| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
السبت 20 / 1 / 2024 علي المسعود كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
صرخة الشابة الإيرانية ريحانة جباري
في الفيلم الألماني "سبعة شتاءات في طهران"
علي المسعود (*)
(موقع الناس)
أعدمت الشابة الإيرانية ريحانة جباري في عام 2014 بعد أن أدينت بقتل مسؤول سابق في الاستخبارات الإيرانية حاول الاعتداء عليها ، ونفذ حكم الإعدام شنقا في الإيرانية رغم الدعوات الدولية إلى الصفح عنها، فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية أن هذا الإعدام "وصمة عار جديدة في جبين حقوق الإنسان في إيران" و"إهانة إلى القضاء . تحولت صورة ريحانة إلى "أيقونة" يرفعها المدافعون عن حقوق الإنسان كرمز لكل هؤلاء الذين تلتهم أحكام الولي الفقيه حياتهم . لم تتوقع المخرجة الألمانية "شتيفي نيدنزول" أن تؤدي زيارتها إلى إسطنبول ولقاءها مع أفراد من أسرة ريحانة في تركيا الى بلورة مشروع فيلم وثائقي يسرد خلفيات وتفاصيل الحدث . وكان فيلم “سبعة شتاءات في طهران" (2023) الذي يتابع قضية ريحانة من بداياتها عام 2007 في طهران لكن من الخارج، فالمخرجة لم تصوّر في إيران، نظرا لاستحالة الحصول على موافقة السلطات بالتصوير هناك . لا سيما أن تطبيق حكم الإعدام في إيران يثير باستمرار استنكار الهيئات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان ومطالباتها بإلغائه .
كانت ريحانة تعمل مصممة ديكور، وطلب منها القتيل وضع تصميم لعيادته بعد أدعائه بكونه طبيب ، ولكن بعد وصولها إلى المكان، اكتشفت أنه ليس عيادةً بل شقة سكنية، وقام الرجل بإغلاق الباب بالمفتاح عندما كانت ريحانة تستكشف المكان من أجل وضع التصاميم له الذي جاءت من أجله، بعددها، بدأ الرجل بالاقتراب منها والتحرش بها،، عندها استعانت جباري بسكين للدفاع عن نفسها. وقفت أمام المحكمة في شموخ ومعها أدلة قوية تؤكد أنها كانت في موقف دفاع عن الشرف، لكن العدالة خذلتها بعد أن تم إرسال ملف القضية إلى مدينة "قم" ، أدينت ريحانة بتهمة (القتل العمد ) مع سبق الإصرار ، هذا يعني بأن عائلة مرتضى سربندي يحق لها الانتقام من الدم وينفذ أبن القتيل القصاص . على الرغم من ذلك، تواصلت شعلة أم ريحانة مع إبن القتيل في محاولة لإقناعه بمسامحة ابنتها والعفو عنها ، وأشترط تغير إفادة ريحانة ، فيما أصرّت جباري حتى آخر يوم في حياتها على شهادتها .
من الزنزانة بدأ كفاح ريحانة من أجل حقوق المرأة الأيرانية
يتابع فيلم "سبعة فصول شتاء في طهران " محنة عائلة جباري من خلال مقاطع الفيديو والرسائل التي تم الحصول عليها سرا والتي كتبتها ريحانة أثناء وجودها في السجن. يتضمن الفيلم شهادات أصدقاء ريحانة وعائلتها، ومن خلال التعامل مع هذا الموضوع بعناية واهتمام تسعى المخرجة نيدنزول من خلال سرد القصة الملهمة لحياة امرأة فضحت النظام القضائي الذي يحكمه تسلسل هرمي منحاز ويلوثه عدم احترام المرأة . لذلك يستجوب هذا الفيلم الوثائقي القانون الإيراني ويوفر منصة للضحايا الذين لم يتمكنوا من التحدث علنا عن المظالم التي لحقت بهم. تتعرض السجينات الإيرانيات للضرب والأذلال والابتزاز من قبل الشرطة. رغم ذالك ، قامت السجينة ريحانة حملة دفاع عن رفيقاتها السجينات وتوصيل أصواتهنً الى العالم . واهتمت بهنً كما لو كانوا أطفالها خلال سنوات سجنها ، حتى أطلق عليها زملائها السجناء في سجن شهر ري للنساء اسم "الأم" كانت صادقة مع نفسها ، وضعت قالحقيقة فوق حياتها الخاصة ، لذلك، أصبحت رمزا لحقوق المرأة الأيرانية . أعتمد الفيلم على مقاطع فيديو مسجلة سرا ومواد صوتية تم تهريبها من إيران".
خلال سبع سنوات في السجن، تعرضت جباري للتعذيب ومحاولة إجبارها على الاعتراف بقتلها المتعمد . بين فترة وأخرى تزورها عائلتها وتصور اجتماعاتهم ولقاءاتهم سرا وتهريبها بشكل غير قانوني الى خارج إيران ، وكذالك الرسائل التي كتبتها ريحانة من السجن، مع مقابلات صريحة مع والدي وأخوات ريحانة. كانت عائلة ريحانة تقاتل من أجل إطلاق سراحها ، حتى بعد يتم إخبارهم في إمكانية العفو عن ريحانة شرط أن تتراجع عن ادعاءها الاعتداء الجنسي . لكن ريحانة فضلت الموت صادقة على العيش مع كذبة يجبرها المجتمع عليها .
تفضح فيلم للمخرجة الألمانية" ستيفي نيدرزول " قضية الفساد التي تتصف بها المحاكم الإيرانية وعلى وجه الخصوص القرارات الموجهة ضد المرأة . يكشف هذه الفيلم أشياء فظيعة وأحيانا لا تصدق ، على سبيل المثال، ممارسات التعذيب والاستجواب ، أو الجلد الثلاثين التي اضطرت ريحانة إلى تحملها قبل المحاكمة، أو استبدال القاضي بعد أن رأى تناقضات في لائحة الاتهام وأراد إعادة فتح القضية. لكن الشيء الأكثر وحشية هو اعتقال أخت ريحانة البالغة من العمر 14 عاما بتهمة "المساعدة في القتل" المزعومة. وتعرضها للتعذيب لمدة شهرين كي توقع على الاعتراف الكاذب بأنها اشترت سلاح الجريمة بنفسها . هذه القصة المروعة تكشف الظلم وتدين وحشية النظام القانوني الاستبدادي الفاسد في إيران، ويرسم صورة ملفتة للنظر لنضال ريحانة جباري أمام وحشية السجان والنظام . ومن الزنزانة ، كانت تجمع قصص سجيناتها التي وضعتها كتابة لتوثيق التجاهل الصارخ لحقوق المرأة.
في عام 2017، تمكنت الام شعلة باكراڤان من الهروب من إيران ، بعد التهديدات التي تلقتها بسبب حملتهما ضد عقوبة الإعدام مع ابنتها الصغرى شهرزاد واللجوء إلى ألمانيا، وتبعتها شهرزاد بعد عامين، وفي عام 2021 تمكنت شرارة جباري من الالتحاق بهما بينما رفضت السلطات الأمنية منح ألأب فريدون جباري جواز سفر نافذ المفعول ، وثقت شهادته بالفديو عبر الإنترنت. هناك أيضا القليل من تسجيلات الهاتف المحمول ذات الجودة التقنية الرديئة . يتم سرد ملاحظات ريحانة في مذكراتها في السجن من خلال تعليق صوتي تقدمه ممثلة فيلم العنكبوت المقدس" زار أمير إبراهيمي" . عملت المخرجة "تشيفي نيدنزول " على إيجاد الأرضية لتشمل قصص لعدد لا يحصى من النساء الأخريات اللواتي ختمت مصائرهنً من خلال هذه القوانين المجحفة التي وضعتها الحكومة الإيرانية. في النصف الثاني من فيلم نيدنزول، يتحول السرد إلى قصة أم تسعى إلى تحقيق العدالة لابنتها، مع جهود شعلة (عبر الاحتجاجات ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي) في تحشيد الصحافة للتظاهر ضد عقوبة الإعدام . "سبعة فصول باردة في طهران" هو عمل مؤثر في صناعة الأفلام الوثائقية، يظهر للعالم ما يعنيه أن تكون امرأة في إيران الحالية. ولكن لن يتم إسكات أصوات هؤلاء النساء . تنسج نيدنزول هذه المقابلات مع التسجيلات الصوتية لمكالمات العائلة الهاتفية مع ريحانة ورسائل من ريحانة في السجن .
اللحظات بين المرافعة والحكم، لم تسمح السلطة القضائية في إيران أن توكّل العائلة محاميًا لابنتها، كما أن المحامين أنفسهم يتفادون مثل هذه القضايا الحسّاسة التي تطعن بأفراد الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وقد رفض أربعة محامين أن يأخذوا على عاتقهم قضية ريحانة، بين اتصال ريحانة وحديثها مع والدتها وغيابها في الزنزانة، بين شكوى ريحانة من تحوير قضيتها وسعي والدتها إلى تحشيد الرأي العام للقضية، وبين سماع صوت ريحانة للمرة الأخيرة واستلام خبر الإعدام الفعل . كل تلك اللحظات وثقها الفيلم المصوّرةً بكاميرا الهاتف من داخل السجن، من داخل المحكمة، ومن شوارع طهران، بالإضافة إلى تسجيلات صوتية لمكالمات ريحانة من السجن التي تستنجد فيها بعائلتها تارةً، وتحكي لهم القصص من داخل السجن تارةً أخرى . مثل هذه التفاصيل هي التي تجعل "سبعة شتاء في طهران" وثيقة فريدة من نوعها .
قصة من آلاف القصص التي يعيشها الإيرانيون والإيرانيات
قالت المخرجة الألمانية نيدنزول خلال العرض الافتتاحي للفيلم في مهرجان برلين السينمائي في نسخته الثالثة والسبعين "هذه قصة من آلاف القصص التي يعيشها المحكومون والمحكومات بالإعدام مع أهلهم، بالإضافة إلى كونها قصة النساء وتعرّضهن للاغتصاب والتحرش الجنسي وعدم قدرتهن على الوصول إلى العدالة المرجوة "، وقالت "شعلة باكراڤان" والدة ريحانة خلال حفل الافتتاح : "لن تعود ابنتي إلى هذا العالم مرةً أخرى، ولكن هناك الكثيرات في إيران اللواتي ينتظرنً حكم الإعدام. اعملوا شيئاً لأجلهم". وتنشط "شعلة باكراڤان" اليوم من المنفى في لفت الانتباه إلى قضايا النساء في إيران والعمل على إلغاء أحكام الإعدام. أما الممثلة الإيرانية زار أمير إبراهيمي، التي سجلت صوت ريحانة طوال الفيلم، فقالت: " ليست فقط قصة ريحانة التي شاهدناها معاً بل هناك الآلاف . أتمنى يوماً أن نصل إلى نهاية هذا النظام، نظام القتل والاستهداف الذي يستهدفنا جميعاً وخاصةً النساء ". كل الجهود الدولية لم تنجح . نفذ حكم الإعدام في 25 أكتوبر 2014 وأصبحت رمز للشجاعة في مقاومة نظام الملالي، ونظمت مسيرات التضامن والاحتجاج ضد نظامٍ يحمل في صميمه كراهية للنساء.
الى جانب هذا الفيلم هناك كتاب بعنوان " كيف تصبح فراشة " كتبته شعلة عن أبنتها ريحانة جباري الذي نشرته دار نشر في برلين هذا العام . قد تكون فصول الشتاء السبعة في طهران مرآة لعيوب النظام القضائي الإيراني، ولكن شجاعة ريحانة التي أصبحت أيقونة ورمزا لحقوق المرأة في إيران في النهاية نستمع لصرخة ريحانة: "أريد أن أرفع صوتي لجميع النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب أو التهديد ". ترحل ريحانة وتترك وصيتها لولدتها شعلة تقول فيها - "لا أريد لقلبي الشاب أن يتحول ترابا "وأوصت بالتبرع بأعضائها كل ما يمكن زرعه في جسد آخر إلى شخص يحتاج إليهم .
(*) كاتب عراقي \ مقيم في المملكة المتحدة