتري بعض المياه المعدنية ونفس المشهد سيكون خاتمة الفيلم . تبين أن الشاب من المشهد الافتتاحي هو نجاة ابن علي (باكي دافراك) أستاذ الأدب الألماني في مدينة هامبورغ القريبة . تنتقل كاميرا المخرج الى مدينة ألمانية (بريمن) ، حيث تتبع الكاميرا رجلا كبير السن يتجول في شوارعها ، والرجل العجوز (علي) والد الشاب نجاة يقوم بدوره (تونسل كورتيز) متقاعد وأرمل ، الأبن نجاة الاستاذ الجامعي مندمج تماما مع المجتمع الجديد في في ألمانيا ، بعد أن نجح في الانتقال الصعب من مجمع سكني للمهاجرين من الطبقة العاملة إلى حياة اكثر رفاهية ، شقة عالية السقف تصطف على جانبيها الكتب. يقضي الرجل العجوز (علي) معظم فترة ما بعد الظهر في بريمن في منطقة الضوء الأحمر ، ويتجول في الشوارع ، يلتقي بالمراة التركية (يتر) التي تعمل مومس كي تساعد ابنتها "أيتين" (التي تعتقد أن والدتها تعمل في متجر للأحذية) وترسل المال لها إكمال دراستها الجامعية في اسطنبول . تتعرض للكثير من التحرش والإهانة والتهديد من قبل الأتراك المتطرفين هناك لكونها مسلمة وتسئ لسمعة الاتراك ، يعجب بها العجوز ويحبها، ويعرض عليها أن تهجر مهنتها، مقابل أن يدفع لها ثلاثة آلاف يورو كل شهر شرط الإقامة معه في بيته ، وممارسة الجنس وحده معها كأنها عشيقته . تقبل العرض وتنتقل للعيش معه في بيته .
بعد فترة من إقامتها تفاجئ (يتر) بزيارة نجاة ابن الرجل العجوز التركي لهم ، يتعرف الابن الذي يعمل أستاذاً جامعياً له مكانته الاجتماعية والعلمية على عشيقة أبيه المقيمة معهم وينفر من تصرفات الاب ، تعترف له بأن عملها كان مومساً، وأن لها بنتاً في السابعة والعشرين من عمرها تعيش في تركيا، وترسل إليها كل شهر مبلغاً كبيراً من المال لكي تعينها على الدراسة، لكنها لم تخبر ابنتها أن مصدر أموالها من عملها في الدعارة بل أخبرتها أنها تعمل في محل لبيع الأحذية بألمانيا، يتعاطف الأستاذ الجامعي مع عشيقة أبيه. لكن حادثا سيئا يحدث حين يقتل والده عشيقته ويدخل السجن ، بعد مقتل العشيقة بالخطأ والحكم على الأب بالسجن ، يسافر الابن (نجاة) إلى اسطنبول لكي يدفن عشيقة أبيه ، ويبحث عن ابنتها لكي يساعدها على تكملة دراستها ، ويتضح لنا في ما بعد أنها تناضل مع مجموعة من الثوارالأكراد ، وتخرج في مظاهرات تطالب الحكومة بمنحهم حقوقهم المشروعة، وتندد بالقمع الذي يتعرضون له في البلاد، وإنها لا تدرس في الجامعة كما تحسب الأم المتوفاة . وبسبب الملاحقة من السلطات التركية تهرب الأبنة (أيتن ) إلى ألمانيا ، حيث تلتقي بالشابة الألمانية "لوتا "(باتريشيا زيولكوسكا )وتسمح لها بالانتقال للعيش معها . لكن والدتها سوزان لا تشعر بالارتياح لهذه الشابة الغريبة وتعترض على وجودها في بيتها ، الشابة التركية " أيتن " (نورغول يشيلشاي) اليسارية المنخرطة بعمق في السياسة ، تحتل مركز الصدارة في الجزء الثاني من فيلم أكين المعقد هيكليا والمذهل عاطفيا . يذهب نجاة إلى تركيا للبحث عنها بعد مقتل الأم يتر أوزتورك. ما لا يعرفه هو أنها مطاردة من قبل الشرطة التركية لذا تقرر الهروب إلى ألمانيا .
الجزء الثاني من الفيلم بعنوان: "موت لوت"، يتم القبض على امرأة شابة أيتن (نورغول يشيلشاي) في غارة للشرطة على مجموعة من الناشطين الأكراد في إسطنبول ، لكنها تمكنت من الفرار إلى ألمانيا وينتهي بها المطاف في هامبورغ باستخدام اسم غول كوركماز . بدون مال أو وسيلة اتصال اتصالات ، تصادف طالبة المانية لوت (باتريشيا زيولكوفسكا) التي تحاول مساعدتها وتدعوها إلى المنزل وتقدم لها السرير والمأكل. والدة لوت سوزان (الممثلة القديرة شيغولا هانا) لا تعجبها لغة غول الفظة ولا تصرفاتها ، لكنها تحب ابنتها كثيرا وتنصحها لوضع حد لافتتانها بالضيف وابعادها عن حياتهم . عندما يتم القاء القبض على غول من قبل شرطة السير الالمانية بسبب مخالفة قيادة سيارة يتم ترحيلها إلى اسطنبول وسجنها على الفور . بحلول ذلك الوقت ، نعلم أن أيتن / جول هي ابنة القتيلة (يتر أوزتورك) ، لكن الاثنين يظلان يجهلان مصير بعضهما البعض. فقط نرى مدى قرب مواجهتهم (الضائعة) في مرحلة ما . تقرر صديقتها الألمانية (لوت) السفر الى اسطنبول في محاولة لإطلاق سراحها ، وتصبح عن غير قصد وسيطا للنشطاء الأكراد . وبعدها يكون السلاح المخبأ من قبل الفتاة التركية سبباً في مصرع وموت الفتاة الألمانية (لوتا) لتعاني الأم والصديقة مرارة الموت .
في الفصل الثالث، نتابع وصول الشخصيات الباقية على قيد الحياة إلى تركيا، وتتقاطع مهامهم دون أن تتقارب فعليا، وتحافظ على مسارات متوازية وتجلب المزيد من الأخطاء الوشيكة (مع مرور توابيت يتر ولوتا في مطار إسطنبول أثناء توجههما في اتجاهين متعاكسين) . تسافر سوزان والدة لوتا أيضا إلى اسطنبول لتتبع مسار حياة ابنتها . في هذه العملية ، تلتقي سوزان بنجاة وتزور أيتن في السجن. تسامح أيتن وتعدها بمد يد العون ومساعدتها . مع اقتراب الفيلم من نهايته ، يغير نجاة رأيه ويقوم بزيارة والده كي يسامحه . على الرغم من أن هذا الفيلم مقسم إلى ثلاث فصول أو أجزاء ، إلا أن كل قصة متطورة في حبكتها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بالقصص الأخرى. بمعنى آخر ، هناك العديد من "الروابط" التي تربط القصة بأكملها معا. يتم إنشاء هذه "الروابط" و "التشابك" بشكل أساسي من خلال تكرار المشاهد ، والمواجهات الفاشلة للقاء الشخصيات بسبب الدورة التي لا نهاية لها والتي تظل فيها الشخصيات فاقدة التواصل بعضها البعض . تظهر العديد من اللقاءات العرضية للشخصيات كيف ترتبط كل حلقة من الحلقات الثلاث ارتباطا وثيقا على الرغم من أن الشخصيات لا تتعرف على بعضها البعض . للأسف ، لم يكتشف نجاة أبدا من هي أيتن وليس لدى أيتن أي فكرة عن مكان والدتها وما حدث لها . على سبيل المثال ، هناك مشهد يمر فيه قطار بسيارة . في السيارة تتواجد الفتاتان أيتن ولوتا يبحثان عن الأم يتر ، لكن الفتاتان لم يدركا أبدا أن نجاة في القطار المجاور لهما. أيضا، في المشهد الذي يلقي فيه نجاة محاضرته ، نرى الشابة التركية أيتن نائمة في نفس قاعة المحاضرات. مرة أخرى ، هاتان الشخصيتان غافلتان تماما عن وجود بعضهما البعض. لذلك، في رأيي، كل هذه "اللقاءات الفاشلة" تنطوي على الجوانب الاجتماعية، حيث يرتبط الألمان والأتراك داخليا ببعضهم البعض دون اتصال مباشر، ومع ذلك يؤثرون على حياة الأطراف الأخرى .عندما تدخل أيتن أخيرا في صفقة مع الشرطة للحصول على حريتها ، فإنها تخون رفاقها الثوار، وهي خطوة سيكون لها بالتأكيد عواقب وخيمة. و. تماما كما أن توقع الموت يخنق الأول والثاني من حافة السماء ، التسامح والغفران هو سمة الفصل الثالث في النهاية من الثلاثية ، والذي ، بعد "الحب" و "الموت" سيتعامل مع " التسامح" لكل الشخصيات التي نجت من السجن أو الموت ومن لمزيد من المصادفات والخيارات القاتلة والمعضلات الأخلاقية والتضحيات المشكوك فيها والتطرف السياسي والكراهية الدينية .
يشكل المشهدان الافتتاحي والختامي (وهو نفس المشهد) شريحة زمنية ويتم وضعهما خلال يوم وهو عيد الاضحى الذي يوحد الجماعات العلمانية والدينية بغض النظر عن اختلافاتهم . من ناحية أخرى ، الفيلم ليست قصة الرجل العجوز علي وعشيقته يتير التي تتحول من الشعور بالوحدة المشتركة إلى التبعية والسيطرة والنهاية جريمة قتل ، ولكن أيضا قصة الاستاذ الجامعي نجاة الذي يدرس اللغة الألمانية ، ستقوده مأساة بالغة الأهمية إلى اسطنبول ، حيث سيبحث عن ابنة القتيلة يتير ، التي لم تكن تعرف شيئا عن عمل والدتها ولم يكن لديها أي اتصال شخصي معها لفترة طويلة. الشابة اليسارية أيتن بدورها تنتقل من اسطنبول إلى ألمانيا. بعد حادثة لها علاقة بالاضطرابات السياسية والانتفاضات داخل السكان الأتراك ، تهرب بشكل غير قانوني إلى بريمن ، حيث تأخذها الطالبة لوت في منزل سوزان والدة لوت دون مال أو سكن. يسافر نجاة إلى تركيا لإيصال رسالة حداد، ولكن عندما يصل ولا ينجح، يبقى في بلد والده ويفتح مكتبة.
من الصعب التغاضي عن أوجه التشابه في السيرة الذاتية في سيناريو المخرج (فاتح أكين)، الذي ولد ونشأ في هامبورغ كابن لمهاجرين أتراك . يعبر المخرج عن الصراعات الداخلية لجميع أولئك الذين تمزقوا بين بلدين مختلفين وبيئتين متناقضتين من خلال هذا الفيلم ، الذي يوحد ثقافات مختلفة مع وجهات نظر مختلفة بين ألمانيا وتركيا وكذلك السياسية في الخاصة . " حافة الجنة " فيلم عن الروابط الأسرية ، سواء كان الأب والابن أو الأم والابنة ، ولكنه أيضا فيلم عن العلاقات الشخصية ، من امرأة إلى امرأة ، من الأب إلى البغي ، وكذالك يتناول صراع الثقافات المختلفة وعن القدر والتعصب والهجرة ، سينما سردية أصيلة وإنسانية عميقة ومكثفة. رحلة إلى الذوات الداخلية المضطربة لأشخاص مختلفين ، وجميعهم يلعبون دورا في حياة بعضهم البعض دون معرفة ذلك بأنفسهم . لا تكمن دقة بنية الفيلم في الحبكة ، بل تتعلق بالنسيج الأخلاقي الذي يتم نسجه ، والذي قد يتطلب تصميمه العام أجزاء أخرى، لتحمل الوزن الأخلاقي الذي تدعيه هذه الحكاية المكونة من ستة أرواح متشابكة. يجب أن يكون واضحا من الملخص للتو أن "التجاوزات" (من أي نوع: جنسية ، سياسية ، عرقية ، دينية) يعاقب عليها. ولكن مع استمرار العمل في الظهور، ينشأ الاستعداد لارتكاب أعمال التضحية والتضحية بالنفس ردا على تلك التجاوزات - ليس من الجناة أنفسهم ولكن عن طريق مواقفهم وبدائلهم . يتم اتخاذ الخيارات الأخلاقية باسم الروابط العائلية .
قرب الاحداث من الواقع السياسي
نجح المخرج الألماني - التركي الأصل "فاتح أكين" من خلال تميزه في عرض مواضيع أفلامه التي صاغ فيها علاقة جديدة بين الشرق والغرب ، وأن ينقل حركية المجتمعات الشرقية ممثلة في المجتمع التركي بطريقة إبداعية إلى أوروبا عبر إنتاجاته السينمائية. ولأن الفيلم لفاتح أكين تحديدًا، ولأن مصطلح "السينما الألمانية - التركية" يلتصق به في الواقع، من هذه الناحية لن يخيب أملنا في عرضه الجدل السياسي في ألشأن الألماني - التركي وعلاقتهما ببعضهما ، كل هذا وأكثر منه حاضرٌ في الفيلم. ويسلط الضوء أيضاُ على ظاهرة التطرف الاسلامي التي تتزايد في أوروبا بشكل عام وفي ألمانيا بشكل خاص . حين يتم تهديد "يتير" من قِبَلِ المتشددين الإسلاميين في وسط مدينة هامبورغ ، وكيف تنشط "لوتِّة" الفتاة الألمانية الساذجة للدفاع عن حقوق الإنسان، وكيف يعيش الأبن "نجاة" بوصفه بروفسور في مادة الآداب حياةً ناجحةً "مندمجةً" ولكنها خالية من السعادة . وعلى جانب أخر ، الفتاة الكردية الشابة"أيتان" اليسارية الناشطة. كذالك يؤشر الفيلم من خلال الملاحقة التحريضية من قبل الشرطة لـ"أيتان" صورةً واقعيةً عن طريقة تعامل تركيا مع الأقليات وبالتحديد القضية الكردية وحقوقهم المشروعة ، من ناحية أخرى، الفيلم تصوير مؤثر للغاية ومليء بالتشويق للنضال الكردي في تركيا، وهو أمر صريح لكل من الأكراد والسلطات التركية . وتضمنت لقطات صغيرة من الصراع يتم الإعلان عنها علنا لأول مرة ، على سبيل المثال، الثوار الذين يتم إخراجهم من مخبئهم لاعتقالهم من قبل الشرطة، والإعلان عن أسمائهم للشارع والعالم، خوفا من اختفائهم من قبل السلطات؛ والإعلان عن أسمائهم للشارع بعد دقائق صفق حشد من المارة لعربات الشرطة المغادرة في موافقة شعبية على قمع النضال الكردي . كما أن تسفيرها القصري من ألمانيا يمثل نقد للبيروقراطية الألمانية التي تُعنى بشؤون اللجوء السياسي . ويشير عنوان الشريط السينمائي الأصلي إلى أن مهمة الشابة "أيتن" مختلفة، ألا وهي الوصول إلى الجانب الآخر بعيدًا عن الأحكام المسبقة ، والأيديولوجيات، والتصلب بالمواقف، وتنطبق هذه الأشياء على الأصدقاء، والغرباء، والبلاد، والثقافات. أن يقف أكين على حافة الموت أمرٌ لا يجعل الفيلم قاتمًا، بل يضفي على الحياة عمقًا إضافيًا، ويطالب الناجين بالوقوف الحاسم إلى جانب معناها، يقول المخرج فاتح أكين " في أعمالي السينمائية أحب الشخصيات التي تكون مضطرة للمواجهة وللنضال لتحقيق غاياتها، ومن جانب آخر في حياتي الخاصة لي علاقة بأناس مثلي يعيشون ازدواجية الهوية، فزوجتي من أب ألماني وأم مكسيكية، ولي العديد من الأصدقاء من العالم العربي، وإيطاليا وبلدان أخرى، وفي زمن العولمة الذي نعيش في ظله، أجد أنه من الطبيعي أن نعيش هذه الازدواجية، ولكن هذا لا يعني أيضا أني دائما أفكر حين أبادر إلى إنجاز عمل سينمائي، لتطرق بالضرورة وبشكل رئيسي في مواضيع الهجرة والأجانب الذين يعيشون في ظل مجتمعات مختلفة " .
يشير الفيلم أيضا إلى كيفية توصل الألمان والأتراك إلى حل ، ويمكنهم حقا فهم بعضهم البعض كما يظهر أحد المشاهد الأم سوزان ، وهي تحمل أيتن بإحكام بين ذراعيها وتسامح أيتن . يشير هذا المشهد إلى محاولة للتوفيق بين العلاقة بين ألمانيا وتركيا ككل ، سوزان تسامح أيتن حقا وتساعدها على الخروج من السجن ، وتدعو أيتن للبقاء معها حيث تقيم في اسطنبول. الفيلم المقسم إلى ثلاثة فصول ، وهوصورة مصغرة عابرة للأجيال وعابرة للحدود للمزج الثقافي الحديث . يصور الفيلم أيضا تأثير العولمة والتعددية الثقافية في ألمانيا وتركيا في الوقت الحاضر . إنه الموضوع الأكثر إثارة للجدل في عصرنا. مشهد مؤثر للغاية في الفيلم هو عندما تكون سوزان أمام النافذة ، تشاهد الرجال يمشون إلى الصلاة . تسأل :" الى أين ذاهبون هؤلاء الناس ؟" ، يرد عليها نجاة :" الى المسجد ، اليوم هو اول أيام عيد ألاضحى "، وماهو عيد الاضحى ؟ ويحكي لها قصة النبي ابراهيم وأختبار الله له في التضحية بأبنه . يبين الأستاذ الجامعي (نجاة) أهمية هذه المراسيم الأسلامية وقدسيتها في عيد ألاضحى ، عندها تدرك أنها أقرب إلى تركيا مما تتخيل في هذا المشهد . تتخذ خطوة نحو صنع سلام بعد وفاة إبنتها والتي تكون في أمس الحاجة الى التصالح مع الذات . الكاتب والمخرج أكين يرصد بشكل ذكي التناقض بين اسطنبول وبريمن أولا بفعالية مذهلة ، ثم يتم إبراز أوجه التشابه في النطاق العاطفي البشري للمساهمة في المصالحة نحو النهاية . في الواقع ، يتم تقديم عرض هذه المشاهد بنبرة أخلاقية للعثور على الجزء المفقود عندما يبين المخرج العلاقات الانسانية في الشرق ومقارنتها في الغرب .
الحياة تأخذ الناس إلى أماكن مختلفة في ظل ظروف مختلفة ، فإن الموت يفعل نفس الشيء حين نفقد الحياة أيضا في لمح البصر . وعلى ضوء ذلك، كان مقتل الشابة الألمانية (لوتا) في نهاية المطاف على يد اطفال لصوص أتراك بعد سرقة حقيبتها عند زيارتها لمدينة إسطنبول لرغبتها في تحرير أيتن من سجنها كان رحيلها صدمة للمشاهد وغير متوقع . وتلك الحادثة الماساوية ترمز إلى الافتقارفي التفاهم المتبادل والتوازي الثقافي والذي يصبح العائق الأساسي أمام التعددية الثقافية. بالإضافة الى عدم وجود لغة متبادلة يمكن من خلالها للأتراك والألمان التحدث مع بعضهم البعض - التواصل والفهم - يديم المسافة بين هذه المجتمعات . لذا اختصار الفجوات يتطلب أيجاد "لغة ثالثة" مشتركة . ويتعمد المخرج إضافة اللغة الإنجليزية كاختصار بين الأتراك والألمان في فيلمه ولغة وسطية للتفاهم . في إطار الأمل هذا ، يختتم أكين عمله حين تتحدث والدة لوتا سوزان ، وأيتن باللغة الإنجليزية للتوصل إلى تفاهم متبادل غير مسبوق وتعزيز التسامح . كما تلعب الأماكن دورا حاسما في الفيلم لأنها تعكس الحقائق التاريخية للعلاقة بين ألمانيا وتركيا . خلال ستينيات و سبعينيات القرن العشرين ، قامت ألمانيا الغربية بتجنيد عمال ضيوف أتراك من أجل تعزيز القوى العاملة الألمانية في مرحلة البناء الأثتصادي بعد الحرب العالمية الثانية ، ونتيجة لذلك ، عانى كل من الألمان والمهاجرين الأتراك من مشاكل داخلية مثل العنصرية المتزايدة والتطرف اليميني. وبالتالي ، من خلال تحديد هذين المكانين في الفيلم ، يؤشر المخرج الصعوبة في محاولات إقامة علاقة متناغمة بين البلدين . وبالمثل ، يبدو أن العنوان "على الجانب الآخر" له معنى مزدوج حيث يمكن الإشارة إلى التمييز المكاني بين ألمانيا وتركيا ، ولكن يمكن أيضا الإشارة إلى التعبير المجازي حيث يمكن تفسيره على أنه "حاول أن تضع نفسك مكان" الجانب الآخر ". في النهاية ، قصة الفيلم وطريقة سردها هي إنتقاد بشكل صريح السياسة القمعية التركية ضد الشعب الكردي ، ويكشف في نفس الوقت، يبرز نضاله من أجل نيل حقوقه المشروعة وجرية التعبير .
(*) كاتب عراقي \ مقيم في المملكة المتحدة